ترجمة وتحرير نون بوست
من المرجح ألا تكون وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قادرة على القضاء على روسيا، وفي الأثناء، تود العديد من الأطراف أن يثأر الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، من قراصنة الإنترنت الروسيين من خلال إفشاء الأسرار الاستخباراتية التي تخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خاصة التفاصيل التي تتعلق بثروته المنهوبة التي تُقدر بنحو 160 مليار دولار، لكن قد تصيب هذه الأطراف خيبة أمل كبيرة في حال تيقنوا بأن كل هذه البيانات لا وجود لها.
وفي نفس الإطار، يمكن اعتبار فكرة فضح الرئيس الروسي وكشف جميع أسراره فكرة سديدة، ولعل هذا ما اقترحه ساسة العالم منذ ثلاث سنوات.
وبعد تلك الفترة، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن فرضها عقوبات جديدة على “بنك الرئيس الروسي الشخصي” عقب استيلائه على شبه جزيرة القرم، نتيجة لذلك، أصبحت المعارضة الروسية تستغل مسألة العقوبات، لإثبات فساد الرئيس الروسي، على امتداد السنوات العشرة الماضية، وعلى الرغم من فظاعة هذه الحقائق، فإنه لا يمكن لأي شخص الاطلاع على تفاصيل هذه القضية، لأن المعلومات المتعلقة بها ليست متاحة على الإنترنت.
في الواقع، تكمن المشكلة الأساسية في تلاعب الرئيس فلاديمير بوتين بالقانون، حيث يستغل العديد من العقارات والأراضي التي لا تعود ملكيتها له، وبالتالي، يُعتبر بوتين أبرز ممثل للنظام الكليبتوقراطي أو لنظام اللصوص بكل ما للكلمة من معنى، إذ يكتفي بالإشارة إلى ما يريد، ويتوجب على مالك العقارات التفريط فيه طواعية أو كراهية.
ولعل أكبر شاهد على سوء استغلال بوتين لسلطته، قصة روبرت كرافت الذي قدّم خاتم البطولة في الدوري الأمريكي في سنة 2005، هدية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولاحقًا صرّح مالك فريق “نيو إنغلند باتريوتس” روبيرت كرافت، أن الرئيس بوتين طلب منه رؤية الخاتم، لكنه وضعه في جيبه بدل إرجاعه له، ثم غادر رفقة حراسه الشخصيين.
في المقابل، يبدو أن الفساد المالي المستفحل في هياكل النظام الروسي والقائم على سياسة النهب والسرقة والتعتيم الإعلامي أقحم بوتين نفسه في “انقلاب مالي” في نهاية سنة 2016.
وفي هذا الصدد، أقدم المسؤولون العاملون تحت إدارة بوتين على الخصخصة الجزئية لشركة النفط العملاقة “روسنيفت” للتخفيف من حدة الأزمة المالية الروسية واستقطاب المستثمرين الغربيين، وفي الأثناء، اعترف البنك الإيطالي الذي أُسندت له مهمة الإشراف على عملية تمويل الأطراف التي ستقتني الأسهم الروسية، بعدم استعداده للقيام بهذه المهمة، نظرًا إلى أن لا زال في مرحلة دراسة المشروع.
من جهة أخرى، كشفت الصحافة الروسية عن حقيقة أن المشارك الغربي الرئيسي البريطاني السويسري للتجارة الدولية والتنقيب “جليكو”، يدين للبنوك الروسية بمبلغ قدره خمسة مليارات دولار، لذلك وقع استبعاده من الاستثمار في روسيا، ويظل السؤال المطروح يتمحور حول مصادر الأموال التي ستستعين بها السلطات الروسية لتمويل هذا المشروع، والطرف الذي سيتمكن من شراء كل هذه الأسهم.
وعمومًا، فإن النقاد ليسوا على خطأ عندما ساورتهم العديد من الشكوك بشأن فساد إدارة بوتين، ومن المرجح أن تتم الإطاحة ببوتين في أي وقت، تماما كما حدث مع غيره من الطغاة، فالعالم لم يتوقع يومًا حدوث الربيع العربي، أو اندلاع الثورة الأوكرانية، أو حتى سقوط القذافي، وقد يكون سقوط بوتين المفاجأة التالية التي يدّخرها لنا المستقبل.
والجدير بالذكر، أن رئيس شركة روسنفت إيغور سيتشين الذي يُعتبر حليف بوتين الأول، رفع العديد من الدعاوى القضائية بهدف قمع وسائل الإعلام الروسية التي تدينه وتثبت تورطه في قضايا فساد وسرقة مكّنته من امتلاك العديد من القصور واليخوت، كما شيد رجل الأعمال المشهور سيتشين قصرًا تبلغ تكلفته الإجمالية مليار دولار على شاطئ البحر الأسود، ثم زعم أن بوتين كان على علم بهذا المشروع، الذي تم تمويله عن طريق الأموال المخصصة لبناء أحد المستشفيات، وفي الحقيقة، أكدت بعض الأطراف أن هذا العقار يمتلكه رجل أعمال تربطه علاقات طيبة مع النظام الروسي، لأنه يدفع الضرائب والرسوم الجمركية بانتظام.
ينبغي على وكالة الاستخبارات المركزية أن تضع يدها على كل الملفات التي تحتوي على معلومات تخص الفترة الأولى في حكم بوتين، عندما لم يكن بوتين يحكم قبضته على وسائل الإعلام الروسية، وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأطراف وثقوا عملية اختلاس نحو 93 مليون دولار من الأموال المخصصة للتموين، وفقًا لما صرح به نائب رئيس بلدية سان بطرسبورغ بعد التحقيق الذي أجرته لجنة خاصة داخل المجلس التشريعي في المدينة.
ومن الملفت للنظر، أن بوتين استغل تفجيرات المبنى السكني سنة 1999 التي راح ضحيتها 293 شخصًا، لتعزيز موقفه في الساحة السياسية الروسية، وذكرت الصحف الأوروبية والروسية في موسكو غير الموالية للنظام الروسي، حتى قبل الهجمات، أن مثل هذه الاعتداءات وقع التخطيط لها من قِبل الشرطة السرية الروسي، كما أيدت العديد من الدراسات العلمية والصحفية الرأي القائل بأن هذه الأعمال “الإرهابية” وهندستها هي في الحقيقة من تدبير القوى الموالية لبوتين.
إن وكالة الاستخبارات الأمريكية لديها حتمًا تقديرات نهائية عن كل الجزئيات المفقودة في هذه الحلقة المفقودة، بالإضافة إلى ذلك، قد تكون وكالة الاستخبارات قادرة على كشف خبايا وحيثيات عديدة لا نعرفها عن جرائم القتل والتصفيات الجسدية وعمليات الاختفاء الغامضة التي من الممكن أن يكون بوتين متورطًا فيها.
يجب أن نتوقف عن خداع أنفسنا، فدعوة النائب الديمقراطي آدم شيف، إلى كشف أسرار بوتين أمام الجميع، جعلته يضع نفسه في موقف سخيف، والأهم من ذلك، أن الحكومات الغربية التزمت الصمت أمام جريمة البولونيوم في لندن التي كان ضحيتها المنشق ألكسندر ليتفينينكو، ورفضت اعتبارها عمل إرهابي، لماذا حدث ذلك؟ لأنها لا تريد أن تمارس المزيد من الضغوط على نظام بوتين خوفًا من ردود الفعل السلبية أو أن يؤدي ذلك إلى حدوث ما لم يكن في الحسبان، وقد يعني ذلك ظهور طاغية آخر عوضًا عنه.
ومن جهة أخرى، يُنظر إلى العقوبات التي أقرها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما، على أنها تهديد مباشر لبوتين، ولذلك، يجب أخذها على محمل الجد، لكن فرصة التغيير لا زالت قائمة، مع تولي ترامب لمهامه الرئاسية.
بعد تولي ترامب لزمام الأمور، لن تكون هناك ضمانات فعلية تخضعه للالتزامات التي أقرها أوباما، أو تدفعه لمواصلة سياسة العقوبات المسلطة على روسيا.
وفي نفس الوقت، إن توخي ترامب لسياسة تتراوح بين الشدة واللين، لا يعني أن بوتين سيتمكن من استغلال العلاقات الروسية الأمريكية كحجة دامغة ليظهر الولايات المتحدة الأمريكية في شكل تهديد جيواستراتيجي يتربص بروسيا، ويتقمص بذلك دور البطل من جديد.
المصدر: وول ستريت جورنال