وأخيرًا بدأت ماكينة الحكومة اللبنانية تتحرك لاستغلال مواردها المحلية والتي من خلالها ستقضي على جل مشاكلها وأزماتها الاقتصادية والاجتماعية والمتعلقة بالمديونية والعجز والانقطاع في الكهرباء والمحروقات فضلا عن الفقر والبطالة والمسؤولية الاجتماعية الكبيرة التي رميت على عاتق لبنان باستضافته مئات آلاف اللاجيئن السوريين الذين لجأوا إليها بسبب الصراع الدائر في مناطقهم.
لبنان بلد منتج للنفط قريبًا
في اجتماع مطول للحكومة أول أمس الأربعاء برئاسة رئيس لبنان ميشال عون أقرت فيه الحكومة مرسومين لتقسيم الرقع البحرية والتنقيب عن النفط والغاز وهو ما يتيح إعادة تحريك عملية المناقصات للتنقيب والإنتاج والمتوقفة منذ العام 2013 بسبب خلافات سياسية وتجاذبات في ذلك الوقت، ويعد إقرار المرسومين بمثابة أول إنجازين للحكومة الجديدة.
تبلغ نسبة الدين العام على الناتج المحلي الإجمالي في لبنان 140%
وحسب البيان الذي تلاه وزير الإعلام اللبناني ملحم رياشي فقد قررت الحكومة الموافقة على مشروعي مرسومين يتعلقان بتقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية لدولة لبنان إلى مناطق على شكل رقع، ودفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص البحرية ونموذج اتفاقية الاستكشاف والإنتاج. وتقرر أيضًا تشكيل لجنة وزارية برئاسة دولة رئيس الحكومة وعضوية وزيري المال والطاقة لدرس المشروع الخاص بالأحكام الضريبية المتعلقة بالأنشطة البترولية.
اجتماع للحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس ميشال عون
في العام 2010، تم تقدير أن المنطقة المطلة على كل الدول الثلاث لبنان إسرائيل وقبرص تحتوي على 122 ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي القابل للاستخراج، و1.7 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج أيضًا، وطالب لبنان حينها بحصة من هذه الاحتياطيات تبلغ 30 ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و660 مليون برميل من النفط التي تعد حقوقه المشروعة في حدود المياه الإقليمية التابعة له.
وأقر بعدها البرلمان اللبناني قانون التنقيب عن النفط وهذا عد إنجازًا تاريخيًا ونوعيًا من حيث المبدأ في لبنان المجاور لإسرائيل وفيه تجاذبات سياسية كبيرة داخلية تحرك من أطراف خارجية أبرزها إيران.
أقرت فيه الحكومة مرسومين لتقسيم الرقع البحرية والتنقيب عن النفط والغاز
كما تقدم لبنان باعتراض أمام الأمم المتحدة بعدما وقعت إسرائيل وقبرص في ديسمبر/كانون الأول 2010 اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية بشرق البحر المتوسط بعدما تم اكتشاف احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، حيث ذكرت بيروت في اعتراضها أن الاتفاق ينتهك حقوقها السيادية والاقتصادية ويعرض السلم والأمن في المنطقة للخطر.
نتائج المسح بالطبع أسالت لعاب شركات التنقيب والاستخراج النفطية العالمية إذ اشترت نحو 27 شركة معلومات المسح الزلزلالي في المياه الساحلية اللبنانية بملايين الدولارات وبلغ عدد الشركات التي حصلت على التراخيص من لبنان في المرحلة الأولى 46 شركة على أثر المناقصة التي أجرتها الحكومة في العام 2013، وكانت الشركات من بلدان مختلفة حول العالم من أمريكا، البرازيل، إيطاليا، النرويج، هولندا، إسبانيا، وهناك شركات تقدمت من الكويت ومن لبنان نفسها والإمارات العربية المتحدة،
رسم لبنان حدوده البحرية النفطية ووضع البلوكات العشرة التي تم تحديدها وعلى الرغم من استقالة الحكومة في ذلك الوقت فقد تم إعداد العقود النموذجية للاستكشاف والإنتاج ودفاتر الشروط وإنهائها.
خريطة توضح أماكن تركز النفط والغاز اللبناني
وقد اشترطت الحكومة في العقود المبرمة مع الشركات أنه من الضروري أن تكون نسبة 80% من اليد العاملة في الشركات من اللبنانيين وأن الأفضلية في ما يتعلق باستيراد البضائع وتقديم الخدمات للقطاع ستكون للشركات اللبنانية كما لحظت الوزارة في العقود إلزامية العمل مع اللبنانيين بنسبة معينة، وتم إرسال إيعاز للجامعات للاستعداد لإدراج اختصاص النفط ضمن اختصاصاتها بسبب حاجة لبنان إلى عاملين في القطاع النفطي إذ سيصبح هذا المورد موضع اهتمام الشركات والمستثمرين.
فيما يخص إسرائيل والخطر الذي يهدد ثروة لبنان النفطية سابقًا والآن فقد تمثل في استكشافات في حقلي تمار وليفتن ببعد 38 و 42 كيلومترًا عن الحدود اللبنانية وبعدها اكتشفت اسرائيل حقلا جديدًا للغاز يبعد نحو 4 كيلومترات عن الحدود اللبنانية فقط وتحديدًا عن البلوك رقم 8 و 6 كيلومترات عن البلوك الرقم 9 والبئر التجريبي الاستكشافي الذي تم حفره ويبعد 15 كيلومترًا وهذه الآبار القريبة من مناطق الغاز والنفط اللبنانية تشكل خطرًا من الناحية النظرية في إمكانية وصول إسرائيل إلى النفط اللبناني.
تبلغ حصة احتياطيات لبنان من الغاز والنفط 30 ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و660 مليون برميل من النفط
ويبقى هاجس انفلات الأمن والاستقرار في لبنان شرارة يهدد الاستثمار في هذا المورد الهام، فحزب الله والمدعوم من إيران واسرائيل في حالة حرب دائمة وكلاهما يعطيان لنفسيهما الحق في خرق “الهدنة” في الوقت الذي يجدانه مناسبًا، ومن جانب آخر فإن كلا من الطرفين تراشقا الاتهامات فيما يخص الثروات البحرية.
ففي العام 2010 صرح وزير البنية التحتية الإسرائيلي عوزي لانداو محذرًا لبنان ” لن نتردد في استخدام عزمنا وقوتنا ليس لحماية سيادة القانون فحسب وإنما لحماية القانون البحري الدولي أيضًا” وبالمقابل أجاب الأمين العام لحزب الله نصر الله على تلك التهديدات مشيرًا ” أولئك الذين يؤذون منشآتنا ستتم أذية منشآتهم”. هذا العائق في حال لم يتم ضبطه من قبل الساسة اللبنانيين وحل أي نزاع طارئ مع إسرائيل بالطرق الدبلوماسية بحيث لا يضر مناطق النفط اللبنانية ولا يوتر بيئة العمل، فإن شركات التنقيب والإنتاج سترى الوضع في لبنان معقدًا وصعبًا.
حل للمشاكل الاقتصادية
يعاني لبنان من ارتفاع نسبة الدين العام على الناتج المحلي الإجمالي إذ تبلغ النسبة 140% لأسباب أهمها تباطؤ نسب النمو وتأثيرات الحرب في سوريا، إذ دفعت الحرب في سورية إلى توقف الصادرات والورادات من وإلى لبنان فضلا عن توقف السياح القادمين من سوريا إلى لبنان وتأثر بيئة ومناخ العمل بشكل كبير بسبب ظروف الصراع الذي ازدادت وتيرته بعد دخول حزب الله إلى سوريا والانخراط في الحرب مع قوات النظام السوري ضد المعارضة. وفضلا عن هذا نزح مئات الآلاف بسبب ظروف الحرب إلى مناطق عديدة في لبنان يعيشون في حالة مزرية.
وارتفع الدين العام الإجمالي (الداخلي والخارجي) إلى 73.38 مليار دولار في شهر يونيو/ حزيران الماضي من العام الماضي، كما فاق العجز في الميزان التجاري 5 مليارات دولار.
هذه الأوضاع انعكست سلبًا على معدلات البطالة والفقر والفساد بشكل كبير جدًا خلال الأعوام الماضية إذ بلغت نسبة البطالة في صفوف الشباب نحو 40% وبحسب الأمم المتحدة فإن هناك بين مليون ونصف يصنفون في خانة “ضعيف” أي أن أكثر من 60% من الشعب اللبناني في دائرة الخطر على المستوى المعيشي والفقر. ووصلت تكلفة الفساد في لبنان إلى نحو 10 مليارات دولار بحسب التقارير الدولية، كما يجدر التنويه أن الموازمة المالية للبنان غائبة منذ العام 2005.
وهناك أزمة النفايات في الطرقات وانقطاع الكهرباء وشح المياه بسبب الأعطال المستمرة في الشركات والهدر الحاصل فيها والذي يصل لما بين 30- 40%. كل تلك المشاكل ستكون الثروة الطبيعية في المتوسط حلًا أكيدًا لها من خلال الإيرادات المتأتية من النفط والغاز كما تأمل الحكومة.