تحث بريطانيا الخطى لإيجاد شركاء تجاريين في أنحاء عديدة حول العالم بغرض تعزيز التبادل التجاري وبناء شبكة علاقات تجارية من جديد قبل عرض المادة 50 على المجلس الأوروبي التي تقتضي طلب بريطانيا مغادرة الاتحاد.
وزير المالية هاموند في جولة خليجية
بدأ فيليب هاموند وزير المالية البريطاني جولة خليجية ابتدأها من الكويت التقى فيها وزير المالية ومحافظ البنك المركزي أمس الأربعاء وقال في بيان صحفي: “هناك إمكانية كبيرة لتوسيع علاقاتنا الاقتصادية والاستثمارية مع حلفائنا في الخليج مستقبلًا”، ومن ثم انتقل إلى الإمارات اليوم الخميس للقاء مسؤولين في صناديق ثروة سيادية وشركة بترول أبوظبي الوطنية ومن ثم سيزور قطر ليجتمع مع وزير المالية وجهاز قطر للاستثمار ومحافظ البنك المركزي هناك.
وزارة الخارجية البريطانية أشارت في تغريدة لها على تويتر أن وزير الخزانة يسعى لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الحلفاء في الخليج وأن جولته تعكس التزام بريطانيا بتوطيد الروابط الاقتصادية والاستثمارية مع دول العالم.
يبلغ حجم التبادل التجاري السنوي بين بريطانيا ودول الخليج أكثر من 22 مليار جنيه إسترليني
من الطبيعي أن تكون تحركات الحكومة البريطانية في هذا الجانب مكثفة قبل الخروج من التكتل، فعملية الخروج ستجعل بريطانيا متحررة من جميع الاتفاقيات التجارية الموقعة بين الاتحاد الأوروبي ودول العالم، وكونها ستخرج من عباءة الاتحاد سيكون لزامًا عليها أن تعيد شبكة علاقاتها التجارية مع دول العالم من جديد، وعليه فإن بريطانيا في هذا الوقت بالذات منفتحة على التجارة الخارجية وزيارة وزير المالية إلى المنطقة الخليجية تُقرأ من هذا الجانب.
بجانب أن بريطانيا لا تريد لمدينة لندن مركز المال والأعمال أن تفقد مكانتها المالية العالمية ولطمأنة دول الخليج أن المصارف مستمرة في عملها ولن تغلق مكاتبها في لندن كما يؤكد هاموند لـ”سي إن بي سي عربية” أن خروج بريطانيا سيكون فرصة لدول الخليج ودول العالم لتعزيز علاقاتها التجارية مع بريطانيا التي تعتبر 6 أكبر اقتصاد في العالم.
وتأتي زيارة هاموند بعد مشاركة رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي في القمة الخليجية الـ37 الشهر الماضي، حيث أكدت ماي خلال لقاءاتها مع قادة دول المجلس على العلاقات الاستراتيجية بين بريطانيا ودول المجلس وناقشت فرص ترتيبات تجارية بين بريطانيا ودول المجلس، بالإضافة لترتيبات اتفاقية للتجارة الحرة بين بريطانيا ودول مجلس التعاون، علمًا أن ماي تعد أول رئيس وزراء لبريطانيا وأول امرأة وثاني زعيم أوروبي يحضر قمة خليجية.
ولكن لماذا كل هذا الاهتمام بدول الخليج؟
توجه بريطانيا لدول الخليج ينظر إليه من زاويتين: الأول ضمان سوق استهلاكية لمنتجاتها المختلفة في جميع المجالات الصناعية والتقنية.. إلخ والأخص الدفاعية، والثاني استمرار تدفق رؤوس الأموال الخليجية إلى بريطانيا، مع ضمان بقائها كحليف تجاري واستراتيجي لما بعد الخروج.
وبالنظر إلى رؤية الدول الخليجية للابتعاد عن النفط بالتخلص من إدمان موازناتها على إيراداته من خلال البحث عن قنوات استثمارية وتنويع مصارد الدخل، فإن هناك حاجة خليجية لتوجيه أموالها إلى قنوات استثمارية متنوعة وللقيام باستثمارات محلية بالتعاون مع شركات أجنبية، وتسعى بريطانيا أن تكون لها حصة في كلتا الحالتين.
بالنظر إلى الميزان التجاري بين بريطانيا والخليج يظهر أنه مائل لصالح بريطانيا، إذ يبلغ حجم التبادل التجاري السنوي بين بريطانيا ودول الخليج أكثر من 22 مليار جنيه إسترليني أي نحو 27 مليار دولار، ففي العام 2015 بلغ حجم التجارة الثنائية بين دول المجلس وبريطانيا أكثر من 30 مليار جنيه (38 مليار دولار) وتعد دول الخليج أكبر مستثمر في بريطانيا وثاني أكبر شريك تجاري خارج أوروبا.
زيارة هاموند تسعى لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع حلفائها الخليجيين
كما أن دول الخليج تحوي فرصًا استثمارية مهمة بالنسبة لبريطانيا في مجالات عديدة منها الطاقة والتعليم والبنية التحتية والرعاية الصحية، وقامت الحكومة البريطانية بتحديد فرص استثمارية للشركات البريطانية في 15 قطاعًا خليجيًا تقدر بنحو 30 مليار جنيه إسترليني خلال الخمس سنوات المقبلة تشمل جميع دول مجلس التعاون، وبالمقابل فإن هناك استثمارات خليجية كثيرة في بريطانيا تسهم في تجديد المدن البريطانية، إذ تقدر الاستثمارات الخليجية في بريطانيا بنحو 120 مليار جنيه إسترليني أو ما يعادل 153 مليار دولار تبلغ حصة العقارات منها نحو 45 مليار جنيه.
وتسعى بريطانيا من تركيزها على الخليج أيضًا الظفر بحصة من الصفقات الدفاعية الي تقوم بها دول الخليج مع العالم، إذ بلغ الإنفاق العسكري للسعودية وحدها في العام الماضي 2016 نحو 87 مليار دولار، ولتوثيق التعاون العسكري بين بريطانيا ودول الخليج ذكرت ماي في القمة الخليجية أن “أمن الخليج هو أمننا” وأضافت أن “بريطانيا ستستثمر أكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني في مجال الدفاع خلال السنوات العشر المقبلة”.
ومن المفترض أن يعقد المؤتمر الخليجي البريطاني بشأن الشراكة بين القطاعين العام والخاص خلال الربع الأول من 2017 في مدينة لندن للتركيز على خطط التحول الوطني والتنوع الاقتصادي في دول مجلس التعاون.
جملة ما سبق ذكره أن جولة وزير الخزانة البريطاني تعد إحدى الحلقات التي تعمل عليها بريطانيا قبل الخروج من الاتحاد ويأتي ضمن خطة لتوثيق علاقتها مع الخليج وضمان تدفق منتجاتها واستثماراتها إلى المنطقة وبالمقابل استقبال الاستثمارات ورؤوس الأموال الخليجية إلى بريطانيا.