يتذكر السوريون، اليوم، الأصوات المخنوقة بغازات سامة والشفاه الباحثة عن الأكسجين أملًا بالنجاة، في الذكرى العاشرة لأكبر مجزرة كيميائية نفذتها آلة الحرب الأسدية بحق آلاف السوريين وذلك في أغسطس/آب 2013.
في هذا التقرير، نستعرض بنقاط سريعة أهم الحقائق حول تلك المأساة الفظيعة، وردود الفعل الدولية عليها.
– في منتصف ليلة 21 أغسطس/آب 2013، وبينما الناس نيام، أطلقت قوات نظام الأسد ما لا يقل عن 10 صواريخ محملة بنحو 200 لتر من الغازات السامة المميتة على مناطق مختلفة من الغوطة الشرقية وعلى بلدة معضمية الشام في الغوطة الغربية.
– شن النظام 4 هجمات كيميائية بين الساعة الثانية والخامسة فجرًا حين كانت الحرارة منخفضة والهواء ساكنًا، ما يمنع تطاير الغازات ويبقيها بالقرب من الأرض، في خطوة مدروسة من نظام الأسد لإنهاء حياة أكبر عدد ممكن من المدنيين العزل.
– مع بدء تدفق الغازات استفاق عشرات آلاف الناس مذعورين بحثًا عن ملجأ يحميهم من أثر الروائح الكريهة التي تخنق أنفاسهم، وعندما لم يجدوا هرعوا إلى الشوارع، فمنهم من لم يسعفه الوقت للوصول إلى المركز الطبي وفقد وعيه في الطريق ومنهم من وصل إلى المستشفى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
– نقص المواد الطبية اللازمة لعلاج الضحايا فاقم من هول المصيبة عليهم، لأن النظام كان قد ضيّق الحصار على المنطقة ومنع دخول المحروقات والمواد الأولية إليها، فاضطر المصابون إلى قصد مشافي البلدات المجاورة، ما خفض من نسبة نجاتهم.
– حصدت المجزرة التي وصفها السوريون بـ”يوم القيامة” أرواح أكثر من 1400 شخصًا وأُصيب جراء انبعاث الغازات نحو 6 آلاف شخص، وعمّت رائحة الموت المنطقة بأكملها، في الوقت الذي كان النظام يواصل قصف بلدات زملكا وعين ترما وجوبر بالمدافع.
– بجهود حقوقين وناشطين وأطباء، دخلت لجنة تحقيق دولية إلى الغوطة وتسلمت إحصائية بأعداد الضحايا وأجرت زيارات لعدد من المراكز الطبية، وأكدت في نتيجة التحقيق تعرض مناطق في غوطة دمشق لهجوم كيماوي وسط عرقلة نظام الأسد عملها واستهدافه فريق البحث.
– تهديدات الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي تفيد بأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا خط أحمر، لم تترجم إلى أي خطوة بالميدان، فسرعان ما تدخلت روسيا (الحليف الرئيسي للنظام السوري) ومنعتها من تنفيذ أي عمل عسكري يزعزع حكم النظام، مقابل انضمام الأخير إلى معاهدة منظمة الأسلحة الكيميائية والتخلص من مخزونه من هذه الأسلحة، وهذا ما حدث لاحقًا رغم أن النظام لم يعلن عن كامل مخزونه، وسكت العالم حتى اليوم عن حق آلاف السوريين بالعدالة.
– أصر النظام السوري على إنكار الجريمة كعادته وحاول تلفيق تهم ساذجة للمعارضة للتنصل من الأدلة والتقارير الدولية التي تثبت ضلوعه بارتكاب المجزرة.
تحقيقات
– خلص تحقيق أجرته منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن نظام الأسد كان مسؤولًا بشكل شبه مؤكد عن هجمات 21 أغسطس/آب الكيميائية، مشيرًا إلى أن الأدلة المتعلقة بنوع الأسلحة المستخدمة في الهجوم كانت بحوزة النظام، وأكدت أن مزاعم حكومة النظام تتعارض مع الأدلة التي عُثر عليها.
– أثبتت تحقيقات أجرتها تقارير استخباراتية أجنبية وتقارير إعلامية وقوف النظام وراء هجمات كيميائية ضد المدنيين في غوطة دمشق أسفرت عن مقتل المئات منهم وإصابة الآلاف.
– أكد تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان أن نظام الأسد أكثر من استخدم الأسلحة الكيميائية في القرن الحاليّ، وهو الوحيد الذي تجرأ على استخدام الأسلحة الكيميائية بعد انضمامه لاتفاقية حظر الأسلحة، لافتًا إلى أنه نفذ 217 هجومًا بالأسلحة الكيميائية منذ بداية الثورة السورية.
– تقدر الولايات المتحدة أن نظام الأسد استخدم الأسلحة الكيميائية في حربه على السوريين أكثر من 50 مرةً بعد توقيع اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.
– استمر النظام بتصنيع وتخزين الأسلحة الكيميائية، خارقًا بذلك القوانين الدولية، ولم يستجب لطلبات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالكشف عن مخزونه الكامل، إذ أدان قرار اتخذه أعضاء المنظمة استخدام سوريا للأسلحة الكيمياوية وعلّق بعض حقوقها وامتيازاتها بسبب عرقلة النظام جهود فرق البحث وإخفائه الأدلة بشأن برنامجه الكيميائي.
إدانات دون تحرك فعلي
– لم تثبت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية حتى اليوم ما إذا كان نظام الأسد متورطًا في مأساة الغوطة عام 2013 رغم وجود دلائل على ذلك، لكنه اعترفت حتى الآن بمسؤوليته عن تنفيذ 3 هجمات كيميائية ضد السوريين، دون تحرك فعلي لمحاسبته رسميًا في المحاكم الدولية.
– في يناير/كانون الثاني من العام الحاليّ حمّلت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية نظام الأسد مسؤوليته عن الهجوم الكيميائي الذي استهدف منطقة دوما بالغوطة الشرقية، أدى إلى مقتل نحو 43 شخصًا عام 2018 مستندًا إلى تحقيق استمر لمدة عامين.
– وفي أبريل/نيسان عام 2021، كشف تحقيق أجرته منظمة حظر الأسلحة أن وحدات من القوات الجوية التابعة للنظام السوري استخدمت غاز الكلور في أثناء هجومها على مدينة سراقب في إدلب 4 فبراير/شباط 2018، ما أسفر عن إصابة 12 شخصًا.
– وخلص تحقيق أجرته لجنة مشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وسلمته إلى مجلس الأمن أن النظام أطلق صواريخ محملة بغاز السارين على بلدة خان شيخون التابعة لمدينة إدلب في أبريل/نيسان 2017.
لا تزال آثار الهجمات الكيميائية تعيق الحياة اليومية لعشرات المصابين وما زالت مشاهد الموت في ذلك اليوم الأسود حية في ذاكرة ذوي الضحايا ومن عايشوها، ورغم كل أنواع الأسلحة التي أراد بها النظام إسكات الأصوات المناهضة لإجرامه لم ولن يستطيع خنق أصوات الحقيقة.