خمسة عشر يومًا ولا تزال المياه مقطوعة عن 5 مليون نسمة يسكنون في دمشق وضواحيها بسبب انقطاع نبع الفيجة عن العمل بعد قصف قوات النظام السوري للمضخات العاملة في النبع والمسؤولة عن تزويد المياه للعاصمة، لتمر دمشق بأسوأ أزمة مياه -لم تمر عليها منذ سنوات طويلة- حتى ترحم السكان هناك على أزمة الكهرباء والمحروقات.
سوق سوداء للمياه
الانقطاع المستمر للمياه في قطاعات معينة من دمشق في الوقت الذي تتوفر من الآبار في المناطق القريبة من القنيطرة جعل المنطقة بيئة خصبة لظهور سوق سوداء لبيع المياه يستغل فيها التجار حاجة الأهالي للمياه ويرفعون أسعار العبوات والصهريج بشكل كبير.
علمًا أن التجار يملئون المياه من مناطق جنوب دمشق التي تتغذى على مياه القنيطرة وبعض الآبار الجوفية، حيث لا تعاني تلك المناطق من أي أزمة أو ارتفاع في سعرها، بينما تبدأ الأزمة وترتفع مع الدخول إلى دمشق.
وحسبما يؤكده أحد سكان العاصمة لـ “نون بوست”، فإن من يمتلك اليوم صهريج مياه يكاد هاتفه لا يهدأ من شدة الطلب على المياه، حيث يقدر بيع الصهريج الواحد بين 10 – 25 ألف ليرة سورية، وهذا الرقم يعد أكبر من راتب موظف سوري حاليًا. ويقول أحد سكان دمشق وهو طبيب أسنان لـ”نون بوست” إنه يحتاج كل يومين عمليًا لصهريج مياه بسبب حاجته لها أثناء عمله، ويختلف السعر يوميًا تبعًا للعرض والطلب بسبب غياب الرقابة. ويشير أن سعر عبوة المياه الواحدة (لتر ونصف) بلغ نحو 300 ليرة سورية وبرميل المياه نحو 5 آلاف ليرة.
وبالرغم من أن المؤسسة العامة للمياه نشرت صهاريج تابعة لها في شوراع العاصمة لتوزيع المياه على المواطنين مجانًا بالإضافة إلى تأمين صهاريج لمؤسسات الدولة والمستشفيات والأفران، إلا أن هذه الكميات لا تفي بالغرض ولا تكفي حاجة الناس اليومية، وخصوصًا بالنسبة للأشخاص الذين يعتمدون على المياه في أعمالهم، حيث يقف الناس في طوابير طويلة بانتظار صهاريج المياه لملئ العبوات الخاصة بهم.
بلغت سعر عبوة المياه سعة اللتر ونصف نحو 300 ليرة سورية
الأزمة استدعت تحرك وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إذ دعت مديرياتها لإغلاق أي محل يبيع المياه المعدنية بسعر زائد عن المحدد من قبلها لمدة أسبوع ومصادرة الكميات الموجودة في المحل، وكانت وزارة التجارة الداخلية حددت سعر صندوق المياه المعدنية سعة لتر ونصف وعدد 6 عبوات بـ650 ليرة سورية.
أحد المناطق التي تعرضت للقصف في وادي بردى
إلا أن أهالي من قلب العاصمة ذكروا أن سعر صندوق المياه المعدنية يخضع للاستغلال أيضًا إذ يتم بيعه في المزة بـ650 ليرة حيث يسكن هناك الضباط والتجار وهي منطقة تعد استراتيجية بحكم قربها من ساحة الأمويين وتحتوي على العديد من السفارات والمشافي والجامعات والمقرات الدبلوماسية، بينما يباع نفس الصندوق في أحياء أفقر بـ1100 ليرة سورية، وأكدوا في صفحات التواصل الاجتماعي أن سيارات توزيع المياه بالكاد تصل إليهم كما هو حاصل في جرمانا والخطيب على النقيض من المناطق الغنية كالمزة مثلا.
تحتاج سوريا إلى 23 مليار متر مكعب سنويًا لتكون حصة الفرد فيها مساوية لخط الفقر المائي البالغ 1000 متر مكعب بينما من المتوقع أن تعاني البلاد من عجر يقدر بـ6 مليارات متر مكعب للعام الحالي
وفي سياق متصل فقد أكد مشفى ابن النفيس في دمشق ازدياد حالات التسمم خلال فترة العشرة أيام الأخيرة وذلك بسبب شرب المواطنين المياه الملوثة وعدم التأكد من مصدرها خلال أزمة المياه، كما أن نقص المياه جعل المطاعم لا تعتني بشكل كاف بأدوات الطعام وغسيل الخضار ما أدى إلى تلوث كبير، وبالتالي لأمراض أكثر.
وعلى صعيد حل أزمة المياه فلا يزال النظام وقوات ميليشيا حزب الله تحاصر وادي بردى بغرض اقتحامه وفرض السيطرة عليه، وإصلاح نبع الفيجة لإعادة المياه للعاصمة، وعلى الرغم من سريان وقف إطلاق النار منذ بداية الشهر الحالي إلا أن القصف لم يهدأ على الوادي، واستمرت محاولات الاقتحام الفاشلة حتى اليوم.
إذ عرضت قوات النظام على الأهالي في الوادي من خلال وجهاء من أبناء الوادي لقد مصالحة شاملة في المنطقة على غرار ما حصل في بلدتي قدسيا والهامة وهي امتداد لوادي بردى في أطراف مدينة دمشق، إلا أن الطلب عاد بالرفض، وأكد ناشطون أنه لا يوجد أي هدنة أو وقف إطلاق النار أو اتفاق مع النظام السوري وحزب الله حتى اللحظة.