هل من الممكن أن نصف العلاقات التركية الروسية بأنها تقارب؟ وهل كانت متباعدة قبل أن تتقارب؟ وما وزن العلاقات التركية – الروسية من الأصل؟ وهل لعب هذا دورًا في القضية السورية؟ وهل يمكن أن ننظر إلى هذه العلاقات بينهما من منظار المسألة السورية؟ وهل فعلًا تركيا تقدم علاقتها مع روسيا على حل المشكلة السورية؟
ثمة نقطة من الواجب معرفتها عن سياسة تركيا المتبعة في العلاقات الدولية ألا وهي “التوازن المرن”
إن المتتبع للعلاقات التركية الروسية منذ بداية تكون الدولتين يعرف أن الأصل في هذه العلاقات هو التوافق ومحاولة بناء جسور الثقة، وذلك ملحوظ منذ بداية هذا القرن، مع تأسيس الدولة الحديثة لكل من روسيا – حزب روسيا الموحدة -، وتركيا – حزب العدالة والتنمية -، وإن كنا سنقول إن تركيا محسوبة على المعسكر الغربي، ولكن ثمة نقطة من الواجب معرفتها عن سياسة تركيا المتبعة في العلاقات الدولية ألا وهي “التوازن المرن”، وقد لا يكون رئيس الحكومة السابق أحمد داوود أوغلو، واضع نظرية تصفير المشاكل وبقية السياسيات الخمسة المبنية وفق العمق الاستراتيجي، واضعها بقدر ما إنه أرجع العمل بها، وأنها من طبيعة الجغرافيا السياسية للأناضول.
والتصريح السابق للرئيس عبد الله غول “قد نختلف مع روسيا وهذا مؤكد، ولكن يجب بناء جسور الثقة بيننا”، وتصريح وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أنه يعرب عن بناء استثمارات تصل إلى 100 مليار دولار، تعبر عن خط عام يبين “القبول” لهذه العلاقات، وثمة كثير من نقاط التوافق التي تجعل العلاقات التركية الروسية متشابكة وصعبة التفريق منها السيل التركي، وروسيا أول دولة على صعيد القوى العالمية وقفت مع تركيا في ليلة الانقلاب، وكذلك دفاع كل من تركيا وروسيا عن مصالحهما في البحر الأسود، وأنّ كلاهما أخذ على عاتقه محاربة تنظيم كولن.
إذًا ما الذي يجعلنا نقول عن سياسة تركيا وروسيا إنهما متقاربتان؟ نعم سنقول ذلك إن نظرنا إليها من جانب واحد – وهو مهم – من جانب القضية السورية، فبعد كثير من نقاط الخلاف عن القضية السورية تأتي المجالس الأخيرة للتوفيق بين المعارضة المسلحة والقائم بأمور النظام السوري، روسيا، كتقارب بينهما بشأن هذه القضية.
وعلى جهة أخرى يجب معرفة أن الفشل الذريع في كثير من محاولات حل الأزمة السورية على الصعيد الأممي والدولي، قد نقل حل الأزمة السورية إلى مستوى آخر وهو المستوى الأكثر ضيقًا ضمن دائرة المعارضة المسلحة – روسيا، كطرفين أكثر تماسًا في القضية السورية.
طبيعة الحال الذي نقل (حل الصراع) من “الجبهة الدولية” إلى “الجبهة الإقليمية – الروسية”، مما حدا بتركيا وروسيا أن يظهرا تقاربًا في هذه القضية، وليس تقاربًا في العلاقات العامة بينهما، فهو إذًا تقارب خاص بالشأن السوري
وذلك من طبيعة الحال الذي نقل (حل الصراع) من الجبهة الدولية إلى الجبهة الإقليمية – الروسية، مما حدا بتركيا وروسيا أن يظهرا تقاربًا في هذه القضية، وليس تقاربًا في العلاقات العامة بينهما، فهو إذًا تقارب خاص بالشأن السوري.
إن كل تلك العلاقات رسمت إطارًا مهمًا في الوصول إلى التقارب الروسي – التركي في المسألة السورية، ولا نقول إن في ذلك شرط لحلها، ولكن الطبيعة القديمة منذ 15 عامًا للعلاقات بين البلدين رسمت الاتجاه الذي نراه اليوم بالنظر إلى سوريا وثورتها.
أمّا بالنسبة لتقديم تركيا أولوية العلاقات مع روسيا، على حل القضية السورية، أو نظرية “انتقال تركيا من داعم إلى وسيط”، فليس بالضرورة الاقتصار على هذا الوصف، أو لا يمكننا التعبير عن الموضوع بهذا الشكل، بقدر ما أن نشأة تركيا وروسيا على المصالحة، عبر عن مسار طبيعي لهذه المقاربة التركية تجاه الأزمة السورية، وترك كل من البلدين لتكرار أحداث التاريخ الأسود الحربي بينهما منذ قرون، واكتسابهما الخبرة منه، له الدور الأكبر في جعل القضية السورية مسألة حل سياسي، أو تقديمهما النقاش على الحرب والحل العسكري.
وهذا ما يمكن فهمه من وصف الجنرال السابق في الاستخبارات الروسية ألكسندر جيروف، أن تركيا تقربت في سياستها تجاه روسيا خلال الأشهر الماضية.
صحيح أن روسيا وتركيا بينهما خلاف مصالح، ولكن ذلك لا يؤدي إلى ما يمكن تسميته بالصدام الدولي
فلا يمكن أن ننظر لهذه العلاقات بينهما من منظار الثورة السورية فقط، فبينهما الكثير من نقاط التوافق منذ أجل ليس بالقصير، ولعل هذه النظرة هي التي جعلت الكثير من الأوساط تظن بأن بين تركيا وروسيا ذلك الخلاف الكبير، صحيح أن روسيا وتركيا بينهما خلاف مصالح، ولكن ذلك لا يؤدي إلى ما يمكن تسميته بالصدام الدولي، وثمة محطات هبوط في تاريخ البلدين خلال الفترة السابقة، ولكننا نجد أن الصلح يكتنفها بُعيد فترة قليلة، ومن أكبر الهبوطات في تلك الفترة هي حادثة إسقاط الطائرة، وهذا الخلاف هو عرضي، تم تجازوه بعد فترة قصيرة، واللافت للانتباه هو أن الطائرة سقطت في 24/11/2015، ومع ذلك، وقفت روسيا مع تركيا في محنتها ليلة الانقلاب (حين إسقاط أوّل طائرة هليوكبتر انقلابية) في 15/7/2016، ولم تلبث تركيا أن قدمت الصلح بعد ذلك مع روسيا.
والتحدي الكبير هو في قاعدة “أمن تركيا يبنى على أمن المنطقة”، ومسألة المصالح بين تركيا وروسيا بشأن سوريا، هي أهم ما ينضوي تحت هذه القاعدة، وهنا عقدة تركيا التي من الواجب أن تتوجه إليها في الحل بأسرع وقت وأقلّ الخسائر.