ترجمة وتحرير نون بوست
كتب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، في آب/ أغسطس سنة 2016: “أمام مواجهة البلاد لكل هذه الصعوبات الاقتصادية، فإنه بات من الواضح وضوح الشمس من هم أصدقاء مصر الذين يمكن التعويل والاعتماد عليهم، ويبدو من الجلي أن صحيفة “الإيكونوميست” اختارت أن تقف إلى صف من يتخذون موقفًا متحيزًا ضد مصر”.
كما نشرت صحيفة الإيكونوميست التي أشغل فيها منصب رئيس مكتب القاهرة، سلسة من المقالات التي تنتقد الحكومة المصرية، ولهذا السبب يعتبرني الكثير “شخصًا يتآمر ضد الدولة أو في تعاون وثيق ربما مع جماعة الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلامية التي طردت من السلطة سنة 2013 والتي تحمل الآن مسؤولية معظم المشاكل التي تمر بها مصر”.
وإذا كانت التقارير التي نشرتها المجلة التي أعمل بها “مؤسفة” ومشينة، حيث إنها تفتقر للأدلة الكافية، فأنني أريد أن أعلمهم أيضًا بأن لدي مظهرًا شبيهًا بمظهر جماعة الإخوان.
يعمل أنصار السيسي على إظهار أن الأوضاع في مصر أفضل بكثير من الأوضاع في كل من العراق وسوريا
من جهة أخرى، يُعد التوبيخ الذي وجّهته الوزارة للصحيفة البريطانية مجرد إنذار مقارنة بالطرق التي تعاملت بها القاهرة مع الصحفيين الأجانب الآخرين، إذ صنّفت بعض الصحفيين منهم على أنهم جواسيس وطردت البعض الآخر نهائيًا من البلاد.
في المقابل، الخطر الحقيقي يواجهه الكتاب المصريين الذين يتحدون الدولة، وفي هذا السياق، نذكر أنه يقبع أكثر من 20 صحفيًا في مصر وراء القضبان، وهو رقم أكبر بكثير من عدد الصحفيين الذين سجنوا في الصين.
وفي هذا السياق، صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مخاطبًا شعبه: “لا تستمعوا إلى أي أحد إلا لي أنا”، وأنا أظن أنه كان جادًا عندما قال ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن السيسي يسعى أيضًا إلى إظهار مصر في صورة البلد الآمن والمستقر، لكن الصحفيين الأجانب، البائسين مثلي أنا، عليهم أن يتواجدوا على الأراضي المصرية لينشروا الحقائق ويُظهروا زيف التصريحات الرسمية وهذا هو سبب المعاملة السيئة التي نلاقيها في أرض الفراعنة.
يُمنع الصحفيون من كتابة التقارير وتوثيق القصص، ويتعرضون دائمًا للتوبيخ بسبب تقاريرهم، ولكن الغريب في الأمر، أنه إثر توبيخهم، يتم دعوة الصحفيين لحضور الأحداث الكبرى والمؤتمرات الفاخرة، والتي نُتهم على إثرها بالانحياز وعدم الحياد.
من جهة أخرى، تسعى كل الأنظمة الاستبدادية إلى بذل قصارى جهدها من أجل تضييق الخناق على وسائل الإعلام، لكن في مصر، تجاوزت هذه المحاولات المعقول، وخير دليل على ذلك، نذكر الضجة والتوترات التي أثيرت بسبب مشروع قناة السويس، والتي وصفت على أنها “هدية مصر إلى العالم”.
كما تلقى الصحفيون، خلال الصائفة الماضية، دعوة لمواكبة أحداث استعراض السيسي وهو يقف على القناة بزيّ عسكري في ظل هتافات الحشود وتحليق الطائرات الحربية في سماء المنطقة، كما وفرت لهم وسائل النقل اللازمة لتغطية الحدث.
لا يتردد زملاؤنا الصحفيون الذي يعملون لصالح وسائل الإعلام التابعة للدولة، باتهامنا بأننا نسيء لمصر عن عمد
لكن بمجرد وصول الحشود إلى الإسماعيلية، التي تقع على الضفة الغربية للقناة، اُقتِيد الصحفيون إلى خيمة تبعد نحو 100 متر عن الاحتفالات، وأغلقت الأبواب لمنعهم من القيام بعملهم، كما كثفت الحراسة العسكرية أمام المداخل ولم يسمح سوى لعدد قليل من الصحفيين العاملين في التليفزيون الحكومي بالدخول، والجدير بالذكر أن السيسي وجّه انتقادات لاذعة للصحفيين الذين يشككون في القيمة الاقتصادية للمشروع.
لقد رفَضتُ مواكبة الاحتفال وذلك بناء على تجاربي السابقة المخيّبة للآمال، وفي السنة الماضية، في مؤتمر استثماري كبير نظم من قبل الحكومة في شرم الشيخ، أعلنت خلاله مصر “فتح الأعمال التجارية”، منع الصحفيون من حضور هذا المؤتمر وتوثيق تلك الخطابات الرنانة، التي عرفتها قاعة المؤتمر آنذاك.
وفي مناسبة أخرى، في مؤتمر يُعنى بالتجارة الإفريقية سمح في البداية للصحفيين بدخول القاعة الرئيسية لمشاهدة بعض اللوحات الفنية، ومن ثم طردوا من قبل حراس أمن الدولة، لكن ولحسن حظي دلني شخص يعمل في العلاقات العامة إلى مدخل جانبي أين تمكنت من الاستماع إلى المواضيع التي طرحت في المؤتمر، على غرار التعريفات الجمركية، والاتفاقيات التجارية، وقد لاحظت أنه خلال هذا المؤتمر، كانت قاعة المؤتمر نصف فارغة، وهو ما يثير تساؤلات عن سبب طرد الصحفيين.
وتساءل أحد المراسلين الذين أمضوا 20 ساعة في الطائرة ليصلوا إلى شرم الشيخ لتغطية المؤتمر قائلاً: لماذا تدعونا الحكومة لمؤتمراتهم المملة ومن ثم يعاملوننا كما لو أننا نحاول تدميرهم والإطاحة بهم؟ فضلاً عن ذلك، نمنع من المشاركة في الولائم الرسمية التي تعد بمناسبة المؤتمرات؟ (لكنني ساعدت سيدة أعمال على الدخول خلسة وتناول الطعام).
ومن بين الأمور التي تثير الريبة، نذكر أن الحكومة تدفع ملايين الدولارات لشركات العلاقات العامة الغربية لتشرف على تنظيم مثل هذه الفعاليات، لكن على غير المتوقع، يلاقي وكلاء الدعايات سوء المعاملة من قبل المسؤولين وأمن الدولة، وذلك لاشتباههم في وجود علاقة تربطهم بالصحفيين، الذي يُعتبرون خطرًا على الدولة.
وفي الواقع، لا يتردد حتى زملاؤنا الصحفيون الذي يعملون لصالح وسائل الإعلام التابعة للدولة، باتهامنا بأننا نسيء لمصر عن عمد (أحيانًا بسبب نشرنا لبعض التقارير الذين أشرفوا هم بأنفسهم على تحريرها).
كما أن نظرية المؤامرة التي تلقي باللوم على إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية وتحملها مسؤولية المشاكل التي تواجهها مصر، أمر شائع معتاد، حيث إن الحط من قيمة الصحافة الأجنبية، ليس إلا امتداد لهذه النظرية.
على سبيل المثال، عندما نشب صراع بين المتطرفين في شبه جزيرة سيناء، السنة الماضية، كانت النتائج التي نشرتها الصحف عن عدد الضحايا من الجنود، متضاربة مع العدد الذي أعلنت عنه الحكومة.
في المقابل، ادعى الجيش أيضًا أنه كان يخوض معركة شرسة ومغرضة ضد وسائل الإعلام الأجنبية التي تسيء لهم، وردًا على ذلك سنّت مصر قانونًا جديدًا يقضي بسجن كل صحفي ينشر عمدًا “أخبارًا أو بيانات غير صحيحة”، تتعارض مع التصريحات الرسمية، ولكن، إذا تمعنا في الساحة المصرية، فسيتبين أن المسؤولين أنفسهم لم يتمكنوا من الاتفاق بشأن عدد القتلى في معركة سيناء.
يُعد التوبيخ الذي وجّهته الوزارة للصحيفة البريطانية مجرد إنذار مقارنة بالطرق التي تعاملت بها القاهرة مع الصحفيين الأجانب الآخرين، إذ صنّفت بعض الصحفيين منهم على أنهم جواسيس وطردت البعض الآخر نهائيًا من البلاد
ومن بين الأشياء التي تُصعّب مهمة الصحفيين الأجانب في مصر، يمكن الحديث عن القوانين القاسية التي تُفرض عليهم، فالسيسي يطالبنا بالاستماع إليه، بينما فشل المركز الصحفي للمراسلين الأجانب في إصدار وثائق التفويض اللازمة لحضور المناسبات الرئاسية.
في صبيحة الاحتفال بتطوير قناة السويس، لم تكشف السلطات عن الصحفيين الذين ستسمح لهم بالحضور أو مكان اجتماعهم، كما أن الوزارات لم توافق على إجراء أي مقابلات صحفية للحديث عن حقيقة ما تعرض له الصحفيين الذين احتجزوا في الإسماعيلية، إلا بعد مضي أسبوع كامل وهو ما يعزز الشكوك بشأن تغيب الصحفيين.
من جانب آخر، يعمل أنصار السيسي على إظهار أن الأوضاع في مصر أفضل بكثير من الأوضاع في كل من العراق وسوريا، وأنا على يقين تام بذلك وبأن حياة الصحفيين أكثر صعوبة بكثير في أماكن أخرى حتى في البلدان المتقدمة على غرار بلادي، الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الحقيقة، لا يمكنني إنكار أن عملية الوصول إلى المسؤولين في الولايات المتحدة أمر صعب جدًا، إذ إن الأمن يشدد الحراسة ويُشيْطن الإعلام، وبالإضافة إلى ذلك، فإنه قبل انتخاب دونالد ترامب، أحد أصدقاء السيسي، كانت هذه الظاهرة متفشية في بلدي، لذلك أعتقد أن مصر ليست بهذه الدرجة من السوء، وبالتالي، أود أن تقرأ رَدِي سيد زيد على التهم التي وجهتها لي.
المصدر: صحيفة الإيكونومست