رغم ما عرفته من صعوبات كبيرة في مستويات ومجالات عدة، فقد حملت سنة 2016، عديد من التطورات الأمنية والاقتصادية في تونس، بالإضافة إلى تراجع التحركات الاحتجاجية (رغم ارتفاع وتيرتها آخر السنة) مقارنة بالسنوات التي تلت ثورة يناير 2011، إلى جانب تشكيل حكومة وحدة وطنية بإدارة يوسف الشاهد القيادي في نداء تونس، انبثقت عن وثيقة قرطاج الموقع عليها من عدة أحزاب ومنظمات تونسية، ويأمل التونسيون أن تكون سنة 2017 “سنة الإقلاع وتحقيق نسبة نمو محترمة”، كما أكد رئيس البلاد الباجي قائد السبسي، في آخر خطاب له في السنة الماضية، فكيف ستكون سنة 2017 على تونس، حسب إعلامييها؟
كسب معركة الإرهاب
رغم التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية سنة2016 ، إلا أن تونس شهدت عديد من العمليات الإرهابية النوعية، ويقول الصحفي التونسي، في شبكة تلفزيون العربي مكتب تونس وسام الدعاسي، في هذا الشأن، لنون بوست: “مرت تونس عام 2016 بعدة أزمات أمنية كادت تعصف بالتجربة الديمقراطية الناشئة التي تعد التجربة الوحيدة الناجحة في دول الربيع العربي، خاصة عندما أحبطت الهجوم الإرهابي الذي استهدف مدينة بنقردان (جنوب) في مسعى لإقامة إمارة لتنظيم الدولة راح ضحيته عشرات الأمنيين والجنود والمدنيين وأعقبه نهاية السنة اغتيال مهندس الطيران بحركة المقاومة الاسلامية حماس التي اتهمت جهاز الموساد الإسرائيلي بتنفيذ العملية ،كل ذلك يؤشر على تواصل الخطر الإرهابي في ظل تصريحات رسمية تقر بوجود تهديدات إرهابية”.
توقع الدعاسي أن تكون سنة 2017 صعبة على المستوى الأمني في ظل الحديث عن عودة المقاتلين التونسيين من بؤر التوتر
وشهدت مدينة بن قردان التونسية في مارس من السنة تطورًا نوعيًا في العمليات الإرهابية، حيث حاولت مجموعة مسلحة تنتمي إلى تنظيم الدولة الإسلامية احتلال مدينة بن قردان على الحدود مع ليبيا وإقامة إمارة داعشية، وبعد أيام من المواجهات سيطرت القوات الأمنية والعسكرية على المدينة بعد سقوط العشرات بين قتلى وجرحى في صفوف المسلحين والأمنيين والعسكريين والمدنيين، فكانت تلك العملية نقطة تحول جذرية في المجال النفسي والعسكري، وكشفت تلك الحادثة عن أن الأمنيين التونسيين قد توفرت لهم الخبرات الضرورية في إدارة المعركة مع هذه الجماعات المسلحة التي تلقت تدريبات عالية في مجال حرب العصابات والمدن.
وتوقع الدعاسي أن تكون سنة 2017 صعبة على المستوى الأمني في ظل الحديث عن عودة المقاتلين التونسيين من بؤر التوتر وهو ما سيشكل خطرًا على الأمن الداخلي مما دفع السلطات إلى رفع درجة التأهب الأمني والتمديد في حالة الطوارئ.
من جهتها هزت حادثة اغتيال مهندس الطيران محمد الزواري ديسمبر الماضي في مدينة صفاقس جنوب تونس، البلاد، بعدما أعلنت حركة المقاومة الإسلامية انتماء الزواري إلى جناحها العسكري، واتهمت السلطات التونسية أطرافًا أجنبية بتنفيذ العملية، وخرجت على إثر هذه العملية الإرهابية، عديد من المسيرات للمطالبة بسن قانون لتجريم التطبيع، كما أدانت أحزاب ومنظمات، العملية، متهمة الموساد الإسرائيلي بالوقوف ورائها.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
مثلت أحداث بن قردان بداية النجاحات الأمنية الهامة في تونس
في ذات السياق يقول الصحفي التونسي أسامة الخريصي، صحفي بإذاعة مسك الخاصة لنون بوست: “بعد فاجعة اغتيال مهندس الطيران التونسي محمد الزواري في أواخر 2016 من قبل الموساد الإسرائيلي، فإننا ودون شك ننتظر رد الاعتبار لهياكل الإدارة العامة للمصالح الفنية (المخابرات التونسية) في2017 بعد أن أصبحت تونس مرتعًا للمخابرات الأجنبية”، وتابع الخريصي “مازال خطر الإرهابيين والأجهزة الأجنبية كبيرًا والتحديات ستكون أكبر في 2017″.
عراقيل اقتصادية رغم تلقي تعهدات استثمارية
لم تتجاوز نسبة النمو الاقتصادي في تونس، السنة الماضية 1.5%، ما ينذر بسنة صعبة حسب عديد من الخبراء، رغم المساعي الحكومية لتجاوز ذلك خاصة بتنظيمها مؤتمر الاستثمار الأخير، وفي حديثه لنون بوست، يقول الصحفي التونسي في وكالة الأناضول التركية للأنباء بمكتب تونس كريم البوعلي، كل المؤشرات تؤكد أن الحكومة التونسية ستواجه عراقيل في التعاطي مع الأزمة الاقتصادية رغم تلقي تعهدات استثمارية ومالية في مؤتمر الاستثمار مؤخرًا بقيمة نحو 15 مليار دولار في ظل ارتفاع الدين الخارجي إلى %64 من الناتج الداخلي وتراجع نسبة النمو، مقابل ارتفاع العجز المالي وارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى 650 ألف عاطل عن العمل.
لم يستبعد البوعلي في حديثه لنون بوست، إمكانية حدوث تحركات احتجاجية في تونس نتيجة توقع تتواصل أزمة الانكماش الاقتصادي في البلاد
وأوضح البوعلي “أن الأزمة السياسية التي مر بها حزب نداء تونس، كانت سببًا واضحًا في اختلال التوازنات العامة للسياسات الحكومية حيث ألقت الأزمة بظلالها على السلطة التنفيذية ما أدى لطرح مبادرة تشكيل حكومة وحدة وطنية وبالتالي انعدام الاستقرار السياسي الذي انعكس سلبًا على التشغيل والتنمية والاستثمار،” ولم يستبعد البوعلي في حديثه لنون بوست، إمكانية حدوث تحركات احتجاجية في تونس نتيجة توقع تواصل أزمة الانكماش الاقتصادي في البلاد خلال السنة الحالية، شبيهة بالتي عرفتها البلاد بداية السنة الماضية.
من جهتها، قالت الصحفية التونسية، في صحيفة الشاهد زينة البكري لنون بوست: “أتمنى أن يتحقق خلال سنة 2017، السلم الاجتماعي الذي غاب عن تونس منذ 6 سنوات تقريبًا، كما نرجو أن يتعافى الاقتصاد التونسي ويستقر سعر الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية”، وأضافت “أتمنى أن يتحقق النمو والتنمية العادلة بين مختلف مناطق البلاد والعمل على تحقيق العدالة الجبائية والحد من التهريب الذي أنهك الاقتصاد التونسي”.
بدورها عبرت الصحفية التونسية، العاملة في قناة دويتشه فيليه الألمانية مبروكة بوخذير في حديثها لنون بوست، عن أملها في أن تضع الدولة التونسية خلال هذه السنة حدًا للفساد المستشري في جميع القطاعات، “ذلك أن ما ينخر الاقتصاد التونسي من فساد هو ما يجعل من الصعب أن نخرج من دوامة الركود الذي يعيش على وقعه الاقتصاد التونسي”، حسب قولها.
تعتبر الرشوة والفساد من أبرز العراقيل أمام نمو الاقتصاد التونسي
وتابعت “نحن نحتاج عزيمة صادقة لإصلاح الإدارة التونسية ومحاربة الفاسدين حتى يكون لنا مجال لإصلاح الاقتصاد وجعله أكثر قوة وقدرة على التعافي، فالفساد المالي والإداري هو ما يجب أن نحاربه في العام الحالي، فالاقتصاد لا يزال هشًا بسبب ما تعرفه تونس من ارتفاع كبير لمعدلات الفساد، إذ إن حوالي 10% من الصفقات العمومية لا تتم في إطار الشفافية، وتشوبها عمليات فساد”.
وأكدت بوخذير “ضرورة تفطن الإعلاميين، اليوم، إلى هذه المسائل وكشف ملفات مهمة تثبت تورط مسؤولين في الدولة في الفساد والعمل على قطاعات تتعلق بها ملفات فساد مثل الديوانة والجهاز الأمني وقطاع الأعمال الذي يمثله رجال الأعمال، إضافة إلى قطاع الطاقة والنفط”.
وخلصت بقولها: “إذا تم معالجة هذه الملفات فإن الاقتصاد التونسي قادر على التعافي دون الاضطرار للتداين الخارجي الذي يجعل الاقتصاد يتهاوى والحكومات عاجزة على إصلاحه والاستجابة لمتطلبات الشارع التونسي والمواطن الذي ما زال غير قادر على تأمين العيش الكريم لا سيما في المناطق الداخلية التي مازالت تعاني التهميش بسبب مركزية القرار وبسبب ممثليها المحليين الذين تتعلق بهم أيضًا ملفات فساد”.
مساع حثيثة لدعم القطاع السياحي
تراجع الاقتصاد التونسي خلال السنوات الأخيرة، كان في نسبة هامة منه نتيجة الضربات الإرهابية التي عرفتها البلاد، ضربات إرهابية أثرت في القطاع الاقتصادي التونسي، خاصة في المجال السياحي، الذي تأمل الصحفية التونسية في شبكة تونس الإخبارية مروى محجوبي، أن يتحسن خلال السنة الحالية، وقالت مروى في حديثها لنون بوست: “يجب أن يرتكز العمل خلال سنة 2017 على استقطاب أسواق جديدة غير الأسواق الأوروبية”، وأكدت محجوب ضرورة دعم السياحة الداخلية على مستوى الأسعار وتحسين الخدمات التي أصبحت دون المطلوب.
وبلغ عدد السياح إلى حدود 30 من نوفمبر الماضي 5 ملايين و200 ألف سائح منهم أكثر من 1.5مليون سائح جزائري، فيما بلغ عدد السياح الأوروبيين 2.5 مليون من ضمنهم 600 ألف روسي، وتوقع الرئيس التونسي تحقيق الاقتصاد التونسي لنسبة نمو محترمة خلال السنة الحالية مع تسجيل تحسن في قطاع الفوسفات وعودة إنتاجه إلى نسقه العادي بالإضافة إلى تحسن مؤشرات القطاع السياحي خلال العام الحالي وبوادر طيبة للموسم الفلاحي المقبل.
من المتوقع أن تسجل تونس نسبة نمو بنحو %2.5، وفقًا لميزانية الدولة لعام2017
ومن المنتظر أن يعرف نسق الاستثمار في تونس زيادة مهمة خلال السنة الحالية، لتبلغ حدود 10.2%، بعد أن كانت في حدود 7% خلال السنة الماضية، وارتفاع نسبة الصادرات التونسية خلال هذه السنة بنسبة 6.8%، ومن المتوقع أن ترتفع الواردات بدورها بنسبة 5.7%، ووفق ميزانية تونس لعام2017، من المتوقع تسجيل نسبة نمو نحو %2.5، مقابل %1.5 متوقعة لكامل عام 2016، إضافة إلى بلوغ نسبة تضخم في 2017 نحو %3.6، ونسبة تداين %63.8، وتسجيل عجز في الموازنة قرابة %5.4.
أمل في تقوية الصحافة وحماية الصحفيين وضمان حقهم في النفاذ إلى المعلومة
بالرغم من احتلال تونس، المرتبة الأولى عربيًا في مجال حرية الصحافة، حسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أصدرته منظمة “مراسلون بلا حدود” ل سنة 2016. فقد عرف مجال الحريات في تونس خلال السنة المنقضية عديد التضيقات على الصحفيين وحرية التعبير. وأرجع الصحفي التونسي العامل في قناة نسمة الخاصة زايد الزيادي، لنون بوست، تراجعت الحريات في تونس، إلى ” عودة الرقابة الأمنية خاصة بعد العمليات الارهابية التي هزت البلاد.”
رغم التضيقات عليهم، يأمل صحفيو تونس في كسب معركة الحرية
وأضاف، “بالنسبة لوسائل الاعلام هناك تضييقات في الآونة الأخيرة وصد في توفير المعلومة خاصة من الهياكل الرسمية للدولة، إضافة إلى تسجيل محاولات عرقلة لعمل الصحفيين أثناء عملهم الميداني من قبل قوات الأمن.
لم تخفي الصحفية زينة الشواشي، أملها في أن تكون السنة الحالية أفضل من السنة التي سبقتها في مجال حرية التعبير
وعرفت تونس، خلال السنة الماضية، عديد التضيقات الأمنية لعمل الصحفيين، كان أخرها الشهر المنقضي، عقب اغتيال الشهيد التونسي، محمد الزواري، ووصفت نقابة الصحفيين التونسيين هذه التضيقات بال”غيرالمقبولة”.
ولم تخفي الصحفية زينة الشواشي، العاملة في نفس القناة السابق ذكرها، أملها في أن تكون السنة الحالية أفضل من السنة التي سبقتها في مجال حرية التعبير، وقالت في تصريح لنون بوست، “نرجو أن نواصل خلال سنة 2017 تقوية الصحافة وحماية الصحفيين وضمان حقهم في النفاذ إلى المعلومة دون تهديدات وأن تتحسن علاقة الصحفي بالأمني أكثر وأكثر وعدم تدخل رؤوس الأموال في الاعلام لتكون صحافة حرة مستقلة تخدم المواطن لا أجندا معينة.”