فوجئ كل المراقبين والمهتمين بالشأن الخليجي بإعلان سلطنة عمان انضمامها للتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وعلى ما يبدو أنَّ القيادة العمانية وصلت إلى قناعة بأن المركب الإيراني الذي كانت على ظهره، يوشك على الغرق، ففضلت القفز منه قبل أن تغرق معه.
اتسمت السياسة العمانية منذ وقت طويل أنها عادةً ما تغرد خارج السرب الخليجي، وبعيدًا عن الإجماع الخليجي، كما اتسمت سياستها بالوقوف على الحياد من قضايا عربية وإسلامية مهمة وجادة، معللة ذلك برغبتها أن تكون على الحياد من القضايا الخلافية التي تشوب المنطقة العربية والإسلامية.
إلا أن هذا الحياد الذي تتعلل به سلطنة عمان، لم يمنعها أن تكون عرابة الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا والغرب على الرغم من علمها أن إبرام هذا الاتفاق يقف ضد تطلعات الحكومات العربية وبشكل خاص الخليجية منها، وهي تعلم تمامًا أنَّ السلاح النووي الذي تحلم بامتلاكه إيران، ليس موجهًا ضد إسرائيل كما يتوهم البعض، وإنما موجه ضد الدول العربية والخليجية، لتهديد أمنها وقلب أنظمتها، ناهيك عن تحقيق أهداف أخرى مثل التوازن النووي مع البلد النووي السنَّي الوحيد باكستان، إضافة إلى تحقيقها لعنصر التفوق على تركيا.
إن التحركات السياسية التي أعقبت المعارك في حلب، جعلت إيران تسير بالنصف الثاني من المنحنى الذي يصف خط سير نفوذها بالدول العربية والشرق أوسطية، لقد مَثَّلت سيطرة مليشيات إيران على حلب، قمة ذلك المنحنى
إن التحركات السياسية التي أعقبت المعارك في حلب، جعلت إيران تسير بالنصف الثاني من المنحنى الذي يصف خط سير نفوذها بالدول العربية والشرق أوسطية، لقد مَثَّلت سيطرة مليشيات إيران على حلب، قمة ذلك المنحنى، وكانت تظنُ إيران أنها ستكون نقطة تحول في موازين القوى لصالحها، ولتتوج انتصاراتها في أكثر من بلد عربي، ولم تعلم أنها قد وصلت إلى أقصى ما تستطيع أن تصل له، وأن حلب كانت قمة منحنى نفوذها في البلدان العربية، ومن الآن فصاعدًا، سوف تمضي بالنصف الثاني من ذلك المنحنى السائر بالتناقص، وإذا كان النصف الأول من المنحني استغرق 38 سنة فإننا نتوقع ألا يستمر النصف الثاني منه سوى بضعة سنوات.
ماذا يعني انضمام عمان للتحالف الإسلامي؟
إن القيادة السياسية العمانية تدرك أن مصالحها منذ الآن فصاعدًا لن تكون مع الإيرانيين، وأن إيران لن يكون لها قدم السبق في المستقبل القريب، وسوف يأفل نجمها ومن معها قريبًا، ففضلت أن تختار الفريق المنافس لإيران، والانضمام إلى التحالف الإسلامي بقيادة السعودية، ورغم أن اختيارها كان متأخرًا، لكنه أفضل من الجمود على مواقفهم الحالية.
إن هذا الانضمام يمثل ضربة موجعة للمشروع الإيراني الذي يحاول تفكيك دول المجلس الخليجي وهدم محاولات اتحادهم، وذلك من خلال مواقف سلطنة عمان التي كانت ترفض أي محاولة اتحادية بين دول الخليج العربي، كما أن خسارة إيران لعمان سيُفقدها دولة وسيطة كانت تنوب عنها في المحافل التي تعجز عن حضورها، وستفقد معبرًا مهمًا لدعم متمرديها الحوثيين في اليمن، وهذا بحد ذاته يعني بالنسبة لإيران خسارة محققة لنفوذها باليمن.
أما عن مكاسب عمان من هذه الخطوة، فبالتأكيد سوف تتجنب المصير الذي ستؤول إليه إيران، وسوف تحقق الاستقرار لبلدها المتكون من أطياف كثيرة، كما وستساهم في تحسين صورتها أمام العالم بعيدًا عن السمعة السيئة لإيران بالعالم، ومما لا شك فيه أن انضمام سلطنة عمان للتحالف الإسلامي ضد الإرهاب يعني ضمنًا اعترافها بأن إيران دولة إرهاب، وراعية للإرهاب، ويعتبر انتصارًا للسعودية في خطواتها المناوئة لطهران.
من أيضًا سيقفز من المركب الإيراني؟
إن القفزة العمانية عن المركب الإيراني هي سابقة ذكية تُحسب لقادتها، وستكون محفزة لغيرها لاتخاذ نفس الخطوة قبل فوات الأوان، ورغم أن القليل من الدول ركبت مركب إيران المتهالك، فإننا نتوقع من الجزائر مثلًا، القفز من هذا المركب قريبًا، وكذا الحال بالنسبة للدول الإفريقية الفقيرة.
إلا أن الأمر الغريب والذي ينم عن حماقة سياسية منقطعة النظير، حينما فضَّل حاكم مصر السيسي في الفترة الأخيرة، التحول من التحالف الإسلامي بقيادة السعودية والانضمام إلى التحالف الذي تقوده إيران، وفي هذا الوقت الذي تمضي به إيران بطريقها إلى الانزواء والانحسار، فهو يقود بلده من خسران إلى خسران، ولن تنفعه علاقته مع روسيا في إيجاد حظوة له عندهم، والدليل على ذلك عدم دعوته في المحادثات التي جرت في أستانا، كطرف إقليمي مهم بالمنطقة.
وماذا عن الساسة السنة العراقيين في المركب الإيراني؟
وبسبب تمكن الإيرانيين من الاستيلاء على العراق بكل مؤسساته الحكومية والاقتصادية، وميلشياتها تصول وتجول في شوارع المدن العراقية، وأحزابها الذين استأثروا بالسلطة، وجد السياسيون العرب السنَّة أنفسهم سيلفظون خارج العملية السياسية إذا لم يركبوا المركب الإيراني في العراق، وبسبب حرصهم على تلك المناصب التي غنموها باسم العرب السنة، وبحجة وجوب أن يكون للعرب السنًّة من يمثلهم بالحكومة العراقية، فقد ارتضوا على أنفسهم البقاء في هذه الحكومة الطائفية ليضفوا عليها الشرعيَّة أمام العالم، وينساقوا ضمن الأجندة الإيرانية.
لكن وبعد أن لاحت تباشير غرق المركب الإيراني، فهل من الحكمة أن يبقوا أنفسهم في هذا الموضع الشاذ الذي هم فيه؟ أما آن لهم أن ينزلوا عن هذا المركب المتهالك؟ بل العجيب أن بعض الأطراف السنية التي تجنَّبت العمل السياسي طيلة الفترة الماضية، جاءت الآن متأخرة لتحاول الركوب في المركب الإيراني، ولتضحي بكل رصيدها التاريخي السابق الناصع البياض، ولتحكم على نفسها بالزوال من ذاكرة التاريخ، رويدًا قليلًا ولا تستعجلوا، فلسوف تزول عما قريب الغشاوة التي تحجب رؤيتكم، ويتبين لكم ما سيحمل المستقبل من نهاية للباطل الذي تمثله إيران.