يدخل العراق العام الجديد بتفجيرات وأحداث أمنية كبيرة، في استمرار لموجة العنف المتواصلة منذ أعوام طويلة، والصادمة طائفية في كثير من الأحيان. حيث أعلنت الأمم المتحدة في تقرير لها نشر الليلة الماضية، أن عدد المدنيين الذين قتلوا في أعمال العنف الدائرة في العراق عام 2016 بلغ 6878 قتيلا.
وذكرت بعثة المساعدة الدولية للعراق التابعة للمنظمة في بيانها أن عدد المدنيين المصابين في أعمال العنف التي شهدتها البلاد العام الماضي بلغ 12 ألفًا و388 مصابًا. واعتبرت الأرقام الواردة في بيانها بشأن عدد الضحايا تمثل “متوسط” القتلى والمصابين، مشيرة إلى سقوط ضحايا آخرين بسبب افتقادهم الغذاء والماء والدواء والرعاية الطبية، أو لعدم قدرتها الوصول إلى كافة المناطق التي راح فيها مدنيون ضحايا للعنف.
هذه الأرقام الكبيرة، قابلها أحداث أمنية كبيرة في الأيام الأولى من العام الجديد، حيث وقع تفجير انتحاري استهدف مدينة الصدر في بغداد والذي أودى بحياة 32 شخصًا وإصابة 61 آخرين، والذي تبناه تنظيم “داعش” في بيان له أمس.
تفجيرات مدينة الصدر شرق بغداد
وقالت مصادر في الشرطة العراقية إن “سيارة مفخخة انفجرت في ساحة 55 ضمن مدينة الصدر شرقي بغداد”. وأضافت أن “سيارات الإسعاف هرعت إلى المكان وسط أنباء عن سقوط ضحايا”، مبينة أن “قوة أمنية طوقت المنطقة”.
كما أعلنت قيادة عمليات بغداد أمس، عن انفجار سيارتين مفخختين استهدفتا مستشفيين شرقي العاصمة، مشيرة إلى سقوط عدد من المواطنين بين قتيل ومصاب.
وقال المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد العميد سعد معن، في بيان مقتضب إن “سيارة مفخخة كانت مركونة خلف مستشفى الكندي، قرب شارع فلسطين، شرقي بغداد، انفجرت مستهدفة تجمعا للمواطنين”.
وأضاف أن “سيارة مفخخة ثانية كانت مركونة خلف مستشفى الجوادر، في مدينة الصدر، شرقي بغداد، انفجرت مستهدفة تجمعًا للمواطنين أيضًا”، مشيرًا إلى أن “الانفجارين أسفرا عن سقوط ضحايا من المدنيين لم يعرف عددهم بعد”. وفي وقت سابق من السبت، قتلت 3 تفجيرات 29 شخصا في أنحاء بغداد، كما قتل 7 من رجال الشرطة بهجوم قرب مدينة النجف في جنوب العراق يوم الأحد.
حظر تجوال في سامراء بعد يوم عصيب
إلى ذلك، فقد استعادت القوات الأمنية العراقية مساء أمس الاثنين السيطرة على مركزي شرطة الكرامة والمتوكل في مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين، بعدما قتلت المهاجمين الذين اقتحموهما في وقت سابق.
الشرطة العراقية في سامراء
وقد قتل سبعة أشخاص في العملية، بينما تمكنت القوات العراقية من تحرير خمسة شرطيين -بينهم ضابط برتبة مقدم- كان المسلحون يحتجزونهم رهائن.
وكان مسلحون يرتدون سترات ناسفة قد اقتحموا مركزين للشرطة في مدينة سامراء وسيطروا عليهما. وسرعان ما أعلن تنظيم الدولة الاسلامية مسؤوليته عن الهجوم عبر وكالة اعماق التابعة له. وبعد عمليتي الاقتحام أعلنت السلطات العراقية حظر التجول في المدينة، واستدعت تعزيزات عسكرية لمحاصرة المسلحين.
هل يكون أعداء الأمس أصدقاء اليوم؟
هذا كله ليس ببعيد عما يدور في أروقة الساسة والغرف المغلقة لأصحاب القرار، حيث نقلت مصادر إعلامية متعددة عن إصدار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قبل يومين، قرارً بضم “حرس نينوى” –السني- والذي يقوده أثيل النجيفي إلى هيئة الحشد الشعبي –الشيعي- في انتظار صدور قرار رسمي بذلك.
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء إن “المتطوعين ضمن حرس نينوى يقاتلون حاليًا إلى جانب القوات العراقية وتحت إمرتها منذ انطلاق معارك الموصل، مضيفًا أنه لا يستطيع تأكيد أو نفي صدور قرار رسمي بضمهم إلى هيئة الحشد”.
يشار إلى أن البرلمان العراقي أقر بالأغلبية في الشهر الماضي قانون الحشد الشعبي الذي يجعل منه هيئة رديفة للجيش العراقي، وهو ما أثار استياء مكونات عراقية أخرى.
قيادات الحشد الشعبي
مليشيات الحشد الشعبي -وهي قوات نظامية عراقية معظمها من الشيعة ومؤلفة من نحو 67 فصيلا- اُتهمت قبل الأن بارتكاب انتهاكات في مناطق مختلفة من العراق، وقد أصدرت عدة منظمات حقوقية ودولية تحذيرات من هذه الانتهاكات.
وكانت حرب من الاتهامات المتبادلة بين “حرس نينوى” و”الحشد الشعبي”، قد عرقلت في السابق ضم الفريقين تحت مظلة واحدة، حيث تهم النجيفي سابقًا الجنرال الإيراني قاسم سليماني بعرقة ضم “حرس نينوى” أو ما كان يسمى سابقًا بالحشد الوطني، إلى الحشد الشعبي الشيعي، وقد قال النجيفي في تصريحات إعلامية قبل نحو 3 أسابيع، أن “هناك نوع من العراقيل التي تضعها بعض المؤسسات في بغداد لإبعاد قوة حقيقية من أهل نينوى، لأنها لا تريد أن تكون للسنة قوة عسكرية تقاد من قبل جهة سياسية سنية”.
أثيل النجيفي
كما انتقد اليوم مستشار الأمن القومي في الحكومة العراقية القيادي الشيعي موفق الربيعي، ادراج مقاتلي حرس نينوى في هيئة الحشد الشعبي، واعتبره أمرًا مستغربًا.
وقال الربيعي في تصريحات صحفية “إن إدراج مقاتلي حرس نينوى في هيئة الحشد الشعبي يعد أمرًا مستغربًا من حيث مساواة مقاتلي الحرس ومستحقاتهم مع استحقاقات من ذرف الدماء والتضحيات وأعطى الشهداء من أجل إعادة الارض”، بحسب تعبيره.
وتساءل الربيعي قائلًا: “هل إن إدراج هؤلاء المقاتلين في هيئة الحشد الشعبي يبطل مذكرة إلقاء القبض بحق قائدهم أثيل النجيفي الذي مازال متهما بالتخابر مع دولة أجنبية”، في إشارة منه إلى ما نشر عن دعم تركيا لحرس نينوى.
يذكر أن الحشد الوطني كان قد أسسه أثيل النجيفي للمشاركة في عملية إستعادة نينوى، وقام بتدريبه القوات التركية، وأعلن النجيفي عن تغيير اسم الحشد الوطني إلى “حرس نينوى” في أكتوبر الماضي، وذلك قبل بدء عملية استعادة الموصل.
أردوغان والعبادي.. محاولة للتقارب من جديد
بعد الذي وقع بينهما في أكتوبر الماضي من تراشق للاتهامات المتبادلة، حيث كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هاجم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي معتبرًا أن العراق غير قادر بمفرده على دحر تنظيم “الدولة الإسلامية” من الموصل، وذلك ردًا على ما كان يقوله العبادي أنه لن يسمح بمشاركة القوات التركية في معركة الموصل، حتى أن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي أيضًا كان قد اتهم تركيا بالتلاعب بما أسماه “تكوين الموصل وحدودها”، ومن خلفه تيارات شيعية كثيرة، هاجمت تركيا وأردوغان على الخلفية ذاتها.
أردوغان والعبادي في أنقرة قبل نحو عامين
ها هم الطرفين –أردوغان والعبادي- يشددان في اتصال هاتفي قبل نحو 3 أيام، على أهمية الاستمرار بمكافحة المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا عبر التكاتف والتعاون.
ونقلت وسائل إعلام إبلاغ أردوغان للعبادي أن “وحدة واستقرار دول الجوار أولوية عليا لديه”، لافتًا إلى أن “تركيا تتطلع إلى نصر عراقي قريب جدًا في الموصل بالحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية”، في الوقت الذي أكد فيه أردوغان والعبادي على ضرورة تعزيز الحوار المباشر بينهما.
وتطرق المسؤولان إلى الزيارة التي يخطط رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم القيام بها للعاصمة العراقية بغداد خلال الأيام القادمة، وقالا إنها فرصة مهمة لتبادل وجهات النظر وتعزيز العلاقات الثنائية.
إلى ذلك، ذكرت وكالة الأنباء الألمانية أن العبادي ذكر أن أردوغان أعرب عن دعم بلاده للعراق وتأكيدها على سيادته ووحدة أراضيه، كما شدد رئيس الوزراء العراقي على أهمية سيادة بلاده وإزالة أسباب التوتر في أسرع وقت، وحلها بالطرق المؤدية لتركيز الجهود على محاربة الإرهاب والتعاون في مختلف الأصعدة.
هذه المحادثة التي تأتي بعد أشهر من توتر العلاقات والتصعيد الكلامي بين البلدين بلغ ذروته في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي بسبب رفض بغداد مشاركة أنقرة في معركة الموصل، هل تفضي لعلاقة جديدة بين الطرفين، وهل ستسمح القوى الشيعية بذلك، والتي طالما اتهمت العبادي بالخضوع والضعف أمام الأتراك وتدخلهم في العراق؟