جاءت موافقة الحكومة المصرية على مشروع قانون إعادة الهيكلة وتنظيم الإفلاس والذي ينص في أبرز بنوده على إلغاء الحبس في قضايا الإفلاس والاكتفاء بالغرامة، لتثير حالة من الجدل داخل الوسط الاقتصادي لا سيما الاستثماري منه.
حالة من تباين الآراء بين الاقتصاديين بشأن هذا المشروع، ما بين التفاؤل بشأن آثاره الإيجابية على منظومة الاستثمار الأجنبي، خاصة أنه جاء تلبية لطموحات الكثير من المستثمرين الأجانب، واتهامات بفتح باب جديد للفساد والتهرب من مستحقات الدولة والعاملين، خاصة أنه جاء بالتزامن مع موجة الكشف عن قضايا الرشوة وإهدار المال العام المتورط فيها عدد من رجالات الدولة الكبار.
إلغاء الحبس والاكتفاء بالغرامة
أعلن مجلس الوزراء المصري موافقته النهائية على مشروع قانون إعادة الهيكلة وتنظيم الإفلاس، وذلك خلال الاجتماع الذي عقده مؤخرًا، برئاسة رئيس الحكومة شريف إسماعيل، لمناقشة التعديلات المبرمة على هذا القانون، حسبما صرح وزير العدل المستشار حسام عبد الرحيم.
الوزير أشار إلى أن المشروع استهدف إنشاء نظام وساطة بين المستثمر والقضاء، بهدف تقليل حالات اللجوء إلى إقامة دعاوى قضائية وتشجيع المشروعات المتعثرة عن الدفع أو المتوقف باللجوء إلى الوسيط، ملفتًا أن المشروع استهدف تبسيط إجراءات ما بعد الإفلاس لما يحقق مرونة وسرعة التعامل مع المشاكل العملية الناتجة عن تطبيق أحكام الباب الخامس من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 بشأن الإفلاس.
إن إصدار هذا القانون يأتي في إطار حزمة من التشريعات – بعد إصدار قانون الاستثمار- التي تقوم بها الدولة لتنظيم الاستثمار، والتي تشكل رسالة طمأنة للمستثمرين
وزير العدل كشف عن إنشاء ما أسماه “إدارة الإفلاس” للمحاكم الاقتصادية، تختص بمباشرة إجراءات الوساطة في طلبات إعادة الهيكلة والصلح الواقي، حيث أرسى المشروع جدول لخبراء لجنة إعادة الهيكلة ليلحق بجداول خبراء المحاكم الاقتصادية يضم الشركات والمكاتب المتخصصة في إعادة الهيكلة، إضافة إلى استحداث نظام إعادة الهيكلة التي تتم مع نشاط التاجر بهدف مساعدته على الخروج من مرحلة الاضطراب المالي عن طريق إعادة خطة لإعادة هيكلة نشاطه من الناحية الإدارية والمالية وإعادة جدولة ديونه.
أما من الناحية التشريعية لهذا المشروع، قالت وزيرة الاستثمار داليا خورشيد، إن إصدار هذا القانون يأتي في إطار حزمة من التشريعات – بعد إصدار قانون الاستثمار- التي تقوم بها الدولة لتنظيم الاستثمار، والتي تشكل رسالة طمأنة للمستثمرين، وتغطي جميع افتراضات إعادة الهيكلة والإفلاس والصلح بين المستثمرين والدولة.
باب جديد للفساد
العديد من علامات الاستفهام فرضت نفسها عقب الإعلان عن إقرار هذا المشروع، سواء من حيث توقيت إصداره أو مضمونه وبنوده، وهو ما أشار إليه الخبير الاقتصادي المصري الدكتور وائل النحاس، بأن التوقيت ليس مناسبًا بالمرة لتعديل قانون ينص على إلغاء عقوبة الحبس واستبدالها بغرامة.
النحاس في تصريحات له حذر من التوظيف السيء لهذه التعديلات بما يفتح بابًا جديدًا للفساد، حيث لفت إلى أنه من لا يريد إعلان إفلاسه، سوف يعلنه الآن بعد إقرار القانون الجديد، وذلك للتهرب من دفع ما عليه من أموال، مؤكدًا أن التعديل يمنح المستثمر فرصة التهرب من دفع الأموال والغرامات، منوهًا إلى أن العديد من المصانع والشركات المتعثرة ماديًا والمتوقفة بسبب المديونيات، ستلجأ إلى إعلان إفلاسها، مما يعفيها من سداد مستحقات الدولة والعاملين.
من لا يريد إعلان إفلاسه، سوف يعلنه الآن بعد إقرار القانون الجديد، وذلك للتهرب من دفع ما عليه من أموال، فهذا التعديل يمنح المستثمر فرصة التهرب من دفع الأموال والغرامات
وفي السياق نفسه، أشار الدكتور عمرو موسى المتخصص في الشأن الاقتصادي، إلى أن توقيت خروج مثل هذا المشروع إلى النور علامة استفهام كبيرة، واصفًا إياه بـ”المثير”، حيث أنه يكشف وبعلانية عن وجود حالات إفلاس بصورة واقعية في السوق، مما يؤثر على تدفق الاستثمارات الأجنبية، متسائلاً: “كيف سيسعى المستثمر الخارجي للإقدام إلى مصر وهو يرى وجود مستثمرين متعثرين تساندهم الدولة؟”.
موسى في تصريحات له أشار إلى أن أوروبا وأمريكا لديهم العديد من الأزمات الاقتصادية الراهنة، ومما لا شك فيه وجود بعض الشركات التي أعلنت إفلاسها، إلا أنه كان يتم الحجز على أموال المعلن ويتم تسليم ممتلكاته إلى الدولة دون تعرضه لأية غرامات أو حبس أو خلافه، مؤكدًا أن إقرار القانون في مصر خلال المرحلة الراهنة يعطى صورة مظلمة عن وضع السوق ومؤشر خطير على أن هناك حالات تعثر في السوق.
كيف سيسعى المستثمر الخارجي للإقدام إلى مصر وهو يرى وجود مستثمرين متعثرين تساندهم الدولة؟
كما وصف الخبير الاقتصادي المصري مشروع القانون بـ”الغامض” لا سيما في لائحته التنفيذية وآليات التطبيق والإجراءات المتبعة، متسائلاً: كيف سيتم الحكم على المستثمر أنه مفلس؟ وإلى من سيذهب المستثمر ليعلن إفلاسه؟ وكيف سيتم التعامل معه؟.
تأتي هذه التخوفات في الوقت الذي تشهد فيه البلاد موجة غير مسبوقة من ضبط العشرات من قضايا الفساد، التي باتت وجبة شبه يومية على موائد الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية، كان أبرزها تورط أمين عام مجلس الدولة المستشار وائل شلبي، المنتحر داخل محبسه، حسبما قالت الجهات المسؤولة في مصر.
تشجيع الاستثمارات الأجنبية
وعلى الجانب الآخر، فهناك من يرى أن تلك التعديلات التي تضمنها مشروع القانون الجديد تبعث برسالة طمأنة للمستثمرين الأجانب، وتزيل بعضًا من العراقيل التي كانت تعوق ضخهم للأموال في مصر، كان أبرزها حبس المتعثرين والمفلسين، فضلاً عن كشفها لنوايا الدولة في إعادة النظر في علاقاتها بالمستثمرين، والسعي لفتح صفحة جديدة معهم.
بعض الاقتصاديين رأوا أن المشروع الجديد يعد نقطة مضيئة في منظومة العلاقة بين المستثمر والدولة والمواطن، حيث إن الأصل في عملية رفع الضرر الواقع على المواطن، وتقديم تعويض له من المفلس، يكون بالحصول على مستحقاته المادية، دون الحاجة إلى حبسه، فالحبس لا يصب في مصلحة أحد، كما أن الحديث عن ادعاء البعض بالإفلاس للتهرب من دفع المستحقات أمر بعيد نسبيًا، كونه فضيحة لرجل الأعمال، وسندًا قويًا لامتناع تعامل البنوك معه.
أنصار هذا الرأي يشيرون إلى أن هذا المشروع كان مطلبًا من قبل المستثمرين، خاصة الأجانب، حيث كانت عملية الإفلاس في القانون القديم تعاني من عدم التنظيم والعشوائية، وهو ما كان يتسبب في تخوف الكثير من المستثمرين، لكن وبعد التعديلات التي أقرها مشروع القانون الجديد، سيجد المستثمر آلية قانونية للتعامل في حالة الإفلاس المفاجئ، بدلاً من عملية حبسه.
الخبير الاقتصادي خالد الشافعى، يعلق على هذا المشروع بقوله إن موافقة مجلس الوزراء على هذا المشروع، بهدف تقليل الدعاوى القضائية وتشجيع المتعثر على السداد وتبسيط الإجراءات، يؤكد وجود نية لدى الدولة للتسهيل على الشركات والمستثمرين خلال الفترة المقبلة، معربًا عن تفاؤله بأن إعادة هيكلة المديونيات الخاصة بتلك الشركات يدفعها لتوسيع الاستثمارات في السوق المصري.
كانت عملية الإفلاس في القانون القديم تعاني من عدم التنظيم والعشوائية، وهو ما كان يتسبب في تخوف الكثيرين من المستثمرين، لكن وبعد التعديلات التي أقرها مشروع القانون الجديد، سيجد المستثمر آلية قانونية للتعامل في حالة الإفلاس المفاجئ، بدلا من عملية حبسه.
الشافعي في تصريحات له أوضح أن إنشاء “إدارة إفلاس” في المحاكم الاقتصادية، ووضع جدول لخبراء لجنة إعادة الهيكلة، لا شك أنه سيصب في مصلحة الدائن والمدين على حد سواء، كونه ينهى جميع المنازعات الاقتصادية في وقت سريع، ويعفيها من استمرارها داخل أروقة المحاكم لعشرات السنين، مختتمًا حديثه بأن إلغاء عقوبة الحبس في قضايا الإفلاس والاكتفاء فقط بالغرامة، لهو أكبر وسيلة لطمأنه المستثمرين والشركات، ومن ثم فإن منسوب التوقعات لزيادة التدفقات الاستثمارية للسوق خلال الفترات المقبلة عالٍ جدًا، على حد قوله.
على الرغم من تباين الآراء بشأن مشروع قانون إعادة الهيكلة وتنظيم الإفلاس، ما بين متفاءل بقدرته على معالجة بعض الثغرات التي كانت تقف حجر عثرة أمام الاستثمار الأجنبي، والقلق من أن يكون قنطرة جديدة نحو العبور إلى آفاق أخرى من الفساد وإهدار حقوق الدولة والمواطنين على حد سواء، يبقى التطبيق وآليات التنفيذ وكيفية التوظيف، المعيار الحقيقي لتقييم هذا المشروع، وهو ما ستكشف عنه الأيام الأولى لتنفيذه على أرض الواقع.