أعلن اللواء قاسم المحمدي، قائد عمليات الجزيرة، بدء عملية بمشاركة قوات الجيش والشرطة ومسلحي العشائر تحت غطاء جوي من قوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وذلك لاستعادة السيطرة على مناطق غربي محافظة الأنبار على الحدود السورية من قبضة التنظيم.
حيث يسيطر التنظيم على مدن عانه وراوة والقائم منذ منتصف العام 2014، عقب تهاوي قوات الجيش والشرطة أمام اجتياح عناصر التنظيم لهذه المدن، وانطلقت هذه العمليات العسكرية من مدينة حديثة الواقعة على بعد 148 كيلومترًا إلى الغرب من الرمادي مركز محافظة الأنبار.
ولم يتمكن تنظيم داعش من الاستيلاء على بلدة حديثة عندما سيطر على أغلب مدن محافظة الأنبار في 2014، وهي تعد معقلًا لعشيرة قادت الحرب ضد تنظيمات جهادية في العراق.
جدير بالذكر أن القوات العراقية أشعلت جبهة الأنبار مجددًا أمام داعش بعد أن كانت قد استعادت مدينة الرمادي في ديسمبر من العام 2015، لكنها لم تتقدم باتجاه هذه المدن، وفضلت الإعداد لمعركة الموصل التي يدور رحها الآن بين مسلحي التنظيم والجيش العراقي مدعومًا بقوات تابعة للشرطة، وكذلك مليشيات الحشد الشعبي الشيعية، ومليشيات أخرى سنية مكونة من العشائر.
هذا وتضم محافظة الأنبار مساحة صحراوية شاسعة لها حدود مشتركة مع سوريا والأردن والسعودية، ولا يزال الوضع الأمني فيها هشًّا رغم تحرير غالبية مناطقها.
خارطة تبرز مناطق سيطرة القوات النظامية والمقاتلين في العراق وسوريا
تعثر في جبهة الموصل
بدأ القتال لاستعادة السيطرة على الموصل قبل أكثر من شهرين، ولكنه جوبه بمقاومة شرسة من قبل تنظيم الدولة، الذي يعتبر الموصل أحد قلاعه الحصينة في العراق، بعد سقوط عدة مدن متتالية في جهات مختلفة بالعراق وسوريا.
لم تستطع القوات الحكومية العراقية والمليشيات الداعمة لها من حسم معركة الموصل حتى هذه اللحظة، رغم المحاولات التي تمت من عدة جبهات، نجحت في استعادة جزئية لبعض القرى على مشارف الموصل، لكن دون أن تُعلن العراق تمكنها من القضاء على التنظيم بشكل نهائي في نطاق أوسع من المدينة التي تشهد عمليات كر وفر بين الجانبين.
القوات العراقية استعادت نحو 70% من شرق الموصل من أيدي مقاتلي التنظيم
يعزي البعض هذا التعثر في جبهة الموصل، بعدم وجود إسناد جوي قوي من التحالف الدولي ضد “داعش” والذي يقوم بتغطية القوات العراقية جوًا، وهذا التأخير لطالما سبب توقف العمليات على محاور مختلفة في معركة الموصل، تمكن خلال هذا التوقف تنظيم الدولة من إعادة تنظيم صفوفه للقتال.
وبالرغم من أن معركة الموصل هي أكبر عملية برية في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003، حيث يشارك في العملية نحو 100 ألف جندي من القوات العراقية، وقوات الأمن الكردية، والحشد الشعبي، إلا أنه حتى الآن لم تستطع الحكومة العراقية إعلان بسط نفوذها على المدينة واستعادتها من قبضة التنظيم، ويُعزي البعض الأمر إلى عدم وجود رغبة أمريكية بالحسم النهائي لأسباب مجهولة، بالإضافة إلى شراسة قتال عناصر التنظيم دفاعًا عن ثاني أكبر المدن العراقية القابعة تحت سيطرتهم منذ عام 2014.
ويشار إلى أن القوات العراقية سيطرت على 49 منطقة وحيًا سكنيًا من أصل 56 في الجانب الأيسر من مدينة الموصل، هذه القوات تخوض حاليًا معارك في مناطق متفرقة من أجل الإعلان على السيطرة الكاملة على منطقة الساحل الأيسر للموصل من تنظيم الدولة.
وفي السياق ذاته نقلت وكالة رويترز عن قائد العمليات المشتركة العراقي الفريق الأول الركن طالب شغاتي أن قواته استعادت نحو 70% من شرق الموصل من أيدي مقاتلي التنظيم، متوقعًا أن تصل قواته إلى ضفة النهر الفاصل بين شطري المدينة في الأيام القادمة.
أما عن أثار التعثر في جبهات، فقد ظهر قبل ذلك في إعلان القوات الحكومية توقف العمليات البرية وإعادة النظر في الخطط العسكرية شرقي المدينة، ولكن ثمة رأي آخر يشير إلى أن هذا التوقف كان أمرًا لا بد منه، بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها القوات العراقية هناك أثناء مقاومة داعش، حيث يُقدر أن ثلاثة أفواج من أصل 13، تتشكل منها قوات مكافحة الإرهاب المشاركة في المعارك، مُنيت بخسائر كبيرة، وهو ما استدعى سحب ما تبقى منها لإعادة هيكلتها.
معركة الموصل هي أكبر عملية برية في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003، حيث يشارك في العملية نحو 100 ألف جندي من القوات العراقية، وقوات الأمن الكردية، والحشد الشعبي
فيما تشير تقايرير إعلامية إلى أنه ثمة ضغوطات أمريكية على قيادة القوات العراقية الأمر الذي يعرقل سير المعارك بالشكل المطلوب، حيث دبت الخلافات بين قيادات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وبين القيادة الميدانية الحكومية للقوات العراقية، بعدما اقترح الجانب الأمريكي تنفيذ عمليات إنزال جوي في عدد من الأحياء، التي يسيطر عليها تنظيم الدولة شرقي الموصل وغربيها، لكن القيادات الميدانية العراقية رفضت هذا المقترح، خشية تعرض هذه القوات لخسائر إضافية.
ولا يستبعد مراقبون المشاركة الواسعة من القوات الأمريكية، لا سيما في سلاح المدفعية، لتوفير دعم أكبر للقوات البرية العراقية، لكن يُعقتد أيضًا أن هذا الأمر مرهون بتسلم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مقاليد السلطة من الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما.
أسباب قد تفسر اللجوء لفتح جبهة الأنبار
الأسباب المنطقية قد تكون متعلقة بإرادة القوات العراقية قطع الشريان الواصل بين مدن سوريا والعراق الذي يستخدمه تنظيم داعش في حشد صفوفه من وإلى العراق، وذلك باستكمال السيطرة على الباقي من المدينة التي تعاني من وضع أمني هش، وتمشيطها للتأكد من إحكام السيطرة عليها.
ويأتي هذا في ظل بطئ عمليات الموصل لذا لن يؤثر الأمر بشكل كبير على سير العمليات هناك، والتي ترتهن إلى دعم دولي أكبر في الفترة القادمة تنتظره القوات العراقية لاستكمال الزحف لاستعادة الموصل.
تشير تقايرير إعلامية إلى أنه ثمة ضغوطات أمريكية على قيادة القوات العراقية الأمر الذي يعرقل سير المعارك بالشكل المطلوب
من بين الأسباب التي قد تبدو منطقية أيضًا لإشعال جبهة أخرى في ظل التعثر في معركة الموصل، هو الضغط على التنظيم وتشتيته في عدة جبهات، وقد يبدو أن الأمر عسكريًا بشكل بحت.
إلا أنه لا يمكن إغفال أن القوات العراقية تفاجأت بحجم المقاومة في الموصل، بعد قرار مهاجمتها اعتمادًا على ضربة قاضية، إلا أن الأمر أثبت أنه سيكون في شبه حرب استنزاف سيطول أمرها، لذا على القوات العراقية حسم أمرها مع الجيوب الداعشية في المناطق الأخرى التي قد تنقض في أي وقت لتسيطر على المناطق المحررة.