ورقة أخيرة للمصالحة مع المملكة ألقت بها القاهرة، في محاولة لرأب الصدع بين الدولتين، بإحالة قضية جزيرتي تيران وصنافير إلى البرلمان، في خطوة يراها المحللون غير محسوبة من قبل النظام المصري، وضعته بين فكي كماشة، فإما أن يشرِّع النواب في تسليم الجزيرتين إلى السعودية ليهدأ التصعيد بين البلدين، ويزداد التوتر الداخلي، أو يسيروا في ركب محكمة القضاء الإداري التي أبطلت اتفاقية يونيو الماضي، مما يعني الدخول في نفق مظلم يقارب القطيعة بين الدولتين، في حال لجوء المملكة إلى المحاكم الدولية.
التحركات السعودية بإثيوبيا وضعت مصر في مأزق
فروض الولاء
الورقة المصرية الأخيرة لم تكن بإرادتها، فالمملكة زادت من ضغطها مؤخرًا على النظام المصري، مستغلة حالة عدم الاتزان السياسي والاقتصادي بها، في الفترة التي فقدت فيها العملة المحلية المصرية “الجنيه” نصف قيمتها مقابل الدولار، بزيادة التنسيق السعودي القطري ضد القاهرة، عبر الزيارات السعودية رفيعة المستوى إلى إثيوبيا، تلتها زيارات أخرى لوزير الخارجية القطري، بهدف تحريك قضية سد النهضة الخلافية بين القاهرة وأديس أبابا، في رسالة واضحة من الدولتين الخليجيتين لمصر، مفادها “بإمكاننا التأثير في قضية حيوية لأمن القاهرة القومي”.
السعودية وقطر وورقة عون
لم تكن تلك هي الرسالة السعودية الوحيدة، بل صاحبها تصعيد ضد القاهرة باجتماع مجلس التعاون الخليجي، حينما شجب بالإجماع الاتهام المصري المبطن للدوحة بالضلوع في عملية تفجير الكنيسة المرقسية بالقاهرة، بل زاد على ذلك نجاح الدولتين الخليجيتين في إقناع الرئيس اللبناني المنتخب ميشال عون، بأن تكون زيارته الخارجية الأولى ليست للقاهرة كما كانت تأمل الأخيرة، بل إلى الرياض والدوحة، وأحيطت الزيارة باهتمام بارز سياسي واقتصادي وإعلامي، بعد خصومة واضحة للخليج مع تيار عون قبيل الانتخابات، الذي يأمل في نقل الاستثمار السياسي والمالي الخليجي، من أمريكا وأوروبا بعد التضييق الأخير، إلى لبنان.
سيناريوهات رد الفعل
قياسًا على ذلك.. يبدو أن السؤال الأهم بالمشهد المصري يدور حول رد الفعل المصري، والأدوات التي تملكها القاهرة لمواجهة الضغط السعودي – القطري، وهل بالإمكان تفعيل هذه الأدوات، وما تداعياتها داخليًا وخارجيًا على النظام؟
الإجابة بنظر المحللين لن تخرج عن سيناريوهين محتملين كلاهما مر، الأول هو تفعيل القاهرة لتقاربها مع إيران، العدو الأول لدول الخليج، والحليف الرئيس لروسيا داعمة السيسي الكبرى.
لكن.. ما شروط وتداعيات هذا التقارب؟
التقارب التركي الإيراني وضع مصر في مأزق
كعكة سوريا وفزاعة إيران
الواقع يقول بإن إيران حاليًا أقرب للنظام التركي العدو الأكبر للنظام المصري بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان بمصر، ويبدو أن الملف السوري المشتعل، ومخاوف طهران من الخروج من كعكة سوريا بلا مكاسب، تجعلها تتمهل في التجاوب مع التقارب المصري في حال لجأت إليه القاهرة، على الأقل في المدى القريب، طالما أن العلاقة مع تركيا إيجابية مع سوريا.
تداعيات كارثية
وفي حال تحقق ذلك التقارب – رغم صعوبته حاليًا كما أسلفنا – فقد تشهد القاهرة تداعيات كارثية، على المستويين الداخلي والخارجي، تتمثل الحالة الأولى منها في استفزاز مشاعر السلفيين، الداعم الأكبر للنظام من الكتل الإسلامية الفاعلة على الأرض بمصر بعد أحداث 30 من يونيو و3 من يوليو، متمثلاً في حزب النور، وغيره من الأحزاب التي اتسمت بالطابع الإسلامي منذ ثورة 25 من يناير 2011 ، وهو التيار الذي يرفض أي محاولة للتقارب مع إيران، لما تمثله من تهديد لهوية مصر السنية، مما قد يعني خصومة جديدة مع النظام، لا سيما وأن المملكة العربية السعودية أحد الداعمين لحزب النور، نظرًا لتقاربه الفكري مع المذهب الوهابي.
الحسينيات ومشايخ الصوفية
ناهيك عن أن أهم شروط إيران لهذا التقارب – في حال تحققه – ستكون بالسماح للجماعات الصوفية القريبة من الفكر الشيعي، من ممارسة دورها وحلقاتها في المساجد الإسلامية، وبالتالي السماح بانتشار مراكز نشر التشيع، مما يهدد النسيج المصري، ويحوله لعدة مذاهب فكرية ودينية مثل العراق وسوريا، وهي الخطوة الأخطر على البلاد ككل.
حنق خليجي وأزمة مع الداعمين
أما التداعيات الخارجية فتتمثل أساسًا في زيادة الحنق الخليجي ككل على النظام المصري، لا سيما السعودية، التي تعتبر أن إيران هي مصدر الخوف الأول لها، مما قد يوتر العلاقات مع دول الخليج كافة، وهي المصدر الأول حتى الآن لبقاء النظام المصري، لما تقدمه من دعم اقتصادي وسياسي له.
وعلى صعيد مماثل قد يربك هذا التقارب العلاقات المصرية مع إسرائيل والولايات المتحدة، على السواء، باعتباره يمثل إلى حد كبير تهديدًا في المصالح الأمريكية، ويعقد المشهد الإقليمي، كما أنه سيعتبر بوابه لروسيا للتوغل على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، بالإضافة للإسرائيليين الذين يعتبرون أن إيران وحلفاءها مثل حزب الله والفصائل الفلسطينية المسلحة هي التهديد الكبير على بقائها.
السيسي وبشار .. من ينقذ من؟
الأسد .. ورقة السيسي الأخيرة
بعيدًا عن السيناريو الإيراني، يبدو أن القاهرة تفكر في بديل آخر أكثر قوة وتأثيرًا على دول الخليج، وأقل وطأة في تداعياته عليها داخليًا وخارجيًا، يتمثل في التقارب مع النظام السوري بقيادة بشار الأسد، ويحتمل هذا السيناريو لجوء النظام المصري لتفجير قنبلة بالمنطقة ككل، تتمثل في عودة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا الأسد، وهي خطوة ستجد دعمًا روسيًا كبيرًا، خاصة أن الاتفاق الروسي – الإيراني – التركي الأخير، يفهم من بين سطوره أن “الأسد خط أحمر الآن وبعد الآن”، مما يعني أن الخطوة المصرية ستكون متوافقة – ولو بشكل نظري -، مع هذا التوجه الأخير إقليميًا، خصوصًا مع الابتعاد الاختياري الأمريكي عن الحالة السورية، وعدم ممانعة قطاع كبير بالداخل المصري لتك الخطوة، بعدما سوق الإعلام الموالي للسلطة في مصر، أن كل ما يحدث في سوريا هو تدمير “للجماعات الإرهابية”، وليس ثورة على نظام دموي، مما قد يعني أن ورقة سوريا ستكون الأقوى بيد النظام المصري ضد السعودية وقطر.
الخلاصة
النظام المصري يسير بخطى متسارعة للتأزيم داخليًا وخارجيًا، ويبدو أن الضغط السياسي والاقتصادي عليه قد يدفعه لاتخاذ قرارات غير محسوبة العواقب، تؤزم من موقفه المتداعي فعلاً، بعدما أيقنت دول الخيج أن “مسافة السكة” كانت أطول مما اعتقد البعض، فهل يحول السيسي “سكته” من الخليج إلى سوريا؟ كل الاحتمالات مفتوحة الآن حتى نهاية الفترة الرئاسية الأولى للسيسي 2018.