تفجيرات متزامنة أسفرت عن مقتل وجرح مئات المدنيين في مناطق متفرقة من العراق خلال الأيام الماضية، سارع تنظيم الدولة الإسلامية إلى تبنيها لاحقًا.
بداية دموية غير متوقعة في العراق، مع دخول العام الجديد، كان عنوانها الأبرز الدماء والأشلاء في مدن الصدر وسامراء والنجف إضافة إلى العاصمة بغداد، بعد أن اخترق عدد من “الانغمانسيين” خطوط الدفاع الأولى للقوات والميليشيات العراقية المكلفة بحماية المدن.
التفجيرات المتزامنة والهجمات المباغتة من قبل الخلايا النائمة والمنظمة لتنظيم الدولة الإسلامية في أماكن متفرقة من العراق خلال الأيام الماضية، أعادت إلى أذهان العراقيين سنوات الجمر التي سبقت إنشاء الدولة الإسلامية وإعلان الخلافة نهاية شهر يونيو 2014، وقتها كانت التفجيرات الانتحارية والعبوات الناسفة داخل الأسواق والمنشآت الحيوية والمدنية شبه يومية، وهو ما عكر صفو العراقيين وأحال أمنهم إلى خوف ورعب من كل متحرك وجامد.
من المؤكد أن هذه التفجيرات المتزامنة والتي استهدف أحدها بسيارة مفخخة موكب مفتي أهل السنة والجماعة في العراق مهدي الصميدعي، الذي نجا بأعجوبة لكنه فقد عددًا من مرافقيه، قد أثارت نقاط استفهام عديدة، يبقى أهمها ما الاستراتيجيات الجديدة التي بدأ تنظيم الدولة بتطبيقها على الأرض بعد فقدانه لعدد كبير من المدن التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا وتضييق الخناق على عاصمته الموصل.
الجديد هذه المرة في بيانات تبني التفجيرات شبه اليومية، تأكيد تنظيم الدولة استهدافه لمستشفيين حكوميين هما “الجوادر والكندي” ثأرًا للاستهدافات المتكررة للمؤسسات الصحية في ولاية نينوى من قبل التحالف الصليبي الرافضي حسب وصف التنظيم، وهو ما يكشف عن أهداف مدنية جديدة قد دخلت خانة “المفارز الأمنية” لتنظيم الدولة.
إن استهداف المستشفيات الحكومية والخاصة في العراق سيزيد من حالة الغضب والاحتقان الشعبي لدى الموالين للحكومة العراقية، فبعد أن فقد زوار المنتجعات التجارية والأسواق الشعبية والمراكز الأمنية والمنشآت العسكرية الثقة، وتملكهم الخوف في أثناء تجولهم في أحياء العاصمة بغداد والمدن ذات الغالبية الشيعية، يبدو أن المواطن العراقي اليوم أضحى متخوفًا من نيل مصرعه جراء تفجير انتحاري داخل مستشفى مدني، بعد أن أصبحت أهدافًا مشروعة لدى تنظيم الدولة ومسؤوليه الشرعيين.
إن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل والرقة، لن ينهي موجة العنف داخل العراق وسوريا، بل سيزيد من تحرر الجهاديين وإعادة تنظيمهم في خلايا نائمة
تيقن اليوم كثير من دارسي الحركات الجهادية، وعدد من القادة البارزين داخل التحالف الدولي، أن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل والرقة، لن ينهي موجة العنف داخل العراق وسوريا، بل سيزيد من تحرر الجهاديين وإعادة تنظيمهم في خلايا نائمة وجماعات منظمة في صحاري الأنبار وقرى ومدن صغيرة أخرى، وهو ما يعيد إلى الأذهان فترة القضاء على “دولة العراق الإسلامية” من قبل القوات الأمريكية والصحوات السنية التي تم تشكيلها نهاية العام 2006 في محافظة الأنبار بقيادة عبد الستار أبو ريشة.
أسباب اختراق الحواجز الأمنية الداخلية والخارجية ودخول المفخخات والانتحاريين إلى مدن عراقية “مؤمنة” على غرار العاصمة بغداد وديالى والأنبار في الفترة الأخيرة، أسبابها عديدة رغم سعي الجهات الرسمية لطمس الحقائق الظاهرة، فإفراغ هذه المدن من القوات المكلفة بحمايتها والزج بها في “محرقة” الموصل التي راح ضحيتها آلاف من قوات النخبة، ساهم بشكل كبير في تزايد الهجمات وفتكها بالمدنيين العزل، كما أن عجز الحكومة العراقية عن كشف الخلايا النائمة داخل المدن والقبض على المسؤولين عن تسهيل العمليات الانتحارية، نتيجة غياب الرؤية الأمنية الواضحة، قد يزيد من وتيرة الهجمات مستقبلاً.
خبراء في مجال متابعة سير المعارك بين تنظيم الدولة والقوات والميليشيات العراقية طيلة السنوات الأخيرة، يؤكدون أن عملية الاستنزاف التي تتعرض لها هذه القوات قد تصيب في صالح الجهاديين خاصة إذا ما تواصلت معارك الموصل خلال الشهور القادمة، زد على ذلك، تبدو العراق اليوم عاجزة عن إيجاد حلول جذرية لتحسين موارد الدولة نتيجة ارتفاع الدين الخارجي وهو ما أثر سلبًا على الحياة اليومية لفئة كبيرة من العراقيين.
إعلان الشرطة الاتحادية قبل أسبوع، تلقيها أوامر للتوجه إلى شرق الموصل لتعزيز قوات مكافحة الإرهاب، بدلاً من خطط سابقة كانت تقضي بأن تقتحم قوات الشرطة الجانب الأيمن من المدينة عبر بلدة حمام العليل، دليل على تخبط القيادة السياسية والعسكرية في تحديث خطط تحرير الموصل، حتى إن أحمد عدنان عضو مجلس محافظة بابل، كشف قبل أيام عن أن مناطق شمالي المحافظة أصبحت فارغة من القوات الأمنية، نتيجة مشاركتهم في عمليات قادمون يا نينوى.
تنظيم الدولة الإسلامية الآن في موقع دفاع وهجوم في آن واحد، فهو يهاجم متى ما أراد ذلك، وهو ما كشفته العمليات الأخيرة في ديالى والرمادي وبغداد والصدر والنجف والفلوجة وغيرهم، كما أنه في موقع دفاع داخل المناطق التي يسيطر عليها وخاصة الموصل، التي لا يتوقع أن تُحسم فيها المعارك خلال الأشهر القليلة القادمة رغم تفاؤل رئيس الوزراء حيدر العبادي والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بذلك، حيث قال خلال زيارته إلى العاصمة بغداد قبل أيام: “القضاء على تنظيم الدولة بالموصل سيستغرق أسابيع وليس سنوات لا سيما أنه بدأ يتراجع أمام القوات العراقية ونهايته قريبة”.
إن الإرهاب في العراق لن ينته بتحرير الموصل وطرد تنظيم الدولة منها، ما دامت أسباب وجود الحاضنة قائمة
في الأخير، حتى وإن افترضنا أن كلام الرئيس الفرنسي صحيح، إلا أننا متأكدون أن الإرهاب في العراق لن ينته بتحرير الموصل وطرد تنظيم الدولة منها، ما دامت أسباب وجود الحاضنة قائمة، بسبب السياسات الطائفية التي تتبعها الطبقة السياسية قي العراق، إضافة لضعف الحكومة المركزية في بغداد، وتنامي وترسخ الأقاليم اللامركزية في الشمال والجنوب والوسط، دون أن ننسى تغلغل ميليشيات الحشد الشعبي داخل دواليب الدولة خاصة مع ضمه رسميًا وقانونيًا إلى الجيش العراقي مع تنامي انتهاكاته بحق المدنيين السنة.