بنكيران يستغني عن “الاستقلال”.. إلى أين وصلت مفاوضات تشكيل الحكومة المغربية؟

في مؤشّر على قرب انفراج أزمة المشاورات الحكومية في المغرب، قرّر رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بن كيران، تشكيل حكومته القادمة من أحزاب الأغلبية السابقة، من دون زيادة ولا نقصان، في إشارة إلى استبعاد حزب الاستقلال من المفاوضات التي طال أمدها.
الاستغناء عن حليف الأمس “الاستقلال”
رئيس الحكومة المغربية المكلّف، عبد الإله بن كيران، كشف أمس في تصريحات صحفية، عقب اجتماع الأمانة العامة لحزبه بالرباط، أنّ الحكومة الجديدة ستضمّ إلى جانب وزراء الأحزاب الأربعة المشكلة للائتلاف الحاكم، وزراء مستقلين. لتعلن فيما بعد قيادة حزب “العدالة والتنمية” المغربي، تبنّيها قرار بن كيران، حصر مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة في إطار أحزاب الائتلاف المنتهية ولايته، بعد أكثر من شهرين ونصف من انطلاقتها. وعين الملك محمد السادس، في العاشر من أكتوبر الماضي، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيسًا للحكومة، بعد تصدره الانتخابات البرلمانية، في 7 أكتوبر الماضي.
يأتي الانفراج في تشكيل الحكومة، عقب إجراء جولة مباحثات جديدة بين بن كيران، ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش
ويتشكل الائتلاف الحكومي المنتهية ولايته من أحزاب “العدالة والتنمية” (125 مقعدا بالانتخابات الأخيرة)، “التجمع الوطني للأحرار” (37 مقعدا بالانتخابات الأخيرة)، “الحركة الشعبية” (27 مقعدا بالانتخابات الأخيرة)، و”التقدم والاشتراكية” (12 مقعدا بالانتخابات الأخيرة). وكان حزب الاستقلال ضمن التشكيل الحكومي لسنة 2012، إلاّ أنه تم استبداله بالتجمّع الوطني للأحرار بعد انسحابه سنة 2013.
ويأتي الانفراج في تشكيل الحكومة، عقب إجراء جولة مباحثات جديدة بين بن كيران، ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، أول أمس الاربعاء، يبدو أنّه تم خلالها الاستجابة لمطالب أخنوش باستبعاد حزب الاستقلال من التشكيلة الحكومية القادمة.
بن كيران يستغني عن حليفه “شباط”
واعتبر بن كيران، أن مصلحة بلاده تقتضي استبعاد حزب الاستقلال. وكان حزب الاستقلال، ثاني حزب مغربي عبّر عن رغبته بالمشاركة في الحكومة، بعد حزب التقدم والاشتراكية، خلف حزب العدالة والتنمية المتصدر للانتخابات.
جدير بالذكر أن حزب العدالة والتنمية المغربي فاز لأول مرة في تاريخه بالانتخابات البرلمانية نهاية 2011، عقب حراك شعبي شهدته المملكة بداية السنة نفسها في سياق “الربيع العربي”، تلاه تعديل الدستور، وبحسب هذا الدستور الجديد، يختار الملك رئيس الحكومة من الحزب الفائر بالانتخابات ويكلفه بتشكيل التحالف الحكومي.
التصريحات التي غيرت مجرى المفاوضات
كانت التصريحات الأخيرة للأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، السبب المباشر في استبعاد الحزب من المفاوضات الحكومية، حسب العديد من الخبراء، بعدما كان رئيس الحكومة المعين، عبد الإله بن كيران، يعرب في كل مناسبة عن تشبثه الكبير بحزب الاستقلال للوجود ضمن حكومته المقبلة، ويرى أنّ التخلّي عن الحزب سيكبدهم “لعنة تاريخية”. وتأسّف بنكيران، من تصريحات شباط التي “كانت لديها تداعيات قوية ألزمت العدالة والتنمية بمراجعة التحالف، ودفعته، إلى مراجعة مكونات الحكومة المستقبلية، حسب بن كيران.
“شباط” ضحية تصريحاته الأخيرة بشأن موريتانيا
وزادت تصريحات شباط حول موريتانيا، التي قال فيها، إنّ “الانفصال الذي وقع عام 1959 خلق مشاكل للمغرب، ومن ذلك تأسيس دولة موريتانيا، رغم أن هذه الأراضي تبقى مغربية، وأن كل المؤرخين يؤكدون على ذلك”، من موقع عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، التي وجدها فرصة سانحة للإبقاء على موقفه المتصلب من مشاركة الاستقلال.
يتجه عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، نحو التخلّي على حليفه الاتحاد الدستوري، والالتحاق بالحكومة بمعيّة الحركة الشعبية
وركّز رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار في مفاوضاته الأخيرة مع رئيس الحكومة المعين عبد الإله بن كيران، على تصريحات حميد شباط التي وضعت بن كيران في موقف محرج. ويتجه عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، نحو التخلّي على حليفه الاتحاد الدستوري، والالتحاق بالحكومة بمعيّة الحركة الشعبية، بعد أن أبرم مع الاتحاد اتفاق يشكلان بموجبه فريق برلماني موحد عند هيكلة مجلس النواب، وعند تشكيل ائتلاف حكومي، بسبب الرفض القاطع الذي واجه به ابن كيران “مقترح” أخنوش والقاضي بإدخال الاتحاد الدستوري إلى الحكومة.
مسار “متعثٍّر” للمفاوضات
شهدت مفاوضات تشكيل الحكومة المغربية، التي قاربت دخولها شهرها الثالث، عراقيل كبيرة منذ اليوم الأول لتعيين الملك محمد السادس، في العاشر من أكتوبر الماضي، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيسًا للحكومة، بعد تصدره الانتخابات البرلمانية، في 7 أكتوبر الماضي، وصلت حدّ التعثٍّر بسبب المواقف المتصلبة لبعض الأحزاب.
وأبدى بنكيران في الجولة الأولى للمشاورات تمسكه الشديد بحزب الاستقلال (46 مقعدا) في تشكيلة الحكومة، في الوقت الذي يشترط فيه حزب التجمع الوطني للأحرار ألا يكون الاستقلال في الحكومة ليشارك فيها، وهو الموقف الذي سانده فيه حزب الحركة الشعبية.
بن كيران يسرّع من مشاوراته الحكومية بناء على طلب الملك
ولم يكن باستطاعة بن كيران وحزبه تشكيل حكومته مع حزبي “الاستقلال” و”التقدم والاشتراكية”، لعدم ضمان الأغلبية المطلوبة بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، وتمكنهم من جمع 183 صوتا فقط، الأمر الذي دفع ببن كيران إلى تجديد المشاورات مع حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش والرضوخ إلى بعض مطالبه أهمها استبعاد حزب الاستقلال من المفاوضات.
ورغم كون الدستور المغربي لا ينصّ على مهلة زمنية معينة لتشكيل الحكومة من الشخص المكلف بذلك، فإن الملك قد دعا مؤخرا بن كيران إلى التسريع بتشكيل الحكومة.
ويحتاج تشكيل الأغلبية الداعمة للحكومة 198 مقعدا على الأقل من مقاعد مجلس النواب البالغة 395 مقعداً، وهو ما يمكن تحقيقه إذا اتفقت الأحزاب الأربعة التي تحدّث عنها بن كيران على تشكيل الحكومة فيما بينها، لحصولها في الانتخابات الأخيرة على مجموع 201 مقعدا.
من هو عزيز أخنوش؟
بعد رضوخ بن كيران إلى مطلب عزيز أخنوش القاضي باستبعاد حزب الاستقلال من التشكيلة الحكومية القادمة للمغرب، يرى عديد المتابعين أن أخنوش كان المتحكم في هذه المفاوضات “الشاقة”. وترأس أخنوش حزب التجمع الوطني للأحرار (1961)، أواخر السنة الماضية، خلفا لرئيس الحزب صلاح الدين مزوار على أثر فشل الحزب في تحقيق نتائج إيجابية في انتخابات أكتوبر 2016 التشريعية، التي فاز فيها بـ37 مقعدا من أصل 395. وشغل قبل ذلك منصب وزير الفلاحة والصيد البحري في حكومة بن كيران الأولى سنة 2012.
ودخل أخنوش في نوفمبر 2016 في مفاوضات مع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران من أجل الانضمام إلى التشكيلة الحكومية الجديدة, وقدم أخنوش شروطا مقابل المشاركة في الحكومة بينها إخراج حزب الاستقلال من التحالف الحكومي المنتظر، الأمر الذي رفضه بن كيران في البداية قبل أن ينصاع إليه مؤخرا.
يحضى “أخنوش” بثقة كبيرة من قبل الدول الأوروبية وخاصة اسبانيا التي منحته “وسام الصليب الأكبر للاستحقاق”
رغم ترؤس حزب التجمع الوطني للأحرار، فلم يكن لأخنوش تجربة كبيرة في مجال السياسة، فقد اشتهر بكونه رجل أعمال يدير مجموعة اقتصادية بارزة، إلى جانب شغله عضوية مؤسسات بنكية وإدارية تتحكم في الاقتصاد المغربي. وظهر اسم “أخنوش” على لائحة الأثرياء، لمجلة “فوربس” الأميركية، واحتل المرتبة الثالثة، في ترتيب أثرياء المغرب، والمرتبة 20 في القارة الإفريقية، وتقدر مجلة فوربس، ثروة الوزير المغربي بحوالي 1.4 مليار دولار.
يعتبر “أخنوش” أحد أذرع ملك المغرب
ويحضى “أخنوش” بثقة كبيرة من قبل الدول الأوروبية وخاصة إسبانيا التي منحته “وسام الصليب الأكبر للاستحقاق”، لمساهمته في التوصل لاتفاق لتجديد اتفاقية الصيد البحري، بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية، ما مكن السفن الأوروبية من العودة للنشاط في المياه الإقليمية المغربية. كما يحضى بثقة الملك خاصة وأن “التجمع الوطني للأحرار’، قد تأسس سنة 1977بقيادة أحمد عصمان صهر الملك الراحل الحسن الثاني بإيعاز من القصر الملكي بقصد إحداث نوع من التوازن مع الأحزاب التي ظلت تنازع الملكية الشرعية السياسية في البلاد منذ الاستقلال، حسب عديد المراقبين.
ويؤكّد عديد المراقبين، دعم المخزن لعزيز أخنوش وحزبه، في مفاوضات تشكيل الحكومة المغربية، كونه ضامن لمصالحهم في الحكم. وأحد “الأوراق” التي يستعملها القصر الملكي كلّما استدعت الحاجة لذلك.