اتسمت مواقف ولي لي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان، في العديد من القضايا بالصلابة، وكانت قراراته حاسمة في معظم الأحيان، وعلى الرغم من صغر سنه وقلة خبرته، فإن كاريزمته الطاغية جعلته محط الأنظار، علاوة على كل ذلك، كان محمد بن سلمان أول شخص يقدم على إحداث تغيرات جذرية مقارنة ببقية المسؤولين السعوديين الذين شغلوا نفس المنصب في فترة سابقة.
ومن المرجح، أنه ليس من الحكمة أن أقر بموقف واضح عن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إذ إنني لم ألتق به إلا مرة واحدة مع بعض زملائي في الرياض ولساعات قليلة، إلا أنه من الصعب ألا نقدر المجهود العظيم الذي يبذله محمد بن سلمان ولم يتجاوز 31 من عمره.
والجدير بالذكر أن محمد بن سلمان أبدى إصراره وتصميمه على تحمل أعباء الأزمة التي تمر بها بلاده ومسؤولية قراراته واختياراته، في هذه المرحلة المبكرة من حياته السياسية.
أعلن محمد بن سلمان عن انطلاق حملة تغيير شاملة في المملكة العربية السعودية تحت رعايته، ورغم أن هذا القرار من شأنه أن يضع مصير المملكة برمتها على المحك، وسواء كانت قراراته نابعة عن طموح مفرط أو تدل على سذاجته، فما يهمنا حقًا أنه يتمتع بالكثير من العزيمة والعملية
ومن ناحية أخرى، فقد أعلن محمد بن سلمان عن انطلاق حملة تغيير شاملة في المملكة العربية السعودية تحت رعايته، ورغم أن هذا القرار من شأنه أن يضع مصير المملكة برمتها على المحك، وسواء كانت قراراته نابعة عن طموح مفرط أو تدل على سذاجته، فما يهمنا حقًا أنه يتمتع بالكثير من العزيمة والعملية.
في الواقع، قام محمد بن سلمان بالعديد من التغييرات في فترة وجيزة من توليه لمنصبه، فعلى سبيل المثال، قطع العديد من الإعانات التي كان يدفعها ورفع قيمة الضرائب، وباع العديد من أصول الدولة الرئيسية، فضلاً عن ذلك، فقد مارس العديد من الضغوط بهدف إرساء ثقافة الكفاءة والمساءلة في البيروقراطية السعودية غير المنتجة، وإفساح المجال للقطاع الخاص للعب دور أكبر في الاقتصاد.
وعلى الرغم من أنه يحتل الموقع الثالث في ترتيب ولاية العرش، يملك محمد بن سلمان السيطرة الكاملة على عائدات النفط السعودية وصندوق الاستثمار الوطني والشؤون الاقتصادية، فضلاً عن توليه حقيبة وزارة الدفاع، وتجدر الإشارة إلى أن محمد بن سلمان قد تولى كل هذه المسؤوليات كولي لولي العرش، مباشرة بعد أن اعتلى والده الملك سلمان، عرش المملكة العربية السعودية في يناير/ كانون الثاني في سنة 2015، وعُين محمد بن نايف ولي العهد.
في الحقيقة، تولي محمد بن سلمان للعديد من المهام والمسؤوليات في فترة قصيرة تسبب في إثارة جدل واسع داخل المملكة العربية السعودية، وإلى حد ما في واشنطن. ففي حين اعتبره بعض مؤيديه منقذًا للملكة العربية السعودية، وصفه منتقدوه الذين كان من بينهم أمراء سعوديين يعيش بعضهم خارج البلاد، بالدجال والانتهازي.
وكما كان متوقعًا، فقد أثارت قراراته ومواقفه العديد من الانقسامات داخل الدولة، خاصة أنه أخذ على عاتقه مسؤولية إحداث تغيرات عميقة في صلب النظام القديم الذي كان يستفيد منه العديد من الأطراف، وبالتالي، ليس من الغريب أن يتعرض لهجمات لاذعة وانتقادات شرسة من بعض الأشخاص في الوقت الذي لاقت فيه قيادته الفريدة من نوعها للسياسة السعودية حماسًا وترحيبًا من العديد من الجهات الفاعلة في المملكة العربية السعودية.
ومن جهة أخرى، فإن تولي حقيبة كل من وزارة الدفاع والاقتصاد في الوقت ذاته تعتبر مهمة شاقة وصعبة حتى بالنسبة لأكثر الساسة خبرة، ناهيك عن شخص مبتدئ في السياسة عامة، في المقابل، من المهم أن نتعمق أكثر في خلفية إعطاء محمد بن سلمان كل هذه المسؤوليات، حيث إن الهدف الرئيس من منحه للعديد من الصلاحيات يتمثل في رغبة والده في أن يقود إصلاحات جذرية ويعمل على إرساء إدارة فعالة بإمكانها إسكات المعارضة الداخلية التي تندد بالعديد من الثغرات التي تعاني منها الإدارة السعودية الحالية.
على الرغم من أنه أمر سابق لأوانه أن نقيم عملية الإصلاح الاقتصادي التي بدأت للتو، فالنتائج الأولية للسياسات الدفاعية ليست في مستوى التوقعات
وعلى الرغم من أنه أمر سابق لأوانه أن نقيم عملية الإصلاح الاقتصادي التي بدأت للتو، فالنتائج الأولية للسياسات الدفاعية ليست في مستوى التوقعات. وفي الوقت الراهن، يحاول محمد بن سلمان إنشاء جيش أكثر فاعلية وبناء قدرة دفاعية صناعية وذلك من خلال تطوير سياسة الإنتاج الدفاعي، وخلق بنية تحتية مؤسساتية تتلاءم أكثر مع الدفاع الوطني، وعمومًا، اعتبر الكثيرون هذه الأفكار ممتازة ولاقت استحسانًا كبيرًا.
وتجدر الإشارة إلى أن الحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن، والتي كان يشرف عليها منصب وزير الدفاع، فشلت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، مما أدى إلى حصول كارثة إنسانية في اليمن وتدهور علاقات المملكة مع كل من واشنطن ولندن.
وهنا يجب أن نطرح سؤالاً مهمًا، كيف يمكن للمملكة أن تنهي الحرب في اليمن في حين أنها لم تتمكن بعد من تحقيق أهداف الأمن القومي التي وضعتها على لائحة أولوياتها في الوقت الذي ترفض فيه تسليم البلاد إلى إيران، عدوتها اللدودة؟
الإجابة على هذا السؤال لن نجدها إلا عند ولي ولي عهد الملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان الذي يملك قدرًا كبيرًا من الحكمة والدهاء التي ستساعدانه على تجاوز هذا المأزق، وعلى أرض الواقع، تحقيق هذه الأهداف ليس مستحيلاً، ولكن، كلما مات عدد أكبر من المدنيين في اليمن، أصبحت هذه المهمة أصعب.
أعظم مخاوف الأمريكيين، تتمثل في تغير طبيعة السياسة الهجومية للمملكة على إثر تولي محمد بن سلمان للسلطة
ومن ناحية أخرى، إن أعظم مخاوف الأمريكيين، تتمثل في تغير طبيعة السياسة الهجومية للمملكة على إثر تولي محمد بن سلمان للسلطة، بالإضافة إلى ذلك، انتشرت العديد من الشائعات في الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي أن بروز محمد بن سلمان ساهم في تهميش ابن عمه الأكبر سنًا محمد بن نايف ولي العهد الثاني في المملكة، وفي الأثناء، لم تظهر أي مؤشرات تدل على أن هناك صراع على السلطة داخل الرياض.
وعلى العموم، توجد بعض الصراعات الطائفية في السعودية، إلا أنها تكاد تكون منعدمة داخل النظام السياسي السعودي، وفي حال نشوب أي صراع على الحكم، فإنه لن يؤدي إلى حدوث حرب أهلية أو شلل اقتصادي على غرار الصراع على السلطة في الدول الأخرى، وفي هذا السياق، تشير الكثير من الحقائق إلى أن محمد بن سلمان ومحمد بن نايف يعملان بشكل وثيق ويلتقيان كل يوم تقريبًا.
وفي الإطار ذاته، تعد المسؤوليات التي يتوليانها متكاملة وليس هناك مجالاً للمنافسة بينهما، فالأمير محمد بن سلمان يعتبر المسؤول الرئيس عن إصلاح الاقتصاد وتعزيز الدفاع الوطني، في حين يتحمل الأمير محمد بن نايف مسؤولية العديد من الملفات المهمة المتعلقة بالأمن الداخلي مثل مطاردة الإرهابيين والحفاظ على القانون والنظام في العديد من المحافظات والبلديات الشاسعة في المملكة.
تولدت العديد من المخاوف نتيجة للتغييرات السريعة التي أحدثها محمد بن سلمان في المملكة، لا سيما في كل من المجال الاقتصادي والثقافي، خاصة أن هذه التغيرات أخلت بالعديد من النظم القديمة وهزت أسس العقد الاجتماعي في المملكة.
ومن هذا المنطلق، تعتبر هذه المخاطر انعكاسًا لضخامة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها المملكة العربية السعودية، إذ إنها قد تؤدي إلى درجة معينة من عدم الاستقرار، وبالتالي، من المنطقي جدًا أن تساور الشعب السعودي العديد من الشكوك والمخاوف خاصة أن معظم أفراد الحكومة السعودية يُجمعون على أن النظام الاقتصادي الحالي في البلاد لن يكون مستديمًا.
ومن باب الإنصاف، أن يُسمح للشعب السعودي بطرح العديد من الأسئلة والتعبير عن مخاوفهم إزاء تضخم سلطة محمد بن سلمان، إلا أنه لا ينبغي إغضاء الطرف عن الفرص التي يمكن أن تستفيد بها البلاد في عهده، ولعل أبرز هذه الفرص، تمتع أحد أعضاء العائلة المالكة في سابقة من نوعها، بهذا القدر من التواصل مع الشباب السعودي، ففي بلد يتميز بطفرة شبابية هائلة، فإن هذا الأمر يعد مثيرًا للاهتمام.
ونظرًا لصغر سنه ونشأته داخل المملكة (خلافًا للعديد من أعضاء العائلة المالكة) وفهمه لتطلعات أبناء جيله، فإن بن سلمان يسعى للاستثمار في الشباب والاستفادة من طاقتهم من أجل تعزيز خطته الإصلاحية.
كما يؤمن ابن سلمان بمدى أهمية مفهومي الكفاءة والجدارة، على نقيض النظام السابق القائم على أساس المحسوبية في البلاد، ومن هذا المنطلق، يوظف ابن سلمان أفضل وألمع الطاقات الشبابية والاستغناء عن الآخرين أو إحالتهم إلى المعاش المبكر.
وفي الوقت نفسه، لم يتوان ابن سلمان عن مواجهة رجال الدين المتشددين في المملكة، ففي الماضي، حاول عدد من رجال الدين السعوديين، بما في ذلك الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، الجدال مع رجال الدين بشأن مسألة التغيير، إلا أنهم تراجعوا تجنبًا لحدوث اشتباكات خطيرة قد تهدد الاستقرار الداخلي والنظام الملكي.
وفي الوقت الراهن، يحاول محمد بن سلمان الاستفادة من هذه التجارب، حتى يجد السبل المناسبة للتعامل بفعالية مع المشايخ الذين يرغبون في الحفاظ على الوضع كما هو، وفي هذا الصدد صرح ابن سلمان أن لديه استراتيجية تتكون من ثلاثة محاور مهمة وهي التالية: إشراك وتقسيم وتحويل المعارضة الدينية، بدلاً من مواجهتها، من خلال الرجوع للمبادئ المبنية على القرآن والتعاليم الدينية المستقاة من حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته.
ووفقًا لمحمد بن سلمان، توجد نسبة قليلة فقط من المحافظين المتشددين الذي يتسمون بنوع من التصلب الفكري، وهؤلاء يمكن أن تطبق معهم مستويات مختلفة من الإجراءات العقابية.
يعتقد ابن سلمان أن جهود الإصلاح سوف تنجح في جذب العديد من الأطراف المنضمين لصفوف المحافظين
فضلاً عن ذلك، يعتقد بن سلمان أن جهود الإصلاح سوف تنجح في جذب العديد من الأطراف المنضمين لصفوف المحافظين، ولعل أبرز مثال عن ذلك، الشيخ سعد بن ناصر الشثري الذي تمت إقالته من منصبه من هيئة كبار العلماء بسبب تحديه لإصلاحات الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ولكنه يعمل حاليًا كمستشار للديوان الملكي، ويعتبر من أحد مؤيدي أفكار ابن سلمان الجديدة.
عمومًا، يواجه ولي ولي العهد العديد من المسائل التي لا تحتمل التأجيل، فبينما هو مطالب بإعادة بناء الاقتصاد السعودي لمرحلة ما بعد النفط، عليه أن يأخذ بعين الاعتبار حرب اليمن المكلفة التي تورطت فيها السعودية وكبدتها العديد من الخسائر، بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن يحرص على متابعة التقدم الإيراني في جميع أنحاء المنطقة، فضلاً عن التعامل مع بؤر التوتر التي تحتد فيها المعارك.
ومن المتوقع أن يترك محمد بن سلمان بصمته في جل معالم السياسة الخارجية السعودية في الحاضر وفي المستقبل نظرًا لأنه يشغل منصبًا عسكريًا حيويًا في البلاد، وعلى الرغم من خبرته المتواضعة في هذا المجال، فإن رؤيته للسياسة الخارجية قد بدأت تتشكل وتتطور.
وفي السياق نفسه، يمكن للقيادة في واشنطن أن تتخلى عن مخاوفها خاصة أن محمد بن سلمان يشاطر الحكومة السعودية الرأي الذي يفضي إلى أن إيران تمثل السبب الرئيسي وراء العلل الثلاثة التي تعاني منها المنطقة والتي يمكن اختصارها في الإيديولوجيا التي لا تعرف حدودًا جغرافية وعدم الاستقرار والإرهاب.
وفي هذا الإطار، ويؤكد ولي ولي العهد أن المعضلة لم تكن يومًا في إيران في حد ذاتها بل هي بالأحرى في النظام الراديكالي الذي ولد مع الثورة الإيرانية سنة 1979.
وردًا على السؤال المطروح عن مستقبل صراع بسط النفوذ القائم بين إيران والسعودية، وما إذا كانت المملكة العربية السعودية مستعدة لإنشاء جسور التواصل المباشر مع العدو للتخفيف من وطأة التوتر وإقامة أرضية مشتركة بينهما، قال محمد بن سلمان إنه لا يوجد أي سبيل للتفاوض مع السلطة التي ترتكز إيديولوجيتها على مبدأ الإقصاء والتورط في الإرهاب وانتهاك سيادة الدول الأخرى، وأضاف أنه إذا لم تغير طهران من سياستها وممارساتها، فإن المملكة العربية السعودية ستفرط في العديد من مقترحات التعاون والتقارب المقدمة حاليًا من بعض الأطراف الأخرى.
وفي الوقت الذي يركز فيه ولي ولي العهد محمد بن سلمان، على المنظور الإقليمي وبالتحديد على سياسة إيران وتحركاتها فإنه ليس غافلاً عن انتشار العنف والتطرف في الأوساط السنية وعن المكائد التي يحيكها كل من تنظيم الدولة والقاعدة.
وفي هذا السياق، أعرب محمد بن سلمان عن قلقه الشديد من النفوذ الذي اكتسبه تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا، مشيرُا إلى أنه يمكن تطبيق سياسة الاحتواء مع التنظيم ومحاولة السيطرة عليه والحد من انتشاره في منطقة الشام وبالتالي هزيمته في نهاية المطاف وذلك بإشراف الدول القوية في المنطقة وعلى وجه الخصوص مصر والأردن وتركيا والمملكة العربية السعودية.
ومن ناحية أخرى، تعمق نفوذ تنظيم الدولة وأصبح يعمل بكل سهولة في إفريقيا، ونتيجة لذلك، اتبعت المملكة العربية السعودية المخطط الذي يحث عليه محمد بن سلمان، وانخرطت في مكافحة الإرهاب ومحاربة التهديد المتزايد المترتب عن استفحال ظاهرة التطرف وتفشيها في مختلف أنحاء إفريقيا، من خلال الشراكة مع منظمات الإغاثة والتنمية الدولية، بما في ذلك اليونيسيف ومؤسسة “بيل وميليندا غيتس”، وتخطط المملكة لعدد من المبادرات في السنة المقبلة.
وعلى الرغم من أن استفحال الإرهاب في إفريقيا يعتبر محل اهتمام الدول العربية في الوقت الحالي، فإن التطرف المحلي يعتبر مصدر قلق كبير بالنسبة لولي ولي العهد السعودي.
كان محمد بن سلمان في أواخر سنوات المراهقة عندما أمر أسامة بن لادن أتباعه بشن جملة من الهجمات ضد المملكة بعد غزو الولايات المتحدة للعراق، وظلت هذه الحادثة محفورة في ذاكرة ولي ولي العهد باعتبارها نقطة سوداء في تاريخ المملكة العربية السعودية.
صرح ولي ولي العهد أنه كان مدركًا للمغزى الحقيقي من المناورات التي كان يقودها تنظيم القاعدة من أجل السيطرة على المدن المقدسة والثروة النفطية
وصرح ولي ولي العهد أنه كان مدركًا للمغزى الحقيقي من المناورات التي كان يقودها تنظيم القاعدة من أجل السيطرة على المدن المقدسة والثروة النفطية، في تلك الفترة، لحقت بالتنظيم هزيمة نكراء بعد شهور من المواجهات المحتدمة بين جيش محمد بن نايف الذي تلقى بعض الدعم من وكالة المخابرات المركزية لسحق مقاتلي التنظيم.
وفي الأثناء اندلعت الاشتباكات بين أجهزة مكافحة الإرهاب السعودية والإرهابيين الذين كان أغلبهم سعوديين، في العديد من المدن والمراكز الحضرية بما في ذلك العاصمة الرياض وجدة والخبر ومكة المكرمة والطائف وينبع، وكانت المواجهات بين القوات السعودية ومقاتلي تنظيم القاعدة من أطول وأعنف الصراعات الموجهة ضد نظام الحكم في السعودية منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة.
ويقر محمد بن سلمان من جانبه، بأن المملكة العربية السعودية قد ارتكبت خطأ فادحا عندما تحالفت مع الولايات المتحدة وشاركت في تجنيد المقاتلين التابعين للجماعات الإرهابية لهزيمة الشيوعية خلال الحرب الباردة، لكن هذا سيظل من الماضي. فمنذ ذلك الحين، أصبحت المملكة العربية السعودية تعد مستهدفة من قبل التنظيمات الإرهابية وضحية من ضحاياهم وهذا دفعها إلى أن تصبح حليفًا رئيسيًا في الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب، وتكريس موارد كبيرة لهذه المهمة.
بالإضافة إلى ذلك، وضح محمد بن سلمان أن البلاد بمقدورها التصدي للإرهاب بطريقة أكثر فعالية من خلال محاربة الأفكار المتطرفة.
وفي المقابل عبر محمد بن سلمان عن استيائه من مقارنة التيار الوهابي بالتطرف والإرهاب نتيجة للفهم المغلوط للأمريكيين بخصوص هذا التيار الفكري الإسلامي، وأوضح ابن سلمان أن تاريخ التشدد والتطرف لا يمت للعقيدة الدينية في المملكة العربية السعودية بأي صلة، إذ يعتبر محمد بن عبد الوهاب، من مؤسسي هذا التيار الديني في القرن الثامن عشر، وطرح ابن سلمان السؤال التالي: “لماذا تساوون بين الإرهاب والوهابية في حين أن التيار الوهابي تأسس منذ نحو 300 مائة سنة، بينما لم يظهر الإرهاب إلا في السنوات الأخيرة؟”.
على أية حال، كان محمد بن سلمان محقًا بخصوص إعراضه عن جبر الضرر الذي لحق بالعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بسبب أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر في نيويورك وواشنطن.
ومن المؤكد أن عدم اكتراث الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بهذه المسألة ونفاد صبر المملكة العربية السعودية على مدى السنوات الثمانية الماضية قد ساهما في تصاعد حدة التوتر في العلاقات بينهما، إلا أن هذه المسائل ليست السبب الرئيسي وراء استمرار هذا التوتر.
وعلى ضوء هذه القضية، سيتحتم على المسؤولين السعوديين أن يتعاطوا مع المخاوف والرهانات التي تواجهها البلاد، من خلال التعاون بشكل أكثر نجاعة وفعالية مع الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي.
ومن الواضح أن هذه العملية سوف تستغرق العديد من السنوات، في ظل افتقار المملكة العربية السعودية للمهارات الدبلوماسية العامة بالإضافة إلى الاتصالات الاستراتيجية.
ومن وجهة نظري، يجب أن تنطلق هذه العملية الدبلوماسية على الفور ولا أظن أن هناك مسؤول أحق بقيادة هذه العملية أكثر من محمد بن سلمان نظرًا لامتلاكه لمهارات التواصل اللازمة لذلك، علاوة على تقديره لأهمية الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية وعدم تردده في التعبير عن إيمانه بأهمية القيادة الأمريكية التي ليس لها بديل في العالم.
وعلى خلاف معظم حلفاء وشركاء الولايات المتحدة من الدول الأخرى، فإن محمد بن سلمان متخوف بشأن تخلي الولايات المتحدة الأمريكية تدريجيًا عن دورها الريادي وعن تبعات عدم مبالاتها بما يحدث في الساحة العالمية.
وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أنه في حال عزوف الولايات المتحدة الأمريكية عن أخذ موقف واضح وقيادي في العالم، فإن الطرف الذي سيحل محلها لن يكون بالضرورة طرفًا فاعلاً.
ومن جهة أخرى، فقد حث محمد بن سلمان الولايات المتحدة على نقد المملكة بشكل بناء، على خلاف معظم القادة العرب الذين لديهم حساسية خاصة تجاه شعارات الديمقراطية الأمريكية أو تجاه التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لبلدانهم.
ولكن كيف يمكن رأب الصدع بين البلدين في حين يقف قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب “جاستا” الذي أصدره الكونغرس الأمريكي مؤخرًا (الذي يسمح لضحايا هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر بمقاضاة السعودية)، عقبة في طريق هذا التعاون، ناهيك عن انتخاب دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية؟
في المقابل، يثق محمد بن سلمان في قدرة المشرعين الأمريكيين العقلانيين على التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف فيما يتعلق بقانون “جاستا”، خاصة أن هناك اتفاق على عقد جلسة للنظر في هذا القانون بقيادة كل من السيناتور ليندسي غراهام وجون ماكين، وذلك بغية تعديل القانون بصفة تضمن حقوق ضحايا الهجمات الإرهابية وتحافظ على الأمن الأمريكي مع احترام العلاقات مع السعودية.
وأورد محمد بن سلمان أنه سيركز على الاستفادة من الفرص الاقتصادية الرئيسية في مبادرته لسنة 2030 وإشراك الولايات المتحدة في البرنامج التنموي السعودي خاصة بعد تولي الرئيس دونالد ترامب لمهامه رسميًا في البيت الأبيض.
علاوة على كل ذلك، أشار ابن سلمان إلى رغبته في استئناف الحوار الاستراتيجي بين كلا البلدين، الذي توقف طيلة فترة ولاية باراك أوباما لأسباب غامضة.
قد يبدي الرئيس الجديد دونالد ترامب استعداده للمشاركة في مثل هذا الحوار والتجاوب مع المقترح السعودي على الرغم من أن هذه المبادرة لا ترتقي لسقف توقعاته خاصة
وفي المقابل، قد يبدي الرئيس الجديد دونالد ترامب، استعداده للمشاركة في مثل هذا الحوار والتجاوب مع المقترح السعودي على الرغم من أن هذه المبادرة لا ترتقي لسقف توقعاته خاصة أنه ينتظر من حلفاء الولايات المتحدة أكثر من ذلك فيما يتعلق بشأن التعاون الأمني على وجه الخصوص، وتظل المسألة متعلقة بمدى رضا دونالد ترامب عن أداء كل من محمد بن سلمان وزملائه.
وخلافًا لذلك، سيتوجب على دونالد ترامب إيجاد سبل فعالة للتعامل مع صعود ولي ولي العهد محمد بن سلمان، وسوف يتعين على إدارة ترامب الاعتراف بتنامي نفوذ الأمير الشاب ليس فقط داخل المملكة العربية السعودية بل أيضًا في السياسة العربية، وفي الأثناء على واشنطن أن تتحلى بالذكاء وتحترز في تعاملها مع محمد بن سلمان كي لا تُخل بعلاقتها المتميزة مع محمد بن نايف الذي تعتمد عليه في مجال مكافحة الإرهاب.
وعلى الرغم من تقدير أتباعه لجهوده، فإن محمد بن سلمان يواجه العديد من التحديات التي تعرقل خططه الرامية لتحويل المملكة العربية السعودية، بداية من استراتيجية الدولة مرورًا بالموارد المالية وصولاً للفوضى الإقليمية التي قد تعرقل العملية برمتها.
وفي الوقت نفسه، يكمن التحدي الأكبر في قدرة محمد بن سلمان على الترويج لبرنامجه الإصلاحي أمام منتقديه، ولعل أكبر منتقديه، الجمهور السعودي الذي يخشى معظمه من المخاطر والتهديدات المحدقة بالسعودية ويتخوف من التغيير خاصة في ظل وجود فجوة بين برنامجه الإصلاحي وعقلية مجتمعه المحافظة، بالإضافة إلى الجمهور الأمريكي، حيث تلعب الولايات المتحدة دورًا لا غنى عنه في خطته، علمًا أنها ستوفر له الدعم المادي والمعرفة التقنية والاستثمارات.
وبناءً على معايير المصداقية، فإن بداية الأمير الشاب تعتبر بداية قوية مقارنة بخبرته وسنه، وفي الأثناء، يجب الإشارة إلى أن إصلاحاته المعقدة تتطلب التحلي بالمزيد من الصبر والتواضع، فرحلة التغيير الحقيقي في المملكة ليست مسألة اختيارية، وإن كان وجود محمد بن سلمان كمنسق ومشرف على عملية التغيير محفزًا ودعامة قوية، فإن ذلك لن يتحقق ما لم يكن هناك تناغم بينه وبين أداء بقية المسؤولين السعوديين.
المصدر: فورين أفيرز