لم تكن المجموعة 47 كأي مجموعة أدبية أخرى، إذ لم يكن لها طابع رسمي، فلم تكن جمعية رسمية أو نادٍ ثقافي، كما لما يكن لها مقر ثابت، هي مجموعة أدبية غير تقليدية نشأت عقب الحرب العالمية الثانية في ألمانيا، بدأت بدعوة أرسلها الصحفي والكاتب الألماني هانز فيرنر ريشتر إلى مجموعة من الكتاب الشباب للقاء، جاءت دعوة ريشتر من أجل تبادل وجهات النظر بشأن إمكانية إنشاء مجلة أدبية، وللحديث بشكل عام عن مسيرة الأدب في فترة ما بعد الحرب في ألمانيا، كانت نتائج هذا التجمع الذي عقد في سبتمبر 1947 ملفتة وممتازة، مما دفع بريشتر للتفكير في جعل هذا اللقاء تقليدًا منتظمًا يعقد مرتين في كل عام.
إنشاء مجموعة 47، لم يكن هناك ثوابت في هذه المجموعة إلا أن اللقاءات كانت بهدف قراءة ونقد الأعمال غير المنشورة لبعض الكتاب الشباب الذين يتلقون دعوة بالحضور
أُسدِلَ الستار على فكرة المجلة الأدبية لعدم إيجاد تمويل مناسب لها في ظل الأزمة الاقتصادية التي ضربت ألمانيا أعقاب الحرب العالمية الثانية، وعوضًا عنها كان نتيجة اللقاء إنشاء مجموعة 47، لم يكن هناك ثوابت في هذه المجموعة إلا أن اللقاءات كانت بهدف قراءة ونقد الأعمال غير المنشورة لبعض الكتاب الشباب الذين يتلقون دعوة بالحضور.
عقد الاجتماع الثاني للمجموعة بعد شهرين من الاجتماع الأول وتضاعف عدد المشتركين فيه، ثم ظل يتوسع في السنوات التالية، إلا أن قائمة المدعوين لم تكن ثابته أبدًا، فدعوة أحد الكتاب إلى جلسة، لا تعني بالضرورة دعوته في الجلسات القادمة، ومع التنوع والتوسع، اشترك في هذه الجلسات من أصبحوا فيما بعد أعمدة الأدب الألماني في فترة ما بعد الحرب، من أبرز المشتركين هاينرش بول وغونتر غراس اللذان حازا على جائزة نوبل للآداب لاحقًا، كما لم تقتصر المجموعة على الكتاب فقط، إذ إن الفكرة قائمة على الكتابة والنقد، فكان ضمن المجموعة أحد أبرز النقاد الألمان أمثال رايش رانيسكي وهانز ماير.
بعد تلقي الكتاب الشباب الدعوة، يجتمعون في مكان مختلف كل مرة وتقتصر الجلسة على المدعوين فقط، فيجلس الكتاب تباعًا على “الكرسي الكهربائي” الذي سميّ بذلك من باب المزاح، لأن الذي يجلس عليه يكون أشبه بالمحكوم، فلا يحق له أن يدافع عن نفسه، ويقتصر دوره على إلقاء النص الأدبي ثم الاستماع إلى النقد دون أن يكون له فرصة الرد أو الدفاع.
بعد أن ينتهي الجميع من سرد نصوصهم ونقدها، يُعطى صاحب أفضل نص جائزة نقدية من أحد المتبرعين، لاقت هذه المجموعة نجاحًا واسعًا وصدى في ألمانيا، وتهافتت دور النشر على نشر نتاج هذه الجلسات، لذلك كانت هذه المجموعة المنصة الأبرز في إطلاق كتاب جدد وإيصال نتاجهم الأدبي لقاعدة واسعة من الجماهير.
كان الأدب الذي ينشده أعضاء الجمعية أدبًا جادًا واقعيًا ومباشرًا يخلو من المحسنات اللفظية والبديعية التي كانت مألوفة في فترة ما قبل الحرب، ولذلك لم يدع بعض أشهر الكتاب الألمان حينها، إذ إن لا مكان للنصوص ذات الأسلوب الكلاسيكي في هذه المجموعة
لم يكن هناك قواعد أو شروط واضحة للدعوة، لم يكن هناك أي إلزامات، إلا أن الجلسات كانت لقراءة ونقد النصوص فقط، ولأن الكتاب يؤمنون بأن الأدب ليس كيانًا منعزلًا عن الواقع، فقد أدركوا صعوبة عدم الخوض في السياسة أو الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وقرروا النقاش في هذه الجوانب في حفلات تعقد بعد نهاية الجلسات.
بعد 15 عامًا على إنشاء المجموعة، وتحديدًا في 1962، أقر ريشتر أهداف هذه الجمعية التي تمثلت بـ:
– تقديم تعليم ثقافي ديموقراطي راقٍ في مجالات الأدب والصحافة.
– ممارسة النهج الديموقراطي بشكل مستمر ضمن حلقة من الأفراد، أملاً بنتائج مستقبلية من العمل الجمعي لاحقًا.
– تحقيق الأهداف آنفة الذكر دون تشكيل نادٍ أو جمعية أو أكاديمية رسمية.
لم يأت قرار ريشتر بنشر أهداف المجموعة اعتباطًا أو من باب الصدفة، بل لحاجة ملحة، بعد سنوات من النجاح، بدأت المجموعة تحيد عن أهدافها التي نشأت عليها، فبدلًا من كون هذه المجموعة منبرًا تثقيفيًا للكتاب الجدد وفرصة لهم للانتشار وتبادل الخبرات، أصبحت الأجواء تنافسية داخل المجموعة.
جاءت مبادرة ريشتر بإقرار الأهداف وتوثيقها بشكل رسمي بعد 15 عامًا من الانطلاق
بمرور السنين أصبح بعض المشتركين كتابًا كبارًا بقاعدة جماهيرية عريضة، بينما شكل آخرون تحالفات فيما بينهم فاختلت موازين المساواة والحيادية بين المدعوين، أصبح الأمر شخصيًا للبعض واستعراضيًا للآخرين، لذلك جاءت مبادرة ريشتر بإقرار الأهداف وتوثيقها بشكل رسمي بعد 15 عامًا من الانطلاق، كمحاولة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، لم يكن التنافس بين المجموعة هو المشكلة الوحيدة، إذ إن الآراء السياسية المتعارضة للأفراد داخل المجموعة، كانت السبب الأكبر لإيقاف الجلسات أخيرًا في أكتوبر 1967 بعد عشرين عامًا من التأسيس.
تظل هذه المجموعة إلى يومنا هذا أهم مجموعة أدبية أسست بعد الحرب العالمية الثانية، والأكبر أثرًا في خلق أدب ألماني جديد عرف بأدب ما بعد الحرب.