ترجمة وتحرير نون بوست
في الوقت الراهن، يشهد العالم الحديث اكتساحًا للعديد من “البرابرة” الذين يستهدفون الحرية والحضارة والثقافة التي تتعارض مع توجهاتهم وأفكارهم.
وفي هذا الإطار، ستخلد سنة 2016 في الذاكرة الأوروبية على أنها أكبر شاهد على نضال الدول الأوروبية للحفاظ على التماسك السياسي ووحدة الاتحاد الأوروبي دولاً ومجتمعًا وقيمًا.
ومن جهته، صرّح رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك الذي يتقلد منصب رئيس المجلس الأوروبي منذ كانون الأول/ ديسمبر سنة 2014 “على الرغم من أن الدول الأوروبية شهدت خلال سنة 2016 فترة من الشك والفشل الواضح، فقد تمكنت من تحقيق بعض الإنجازات الفعلية”.
والجدير بالذكر أن انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي كان خيبة أمل كبيرة له، ومع ذلك دعا توسك أوروبا إلى التفاؤل والتزام الحذر والعمل المشترك لحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وفي الفترة الأخيرة، واجه الاتحاد الأوروبي العديد من المشاكل التي تعود بالأساس إلى أزمة الهجرة واللاجئين والعجز عن التعامل معها في ظل تنامي الحروب في منطقة الشرق الأوسط بالإضافة إلى توتر العلاقات مع روسيا بشأن قضية أوكرانيا ناهيك عن الأزمة الاقتصادية في العديد من دول الاتحاد.
علاوة على كل ذلك، تواجه دول الاتحاد الأوروبي العديد من التهديدات الأمنية الخارجية والداخلية التي تضع الاتحاد الأوروبي أمام تحديات مصيرية قد تستمر إلى السنة القادمة، من شأنها أن تؤثر على مستقبل وحدة أوروبا.
وخلال سنة 2016، تنبأ العديد من السياسيين والمحللين بحدوث العديد من التغييرات والتحولات الجذرية في قلب البلدان الأوروبية، مما أثار موجة من القلق، وبينما تستمر هذه التوقعات في التحقق، عجز الخبراء عن تحديد المسار المستقبلي للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت الراهن، لا بد من التمحيص في حقيقة وجود علاقة بين التحولات في التوجهات السياسية في الاتحاد الأوروبي حاليًا، والأزمة المالية التي وقعت خلال سنة 2008.
الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل من أبناء الطبقة الوسطى الأوروبية والأمريكية تعتريهم حالة من الغضب والحنق، لا سيما أنه وقع تهميشهم منذ الأزمة المالية لسنة 2008
من الواضح أن الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل من أبناء الطبقة الوسطى الأوروبية والأمريكية تعتريهم حالة من الغضب والحنق، لا سيما وأنه وقع تهميشهم منذ الأزمة المالية لسنة 2008، وعمومًا، يعلم الجميع أن هذه الهزات العميقة في صفوف الشباب الأوروبي قد تهدد مستقبل الاتحاد الأوروبي وقد تؤدي إلى بداية نهاية عصر الاستقرار الأوروبي العظيم.
وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي كان قائمًا على ثلاث ركائز أساسية سمحت له بالاستمرار في العمل لنحو 70 سنة، وتتمثل الركيزة الأولى للاتحاد الأوروبي في تأسيسها لنظام دولي يعمل على فرض قيادة أوروبا واحترام العالم لقواعدها مما يبقيها منيعة ضد الصراعات العالمية، أما الركيزة الثانية فهي الليبرالية الديمقراطية في حين اعتمد الاتحاد الأوروبي على الاستقرار النسبي للمجتمعات الأوروبية حتى يحافظ على استمراريته.
الحقيقة، لا تزال مؤسسة التعاون الأوروبي هشة جدًا خاصة أن العديد من التحديات الفعلية تنتظرها في المرحلة المقبلة، ومن المرجح، أن يقع الاتحاد الأوروبي ضحية للتغيرات القادمة في العالم
وفي الحقيقة، لا تزال مؤسسة التعاون الأوروبي هشة جدًا خاصة أن العديد من التحديات الفعلية تنتظرها في المرحلة المقبلة، ومن المرجح، أن يقع الاتحاد الأوروبي ضحية للتغيرات القادمة في العالم إذا ما تخلت كل الدول الأوروبية عن مبدأ التعاون فيما بينها.
وفي الوقت الحالي، تتصاعد العديد من الأصوات في أوروبا المنادية بإيجاد حل فعلي لتجنب حدوث شرخ عميق في الوحدة الأوروبية من خلال البحث عن الدوافع الحقيقية التي توحدهم والوقوف بالمرصاد في وجه كل الخصوم والأعداء المستفيدين من تشتت الاتحاد الأوروبي.
ومن هذا المنطلق، لا بد من إدراك أن كلا من الثقافة والحرية تمثلان روح أوروبا، وبالتالي، يمكن للدول الأوروبية الاعتماد على هذين المبدأين لاستعادة الوحدة فيما بينها، في المقابل، يجب على الاتحاد الأوروبي تقبل التغيرات السياسية في الدول الأوروبية مع الحرص على عدم تقييد الحريات خاصة أن الحرية تمثل محور التشابه بين الدول الأوروبية كافة.
وفي الواقع، تحول العالم الحديث إلى مسرح “للبرابرة” وأعداء الثقافة والحضارة والحرية الأوروبية، وفي الوقت نفسه، يتعرض الاتحاد الأوروبي لضغوط خارجية علاوة على الانشقاقات الداخلية التي أصابت جوهره، ونتيجة لذلك، يجب أن تقف الشعوب الأوروبية كحصن منيع أمام التحديات الراهنة وتحرص على عدم وضع القيم الأساسية للروح الأوروبية قيدا للمزايدات.
ومن جهة أخرى، يتعين على الاتحاد الأوروبي مواجهة الأفكار المتطرفة التي انتشرت في أوروبا بشجاعة والتصدي لأي خطر يهدد الحقوق والحريات في الداخل والخارج، وفي الأثناء، من المهم أن يكون الوعي السياسي الأوروبي ركيزة أساسية يعمل من خلالها جميع الأطراف على ضمان الحقوق والحريات التي اجتهدت أوروبا لتكريسها منذ قرون.
كما أنه من المهم أن تدرك الدول الأوروبية أن مسؤولية حماية نفسها من الفتن التي قد تهدد وحدتها ومستقبل بقائها كاتحاد، تقع على عاتقها بمفردها مما يتطلب تضافر جهود كل الأطراف لتحقيق ذلك.
المصدر: نوفوي فريميا