تتواصل في مدن وبلدات سورية عدة يسيطر عليها نظام الأسد احتجاجات وإضرابات وسط حالة من الغليان والاحتقان المتصاعد على خلفية الوضع الاقتصادي المأزوم.
وتوسّعت رقعة الاحتجاجات خلال الأيام القليلة الماضية لتصل بين الجنوب والشمال السوريَّين، إذ تظاهر محتجون في محافظات درعا والسويداء وريف دمشق وحلب، طالبوا بتحسين ظروف حياتهم المعيشية والاقتصادية، كما ارتفعت الهتافات المطالبة برحيل رأس النظام بشار الأسد، مع ترسّخ الفقر والجوع وانعدام مقومات الحياة على كافة الأصعدة وتدهور الأوضاع الأمنية.
#شاهد: رسالة من المحتجين في السويداء إلى الأسد pic.twitter.com/8IiIGSTtN4
— السويداء 24 (@suwayda24) August 23, 2023
حراك شعبي في السويداء
ففي السويداء، جدد المحتجون في المحافظة إضرابهم لليوم الخامس على التوالي، إذ يشهد مركز المدينة وقرى وبلدات المجيمرة وسالة وقيصما والرحى وعرمان وبكا وسميع وولغا ومردك والمزرعة وشنيرة ونمرة شهبا والقريا وحبران وحرّان ومجادل وقنوات وسليم وسهوة الخضر ودوما، مظاهرات وقطعًا للطرقات الواصلة بين المدن والبلدات.
ويرفع المتظاهرون في احتجاجاتهم التي شهدت حضورًا من رموز طائفة الموحدين (الدروز) شعارات تطالب برحيل نظام الأسد، ونفّذ المحتجون إضرابات عامة في المحال والفعاليات التجارية والصناعية والدوائر الحكومية.
ساحة السير/الكرامة الآن، وسط مدينة السويداء، الاحتجاجات مستمرة.#إضراب_السويداء pic.twitter.com/NeJ22RywVS
— السويداء 24 (@suwayda24) August 21, 2023
وتجمهر مئات المتظاهرين في ساحة السير في مركز محافظة السويداء لليوم الثاني على التوالي للمطالبة برحيل النظام، إضافة إلى شعارات تضامنية مع جميع المحافظات السورية، كما تشهد عموم مدن وبلدات محافظة السويداء حراكًا شعبيًّا مماثلًا.
وسجّلت شبكتي “الراصد” و”السويداء 24″ (صفحات محلية على موقع فيسبوك ترصد أخبار الجنوب السوري)، عشرات النقاط الاحتجاجية منذ بدء المظاهرات في المحافظة.
وليل الاثنين/ الثلاثاء تظاهر عشرات الشبان في قرى المزرعة والصورة الصغيرة والرضيمة والخرسا والثعلة والغارية وساحة الكرامة وأم الرمان، في حين شهدت ساحة المشنقة في مركز المحافظة تظاهرة ليل الأحد/ الاثنين إلى جانب بلدات المتونة والخرسا وشقا التابعة للسويداء، وأعلن المحتجون عن تضامنهم مع جميع السوريين في استمرار الاحتجاجات والإضرابات السلمية.
وأكد الصحفي نورس عزيز أن حراك السويداء انتفاضة شعبية وعصيان مدني واحتجاجات لتكثيف شعارات الثورة السورية التي انطلقت خلال العام 2011، بعدما أيقن السوريون أنهم غير قادرين على تحمل النظام.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “الاحتجاجات مستمرة في محافظة السويداء، حيث أُغلقت الدوائر الحكومية في المحافظة من بينها فرع حزب البعث، وقُطعت الطرقات واعتصامات ووقفات احتجاجية في مختلف أرجاء المحافظة”.
وأضاف: “يطالب النظام الموظفين وأعضاء حزب البعث باستمرار الدوام، إلا أن المحتجين منعوهم، في حين لا يوجد تحركات للأجهزة الأمنية التابعة للنظام، إذ يخشى النظام تصاعد الاحتجاجات بشكل غير مسبوق، في حال أصبحت مواجهة بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية”، مشيرًا “أنه لا بدَّ من ظهور جسم يدير المحافظة مثل تشكيل مجلس محلي، والعمل على تنفيذ القرار 2254 الذي يعدّ مطلب جميع السوريين”.
وأصدر الرئيس الروحي للمسلمين الموحدين، الشيخ حكمت سلمان الهجري، بيانًا ليل السبت/ الأحد إلى السوريين، معبّرًا عن قلقه العميق إزاء الأوضاع الحالية، داعيًا إلى التحرك من أجل تحقيق التغيير والعدالة.
وقال في البيان: “الصمت لا يعني الرضا، فقد طاولت التصرفات والإجراءات لقمة العيش، فآن الأوان لقمع مسبّبي هذه الفتن والمحن ومصدري القرارات الجائرة المجحفة الهدّامة، ولنقتلع من أرضنا كل غريب وكل مسيء، وكل حارق مارق قبل أن يسرق أموالنا من موقعه”.
كما وجّه الشيخ الهجري رسالة صريحة إلى مسؤولي النظام، تحت عنوان “نريد العزة والكرامة”، شدد فيها على تصاعد الضيق والمعاناة اللذين ألمّا بالشعب جراء الأزمات المتلاحقة وسوء الإدارة، وساهم موقف مشايخ العقل في السويداء في تصاعد الحراك الشعبي في المحافظة، رافضًا النظام ومطالبًا برحيله في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية التي وصلت إليها البلاد.
تظاهرات في درعا
وفي درعا، شهدت مدينة نوى غربي المحافظة تظاهرات ليلية ليل الاثنين/ الثلاثاء، وقطع المحتجون خلالها الطرقات وأحرقوا الإطارات، وسط استهداف المدينة بقذائف المدفعية وإطلاق نار من مفرزة الأمن العسكري ومديرية المنطقة، حسب تجمع أحرار حوران.
وتظاهر أهالي بلدات ومدن تسيل وبيت آره وداعل والشجرة والصنمين وجلين وجاسم ليل الأحد/ الاثنين، حيث طالبوا برحيل النظام السوري وإخراج المعتقلين من السجون.
كما تظاهر مئات الشبان ليل السبت/ الأحد في درعا البلد أمام الجامع العمري، رفع خلالها المتظاهرون علم الثورة السورية وطالبوا بإسقاط النظام والإفراج عن المعتقلين، كما خرجت مظاهرات مماثلة في مدن طفس ونوى وصيدا وإنخل وتل شهاب والكرك الشرقي، إضافة إلى تنفيذ إضرابات شاملة للمحال والمراكز التجارية.
بدوره، قال الناطق باسم تجمع أحرار حوران أيمن أبو نقطة لـ”نون بوست”: “إن حراك أهالي درعا تضمّن تظاهرات شعبية وقطع للطرقات من قبل المدنيين، وإضراب للفعاليات التجارية في بعض المناطق، وطالب المتظاهرون بإسقاط النظام، والإفراج عن المعتقلين، وتحسين الأحوال الاقتصادية والمعيشية في البلاد”.
وأضاف: “أطلقت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام النار فوق المحتجين في مدينة نوى، كما أطلقت قنابل ضوئية في المدينة، ويحاول النظام من خلال الأجهزة الأمنية التواصل مع وجهاء المناطق لإيقاف الإضرابات والاحتجاجات الشعبية، إلا أن الأهالي في بلدة معربة رفعوا علم الثورة السورية، ويعملون على تنسيق احتجاجات شعبية في عموم المحافظة”.
احتجاجات ريف دمشق وحلب
وإلى ريف دمشق، شهدت مدينة جرمانا في 18 أغسطس/ آب الجاري مظاهرة احتجاجية شارك فيها العشرات، حيث انطلقت المظاهرة من أمام مجلس البلدية واتجهت نحو ساحة السيوف في وسط المدينة، رفعت لافتات منددة بتدهور الأوضاع المعيشية وتردي الخدمات، وأضربت المحال والفعاليات التجارية في المدينة، كما شهدت بلدة كناكر في ريف دمشق الغربي تظاهرات تنادي بإسقاط النظام، تحت شعار “ارحل بدنا نعيش”.
إلى حلب، شهدت عدة أحياء في مركز المحافظة تظاهرات شعبية، بينها حي طريق الباب وحي الحمدانية وحي الشعار الذي شهد تجمعًا لعشرات الشبان طالبوا فيه بإسقاط النظام، إلا أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام أطلقت الرصاص على المتظاهرين دون ورود إصابات، ما أدى إلى تفريق المظاهرة في المدينة.
من ثوار الشمال السوري إلى درعا والسويداء
مظاهرات شعبية في شمالي سوريا دعماً للحراك الثوري الشعبي في درعا والسويداء وبقية المناطق.#سوريا #درعا #السويداء #حلب #إدلب pic.twitter.com/Qnzu6QnBU1
— ثائر المحمد Thaer Al-Muhammad (@tha7yir) August 21, 2023
حراك الساحل السوري
ولم يشهد الساحل السوري حراكًا جماعيًا ضد الأسد أو اعتراضًا على الوضع الاقتصادي، لكن يمكن سماع أصوات معارضة لنظام الأسد في الساحل السوري، فقد خرج ناشط من أهالي مدينة اللاذقية على مواقع التواصل الاجتماعي مهددًا النظام في حال قرر مواجهة الشعب بالسلاح، في قوله: “البلد قامت من جديد.. والحمار يوقع بالجورة مرة واحدة.. البلد قامت لتكسر راسك، ما ضل حاضنة شعبية تسلحها وتقومها لتقتل المعارضين”.
كما تحدى ناشط في طرطوس نظام الأسد قائلًا: “تعال خدني من بيتي أو روح تمرجل على “إسرائيل” يلي عم تدقك كل يوم”، وأضاف خلال المقطع المصور: “زوجتك (في إشارة لأسماء الأسد) ما خلت شي بالساحل ما بادته، جوعت العالم، وأنا عم قولها بشكل مباشر بلّط البحر”.
واعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام يوم الأحد الماضي ناشطًا في مدينة جبلة جنوبي اللاذقية، بعدما انتقد سوء الأوضاع المعيشية والفساد، وذلك وسط تصاعد الأصوات المعارضة في البيئة التي كانت تُحسب أنها حاضنة للأسد.
ورفع النظام السوري رواتب موظفي القطاع العام، عقب اجتماعات حكومية خلصت إلى رفع الدعم عن الكثير من السلع المدعومة، في مقدمتها السلع الأساسية كالخبز والمحروقات، وسط انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي ووصولها عتبة الـ 17 ألف ليرة، في ظل أزمة اقتصادية خانقة وصلت إليها البلاد، ما فاقم الأوضاع المعيشية لدى السوريين.
الحراك السلمي السوري
بدأ الحراك الشعبي في عموم البلاد عقب إضراب يوم الخميس الماضي الذي دعت إليه جهة تطلق على نفسها “الحراك السلمي السوري”، بهدف تنفيذ عصيان مدني وإضراب شامل يوم الأربعاء الماضي، ردًّا على القرارات الاقتصادية الأخيرة التي أصدرها النظام مؤخرًا، وتردي الأوضاع الأمنية في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام السوري.
ويهدف الحراك السلمي السوري، بحسب القائمين عليه، إلى:
- الإفراج عن المعتقلين دون قيد أو شرط فوري.
- رحيل نظام الأسد الذي كان سببًا في دمار سوريا منذ مارس/ آذار 2011، يوم قابل الهتاف بالرصاص والكلمة بالبندقية.
- تفكيك المنظومة الأمنية الحاكمة للدولة منذ سبعينيات القرن الماضي.
- محاسبة المتورطين في عمليات القتل والتعذيب ومرتكبي جرائم الحرب من أي طرف كان.
ويعرّف الحراك السلمي السوري عن نفسه بأنه جهة غير سياسية ومستقلة، مكونة من مجموعة من الشباب السوري، ترفض السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي يمارسها النظام السوري، وتسعى للحرية والعدالة الاجتماعية وتطمح للتغيير من الداخل، وهدفها الأهالي الذين يعانون الأمرَّين جراء تلك السياسات غير المسؤولة، وتدعو الجميع للمشاركة في الحراك السلمي للوصول إلى الهدف المنشود في التغيير.
حركة 10 آب
وأعلنت مجموعة من الشابات والشباب السوري أطلقت على نفسها “حركة 10 آب”، يوم 10 أغسطس/ آب الجاري، عن بدء حراكها لإنهاء معاناة السوريين من سوء إدارة شؤون البلاد وتجاهل الدولة لمستقبل الشعب، إذ نشر نشطاء الحركة فيديوهات من عدة محافظات سورية على فيسبوك، يظهر فيها شبان وهم ينشرون قصاصات ورقية تحدد الهدف الذي انطلقت على أساسه الحركة.
وجاء في بيانها الأول أن الحركة تطالب رأس النظام أو رئيس وزرائه “بإصدار بيان علني وعبر القنوات الرسمية، يحدد من خلاله جدولًا زمنيًّا واضحًا مع تواريخ محددة بالشهر والسنة، تظهر تاريخ رفع الرواتب للموظفين في الداخل إلى ما يقارب 100 دولار شهريًّا كحدٍّ أدنى”.
بالإضافة إلى مطالب خدمية أخرى تتعلق بالكهرباء وإصدار جوازات السفر ودعم الخبز والمازوت والبنزين ومحاربة الكبتاغون، فضلًا عن مطالبات بإطلاق المعتقلين السياسيين، وإعلان قانون يكفل التوقف عن بيع أملاك الدولة للقطاع الخاص الأجنبي بشكل تام.
ومن مطالب الحركة:
- مطالبة حكومة دمشق بصفتها وريثة الدولة السورية بعد الاستقلال، بإرجاع الحكم والسلطة للسوريين بشكل سلمي، وذلك عبر تطبيق القرار الأممي 2254 وتحت إشراف دولي.
- مطالبة حكومة دمشق بكشف مصير كل المعتقلين السياسيين.
- مطالبة قوى المعارضة السورية داخل سوريا وخارجها بطرد العملاء والخونة ومن ثم توحيد الصف والدخول بحوار سوري جامع.
- مطالبة أفراد الشعب السوري بكسر حاجز الصمت والانضمام إلى أي حراك مدني سلمي يهدف إلى إخراج سوريا من هذا الثقب الأسود.
يثير الحراك الشعبي المناهض لنظام الأسد ضمن مناطق سيطرته مخاوفه، في ظل عجزه عن توفير مطالب السوريين الذين باتوا يعانون من ظروف اقتصادية ومعيشية وأمنية وخدمية متردية، وبعد كل تلك السنوات باتت حتى حواضنه قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجهه بأي لحظة.