ترجمة وتحرير نون بوست
لم تكن السنة الماضية سنة جيدة بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فقد أضعفت عديد من العوامل مكانة المملكة في المنطقة، ومن بين هذه العوامل المصاعب المالية بسبب تراجع أسعار النفط وهجمات تنظيم الدولة على الأراضي السعودية والمستقنع المُكلف في اليمن والنكسات الحاصلة في سوريا.
وعلى الرغم من هذه التحديات، استطاعت المملكة العربية السعودية إنشاء شراكة مع الدول السنية في إطار التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب، لكن هذا التحالف المدعوم من قبل الولايات المتحدة والذي يهدف للقضاء على تنظيمي الدولة والقاعدة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية، لا يضم إيران والعراق، الأمر الذي يدل على موافقة الدول الأعضاء على مواقف الرياض المعادية لطهران.
في الشهر الماضي، سجلت المملكة انتصارًا آخر من خلال إدماج عضو جديد: عمان، وبالنسبة للسلطنة التي لطالما نأت بنفسها عن جهود الرياض لعزل طهران، فإن الانضمام للتحالف يثير تساؤلات مهمة عن جدول أعمال السياسة الخارجية في مسقط، خاصة مع تصاعد التوترات بين دول الخليج وإيران.
من المرجح أن تكون السلطنة تحت ضغط كبير من المملكة العربية السعودية لتعزيز علاقتها معها على حساب إيران، الأمر الذي سيشكل تحديًا لجهود مسقط للحفاظ على دورها الفريد في المنطقة، على غرار السعودية وإيران
وسارعت السعودية للإشادة بقرار عمان الانضمام للتحالف الذي تقوده، لتكون العضو الواحد والأربعين، وذلك كدليل على قوة مجلس التعاون الخليجي وعلى “فصل جديد من الوحدة الإقليمية والإسلامية”.
بصفتهما دولتين مجاورتين لبعضها البعض وعضوين في مجلس التعاون الخليجي، لطالما حافظت السعودية وعمان على تحالف وثيق بينهما، إلا أن العلاقات بين مسقط وطهران تسببت في بعض التوترات في العلاقة السعودية العمانية، خاصة بعد أن استضافت عمان محادثات سرية بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين في مسقط، في إطار الاتفاق النووي التاريخي، مما سبب توترًا بين المسؤولين العمانيين ونظرائهم السعوديين.
وفي الفترة الأخيرة اتهم أعضاء من الحكومة السعودية عمان التي حافظت حتى الآن على الحياد في الحرب الأهلية في اليمن، بالسماح بتهريب الأسلحة عبر الحدود العمانية اليمنية لفائدة مقاتلي الحوثي، الأمر الذي نفاه المسؤولون في مسقط.
وفي أثناء جولته في دول مجلس التعاون الخليجي الشهر الماضي، أشار إقصاء الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لعمان إلى استنكار الرياض للروابط الوثيقة بين مسقط وطهران، حتى وإن لم يتحدث المسؤولون السعوديون عن ذلك علنًا، ووفقًا لمسؤول سابق رفيع المستوى في مجلس التعاون الخليجي، فإن بعض أعضاء المجلس يعتبرون حياد عمان “حيادًا سلبيًا”، خاصة أن السعوديين وغيرهم يسعون لتشكيل جبهة خليج عربي موحدة ضد إيران وحلفائها من اليمن ولبنان.
وفي الحقيقة، لم تفاجئ عمان المراقبين عندما تجنبت الانضمام للتحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب عندما تم إنشاؤه في كانون الأول/ ديسمبر سنة 2015، فمسقط لم تعتبر الجمهورية الإسلامية تهديدًا وجوديًا لها وكانت قد رفضت في مرات كثيرة الانسياق وراء مواقف السعودية في المسائل المتعلقة بإيران، وعلاوة على ذلك، وفي السنوات الأخيرة، دفعت عديد من العوامل عمان للاستثمار في علاقاتها مع إيران، خاصة فيما يتعلق بالمخططات الإيرانية العمانية لإكمال مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي، مما يجعل عمان الدولة الأولى في مجلس التعاون الخليجي التي تطور البنية التحتية للطاقة مع إيران.
من غير الواضح أن التعاون العماني الإيراني سيمر بصعوبات بسبب انضمام السلطنة للتحالف الذي تقوده السعودية
في الواقع، إن السبب الرئيسي للعلاقة الوثيقة بين إيران وعمان هو التفكير الاستراتيجي لعمان التي تعتبر تعميق الروابط مع طهران سيمنح السلطنة استقلالية عن المملكة السعودية التي يعتبرها عديد من العمانيين الجارة المتعجرفة.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من رجال الدين السعوديين عبروا عن وجهات نظر متعصبة ضد الإباضية، واصفين إياهم بأنهم “زنادقة”، وبطبيعة الحال، لم يقبل العمانيون بهذا، خاصة أن أغلبهم يتبعون هذا المذهب الذي يتسم بالسلمية والتسامح، هذا إضافة إلى أن الحفاظ على الاستقلال عن السلطة الجيوسياسية والدينية للمملكة لطالما كان ركيزة من ركائز السياسة الخارجية العمانية.
ومن السابق لأوانه القول إنه من خلال الانضمام للتحالف، تخلى العمانيون عن حيادهم الإقليمي لأجل الرياض وأبو ظبي، فعلى الأرجح، أن هذا الانضمام يدل على التزام عمان بالعمل مع دول الخليج في السعي لدرء تهديدات القوى الجهادية العنيفة والمتطرفة مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة في اليمن، وهذا لا يعد مؤشرًا على أن مسقط تخطط لإعادة توجيه سياساتها الخارجية أو التراجع في علاقتها مع طهران.
في الواقع، في شباط/ فبراير وآذار/ مارس السابقين، أي بعد شهرين من إعلان ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان إنشاء التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب، عقدت 19 دولة من الدول الأعضاء تدريبات مشتركة في المملكة العربية السعودية، أطلق عليها اسم عملية “رعد الشمال”، وعلى الرغم من أن عمان ليست عضوًا في التحالف، فقد شاركت في التدريب التاريخي لـ20 دولة عربية مسلمة، ومن خلال هذه المشاركة، أكدت عمان على اهتمامها بالعمل مع قوات التحالف لتبادل المعلومات الاستخباراتية وتعزيز مبادرات مكافحة الإرهاب في شبه الجزيرة العربية، حتى وإن كان العمانيون حذرين بشأن الانضمام رسميًا للتحالف، ببساطة، تريد مسقط معرفة المزيد عن الغرض من هذا التحالف الذي تقوده الرياض وعن تكتيكاته قبل أن تنضم رسميًا.
ومن غير الواضح أن التعاون العماني الإيراني سيمر بصعوبات بسبب انضمام السلطنة للتحالف الذي تقوده السعودية، فقد حاولت إيران الحفاظ على علاقاتها مع عمان، ومن غير المرجح أن يتخلى الإيرانيون عن العمانيين بسبب القرار الأخير للسلطنة، في المقابل، من المرجح أن عمان قامت بهذه الخطوة إيمانًا منها بأن انضمامها للتحالف لن يكون على حساب علاقتها مع إيران.
وإذا افترضنا أن عمان وإيران سيواصلان تدريباتهما العسكرية المشتركة في مضيق هرمز، فإنه من المرجح أن تظل السلطنة الدولة العربية الوحيدة التي تجري تدريبات عسكرية مع كل من المملكة العربية السعودية وإيران، الأمر الذي يسلط الضوء على دور مسقط الفريد في النظام الجغرافي السياسي في الشرق الأوسط.
ولطالما اعتمدت السياسة الخارجية لعمان على الركائز الأساسية للحياد وعدم التدخل، ومن خلال عدم التدخل في الحرب الأهلية في اليمن، وعدم الانضمام إلى الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، والامتناع من التدخل في الثورة الليبية سنة 2011، تجنبت عمان نشر قواتها العسكرية خارج أراضي دول التعاون الخليجي، وذلك على الرغم من أن دول الخليج العربي قامت بذلك في السنوات القليلة السابقة.
في الواقع، لم يقل أحد بأنه من السهل اعتماد سياسة سويسرية في الشرق الأوسط، لكن إلى حد الآن، قامت عمان بذلك بشكل ممتاز
ونظرًا إلى أن التحالف يقوم على فكرة تحالف عسكري للمسلمين السنة ليعملوا معًا لإلحاق الهزيمة بالإرهابيين في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فإن مشاركة عمان في نشر قواتها سيمثل تغييرًا كبيرًا في السياسية الخارجية في مسقط، لكن حتى الآن، لا يوجد أي دليل على أن العمانيين لديهم أي خطط للشروع في مثل هذا التحول الاستراتيجي، ومع تصاعد التوتر بين السعودية وإيران، فإن مهمة عمان لتحقيق التوازن بين البلدين أصبحت أصعب مما كانت عليه.
أما بالنسبة للسلطنة، فإن جعل نفسها منصة محايدة لإجراء محادثات بغاية إيجاد حل لعدة أزمات أمنية إقليمية وعالمية، لطالما كان أولية قصوى منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي في سنة 1981، على الرغم من أن المسؤولين في الرياض وطهران يعتبران المنافسة بين البلدين لعبة غير مجدية، فإن عمان ليس لها نفس الموقف، فهي تعتبر أن أفضل طريقة لضمان مصالحها هي من خلال تعزيز تحالفها مع دول الخليج ومع إيران، في الوقت نفسه.
وفي العموم، فإنه من المرجح أن تكون السلطنة تحت ضغط كبير من المملكة العربية السعودية لتعزيز علاقتها معها على حساب إيران، الأمر الذي سيشكل تحديًا لجهود مسقط للحفاظ على دورها الفريد في المنطقة، على غرار السعودية وإيران، في الواقع، لم يقل أحد بأنه من السهل اعتماد سياسة سويسرية في الشرق الأوسط، لكن إلى حد الآن، قامت عمان بذلك بشكل ممتاز.
المصدر: المونيتور