مرت أكثر من سنة على انطلاق الحرب السعودية في اليمن التي تقودها عبر التحالف العربي ضد المليشيات الحوثية المسيطرة على صنعاء بمساعدة أتباع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
عانت المدن اليمنية خلال هذه الحرب من غارات طيران التحالف العربي، لكن على الجانب الآخر استخدم الحوثيون سلاح الحدود للرد على غارات التحالف العربي، بالانتقام من حدود قائدة التحالف في البلدات الحدودية للمملكة العربية السعودية.
هناك 4 مناطق سعودية يستطيع سلاح الحوثيين الوصول إليها وهي (نجران – عسير – منفذ علب – جازان)، تلك المناطق التي عانت طول الفترة الماضية من القصف الحوثي والاستهداف المباشر الذي أوقع خسائر في الأرواح والممتلكات.
وتمتد الحدود اليمنية السعودية بطول نحو 1470 كليومترًا، حيث تضم تضاريس جبلية وعرة يتمركز في أغلبها سلاح حرس الحدود السعودي، لحماية حدود المملكة مع اليمن، لكن هذه القوات السعودية لم تفلح في منع هجمات الحوثيين طول الفترة الماضية بالصاوريخ البالستية.
القصف الحوثي والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح جنوب السعودية، بحسب المركز الديمقراطي العربي يستخدم فيه قذائف وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى مثل قذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا، وكذلك صواريخ ثقيلة وبعيدة المدى مثل صواريخ سكود، وصواريخ بدائية محلية الصنع مثل قاهر-1 تُطلق على مدن وقرى ومناطق جازان ونجران وعسير في الجنوب السعودي.
وبحسب إحصاءات المركز تسبب هذا القصف الحوثي بمقتل 375 مدنيًا من المقيمين والمواطنين في المملكة العربية السعودية من بينهم 63 طفلاً، وتسبب أيضًا في نزوح أكثر من 7000 نسمة من المدنيين، وإغلاق 500 مدرسة سعودية، وتقدر عدد الاستهدافات الحوثية منذ بداية الحرب في مارس 2015 للأراضي السعودية بأكثر من 40 ألف مقذوف.
هذه الاستهدافات دائمًا ما كانت إحدى الإعاقات الرئيسية لأي محادثات سلام يشترك فيها الجانبان السعودي والحوثي، حيث استخدمها الحوثيون للضغط على السعودية للتخفيف من ضغط التحالف العربي عسكريًا داخل اليمن، فيما كانت تتمسك السعودية بإيقاف القصف الحدودي كشرط أولي لأي مباحثات.
وتيرة القصف قلت
ذكرت قناة “الإخبارية” السعودية أن عمليات الحوثيين وقوات الحرس الجمهوري التابعة للمخلوع صالح باتت تقل أكثر فأكثر نتيجة للعمليات التي تنفذها القوات السعودية، حيث استهدفت المدفعية السعودية مناطق التواجد العسكري الحوثي على الحدود اليمنية.
وتؤكد قيادات عسكرية سعودية أنه مع اشتداد المعارك في شرق صنعاء وغرب شبوة، قالت السعودية إن عملياتها على الحدود اليمنية قللت من هجمات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع على أراضيها.
حيث اعتمدت السعودية في هذه الأيام على زيادة الضغط العسكري على مناطق داخل اليمن مثل شبوة، التي تدور بها إحدى أعنف المعارك بين المقاومة الشعبية مدعومة بقوات التحالف العربي ضد تحالف الحوثي صالح منذ أسبوع.
وذكرت مصادر محلية أن الحوثيين تمكنوا من السيطرة على موقع السليم، بعد عدة أيام على سيطرة القوات الحكومية عليه، في حين أعلن الجانب الحكومي تصديه لهجمات الحوثيين ومقتل 18 منهم.
وكذلك الحال في مديرية نهم شرق صنعاء، تحدثت القوات الموالية للتحالف العربي عن تحقيق تقدم جديد بعد أن دفعت بتعزيزات عسكرية إضافية إلى هذه الجبهة في مواجهة حشود كبيرة من المسلحين الحوثين وقوات الرئيس المخلوع.
وذكرت مصادر عسكرية أن قوات الحكومة سيطرت على قرية النفاح والجبال المحيطة بها في ميسرة جبهة نهم، وأن معارك عنيفة لا تزال تدور في تلك المناطق، وأنها هاجمت مواقع وتحصينات الحوثيين في منطقة المجاوحة، فيما ساندت طائرات التحالف هذا التقدم وشنت سلسلة غارات على المنطقة.
هذا الضغط العسكري الداخلي قد يكون أحد أسباب تخفيف الضغط في المعارك الحدودية التي مثلت أزمة غير مسبوقة للجانب السعودي، رغم عشوائية القصف الذي تتسم به الهجمات الحوثية، التي حاولت التركيز على استهداف مواقع عسكرية سعودية في قطاع نجران، منها شرق رقابة الفواز ومعسكر رجلا، وموقعي آل الشيخ ونهوقة ورقابة السديس ومعسكر عين الثورين.
فيما تتهم منظمة هيومن رايتس ووتش الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع صالح بارتكاب انتهاكات وجرائم حرب من خلال قصفها العشوائي لمناطق سكنية في قرى ومدن جنوب السعودية تسببت بمقتل مدنيين.
ووفقًا للسلطات السعودية، لقي أكثر من 500 من المدنيين حتفهم في المناطق الحدودية الواقعة جنوبي غرب البلاد منذ مارس 2015، وفي نجران، تضررت مئات المنازل والمتاجر والسيارات، وأُغلقت المدارس.
نزاع حدودي قديم متجدد
الأراضي الحوثية في محافظة صعدة اليمنية هي أشبه بنتوء تلتف حوله الحدود السعودية، لذا فالنزاع العسكري الحدودي بين السعودية والحوثيين ليس الأول من نوعه، إذ يذكر أنه تم إجلاء آلاف السكان من البلدات الحدودية على طول الجانب الجنوبي الغربي لإنشاء منطقة عازلة من الجانب السعودي.
ويمثل ذلك استمرارًا للتكتيكات التي استخدمت في أثناء نزاع الحدود في عامي 2009 و2010، حين تم إجلاء مئات القرى وتدمير العديد منها لمنع المنازل الخالية من أن تصبح ملاذًا آمنًا للمتسللين التابعين لجماعة الحوثي.
وفي أبريل 2015، أفادت قوات حرس الحدود السعودي، بأنه يجري تقييم 96 قرية إضافية لهدمها، وفي بعض الحالات، أُجبر السكان على إخلاء منازلهم، وفي محافظة جيزان، على سبيل المثال، يقول بعض السكان المحليين إنهم يشعرون بالأمان بسبب توقيع اتفاقات عدم اعتداء مع اليمنيين على الجانب الآخر من الحدود، وذلك بفضل تاريخ قوي من التزاوج والترابط القبلي، إلا أن المسألة الحدودية لا تزال تمثل صدعًا للجانب السعودي لم يستطع التخلص منه مطلقًا، وإن تم تخفيفه.
وفي هذا الصدد يمكن ذكر أكثر من ثلاثة مواجهات عسكرية حدودية بين السعودية والحوثيين، لعل أبرزها معركة “الخوبة”عام 2009 والتي انتهت في فبراير من العام 2010.
الحوثيون لا زالوا يبحثون عن التسليح
الصواريخ المستخدمة ضد الحدود السعودية بعيدًا عن الصواريخ محلية الصنع عديمة التأثير، يمكن رصد صواريخ بالستية متطورة يرجح أن مصدرها إيران، وهو ما جعل القيادي في الحركة الحوثية محمد البخيتي يخرج ليصرح بأن مقدرة الحوثيين على قصف العاصمة السعودية الرياض بصواريخ باليستية لا تزال موجودة لدى الحركة وحليفها علي عبد الله صالح.
حيث قال البخيتي في تصريح لوكالة “تسنيم” الإخبارية الإيرانية: “المنظومة الصاروخية التي يمتلكها أنصار الله الحوثيون متطورة وبإمكانهم قصف الرياض وباقي المدن الأخرى”.
هذا بالإضافة إلى تمكن الحوثيون من السيطرة تمامًا على كل أسلحة وصواريخ وطائرات القوات الجوية اليمنية بعد الانقلاب على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مطلع عام 2015.
كما استطاعوا الاستحواذ على كل الأسلحة الموجودة في 3 قواعد عسكرية رئيسية في صنعاء وتعز والحديدة قبل الزحف جنوبًا والوصول لقاعدة العند القريبة من محافظة عدن، وتمكن الحوثيون أيضًا من السيطرة على ألوية الصواريخ ومخازن الأسلحة في صنعاء والجبال المحيطة بها، في يناير من العام 2015 بعد حصار الدار الرئاسية في صنعاء.
وعلى صعيد متصل، تتهم السعودية إيران بالاستمرار في محاولات تهريب شحنات كبيرة من الأسلحة إلى المقاتلين الحوثيين، حيث تشير المملكة إلى أن إيران تستغل بعض المواني، التي يسيطر عليها الحوثيون ومنها ميناء الحديدة، لتهريب الأسلحة ونقلها من تلك المواقع إلى الجبهات، بهدف تعزيز القدرة العسكرية بعد حالة التخبط الأخيرة.