شاهدت باهتمام بعض اللقطات من الوثائقي الذي بثته قناة العربية بعنوان “سلفيو مصر”، سلّطت فيه الضوء على التيار السلفي التقليدي في مصر، من خلال مسار مشاركته ومواقفه السياسية منذ عهد الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك وصولاً إلى ما بعد الانقلاب العسكري.
بعد مشاهدتي لبعض اللقطات من هذا الوثائقي الذي اجتهد فيه “أصحاب اللحى” والرؤى السياسية الانقلابية الداعمة للسلاطين وولاة الأمور، في الدفاع عن أطروحاتهم ورؤيتهم لنمط العيش في دولتهم الأفلاطونية، تذكرت ذلك المشهد الذي لن ينساه ملايين المصريين، عندما شارك المهندس جلال مرة، أمين حزب النور السلفي في مباركة انقلاب 3 يوليو الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي.
من المؤسف أن يحاول هؤلاء الانقلابيون الظهور بعد 3 سنوات ونصف في ثوب المصلحين الناصحين
من المؤسف أن يحاول هؤلاء الانقلابيون الظهور بعد 3 سنوات ونصف في ثوب المصلحين الناصحين، في حين يعلم المصريون كما يعلم كثير من المراقبين أنهم كانوا جسرًا مر عليه السيسي لتصفية معارضيه إسلاميين كانوا أم علمانيين.
ما زلت أذكر يوم الثالث من يوليو 2013، عندما خرج عبد الفتاح السيسي ليعلن عن نجاح الانقلاب العسكري بمباركة “سلفية” “قبطية” “صوفية” “ليبرالية”، أعقبها سقوط آلاف القتلى والجرحى من عموم المصريين الموالين لجماعة الإخوان المسلمين.
من العجيب أن يحاول سلفيو مصر الذين عرف أغلبهم بفتاواهم المؤيدة لبطش مبارك ومباركة سياسته الحكيمة قبل الخنوع والخضوع لعبد الفتاح السيسي، العودة إلى المشهد السياسي والمطالبة بالسماح لهم بالمشاركة في الحياة السياسية التي كانوا هم أنفسهم سببًا في ضربها في مقتل بعد أن أعادوا العسكر إلى حكم مصر.
حزب النور في تلك الفترة، أراد إرضاء خصومه السياسيين والنظام العسكري علّه يظفر بقطعة من الكعكة السياسية، لكنه سرعان ما تفاجأ بالمواقف الرافضة لوجوده في المشهد السياسي المصري
حزب النور في تلك الفترة، أراد إرضاء خصومه السياسيين والنظام العسكري علّه يظفر بقطعة من الكعكة السياسية، لكنه سرعان ما تفاجأ بالمواقف الرافضة لوجوده في المشهد السياسي المصري، إضافة إلى فقدانه لشعبيته التي كان يتمتع بها قبل مباركته الانقلاب العسكري، حيث أسفرت مشاركته في الانتخابات البرلمانية عام 2014 عن حصوله على 11 مقعدًا من أصل 596، في حين كان الحزب ثاني في مجلس الشعب عام 2011.
أحد رموز هؤلاء “السلفيين السياسيين” نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية ياسر برهامي الذي عرف بمواقفه المناوئة للإخوان المسلمين قبل الانقلاب العسكري وبعده، والسجين السابق في سجون مبارك، والذي سبق وأن اعترف بأن دروسه التي كان يلقيها في عهد مبارك، تتم بالاتفاق مع الأمن، كشر عن أنيابه في أكثر من مناسبة، وكان سببًا في مواصلة عبد الفتاح السيسي البطش بمعارضيه، ففي شهر ديسمبر 2013، قال برهامي إن الدعوة السلفية لم تدافع عن جماعة الإخوان المسلمين لدفع تهمة الإرهاب عنها، لأن خطاب القيادات الحالية في الجماعة “تكفيري”، و”عليهم أن يتوبوا إلى الله أولاً من الفكر المنحرف، ثم ندافع عنهم”.
برهامي لم يكتف بذلك، فقد ظهر مرة أخرى بعد شهر، واصفًا السيسي الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع آنذاك، بأنه “رجل متدين وذكي ولديه القدرة والكفاءة على إدارة الدولة خلال الفترة المقبلة”، زاعمًا أن “الملايين من أبناء الشعب تثق في قدرته على الخروج من الأزمات التي تعاني منها الدولة طول السنوات الماضية”.
يبدو أن العار الذي لحق بعض رموز الدعوة السلفية في مصر وعلى رأسهم ياسر برهامي لن يمح أبد الدهر لأن الدماء التي كانوا سببًا في سفكها ستظل شاهدة على تخبطهم السياسي، حتى إن القيادي بالدعوة عبد الرحمن عبد الخالق، وصف برهامي بأنه قام بخيانة الأمة المصرية كلها التي تعبت وثارت وجاهدت من أجل أن تقيم نظامًا ديمقراطيًا حرًا، وذلك لتآمره على المصريين من خلال وضع خارطة الطريق مع العسكر لإرجاع الأمة المصرية إلى الحكم الفردي الاستبدادي.
الحقيقة التي يجب على السواد الأعظم من سلفيي مصر أن يعوها ويحفظوها، أنهم لا يصلحون للسياسة لقلة بضاعتهم ولسرعة “فتاواهم الترقيعية”
إن الحقيقة التي يجب على السواد الأعظم من سلفيي مصر أن يعوها ويحفظوها، أنهم لا يصلحون للسياسة لقلة بضاعتهم ولسرعة “فتاواهم الترقيعية” ولتاريخهم المليء بالخنوع والخضوع للحكام مقابل اعتراضهم على إرادة الشعوب في تقرير مصيرها بدعوى “عدم الخروج على ولاة الأمور”، ولا يعني مهاجمة “سلفيو مصر” بالضرورة الدفاع عن الإخوان المسلمين، بقدر ما هو دفاع عن نمط عيش اختاره ملايين المصريين في أول انتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة.