أعلن يوم السبت 31 من ديسمبر 2016 الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح رفضه لأي حوار يقوم على أساس المرجعيات الثلاثة التي يدعو إليها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المعترف به دوليًا والمملكة العربية السعودية لإنهاء الحرب في اليمن.
والمرجعيات الثلاثة هي (المبادرة الخليجية التي بموجبها تنحى الرئيس اليمني السابق عن الحكم بعد إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في 2012 والحوار الوطني الذي أعقب الانتخابات الرئاسية وقرار مجلس الأمن الدولي 2216).
واعتبر صالح في مقال نشره على صفحته الرسمية في الفيس بوك، أن الحديث عن “الدولة الاتحادية” أو مخرجات الحوار والأقاليم أو المبادرة الخليجية والقرار الأممي 2216، مصطلحات لم يعد الحديث عنها أو المطالبة بتحقيقها سوى استفزاز لمشاعر اليمنيين وخيانة للدماء التي سالت ولكل المبادئ والقيم.
جاء حديث صالح قبل أيام قليلة من استئناف المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد تحركاته واتصالاته للأطراف اليمنية من أجل إعادتهم إلى طاولة الحوار مرة أخرى بغية تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة على السلطة ومن ثم إحلال السلام في البلد الذي يعاني من أزمات إنسانية واقتصادية صعبة، تجعله دولة فاشلة بامتياز.
هل صالح جاد فيما يقول؟
بالنظر إلى توقيت حديثه، فإنه جاء بعد الأخبار المتواترة التي تقول إن ولد الشيخ سيبدأ هذا الأسبوع اتصالاته مع الأطراف اليمنية لاستئناف محادثات السلام استنادًا إلى خطة “السلام المعدلة” والتي سوف تسلم بصورة رسمية إلى طرفي النزاع للحصول على موافقة هذه الأطراف وتسمية ممثليهم في اللجنة العسكرية التي ستتولى إحياء اتفاق وقف إطلاق النار وتثبيته.
لا يمكن أن يبقى اليمن أسير مجموعة اسمها “أنصار الله” تعتقد أنّ التخلف يمكن أن يحل مشاكل البلد، ومجموعة أخرى اسمها “الشرعية” ترفض الاعتراف بأن أيامها ولّت وأن الأحداث تجاوزت كل رموزها
أما تفاصيل الخطة المعدلة، فهي تدعو الحوثيين وقوات الجيش الموالي للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بالانسحاب من المنطقة (أ) وهي تعز والحديدة وصنعاء والحديدة وذمار وصعدة، وتسليم الأسلحة المنهوبة وتسليم الصواريخ البالستية لطرف ثالث قبل الانتقال إلى المسار السياسي، وتشكيل حكومة “وحدة وطنية” مع احتفاظ الرئيس المدعوم دوليًا بمنصبه حتى إجراء انتخابات رئاسية.
وهذه الخطة المعدلة التي جاءت وفقًا لرغبات الرئيس هادي والمملكة العربية السعودية التي تورطت في المستنقع اليمني، تنسف كل الجهود السابقة التي توصلت الأمم المتحدة مع الحوثيين وصالح إلى نقطة الموافقة على المبادرة السابقة التي تحث على أن يكون الحل السياسي والعسكري متزامنًا، وفقًا لمبادرة جون كيري التي أعلنها في الـ25 من أغسطس 2016 بالمؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره السعودي عادل الجبير، المبلورة من قبل “ولد الشيخ” لمبادرة أممية.
وهو ما يؤكد حديث صالح، وكذا بعض القيادات الحوثية أن تعديلها يعني إشارة لاستمرار الحرب لعام ثالث، ولن يقبلوا إلا بالحل “الشامل والعادل”.
لا ينكر أحد أن صالح أحد السياسيين الدهاة في المنطقة، ولهذا يؤمن به أتباعه وأحيانًا الحوثيين لعلمهم أنه بخبرته السياسية يستطيع مجاراة التحالف العربي بقيادة السعودية، وإيصالهم إلى النقطة القريبة من أهدافه، ويخشاه أيضًا خصومه، ولهذا حديثه في الوقت الحالي له دلالات.
أولًا: قد يكون جادًا في حديثه، وهو يسعى لتقوية عزيمة المقاتلين في الجبهات وما وراء الحدود الذين يكبدون السعودية خسائر يومية في جازان ونجران وعسير، واتخذوا من تلك المحافظات السعودية حرب استنزاف قد تنهك المملكة العربية السعودية.
صالح في أحد اجتماعاته مع زعماء قبائل الطوق
وما يؤكد ذلك تحركه المثير للجدل بين أوساط القبائل اليمنية (قبائل طوق صنعاء) والاجتماعات شبه اليومية مع زعمائها، والتي أثبتت حتى الآن أنها تمثل رقمًا مهمًا في ترجيح كفة المعركة بوقوفها سدًا منيعًا من سقوط “نهم” البوابة الشرقية للعاصمة اليمنية صنعاء.
ثانيًا: حديث صالح جاء قبل أيام قليلة من استئناف المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد اتصالاته مع أطراف النزاع، كأساس للتفاوض ورفض التعديلات التي يسعى لإجرائها الرئيس اليمني المدعوم دوليًا عبد ربه، والحديث عن المرجعيات هي مناورة سياسية لتحسين شروط التفاوض أو تغير مساره والحوار المباشر مع الرياض، لأن استمرار الحرب ليست في صالحه أو لصالح المواطن اليمني، لا سيما أن التقارير الدولية تُجمع أن اليمن يتجه لما بعد الصوملة، واحتياجات الناس للغذاء والشرب، وهناك على سبيل المثال وليس الحصر تسعة عشر مليون يمني في حاجة إلى ماء صالحة للشرب، وهناك ما يزيد على أربعة عشر مليون يمني لا يحصلون على ما يكفي من غذاء، هذه الأرقام كفيلة بأن تجبره أن يمد يده للسلام مع المملكة العربية السعودية ومن ثم خصومه في الداخل، وما حديثه ذلك إلا مناورة سياسية معروف بها.
انتهاء المرجعيات الثلاثة
عندما تحدث صالح عن انتهاء المرجعيات الثلاثة، هو بذلك يريد أن ينجح في مساعيه التي يدعو إليها في كل خطاباته وهو الحوار المباشر مع المملكة العربية السعودية، وإعادة علاقته معها كما كانت مع الملك عبد الله وقبله الملك فهد بن عبد العزيز، والتخلي عن الرئيس اليمني المعترف به دوليًا لا سيما أن التحالف عجز عن إعادته إلى الحكم في صنعاء بعد 21 شهرًا من الحرب الشرسة.
وعند قراءة المشكلة من جذورها، والمتغيرات التي بدأت في فبراير 2011 بثورة الشباب، مع تخوف الجيران بأن تندلع حرب أهلية طاحنة بالنظر إلى كمية الأسلحة التي تفوق 68 مليون قطعة سلاح في حوزة الأشخاص وحدهم، ما يؤثر على استقرار بلدانهم، جاءت مبادرة مجلس التعاون الخليجي التي قبل بها الأطراف كافة، والتي بموجبها دعا صالح إلى انتخابات رئاسية على مرشح واحد (تزكية) وهو نائبه عبد ربه منصور هادي، ليكون رئيسًا توافقيًا يشرف على حوار وطني وكتابة دستور جديد في غضون عامين، وبعدها يدعو إلى انتخابات رئاسية.
تلك المبادرة الخليجية جعلت كل القرارات اليمنية سواء من قبل السلطات التشريعية أو التنفيذية قرارات توافقية، تسقط دون موافقة أحد الأطراف الفاعلة (حزب المؤتمر الشعبي العام اللقاء المشترك الرئيس وممثلي شباب ثورة فبراير).
كانت الأمور تسير بشكل سليم إلى أن وصلت إلى فبراير 2014 وهو الموعد التي حددته المبادرة الخليجية للرئيس هادي بأن يدعو إلى انتخابات رئاسية وانتهاء فترته الانتقالية، لكنه مارس الضغط على “أعضاء في الحوار الوطني” ليمددوا له الرئاسة دون أن يمتلكوا أي صفة دستورية لعام آخر.
إحدى الجلسات الختامية لمؤتمر الحوار الوطني في اليمن
وفي فبراير 2014، وهي بداية الخروج عن المبادرة الخليجية والإطاحة بها، إذ مدّد أعضاء الحوار الوطني، دون امتلاكهم لأي صفة دستورية، الفترة الرئاسية للرئيس هادي لعام آخر، بعد وعده لهم علنًا وأمام الكاميرات بأنه سيعيّنهم في هيئات “مخرَجات الحوار الوطني” بمجرد إنهائهم مؤتمر الحوار الوطني والموافقة على مخرجاته والتمديد له لعام آخر، وعلى غرار ذلك رحّب المجتمع الدولي بهذا “التمديد” والانتهاك للدستور والمبادرة الخليجية.
رفض المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وكذلك الحوثيون واعتبروه تجاوزًا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي التي اعتبرت أن كل القرارات توافقية، ومن هنا بدأت المشكلة التي وصلت إلى الوضع الحالي.
إضافة إلى ذلك، الحرب التي شنتها دول مجلس التعاون الخليجي على اليمن، كانت كفيلة للبرلمان اليمني أن يلغي مبادرة مجلس التعاون الخليجي في 13 من أغسطس 2016.
أما مخرجات الحوار الوطني لم يتم الاتفاق عليها بشكل جماعي، حيث انسحب الحوثيون من التوقيع على الوثيقة النهائية احتجاجًا على الخريطة التي بموجبها تشكل اليمن كدولة اتحادية، وكذلك رفض المؤتمر الشعبي العام الطريقة ذاتها التي اعتبرها خطرًا يهدد وحدة اليمن، وهي مقدمة لتكوين دويلات يمنية، مطالبًا بإعادة صياغتها بحيث تتوزع الأقاليم بشكل عادل، وهنا أيضًا لم يلتزم الرئيس هادي بمعارضة (الحوثيين وصالح) بل سعى إلى تنفيذها، وهو ما جعل الحوثيين يعتقلون مدير مكتبه الذي كان في طريقة إلى مؤتمر الحوار لإعلان جوازها والعمل بها عنوة، ومن ثم تفاقمت الأوضاع السياسية في البلاد.
أما القرار الأممي 2216، فيعتبره صالح قرار حرب عن سابق إصرار وتعمّد، وعلى الرغم من ذلك، حقق الحوثيون جزءًا منه، وهو انسحاب بعض مليشاتهم من المؤسسات الحكومية وإلغاء الإعلان الدستوري، لكن ما زالت “لجانهم الثورية” تقف حجر عثرة أمام “حكومة الإنقاذ” التي تشكلت بالمناصفة بين حليفي الداخل، ولذلك يعتبرها صالح غير ملزمة.
ما الحلول إذًا؟
لا يمكن أن يبقى اليمن أسير مجموعة اسمها “أنصار الله” تعتقد أن التخلف يمكن أن يحل مشاكل البلد، ومجموعة أخرى اسمها “الشرعية” ترفض الاعتراف بأن أيامها ولّت وأن الأحداث تجاوزت كل رموزها، خصوصًا بعد عجزها عن تحقيق أي تغيير، ذي طابع عسكري، على الأرض اليمنية منذ أشهر طويلة.
المرجعيات الثلاثة هي المبادرة الخليجية التي بموجبها تنحى الرئيس اليمني السابق عن الحكم بعد إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في 2012 والحوار الوطني الذي أعقب الانتخابات الرئاسية وقرار مجلس الأمن الدولي 2216
ولا يمكن بطبيعة الحال أن تستمر الحرب في اليمن إلى الأبد، فهناك الكثير من العوامل التي سوف تفرض انتهاءها على رأسها إنهاك جميع أطرافها، على الأقل الأطراف التي بدأت الحرب، في ظل وجود أزمات بينية بينهم أدت إلى تضعضُع التحالف الذي بدأها على المستوى الإقليمي، مع تبايُن مقاصد وأهداف أطراف هذا التحالف، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية التي تواجه السعودية ودول الخليج الأخرى التي تدعم التحالف الراهن الذي يحارب في اليمن.
على المجتمع الدولي أن يكون فاعلًا وقبله العربي في الضغط على أطراف الصراع اليمني لتقديم تنازلات للوصول إلى حل شامل وعادل يقوم على أساس تكوين حكومة وحدة وطنية توافقية تدير مرحلة انتقالية لمدة عامين كحد أقصى مع الحفاظ على مصالح كل الأطراف حتى لا تظل سببًا للإعاقة.
وإجراء مصالحة وطنية داخلية، ومصالحة بين اليمن والإقليم حتى تضمد الجراح ولا تبقى هناك ثارات أجيال.
الالتفات إلى إنجاز برنامج لإعادة الإعمار تتحمله دول الخليج وتلتزم بتنفيذه، ويساعد فيه المجتمع الدولي وأن تعيد دول الخليج نظرتها لليمن من الإقصاء والتهميش إلى الاحتواء والمساعدة.
وإعادة بناء الجيش على أساس وطني وعلمي ومهني بعيدًا عن المحاصصة أو العشوائية أو التسيب مع الأخذ في الاعتبار الكفاءات والخبرات والقدرات الموجودة وعدم إقصائها أو إلغائها.
الخلاصة
رفض صالح لأي حوار يقوم على أساس “المرجعيات الثلاثة” يبدو أنه رفضًا للتعديلات التي يسعى عبد ربه إجرائها، وهي أيضًا مناورة سياسية لتحسين شروط التفاوض.
ولن تحل الأزمة في اليمن إلا بضغط دولي على جميع الأطراف وبحد سواء لتقديم تنازلات والقبول بتسوية سياسية شاملة تخدم جميع اليمنيين، والالتفات لمحاربة الإرهاب الذي يستغل الأوضاع المأساوية في اليمن لتمكين نفسه ومن ثم النهوض بقوة يصعب محاربته فيما بعد.