عبّر استقبال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في مدينة جدة عن مرحلة متقدمة من التقارب الإيجابي بين البلدَين، فيما أكّد وزير خارجية المملكة، الأمير فيصل بن فرحان، “مواصلة تنفيذ القرارات المتفق عليها لاستئناف العلاقات بين البلدَين الشقيقَين”.
تحدث الوزير الإيراني عن “أهمية الوحدة والحوار، واتخاذ العلاقات مع السعودية مسارًا صحيحًا، وأن التعاون سيعزز وحدة العالم الإسلامي. والزيارة الحالية تمهيد للقاء قادة البلدَين”، في إشارة إلى دعوة رسمية وجّهها الملك سلمان بن عبد العزيز للرئيس الإيراني لزيارة السعودية، ورغم قبولها إلا أن موعدها لا يزال مفتوحًا.
مع ذلك، لم تتوقف التساؤلات حول أبعاد المصالحة السعودية الإيرانية، وتأثيرها على خريطة المشهد السياسي في المنطقة العربية، وكيف ستنعكس على الملفات الملتهبة التي تهدد الأمن العربي وتلقي بظلالها الكثيفة على استقرار الشرق الأوسط، ثم من هو الرابح والخاسر حتى الآن من استكمال خطوات التقارب.
لا يمكن فهم ما يحدث الآن دون إطلالة على ساحات رئيسية، للصراع الإيراني السعودي خلال السنوات الأخيرة، بعدما راحت إيران تتمدد ميليشياويًّا في العراق وسوريا واليمن ولبنان، فيما قدمت السعودية نفسها كمدافع رئيسي عن الأمن العربي الإسلامي ضد ما كان يوصَف بـ”المخططات الإيرانية”.
غير أن “لقاءات التقارب” وجهود الوساطة الصينية التي تحولت إلى مصالحة (اتفاق سياسي ودبلوماسي) شكّلت بُعدًا جديدًا في العلاقة بين طهران والرياض، ضمن مسارات تستحق إلقاء الضوء عليها لبيان تداعياتها الإقليمية والدولية، وسط صراعات عالمية بين القوى والتكتلات الكبرى.
شرق جديد
تبشّر التحركات الجارية منذ مارس/ آذار الماضي بمولد نظام شرق أوسطي جديد، بعدما تسبّبت أجواء الحرب العالمية الأولى (1914-1918) في التأسيس لصراعات استمرت عقودًا، بعد انهيار الحكم العثماني ونشوء الدول القومية المعاصرة بموجب اتفاق سايكس-بيكو في صيف 1916.
ووفقًا لاتفاق سايكس-بيكو بين فرنسا وبريطانيا (ودعم إيطاليا والإمبراطورية الروسية)، تم اقتسام منطقة الهلال الخصيب (العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين المتقاطعة مع منطقة الأناضول واليونان وشبه الجزيرة العربية ومصر) بين فرنسا وبريطانيا، على حساب الدولة العثمانية التي فقدت سيطرتها على تلك المساحات.
الاتفاق الذي صادق عليه آنذاك الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا بيكو والبريطاني مارك سايكس في مايو/ أيار 1916)، أسندَ لبريطانيا فلسطين والأردن وجنوب العراق، ولفرنسا جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسوريا ولبنان، بينما حصلت روسيا على أرمينيا الغربية والقسطنطينية ومضائق تركية.
الشاهد في ذلك أن اتفاق سايكس-بيكو الذي شكّل نقطة تحول في الشرق الأوسط، كان المؤسس لمرحلة لاحقة من النزاعات التي لا يزال بعضها مشتعلًا حتى الآن في المنطقة العربية وعلى تخومها، وخلق “علاقات مرتبكة” بين 3 محاور رئيسية قادت الصراع الإقليمي خلال الـ 10 سنوات الماضية.
المحاور المتصارعة هي تركيا وإيران ومصر، مع حلفائها في الخليج والمنطقة العربية، بمساعدة قوى وتيارات وجماعات وسيطة انخرطت في الصراع لمناصرة المحاور الكبرى المتنافسة، وسط ترقُّب إسرائيلي وانشغال أمريكي بملفات داخلية ودولية على حساب تموضعها السابق في المنطقة.
خلال فترة الصراع بين المحاور الثلاثة، حدثت تحالفات مؤقتة وانهارت علاقات تقليدية ضمن حالة سيولة جيوسياسية غير مسبوقة في المنطقة، تضاربت خلالها العلاقات قبل أن تراجع الأطراف الرئيسية حساباتها مجددًا، مستهدفة تهدئة الأزمات ووقف الصراعات تمهيدًا لتصفير المشاكل.
وعملت عواصم الفعل الإقليمي، أنقرة والقاهرة وطهران والرياض، على إنجاز سلسلة من المواءمات السياسية، متجاوزة الأزمات الطائفية والعرقية والسياسية والاقتصادية، مع تراجع دور الأدوات الوظيفية التي كانت تنشط في الصراع الإقليمي (جماعات وفصائل وميليشيات مسلحة)، حيث ارتضت قسرًا “التجميد المؤقت”.
ساحة مشتعلة
قبل موجة المصالحات الإقليمية، كان الصراع بين محور الممانعة (بقيادة إيران وسوريا) ومحور الاعتدال (مصر والسعودية والإمارات والأردن) بعد سنوات قليلة من غزو العراق عام 2003، ثم تبدى ذلك بوضوح في أجواء الحرب اللبنانية الإسرائيلية منتصف عام 2006.
في تلك الفترة، نشطت أطراف معادية لتغذية الصراع الإقليمي عبر الوقيعة الناعمة والتوريط المباشر (الإعلان عن كشف خلايا تستهدف شخصيات ومنشآت وبنى تحتية؛ إدراج شخصيات متهمة على قوائم العقوبات؛ اتهامات لفيلق القدس – طليعة قوات الحرس الثوري الإيراني بتوظيف عشرات الميليشيات ضد الأمن العربي).
لم تكن إيران بريئة تمامًا ممّا يتردد حول التدخل المباشر وغير المباشر في الجوار الإقليمي (لبنان واليمن وسوريا والخليج)، وبغضّ النظر عن المبررات التي تروجها كيانات محسوبة على طهران، فقد منحت تلك الممارسات الفرصة لأعداء السعودية وإيران لإشعال الصراع بينهما، وتحميلهما مسؤولية ما يحدث.
وُضح ذلك بعد صعود اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة (دونالد ترامب) وبريطانيا (بوريس جونسون)، ونتذكر الاتهامات المباشرة التي وجّهها جونسون خلال قيادته للمؤسسة الدبلوماسية البريطانية إلى طهران والرياض آنذاك، بأنهما “تديران حربًا بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط”.
أكد جونسون أن “هناك من يستغلون الدين والعرقيات لمصالحهم”، وأن “استمرار الحروب بالوكالة سببه عدم وجود قيادة قوية في تلك البلدان لتجاوز الانتماء المذهبي”، والواقع أن ذلك الطرح (القيادة القادرة) كان يتشكل في السعودية، من خلال التمكين للأمير محمد بن سلمان الذي قاد تحولات تنهي عداوات الماضي.
تحوُّلات ومراجعات
شهدت السياسة الخارجية السعودية خلال السنوات الـ8 الأخيرة تحولات واضحة (مراجعة وتقييم)، لعب خلالها الأمير محمد بن سلمان دورًا رئيسيًّا من خلال رؤية تراعي المكاسب والخسائر، وتنويع العلاقات الخارجية للمملكة طبقًا لرؤية السعودية 2030، بعد عقود من السير في فلك السياسة الخارجية الأمريكية.
عبّرت تقاطعات السعودية منذ عام 2015 (بداية الصعود السياسي للأمير محمد بن سلمان) عن انفتاح السياسة الخارجية السعودية على التكتلات الدولية، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، قبل مراجعة إقليمية مهمة كانت من تداعياتها المصالحة مع قطر، ومدّ الجسور مع تركيا، والتقارب مع إيران.
اعتمدت المراجعة السعودية على قدرات وإمكانات المملكة، والعمل على تحويلها إلى فاعل إقليمي في الشرق الأوسط، مع تعزيز مصالحها إقليميًّا ودوليًّا عبر هندسة ملفات الداخل، وتبنّي خطط تصحيحية للعلاقات الخارجية على أرضية الشراكة والمصالح المتبادلة، مع مراعاة التحالفات التقليدية.
عجّلت تعقيدات النظام الدولي وتسارع صراعاته والتحديات الداخلية للدول (في مجالات الاقتصاد والأمن والدفاع والبيئة والصحة والتعليم والطاقة) من التحولات السعودية، من خلال إعادة النظر في إدارة السياسات العامة، والتعاطي مع الملفات الشائكة، وليس فقط ترحيل الأزمات والاكتفاء بالتعايش معها.
خطاب انتقالي
تدرّج خطاب الأمير محمد بن سلمان تجاه إيران من الشدة في البداية إلى اللين، لأن “التفاهم مع طهران يتطلب تخليها عن الأيديولوجيا المتطرفة، ومحاولاتها للسيطرة على العالم الإسلامي ونشر المذهب الشيعي”، وفق حديثه لفضائية “إم بي سي” صيف 2017.
وأقرّ ولي العهد السعودي بصعوبة التفاهم مع إيران بمقابلة مع داود الشريان في مايو/ أيار 2017: “يحاولون السيطرة على العالم الإسلامي، فكيف يمكن التفاهم معهم؟”، وقال لمجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية في أبريل/ نيسان 2018: “ليس لدينا مشكلات مع المذهب الشيعي، لكن دعوتهم لبناء إمبراطورية بالقوة أحد أشكال التلاعب بالمسلمين”.
شهدت إيران عدة تحولات خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد موجة التظاهرات والاحتجاجات وهو أمر يشير إلى اتجاهات مستقبلية تتطلب التغيير المحسوب
لكن خلال حديثه لوكالة “بلومبيرغ” الأمريكية في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، قال: “يد المملكة دائمًا ممدودة بالسلام مع إيران، لتجنيب المنطقة وشعوبها ويلات الحروب والدمار”، وقال للإعلامي السعودي عبد الله المديفر على قناة “السعودية” في أبريل/ نيسان 2021: “نريد إيران مزدهرة وتنمو. لدينا مصالح مشتركة. نعمل مع الشركاء لإيجاد حلول”.
وعلى هامش قمة جدة للتنمية والأمن في يوليو/ تموز 2022، قال: “ندعو إيران باعتبارها دولة جارة تربطنا بشعبها روابط دينية وثقافية، إلى التعاون مع دول المنطقة والالتزام بمبادئ الشرعية الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والوفاء بالتزاماتها الدولية”، في تمهيد غير مباشر للمصالحة بين البلدَين برعاية الصين.
اللاعب الصيني
شكّلت رعاية الصين للمباحثات بين السعودية وإيران ببكين في 10 مارس/ آذار الماضي نقطة فاصلة، بعدما أقرت “احترام السيادة، والشؤون الداخلية، واستئناف العلاقات الدبلوماسية، وفتح السفارتَين والممثليات، وتفعيل الاتفاقيتَين الأمنية والاقتصادية، واستئناف الرحلات الجوية، وتسهيل التأشيرات، وزيارات الوفود”.
الواقع أن جهود الصين لتقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران بدأت منذ مارس/ آذار 2017 خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز للصين، لكن تعطلت بسبب عمليات إرهابية تعرضت لها مرافق ومنشآت نفطية سعودية، وتكررت الرغبة الصينية خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان لبكين عام 2019 دون نجاح.
وجاء “اتفاق بكين” بعد عامَين من المحادثات في العراق وسلطنة عُمان خلال عامَي 2021 و2022، شهد 5 جولات من المحادثات الدبلوماسية والسياسية والأمنية بين السعودية وإيران، استهدفت تخفيف التوتر وتحديد أطر المباحثات والملفات والقضايا ذات الأولوية، انتهت بأجواء إيجابية.
تعي الولايات المتحدة طبيعة هذه التطورات، ضمن جهودها التي تستهدف احتواء إيران الحليفة لروسيا خلال الحرب الأوكرانية، عبر خطوات تصالحية، أهمها تحرير 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمّدة
وخلال الجولات المذكورة، تبدّى الدور الواضح للقيادات الأمنية والاستخباراتية من السعودية (رئيس جهاز الاستخبارات العامة الفريق خالد الحميدان) وإيران (الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني)، تأكيدًا على أهمية القضايا الأمنية التي كانت السبب في تعكير أجواء العلاقات بين البلدَين.
وكان دخول الصين على خط المصالحة السعودية الإيرانية بمثابة دفعة قوية، بما تمثله الصين من حضور فاعل في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة اقتصاديًّا ودبلوماسيًّا، فهي تمثل من وجهة نظر السعودية وإيران “ضمانة دولية” لتعزيز وحماية اتفاق المصالحة، خاصة مع مصداقية رعايتها للمفاوضات.
حسابات إيرانية
تتعدد النظرات الداخلية الإيرانية إلى ملف المصالحة مع السعودية، فهي تعزز قوة الجبهة الداخلية بعد الصراع بين تيار الإصلاحيين والمحافظين (بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي)، خاصة خلال الـ 20 عامًا الماضية، دون انتصار أحدهما على الآخر، قبل أن يخفف فوز الرئيس إبراهيم رئيسي (19 يونيو/ حزيران 2012) من حدة الصراع.
ومن شأن المصالحة السعودية الإيرانية تعويم النظام السياسي في إيران الذي يسيطر عليه رجال الدين منذ حوالي 34 عامًا، بينما سلسلة المصالحات الإيرانية الإقليمية المرتقبة سترضي طموح الإصلاحيين في تخفيف العداوات الخارجية، التي يوظفها التيار المحافظ في الهيمنة على السلطة.
شهدت إيران عدة تحولات خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد موجة التظاهرات والاحتجاجات متعددة الأسباب والمطالب (الحقوق والحريات وقضية الحجاب الإلزامي)، وهو أمر يشير إلى اتجاهات مستقبلية تتطلب التغيير المحسوب، خاصة مع تراجع قاعدة الدعم الشعبي للمحافظين.
تعي الولايات المتحدة طبيعة هذه التطورات المتلاحقة، ضمن جهودها التي تستهدف احتواء إيران الحليفة لروسيا خلال الحرب الأوكرانية، فقد شرعت واشنطن في مدّ الجسور مع طهران (برعاية قطرية) عبر خطوات تصالحية، أهمها تحرير 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمّدة في كوريا الجنوبية.
وبموجب الاتفاق، سيتم إرسال المبلغ إلى حسابات إيرانية في بنوك قطرية، حتى تستخدم في توفير احتياجات إنسانية، إلى جانب خطوة إيجابية أخرى ممثلة في اتفاق تبادل للسجناء بين البلدَين، ما يخفّف من عملية توظيف التصعيد الأمريكي في الترسيخ لسلطة المحافظين في إيران.
تأكيدًا على أهمية إنهاء الخلافات العالقة، يرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن “الاتفاق الإيراني السعودي سيغير المعادلات في المنطقة. سياسة الإيرانوفوبيا تستهدف الأمن والاستقرار الإقليميَّين. إيران تتفهّم مخاوف الدول المجاورة. الحد من هذه المخاوف يتمثل في احترام السيادة المشتركة”.
مكاسب عديدة
لا تنعكس تداعيات المصالحة السعودية فقط على ما يحدث في الداخل الإيراني، من تحصين الجبهة الداخلية وتسريع الخطط الإيرانية التي تستهدف الخروج من أزمات الحصار الدبلوماسي، والعقوبات الاقتصادية، وتجميد الأرصدة المالية، والاستفادة الاقتصادية من المجال الحيوي في الخليج والشرق الأوسط، بل أيضًا تنعكس على ما يلي:
– تعزز المصالحة الأمن الإقليمي، وتقطع الطريق على أي مغامرة إسرائيلية مرتقبة على النحو الذي كان سيحدث قبل الاتفاق، عبر استغلال الخلافات في التحريض وتنفيذ الهجمات (سوريا وشمال العراق والتحرش بالسيادة الوطنية اللبنانية) للتمويه على البرنامج النووي الإسرائيلي، وترسانتها من الأسلحة غير التقليدية.
– تنعكس المصالحة على المشهد السياسي العربي، حيث ترتّب عنها إعادة سوريا إلى حضن جامعة الدول العربية، مع المزيد من التسويات الإقليمية المرتقبة (العراق وسوريا واليمن ولبنان)، ما يعيد الاعتبار إلى جهود التنمية بعد سنوات من الصراعات المتفجرة التي كانت نتائجها مأساوية.
– التقارب السعودي الإيراني (أكبر قوتَين إقليميتَين على ضفتَي الخليج) يعزز مكانتهما في العالم الإسلامي، ويرسّخ لجهود مواجهة الطائفية التي كانت تتمدد عبر استغلال أطراف معادية للبلدَين، في توظيف النزاع في صناعة حالة قطيعة بين الطوائف الإسلامية وتسيء للدين نفسه.
– تعزز المصالحة مكانة العالم الإسلامي وسط التكتلات الدولية، خاصة في ظل ما تمثله السعودية وإيران اقتصاديًّا، وتصنيفهما في مجال الطاقة كأركان مهمة في منظمة أوبك للدول المنتجة للنفط، وعضوية تحالف أوبك بلس لكبار المنتجين والمصدّرين، فضلًا عن احتياطي الدولتَين من الطاقة.
– كما تعزز جهود الأمن البحري في الخليج والبحر الأحمر وبحر العرب، وبعد عودة العلاقات الطبيعية بين الرياض وطهران، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان خلال زيارته لطهران: “التعاون بين الرياض وطهران يعزز الأمن الإقليمي وأمن الملاحة البحرية والممرات المائية”.
– باتت الصين قوة سلام وفق تأكيدات مؤسستها الدبلوماسية، وجهودها الحمائمية من الحرب الروسية الأوكرانية إلى المصالحة السعودية الإيرانية، وهو أمر من شأنه تعزيز المصالح الاقتصادية الصينية، خاصة مشروعها الضخم “طريق الحرير” الذي يستهدف تنشيط حركة التجارة الدولية.
تظل بعض الملفات عالقة كحقل الدرّة البحري للغاز، حيث تطالب إيران بالتنقيب فيه حال عدم ترسيم الحدود، فيما ترى السعودية أنها والكويت أصحاب حق استغلال الثروات الطبيعية في منطقة الحقل
– التحركات الصينية في منطقة الشرق الأوسط تضع الولايات المتحدة الأمريكية أمام تحدٍّ هام، يفرض عليها تغيير طريقة تعاطيها مع المنطقة، وتبنّي رؤية جديدة تعزز التعاون بعدما باتت بكين تفرض نفسها كبديل لواشنطن في ملء الفراغ الحاصل، بسبب الانشغال الأمريكي بصراعات دولية في مناطق أخرى (أوروبا الشرقية وآسيا).
– تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن تنويع السعودية لعلاقاتها الدولية لن يكون على حساب التحالف الاستراتيجي بين البلدَين، بعمقه التاريخي ومحطاته المتعددة، لكنها على قناعة بأن الحاضر ليس كالماضي في تسيير هذه العلاقة، وأن السعودية يهمّها بالأساس الحفاظ على مصالحها الإقليمية والدولية.
ويبقى أن تلبية الدعوة الرسمية التي وجّهها الملك سلمان بن عبد العزيز للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة الرياض، ستضع المزيد من النقاط فوق الحروف، وقد كشف وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أنه “سيتم تلبيتها في الوقت المناسب، وأن طهران تتخذ خطوات صحيحة لتعزيز علاقات الجوار”.
لكن تظل بعض الملفات عالقة كحقل الدرّة البحري للغاز، الواقع في المنطقة البحرية غير المرسّمة بين الكويت والسعودية، حيث تطالب إيران بالتنقيب فيه حال عدم ترسيم الحدود، فيما ترى السعودية أنها والكويت أصحاب حق استغلال الثروات الطبيعية في منطقة الحقل (يحتوي على 13 تريليونًا من الغاز الطبيعي).
وحقل الدرّة شبه معطل منذ 58 عامًا، ويعود النزاع حوله إلى ستينيات القرن الماضي، قبل مبادرة السعودية والكويت للاتفاق على تطوير الحقل، وتقاسم الأرباح بالتساوي في المناطق المحايدة، وتعيين إدارة مشتركة للموارد في المناطق البرية والمغمورة، فهل تتجاوز المصالحة السعودية الإيرانية هذا التباين وملفات أخرى عالقة؟