على وقع احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة، يزدان العالم بصور بابا نويل أو سانتا كلوز، بإطلالته السنوية المرحة المبهجة للأطفال، مرتديًا بزته الحمراء المزركشة، وحاملًا كيس هداياه الجميلة، وهو يمارس رياضة التزلج على متن عربته الخشبية ذات الزلاجات، التي تجرها الأيائل ذات القرون المتشابكة، عبر جبال ووديان يكسوها الثلج الأبيض القاني.
لم يكن ذلك سوى مدخلًا إلى موضوعنا القادم، والذي سيتحدث عن الألعاب الرياضية الشتوية، التي تعد فترة أعياد الميلاد بأجوائها الثلجية الباردة ذروة موسمها، الذي يمتد بين أواخر نوفمبر وأوائل مارس من كل عام، تلك الألعاب التي تشكل الثلوج الكثيفة والأراضي الجليدية المتجمدة، شرطًا أساسيًا لممارستها بمختلف أشكالها التقليدية والمبتكرة، سنتعرف عليها وعلى أبرز أماكن الاستمتاع بمشاهدتها وممارستها أيضًا، في سياق التقرير التالي:
معدات وأدوات التزلج على الثلج
قبل الدخول في شرح الرياضات الشتوية، علينا أولًا أن نتعرف أهم أدواتها وتجهيزاتها، والتي تختلف بالطبع باختلاف اللعبة ومكان ممارستها، ولكنها تتشابه في كونها تحتاج إلى نوع خاص من البذلات، التي تتميز بقدرتها على عزل الجسم عن الحرارة الخارجية رغم خفتها النسبية، مع ارتداء خوذة واقية ونظارة شمسية خاصة، إضافةً لانتعال نوع معين من الأحذية التي تربط بها الزلاجات الطويلة، والتي تتميز بدورها بالمرونة والمتانة معًا، كي تمكن المتزلج من تحقيق التوازن والتحكم بمساره، والذي يساعده فيه زوج القضبان المعدنية الرفيعة التي يمسكها بيديه.
أما فيما يتعلق بألعاب التزلج على الجليد، فينتعل المتزلجون فيها أحذيةً مزودةً بشفرات معدنية في أسفلها، تمكنهم من التوازن والتحكم بمسارهم وحركاتهم، عبر تقنيات الدفع والإمالة، التي قد يجد المبتدئون صعوبةً كبيرةً في إتقانها أول الأمر، قبل أن تصبح من البديهيات السهلة مع الوقت والممارسة.
جانب من مسابقة التزلج على الثلج في بطولة العالم للبياثلون عام 2012
ويمكننا تقسيم الألعاب الرياضية الشتوية إلى نوعين، الأول يقام فوق الثلوج، والثاني على السطوح الجليدية المستوية، وتعتبر ألعاب التزلج على الثلج باستخدام المزلاج أهم الألعاب الثلجية وأكثرها انتشارًا وتتضمن أشكالًا مختلفةً من المسابقات، كالتزلج الحر بمختلف مسافاته ووضعياته، والتزلج المتعرج على مسار منحدر، وسباق الزحافات الثلجية الفردية والجماعية، وسباق التزلج الطويل المعروف باسم التزلج الريفي، ولعبة القفز التزلجي التي تتضمن التزحلق أولًا ومن ثم القفز لأبعد مسافة ممكنة، وكلها ألعاب تمارس على نطاق واسع، ولها منافساتها ومسابقاتها المعتمدة عالميًا وعلى المستوى الأولمبي.
كما توجد ألعاب ثلجية أخرى تمارس على نطاق أضيق، كمسابقة جر العربات الثلجية وتسلق الجبال الثلجية والتجديف الثلجي والتزلج المظلي وهي لعبة ممتعة يقوم المتسابق فيها بالتزلج والطيران معًا، و(البياثلون) وهي مسابقة مركبة شيقة، تتضمن ثنائية التزلج على الثلج والرماية بالبندقية من وضعيات مختلفة.
جانب من منافسات لعبة Curling في أولمبياد سوتشي 2014
أما الألعاب التي تمارس على السطوح الجليدية المستوية، فهي أكثر تنوعًا وانتشارًا، بحكم إمكانية إقامتها ضمن صالات صناعية خاصة غير خاضعة لمناخ البلاد الطبيعي، وتعتبر سباقات التزلج بأنواعها المختلفة، الطويلة والقصيرة، والفردية والجماعية، أشهر تلك الألعاب وأسهلها ممارسةً، بعكس ألعاب أخرى تتطلب مهارات فنية خاصة، كالرقص الإيقاعي على الجليد والتزلج البهلواني والتزحلق الشراعي، وكلها رياضات اكتسبت الطابع العالمي، من خلال دخولها ضمن منهاج الألعاب الأولمبية الشتوية، شأنها شأن لعبة هوكي الجليد، التي تعد الرياضة الجماعية الأكثر شهرةً بين الألعاب الشتوية، حيث يتبارى خلالها فريقان من 6 لاعبين، يمسك كل منهم بعصى معقوفة، يضرب بواسطتها قطعةً صغيرةً مطاطيةً سوداء اللون تدعى Puck، في محاولة لتسجيلها في مرمى الفريق المقابل.
وتعبر لعبة Curling، أحدث الألعاب الشتوية الجماعية اعتمادًا في المنهاج الأولمبي، حيث تقام بين فريقين مكونين من 4 لاعبين، مهمتهم دفع صخرة مدورة يبلغ وزنها نحو 20 كغ، على سطح جليدي أملس، في محاولة لجعلها تستقر في منتصف دائرة الهدف الملونة، التي تبتعد بنحو 10 أمتار عن مكان التصويب.
جانب من حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية بسوتشي
وإذا انتقلنا للحديث عن أفضل الوجهات السياحية لعشاق الرياضات الشتوية، نجد أن البلدان الأوروبية، لا سيما الشمالية منها، هي الأفضل من حيث المناخ والتجهيزات لاحتضان الألعاب الشتوية، حيث تعتبر النرويج بقراها المتناثرة بين الجبال الثلجية، من أوائل دول العالم اهتمامًا بتلك الألعاب، إلى جانب جارتها أيسلندا ذات الينابيع الحرارية الدافئة، كما تعتبر دول وسط أوروبا كألمانيا والنمسا والتشيك من الوجهات المفضلة لعشاق الرياضات الشتوية، إلى جانب فرنسا وسويسرا وإيرلندا في أوروبا الغربية، وبولندا والمجر وروسيا في أوروبا الشرقية، حيث تمتلك روسيا واحدًا من أكبر وأشهر المنتجعات العالمية المخصصة لممارسة الرياضات الشتوية، وهو منتجع سوتشي على ساحل البحر الأسود، والذي استضاف النسخة الماضية من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2014.
التزلج في منتجع أولوداغ بتركيا
أما في القارة الآسيوية، فتعتبر تركيا بمناخها القارس البرودة شتاءً، ومسطحاتها المائية الواسعة، جنة عشاق الرياضات الشتوية في المنطقة بأسرها، وتتركز مراكز التزلج التركية خصوصًا في المناطق الشمالية التي تتميز بهطولاتها الثلجية الموسمية الغزيرة، حيث تعتبر منتجعات: أولوداغ بولاية بورصة، وبالاندوكن بولاية أرضروم، وساري قامش بولاية قارس شرقي الأناضول، وكارتالكايا القريب من مدينة بولو، أشهر مناطق ممارسة رياضة التزلج على الثلوج في تركيا، فيما تتميز منتجعات آيدر بولاية ريزا، وأرزينجان بمدينة أرزينجان، وإرجيس المتاخم لمدينة قيصري، بعمق ثلوجها واتساع مساحة مسطحاتها الجليدية، مما يتيح لعشاق التجديف الثلجي والتزلج الشراعي والتزلج المظلي، الاستمتاع بمتابعة وممارسة هذه الرياضات الشتوية النادرة.
ورغم قصر موسم الثلوج فيهما، تعتبر اليابان وكوريا الجنوبية، من أكثر دول آسيا اهتمامًا بالرياضات الشتوية، حيث سبق لمدينتي سابورو وناغانو اليابانيتين استضافة نسختين من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، كما تعد مدينة بيوتغ تشانغ الكورية الجنوبية العدة، لاستضافة النسخة القادمة من الحدث العالمي الأولمبي الشتوي مطلع عام 2018.
جانب من بطولة أكاديمية فاطمة للتزلج الاستعراضي بأبو ظبي
وبالانتقال إلى محيطنا العربي، نجد أن لبنان بمرتفعاتها الشاهقة وطبيعتها الخلابة، تعد الوجهة العربية الأولى لعشاق رياضات الشتاء، حيث تبرز أسماء عدة مناطق، أشهرها منتجعا: الأرز في محافظة الشمال، ومزار في محافظة جبل لبنان، واللذان يتميزان بالعمق الثلجي وطول مسارات التزلج المعتمدة، كما تحظى المغرب بمناطق مرتفعة صالحة لممارسة ألعاب الشتاء، كمنتجع غراند كامب الواقع على جبل أوكايمدن الذي يرتفع 3200م عن سطح البحر، ومنتجع مدينة إفران على سفح جبال ميشليفين.
ولم يقف المناخ الحار الخالي من الثلوج حائلًا أمام بعض الدول العربية، التي حققت حلم شعبها بمتابعة وممارسة الرياضات الشتوية الشيقة عن كثب، كما فعلت مصر بتشييدها 3 صالات جليدية مغطاة، كمجمعي سيتي سكيب مول وصن سيتي في القاهرة، وجنينة سيتي مول بشرم الشيخ.
كما حذت حذوها أغلب دول الخليج العربي، التي أصبحت تنظم سنويًا بطولة الخليج لهوكي الجليد، ضمن عدة صالات مغلقة مجهزة، كصالة التزلج التابعة لمول فلاجيو في العاصمة القطرية الدوحة، وصالة الثلج التابعة لمجمع سيف في العاصمة البحرينية المنامة، ومدينة الجليد في العاصمة السعودية الرياض، وصالة التزلج في العاصمة الكويتية، ومجمع سكي مول في مدينة دبي الإماراتية، إضافةً لحلبة التزلج في مدينة زايد الرياضية في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، والتي تستضيف سنويًا منذ عام 2015، فعاليات بطولة أكاديمية فاطمة الدولية للتزلج الاستعراضي، في حدث هو الوحيد من نوعه في المنطقة العربية.