لا ينفك الإسرائيليون بالكشف عن خطط سياسية جديدة تخدم مصلحتهم وتكون حلاً –بنظرهم- للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في الوقت الذي يزداد الخناق الدولي على دولة الاحتلال بعد صدور قرار لمجلس الأمن في 23 من ديسمبر/كانون أول المنصرم، يدين الاستيطان ويدعو الاحتلال لوقفه الفوري؛ والذي أشعل أزمة بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو، حيث اتهمت الأخيرة إدارة أوباما بإعطاء الضوء الأخضر لتمرير القرار، مما دفع وزير الخارجية الأميركي جون كيري للخروج بمؤتمر صحفي قبل أيام للدفاع عن موقف بلاده، قائلًا: “امتناعنا عن التصويت في الأمم المتحدة بخصوص الاستيطان كان متطابقًا مع مبادئنا، وعلى الإسرائيليين أن يتذكروا بأن الولايات المتحدة لم تعمل لصالح أمن إسرائيل مثلما عملت إدارة الرئيس باراك أوباما”.
الوزير الإسرائيلي نفتالي بينيت
آخر هذه الخطط “العبقرية”، ما كشف عنه نفتالي بنيت وزير التعليم الإسرائيلي وزعيم الحزب اليميني “البيت اليهودي”، عن خطة لضم 60% من مساحة الضفة الغربية للكيان، مقابل منح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا على 40% من الضفة، وإقامة دولة في غزة، ودون عودة للاجئين.
وقال بنيت لصحيفة جيروزاليم بوست إنه “يريد أن يمنح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا منزوع السلاح في منطقتي”أ” و”ب” وفق تصنيف اتفاق أوسلو، وهما تشكلان نحو 40% من الضفة الغربية”. مضيفًا إلى أن “إسرائيل” ستضم المنطقة المصنفة “ج” التي تصل إلى 60% من مساحة الضفة.
ووفق اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي الذي عقد في منتصف التسعينات، فإن المنطقة “أ” تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة، و”ب” تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية والأمنية الإسرائيلية، في حين تخضع المنطقة “ج” لسيطرة الاحتلال بشكل كامل.
بينيت: الفلسطينيين سيديرون حياتهم بأيديهم، ويدفعون ضرائبهم لأنفسهم، ويتولون شؤون التعليم ويجمعون نفاياتهم
بنيت قال أيضًا إن الفلسطينيين بموجب خطته سيديرون حياتهم بأيديهم، ويدفعون ضرائبهم لأنفسهم، ويتولون شؤون التعليم ويجمعون نفاياتهم. مشبهًا خطته هذه بالخطة الاقتصادية الأميركية “خطة مارشال” التي أطلقت بعد الحرب العالمية الثانية لإعادة إعمار أوروبا الغربية، حيث ذكر بنيت أن رؤيته تتضمن خطة مشابهة للفلسطينيين.
موضحًا أن خطته ستشمل استثمارات اقتصادية هائلة في البنى التحتية بما في ذلك ميناء بري في جنين (شمالي الضفة) مرتبط مع حيفا (شمالي الكيان الإسرائييل وفيها ميناء بحري) وتطوير كبير للشوارع ومنطقة سياحية حرة تربط الناصرة (شمالي الكيان الإسرائيلي) مع نابلس والقدس وبيت لحم (شمالي ووسط وجنوبي الضفة على التوالي).
إضافة لهذا كله، يرى بينت أن الفلسطينيين لن يمتلكوا حق إعادة اللاجئين القاطنين في دول الشتات والعالم إلى أراضي الحكم الذاتي الخاصة بهم، مشيرًا إلى أن اللاجئين يطالبون بالعودة إلى الأراضي ما قبل 1948.
أما فيما يتعلق بقطاع غزة فقال بينت إنه بمثابة “دولة فلسطينية، ولا نريد دولة فلسطينية ثانية”. مضيفًا إلى أن عناصر الدولة المركزية أربعة: وهي حدود واضحة وجسم حكومي فاعل وقوة عسكرية وعلاقات دولية، وأكمل بنيت أن “غزة لديها ثلاثة ونصف من هذه العناصر الأربعة”.
وبالطبع، يتضح من خطة بنيت أنه يشطب قضية القدس الشرقية بشكل كامل، باعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية، وأيضا حق اللاجئين في حل يشمل العودة.
ما هو رد الفلسطينيين؟
هذه التصريحات حول هذه الخطة، لم تذكر المصادر الإسرائيلية وصحيفة جاروزاليم بوست –التي دارت الحوار مع بينت- إذا ما كانت حكومة الاحتلال ستقبل بهذه الخطة أم لا، إلا أن الإعلام العبري من صحف وإذاعات ومواقع إلكترونية أبدى اهتمامًا لتصريحات بينيت وفتح دوائر للنقاش حولها.
القيادة الفلسطينية، لم يصدر لها في البداية أي تعقيب رسمي، وهي التي تقول إنها ما زالت تتمسك بإقامة دولتها على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتضم الضفة الغربية وقطاع غزة.
رياض المالكي
لكن رياض المالكي وزير الخارجية في السلطة الفلسطينية، علّق في تصريحات صحفية لوكالات فلسطينية أمس، بأن تصريحات بينت مخالفة مباشرة للقانون الدولي، مشيرًا إلى “إن القيادة الفلسطينية ستتحرك على كل المستويات الدولية، ليس فقط من أجل منع حدوث ذلك، وإنما لتُظهر للعالم طبيعة القيادة التي تحكم إسرائيل هذه الايام في إطارها الفاشي والعنصري والحاقد الذي يرفض التعامل مع حل الدولتين”.
كما أضاف المالكي أن “القيادة ستطلب من السويد التي ستترأس اجتماع مجلس الأمن الدولي في السابع عشر من هذا الشهر التركيز على موضوع الاستيطان، ومطالبة مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته تجاه القرار الأخير وتنفيذه”.
كما حذرت منظمة التحرير الفلسطينية هي الأخرى اليوم الأربعاء من خطة بينيت، حيث قال صالح رأفت، عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، في تصريحات صحفية إن “موقف منظمة التحرير واضح بمتابعة الكفاح على الأرض وعلى الصعيد الدولي لإلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967″، مشيرًا إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2334) القاضي بإدانة الاستيطان، أكد بأن الأراضي الفلسطيني بما فيها القدس الشرقية “أراضي محتلة ويجب وقف الأنشطة الاستيطانية فيها كمقدمة لإزالته”.
تصريحات ما قبل مؤتمر باريس
في 15 من الشهر الجاري، سيعقد مؤتمر في العاصمة الفرنسية باريس، والذي سيحضره ممثلو حوالي 70 دولة، دون أن يشارك فيه ممثلو كل من إسرائيل وفلسطين، وذلك لتجديد تمسك المجتمع الدولي بـ”حل الدولتين” كأساس لتسوية الصراع في الشرق الأوسط، رغم أن كل الإجراءات الإسرائيلية وتوغل الاستيطان لم يبقي أي شرعية لهذا الحل.
هذا المؤتمر أيضَا بات يقلق الإسرائيليين، فبعد تصريحات بينيت التصعيدية هذه –والتي تشكل نوع من التحدي للمجتمع الدولي- تبعها تصريحات أخرى لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قال فيها إن المؤتمر الدولي المزمع عقده في باريس، لبحث تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سيكون “عقيمًا”. وأضاف نتنياهو: “هناك مؤشرات تدل على أن البعض سينتهز هذه المناسبة في محاولة استخدام قراراته لتنظيم تصويت على قرار أممي جديد موجه ضد إسرائيل”.
نتنياهو ووزراءه باتوا لا يلؤون جهدًا لمهاجمة إدارة أوباما
وأضاف نتنياهو: “ولذا، فإن علينا أن نركز جهودنا السياسية في الوقت الحالي لمنع تنظيم التصويت على قرار جديد”. إشارة إلى القرار الذي أصدره مجلس الأمن المدين للاستيطان والذي وصفه نتنياهو بـ”المخزي”.
نتنياهو ووزراءه، لا يلؤون جهدًا لمهاجمة إدارة أوباما -التي لطالما قدمت للكيان كل الدعم والسند في صراعه ضد الفلسطينيين- حيث انتقد نتنياهو مجددًا أوباما وإدارته بعد أن امتنعت الولايات المتحدة عن استخدام (الفيتو) لمنع تبني قرار مجلس الأمن.
إلا أن “إسرائيل” ما زالت تعول برغم كل ذلك على الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، فأوباما ولى وقته، وإن كانت أي قرارات دولية سابقة أدانت “إسرائيل” ملزمة أو نفذت على الأرض، ستنفذ هذه الإدانات الجديدة. فما الحد الذي وصلت هذه التعويلات على ترامب لدى الإسرائيلين؟
مراهنات كبيرة على ترامب
خطة بينيت التي تحدثنا حولها، تبعها تصريحات أخرى له أيضًا بمقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية قبل يومين، حيث قال الوزير الإسرائيلي إن “وصول الرئيس الأمريكي الجديد للبيت الأبيض يعني استيلاء تل أبيب على مناطق أخرى في الضفة الغربية”.
ولفت بينيت في تصريحاته إلى أن “قرار مجلس الأمن الأخير المعارض للاستيطان سيكون له نتائج واقعية، وهي أن أي زعيم فلسطيني لن يقبل بأقل من الحدود التي رُسمت في 4 يونيو 1967″، مضيفًا أن “هذا القرار سيضع حدًا للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، ليس فقط الآن، بل ربما للأبد”.
بينيت عاد وأكد على خطته بضم المنطقة (ج) للكيان بقوله “هنالك أكثر من 500 ألف إسرائيلي يعيشون في تلك المنطقة، ويتراوح عدد الفلسطينيين بين 70 ألفًا و100 ألف فلسطيني، وبالتالي سنسمح للفلسطينيين بالتصويت في الكنيست، وسوف يمثلون %1 إلى إجمالي عدد السكان في إسرائيل”.