ترجمة وتحرير نون بوست
على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية انتخبت مؤخرًا رئيسًا جديدًا، فإن وعد هذا الرئيس بجعل أمريكا عظيمة “مرة أخرى” أثار ماضيًا غير محدد، ويُفترض أن يكون هذا الماضي أكثر مجدًا، وتجدر الإشارة إلى أن تقدير الأمريكيين لقيمة تاريخهم، خاصة الفصول المثيرة للجدل، أصبح محدودًا جدًا.
لا يمكن أن ننكر التاريخ الطويل للعنف العرقي في الولايات المتحدة، لكن ذلك الجزء من التاريخ عادة ما يتم مسحه من الاحتفالات العامة، وفي المقابل، يتم الاحتفال بانتصارات الحقوق المدنية، ولا يوجد أي اعتراف بالعنف الذي سبق هذه الانتصارات.
بهدف مواجهة واستعادة التاريخ، أطلقت منظمة “مبادرة المساواة في العدل” والتي يرأسها المحامي في مجال الحقوق المدنية والمؤلف بريان ستيفنسون، مبادرتها التي أطلقت عليها اسم “الإعدام دون محاكمة في الولايات المتحدة”، وتتمثل هذه المبادرة في بذل جهد لسنوات طويلة تم فيها تجميع سجلّ لجرائم القتل العنصري تحت حكم الإعدام دون محاكمة بين سنتي 1877 و1950، ويحوي المشروع تقريرًا مفصلاً لأكثر من 4000 حلة إعدام دون محاكمة في 12 ولاية جنوبية، بما في ذلك 800 جريمة لم يتم ضمها للسجلات، فضلاً عن خطط لإنشاء متحف في مونتغمري، ومحاولة وضع علامات في الأماكن التي نُفذت فيها عمليات الإعدام دون محاكمة.
واجهت هذه الجهود مقاومة عدة مسؤولين محليين، إلا أن ستيفنسون يعتبر هذه المقاومة دليلاً على الحاجة الملحة لحوار عام وتقييم صادق لعنصرية الماضي التي لا زالت موجودة في الحاضر.
في وقت سابق من هذه السنة، دمر مخربون لافتة وُضعت في الموقع الذي عُثر فيه على جثة “إيميت تل” في مسيسيبي سنة 1955، وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر، وقّع الرئيس أوباما على إعادة تفويض لقانون “إيميت تل” الذي يوجه وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي لمواصلة التحقيق في جرائم الكراهية.
بالنسبة لستيفنسون وأولئك الذين يكافحون لتعزيز الوعي بالتاريخ العنصري للبلاد، فإن الأمر لا يتعلق بالتاريخ فقط، فمنذ انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر، وثّق “مركز قانون الحاجة الجنوبي” 1094 حادثة كراهية في جميع أنحاء البلاد، لكن مع تضاعف مظاهر العنصرية في البلاد، تراجعت محاولة التصدي لها، بعد فترة وجيزة من الانتخابات، تحدثت الإنترسب مع ستيفنسون عن فشل الولايات المتحدة في التصالح مع ماضيها، وبالتالي مع حاضرها.
- أتت هذه المبادرة بسبب عدم وجود نصب تذكارية لآلاف الأمريكيين الذين أُعدموا، وحجتك هي أننا لا يمكن أن نتقدم إلى الأمام إن لم نستفد من هذا التاريخ ومن المؤكد أن العنف لم يُنس، على الأقل بالنسبة للضحايا ولأحفادهم وبالنسبة للعنصريين اليوم، ففي الأشهر القليلة الماضية، رأينا في مباريات كرة القدم أناسًا يرتدون زيّ الرئيس أوباما الذي وضع حبل مشنقة حول عنقه، وشهدنا أيضًا حادثة إضافة طالب أسود البشرة من جامعة ولاية بنسلفانيا إلى حساب في موقع تواصل اجتماعي يحتوي على روزنامة “إعدام يومي” وصور لجثث تتدلى من الأشجار.
لا يوجد شك في أنه هناك وعي بتاريخ العبودية والإرهاب والعزل في بلادنا، لكن ذلك لا يعني أن هناك تقدير لأهمية هذا التاريخ، وعادة ما يتمسك الناس بذلك التاريخ بطريقة قمعية ومتعصبة وإشكالية، وذلك لأنه لا يوجد أي تقدير لأهميته.
يهدف جزء من عملنا إلى محاولة نشر الوعي والفهم بأن تاريخ العنصرية وعدم المساواة العرقية لا يزال مخيمًا على بلادنا، الأمر الذي خلق خطابًا يمجّد الاختلاف العرقي، ونجحت هذه الخطابات في التأثير علينا، وسمحت لنا أن برؤية العالم من خلال عدسة ذلك الاختلاف، لذلك، فإنه من الضروري أن نتحدث عن التاريخ، إذا أردنا أن نصبح أحرارًا.
وهذا ما يحاول مشروعنا القيام به، نريد أن يكون هناك اعترافًا بأننا مجتمع ما بعد الإبادة الجماعية، وأن المستوطنين البيض عندما جاؤوا إلى هذه القارة، كان هناك ملايين السكان الأصليين الذي قُتلوا بسبب المجاعة والحرب والأمراض، يجب أن يكون هناك اعترافًا أيضًا بأننا أجبرناهم على مغادرة أرضهم، بطرق همجية وقاسية، لكن عوض الاعتراف بهذه الإبادة الجماعية، قلنا “لا، هؤلاء الناس مختلفون، ليسوا أناسًا حقا، إنهم متوحشون”، واستعملنا مثل هذه الكلمات التي تنطوي على اختلافات عرقية لأجل تبرير سلوكنا المروع، لكن هذه الكلمات هي نفسها التي وُظفت لتبرير قرون من الاستعباد.
بالنسبة لي، لا يتعلق الشر العظيم للعبودية الأمريكية بالاستعباد والعمل غير الطوعي، بل أيضًا بخطاب الاختلاف العرقي، فمن وجهة نظري، لم تنته العبودية سنة 1865، بل تطورت، ثم تحولت إلى عقود من الإرهاب والعنف الموجه ضد غير البيض، وفي الحقيقة، إن هذا الإرهاب لديه آثار عميقة على مجموعة من القضايا المعاصرة: المدن الشمالية والغربية والمعازل وتحويل ملايين السود إلى هذه المناطق.
إن السود الذين يعيشون في كليفلاند وشيكاغو وديترويت وبوسطن ومينيابوليس ولوس أنجلوس وأوكلاند لم يذهبوا إلى هذه المدن لإيجاد فرص اقتصادية أفضل، بل ذهبوا هناك كلاجئين ومنفيين فارين من الإرهاب الموجود في جنوب الولايات المتحدة، لذلك، يجب إعادة النظر في هذا الإرث إن كنا نريد فهمًا ملائمًا للإعدام دون محاكمة، أو حتى للغة المتعلقة بالحرب الأهلية ولمقاومة التحرر والانعتاق.
حتى في سياق الحقوق المدنية، نحن عادة ما نركز على بطولة زعماء الحقوق المدنية دون التركيز على المقاومة الشديدة التي مارسها الزعماء السياسيون البيض، وهذا ما نحاول نحن فعله: محاولة إدماج هذه البلاد في محاسبة أكثر صدقًا لمعنى المجتمع العبودي، ومعنى مكان شهد حدثًا إرهابيًا أو إبادة جماعية، ومعنى أن تكون دولة تمييز عنصري لعقود.
إن كنا نحظى بمثل هذا التقدير، فإن كل شيء سيتغير، ولن نكون قادرين على الاحتفال بعيد ميلاد جيفرسون ديفيس كعيد وطني، كما نفعل في ألاباما، أو الاحتفال بيوم الذكرى الكونفدرالية أو يوم “روبرت إي لي” دون أن يُنظر إلينا، كأننا لا نقبل فكرة أن العبودية أمر خاطئ، ومن غير المعقول أن تكون هناك احتفالات بعيد ميلاد أدولف هتلر في ألمانيا.
- قوبلت جهودكم لوضع لافتات في أماكن شاهدة على العنف العنصري، مثل إحياء ذكرى سوق الرق في مونتغمري، بمقاومة شديدة من قبل القادة المحليين، هل ينكرون أن هذا التاريخ حقيقي؟
إنهم ينكرون ذلك، ويقولون إن العبودية كانت أمرًا رائعًا للسود، والحرب الأهلية كانت تتعلق بحقوق الولايات، فقد كان السود يحظون بمعاملة جيدة خلال فترة الاستعباد، أما الإعدام فلم يكن سوى عدالة صارمة، كان جميعهم مجرمين يستحقون العقاب المميت، وكان السود أفضل حالاً في مدارس منفصلة، أردنا فقط أن يكون كل منا في منطقته، إن قول الحقيقة قد يدفع بعض الناس إلى محاولة النفي والإنكار، وإن لم يكن هناك إنكارًا كاملاً، لا يمكن أن يكون هناك أي عار، وقد يصبح من الصعب العثور على أي شيء يشبه التعبير العلني عن عار العبودية أو الإعدام أو التمييز.
عندما نتحدث عن التاريخ، يجد الناس صعوبة في إنكاره، بل يكتفون بعدم مناقشته أو استيعابه، وعندما حاولنا وضع علامات في وسط مدينة مونتغمري، قال مسؤولون محليون إن الأمر سيكون “مثيرًا للجدل”، لكنهم لم ينكروا حدوث ذلك، بل قالوا إنه سيكون مثيرًا للجدل ومقلقًا وغير مريح للناس إن ذكرناهم بالعبودية، وذلك رغم وجود 59 علامة ومعالم كونفدرالية في نفس المكان.
- أنت تقول إن فهم التاريخ أمر ضروري لفهم أفعال العنصرية والكره العلني التي تحدث اليوم، وهو أمر ضروري أيضًا لفهم الطرق التي أصبحت من خلالها العنصرية مرسخة تقريبًا في كل جانب من جوانب مجتمعنا، هل تم إضفاء الطابع المؤسساتي على خطاب الاختلاف العرقي؟
أنا لا أعتقد أن هناك شك في فَشَلنا في التعامل بصدق مع هذا التاريخ، وهو ما جعلنا عرضة للتسامح مع التحيز والتمييز في كل قطاع تقريبًا.
ولا يتعلق الأمر بالتصرفات العلنية التي نراها في الجامعات فقط، رغم أنني أعتقد أن هذه الأمور تُعد إحدى التجليات المباشرة لهذه الظاهرة، ويتعلق الأمر أيضًا بمكتب إحصائيات وزارة العدل الذي قال إن ثلث الأطفال الذكور من السود قد ينتهي بهم المطاف في السجن، لكن لم يهتم أحد بمثل هذا الأمر.
هذه ليست سياسية أو قضية سياسية يتحدث عنها قادتنا، حيث إن هناك دائمًا فرضية خطيرة مرتبطة بالأشخاص السود، هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية، فنحن نتسامح مع التحيز والتمييز بطرق قد لا نقبلها إذا كان مؤشر العار المتعلق بتاريخنا مرتفعًا.
وليس هناك أي مجال للشك، أن هذا مثال جلي لشيطنة الناس وفقًا لأسباب عرقية أو دينية أو لاعتبارات مختلفة، لكنها تتجلى أيضًا في مظاهر أخرى، ويتجسد الفشل في مواجهة التاريخ في أكبر جامعتين في مونتغمري وهما “روبرت إي لي” و”جفرسون دايفيس”، كما يظهر هذا الفشل في سعي الناس لحذف بند حق التصويت.
من جانب آخر، يتضايق آخرون عندما يقع التطرق إلى التحامل والتمييز في المجتمع، وذلك لسبب بسيط يقوم على اعتقادهم بأن ما نناقشه هو انعكاس للفهم الخاطئ للتاريخ، وأعتقد أنه من الصعب أن نجد شيئًا لم يتأثر بالمعالجة السيئة للتاريخ.
في الحقيقة، لا أستطيع كشف أوجه عديدة من حياتنا لم تلازمها لعنة عدم المساواة العرقية من جوانب مختلفة ثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا.
- إن الخطاب الانتخابي الحاقد ونتيجة الاقتراع في حد ذاتها قد صدمت العديد ممن يعتقدون أن هذا البلد لم يعد عنصريًا، أتعتقد أن هذا المأزق يعود إلى تاريخ متتابع لم يتم تأويله جيدًا؟
أعتقد أننا نشهد استغلالاً للاحتقان العرقي والمذهبي من أجل فرض السيطرة، وهو ما لم نشهده من قبل على المستوى الوطني، أنا أقطن في ألاباما، ولا أرى شيئًا استثنائيًا يميز الانتخابات الأخيرة، عندما تكون من سكان ألاباما فذلك انعكاس للثقافة السياسية التي شهدناها منذ حركة الحقوق المدنية، لكن على المستوى الوطني، من الأهمية أن نشهد استغلالاً لهذا النوع من التعصب والاحتقان العرقي الذي يمثل تفهمًا مخزيًا لماضي الولايات المتحدة الأمريكية باعتباره مطية لكسب القيادة السياسية.
- هل تقول إنك لا تشعر حقًا بالخوف لأنك تعودت على الأمر؟
أشعر بالقلق على الفقراء والضعفاء الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على تحمل التعصب والتمييز، والذين عليهم مواجهة هذه التحديات على أمل أن تحميهم وزارة العدل أو أن تهتم الحكومة الفيدرالية بشكاويهم ورعايتهم الصحية ونظام دعمهم، في الحقيقة، هناك مجموعة كاملة من الأشياء التي جعلت تحمل التحيز والتمييز في هذا البلد أسهل قليلاً، وذلك بفضل برامج فيدرالية وجهود لجعل الحكومة أكثر تجاوبًا.
لكن هذه البرامج أصبحت عرضة للهجوم، الأمر الذي قد يجعل التعامل مع الأعباء أكثر صعوبة، إذًا، نعم، أنا قلق بشأن المستقبل السياسي لهذه الأمة، لكني قلق أيضًا بشأن موضوع آخر: أعتقد أن هويتنا لا تتشكل من خلال طريقة معاملتنا للأغنياء والأقوياء وأصحاب الامتيازات، بل تتشكل من خلال طريقة معاملتنا للفقراء والسجناء، وإذا قلنا إن الولايات المتحدة يجب أن تكون مسخرة لأولئك الذين عاشوا فيها لمدة خمسة أجيال، والمسيحيين ونوع محدد من المسيحيين، أو إذا قلنا إننا نريدها أن تكون فقط لغير المثليين والبيض، فإننا نجعل بلادنا في حالة حرب مع قيمها ومبادئها والدستور.
- هل تتفق مع التفسير الذي يقول بأن الانتخابات كانت رد فعل للبيض ضد التغيرات التي تشهدها بلادنا ووصول أول رئيس أسود؟
أعتقد أن هناك الكثير من العوامل المعقدة التي لا يمكن حصرها في شيء واحد، وأعتقد أنه أمر مثير للقلق في التاريخ الأمريكي أن يوظف شخص ما خطاب الكراهية والانقسام والتعصب ليصبح رئيسًا للولايات المتحدة، أعتقد أن هذه أزمة للولايات المتحدة ومشكلة هويتها، وترتبط بعلاقتها ببقية العالم وبالأقليات العرقية، يرى العديد منا أن هذه تُعتبر خطوة للوراء، وأننا سنجد طريقة للتوصل إلى حل عندما تفعل الأمة ما كان يجب أن تقوم به.
- من “المؤاخذات” التي سمعناها عدة مرات عن الانتخابات منذ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر هو أننا تحدثنا “مرات عديدة” عن العنصرية وفشلنا في الوصول للناخبين البيض المستائين، ويبدو أن مشروعكم قد بُني على نتائج النقاش العام، كيف بإمكانك إطلاق هذه المبادرة إذا كانت أي محاولة للنقاش عن العنصرية تُسبق بنقاش عن الطرق التي عانى منها البيض من تراجع في مكانتهم وسلطتهم؟
لا يوجد أي شيء يمكن الإشارة إليه عند الحديث عن الاقتصاد العالمي أو التجارة أو الشغل أو تراجع الفرص التي استفادت منها الطبقة العاملة للبيض والتي لم تستفد منها الطبقة العاملة للسود والفقراء، ليس كافيًا أن نتحدث عن التحديات الفريدة للطبقة العاملة من البيض.
مهما تكن مشاكلهم، فهي نفس مشاكل الطبقة العاملة للسود وذوي البشرة البنّي، وفي الحقيقة، إن السود وذوي البشرة البنّية عادة ما ترتبط بهم فرضية أن يكونوا أشخاصًا خطرين، إضافة إلى ارتباطهم بعدة مشاكل أخرى.
عندما تكون لديك نسبة 90% من القوة والمكانة، وتنخفض تلك النسبة لتصبح 85%، فبإمكانك أن تستخدم 85% من مكانتك وسلطتك لتتذمر بشأن 5% التي خسرتها، لكن إذا كان لك 5% فقط من المكانة والسلطة، فإنك إذا خسرت 3%، فلن يبقى لك إلا 2% لتتذمر من أجلها.
لذلك، فإنه توجد هناك قدرة غير متناسبة لجعل خسارتك ومشاكلك وكفاحك تبدو صراعًا مهمًا، لأن لديك قوة وسلطة أكبر، وأنا أشك في أننا لم نفعل الكثير لمواجهة تحديات السود وغيرهم، ومواجهة تحديات المهاجرين والفقراء، أنا فقط غير قادر على إيجاد ما يكفي من الأدلة على ذلك.
هناك نقص في المعرفة، فإن كنت تعيش في مدينة أو مقاطعة أو مكان قُتل فيه العشرات بسبب أعمال العنف الجماعي، فإن ذلك سيغير علاقتك بذلك المكان، إن كنت لا تعرفه، فإنه أمر لا تحتاج حتى التفكير فيه.
الأمر الأول متعلق بالتعليم، وتعزيز الوعي بهذا التاريخ، ولذلك فنحن نحاول فعل ما نفعله.
المصدر: الإنترسب