الكل يتذكر إعصار كاترينا الذي ضرب نيو أورليانز 2005م، ففي الوقت الذي عانى مئات الآلاف من الأمريكيين الفقراء من التدمير الذي لحق منازلهم وأعمالهم، شاهد العالم كارثة الفصل العنصري الذي تحيا عليه أمريكا، عندما استطاع فقط الهروب من المدينة الأغنياء بسياراتهم الفاخرة، بينما قبع الفقراء والمساكين يلاقون مصيرهم دون مساعدات تذكر من الدولة.
تحكي ناعومي كلاين في عقيدة الصدمة أن الوضع الكارثي وقتها كان شبيهًا بما رآه الناس في العراق، وهو وضع لا يستفيد منه إلا أصحاب ميلتون فريدمان عراب النيوليبرالية واقتصاد الصدمة والكوارث، الذي سارع بإرشاد السياسة الأمريكية إلى الاستفادة من الوضع، كيف ذلك؟
قال فريدمان، وفقًا لناعومي: “هذه المدارس التي خُرِّبت ومنازل الأطفال الذين يدرسون فيها وتم توزيعهم في البلاد، هذه مأساة، ولكنها فرصة للإصلاح الجذري في نظام التعليم!” حيث طالب بخصخصة كامل النظام التعليمي.
استمع الآن إلى إعلام الدولة المصرية مناشدًا: “إن التعليم في مصر مكلف ويكبد الدولة أموالًا طائلة دون داعٍ، ويجب إغلاق المدارس لعدم حضور الطلاب إليها أو الحاجة إلى الذهاب للمدارس”.
فهو يدعو صراحة إلى خصخصة النظام التعليمي، ولا عجب فإنه بوق من أبواق المخابرات، ولا يتكلم إلا بما يملى عليه، والغرض تهيئة الجو العام، والتمهيد للمصيبة قبل وقوعها، كما هو المعتاد قبل كل كارثة.
ثم يأتي رأس الدولة فيتكلم عن التعليم وفساده بل وضياعه وجدواه، ثم بعد حادثة الكنيسة البطرسية تشتد الهجمة على التعليم الديني خاصة، وعلمنة التعليم وزيادة جرعات إرساء القيم العلمانية.
هكذا تعمل الماكينة الرأسمالية الاستعمارية في استغلال الكوارث والدمار الذي يلحق بالبلاد، لتأتي الشركات “الكوربوريشن” الأمريكية والأجنبية العابرة للقارات لتعمل ماكيناتها فيما يسمونه “إعادة الإعمار”، وهو في حقيقته “إعادة الاستعمار”، حيث يسيطرون على مقدرات البلاد وثرواتها، ويملكونها وفق منظور دولي مقنن، مثلما حدث في العراق وأفغانستان وغيرهما، والأمثلة تفوق الحصر.
وكذلك حدث في إعصار تسونامي 2004م في سريلانكا، تم تشريد شعوب المناطق التي أصابتها الكارثة، وخصخصة الأراضي وبيعها للفنادق الكبرى الفاخرة.
وهذا يدعو للتساؤل عن جملة الحرائق التي تصيب الكثير من المناطق العشوائية ومناطق الأسواق وغيرها مما تشتكي منها الدولة دائمًا، ماذا حدث لها بعد ذلك، من يعرف؟ ولماذا تزامنت هذه الحرائق مع تطبيق سياسات الصندوق، واتجاه الدولة الفج لخصخصة الأراضي والمصانع والمدن وسائر البلاد والعباد؟
ملخص النظرية
فريدمان ورفاقه والنيوليبرالية واقتصاد الصدمة والكوارث، يزعمون أن الدولة والمجتمع لن ينهضا من الناحية الاقتصادية إلا إذا تسلم زمام الاقتصاد رجال المال والأعمال وأصحاب الشركات الكبرى ورؤوس الأموال الضخمة، وبالجملة فهم الأثرياء والأقوياء، الذين يجب أن ينفتح الطريق لهم على مصراعيه ليتصرفوا كيفما شاءوا، دون قيود من الدولة والمجتمع، فهم أعرف الناس بالمصلحة.
وقارن بين هذه النظرية والعقيدة وتصريح وزيرة التعاون الدولي المصري سحر نصر، عندما سُئلت عن أسباب خصخصة المرافق العامة، قالت: “لأن الحكومة المصرية تعرف أنّ مستقبل مصر مرتبط بدعم التطلعات الاقتصادية لرجال الأعمال الموهوبين بعيدًا عن التدخل العنيف للدولة”.
فانظر كيف تتفق كلمات المسؤولين المصريين مع كلمات منظري اقتصاد التوحش والصدمة. والهدف نهاية الأمر أن تصبح الدولة وفق المنظور الاستعماري ليست أكثر من:
1- مورد للمواد الخام، تأخذه الشركات العالمية بأبخس الأثمان.
2- سوق للشركات العالمية تطرح فيه منتجاتها بأغلى الأثمان.
3- خادم مطيع لما يطلب منها من أغراض سياسية وعسكرية وخلافه.