ترجمة حفصة جودة
يمكن لدورة الأخبار الحديثة أن تصبح كابوسًا، فما بين وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الأخبار التي تعمل على مدار الساعة، هناك دائمًا كوارث ضخمة أو أزمة خارج السيطرة أو جائحة قادمة إليك، كأننا نعيش على حد السكين في نهاية العالم، وحتى لو تجنبنا أحد الأخبار سنجد آخر ينتظرنا.
إنه أمر مرهق يستنزفك عاطفيًا، ولو كنت مثلي فيجب أن تتجنبها تمامًا للحفاظ على صحتك العقلية، لكنك لن تستطيع القيام بذلك، لأنه رغم كل عيوبها فالأخبار ضرورية، فهي تبقيك على اطلاع بما يحدث في العالم وكيف يستخدم القادة سلطاتهم وما تفعله بقية الشعوب لتغيير الوضع الراهن.
انتشار هذه المعلومات بين المواطنين يساعدهم على محاسبة المسؤولين وتوليد دعم شعبي للأفكار والمشروعات الواعدة، لكن هل يمكننا مشاهدة الأخبار دون التأثير على صحتنا النفسية؟ بالطبع، لكننا لن نستطيع أن نتعامل معها كمستهلكين سلبيين.
التفكير الإستراتيجي 101
يُعرّف المحلل السياسي إيان بريمر التفكير الإستراتيجي بأنه في الأساس تفكير فوقي، أي التفكير فيما تفكر به، إنها عملية التراجع عن رؤيتك للعالم والتشكيك فيها عمدًا، حيث تفكر في كيفية تشكل تلك الرؤية.
على سبيل المثال، الدور الذي لعبته التنشئة والتعليم والمجتمع والخبرات الحياتية في تشكيلك، لكنك الآن بحاجة إلى التراجع خطوة والتساؤل عن المعلومات التي قد تغير رؤيتك للعالم، ولماذا تعطي الأولوية لتلك المعلومات وهل ما زالت تلك الأولوية منطقية اليوم.
يقول بريمر إن ذلك يتطلب انفتاحًا وفضولًا، فربما تكتشف أنك كنت مخطئًا بشأن بعض الأمور، وربما تصبح متشككًا بشأن بعض المسلمات في الحياة وتعيد التفكير في رؤيتك للعالم التي تجعلك منزعجًا، لا بأس بذلك كله، فكل خطوة من ذلك لا غنى عنها في رحلة البحث عن الحقيقة.
ممارسة التفكير الإستراتيجي تسمح لك بتحديد ما الأخبار التي تريدها بدلًا من محاولة التعامل مع الدفعة اليومية
ما علاقة ذلك بالأخبار؟ حسنًا، أحد الأسباب التي تجعل التغطية الإخبارية تستنزفك عاطفيًا ليس كونها مصدرًا للحقائق، بل لأن الصيغة العاطفية للقصص الإخبارية تدفعنا إلى الخطأ في تقدير المخاطر والخوف غير الضروري من المستقبل وزيادة الضغوط.
يتعلق جزء من ذلك ببساطة بطريقة تفاعل أدمغتنا مع أنواع معينة من القصص، فنحن نولي اهتمامًا أكبر للأحداث السيئة ونمنحها قدرًا غير مناسب من سعتنا النفسية، تدرك شركات الأخبار ذلك وتتلاعب بهذا التحيز المعرفي لزيادة عدد المشاركات والتقييمات.
في الحقيقة، وجدت دراسة نشرتها “PLOS One” أن عناوين الأخبار التي تميل إلى المشاعر السلبية ازدادت بنسبة 104% منذ عام 2000 لهذا السبب.
يساعدك التفكير الإستراتيجي على التعامل مع دورة الأخبار دون السماح لأولويات وسائل الإعلام بجذب مشاعرك والتأثير على رؤيتك للعالم، يقول بريمر: “إنه ليس استجابة لعناوين الأخبار ولا بشأن ما تريد المنافد الإعلامية الحديث عنه في أي يوم، لكنه محاولة للتفكير إلى أين يتجه العالم”.
فكرّ قبل أن تعلم
ممارسة التفكير الإستراتيجي تسمح لك بتحديد ما الأخبار التي تريدها بدلًا من محاولة التعامل مع الدفعة اليومية، كما تساعدك أيضًا على تحديد القدر المناسب من المحتوى الإخباري لتتجنب الانهيار.
إليك 5 نصائح تساعدك على أن تصبح مستهلكًا أذكى للأخبار.
اطرح أسئلة إستراتيجية
هناك بعض الأسئلة التي تساعدك على التفكير بشكل إستراتيجي بشأن استهلاكك للأخبار، ومن بينها:
– ما المعلومات التي أود الحصول عليها من الأخبار تحديدًا؟ وبناءً على ذلك، ما نوع القصص التي لها الأولوية؟ ولماذا؟
– ما أفضل طريقة للحصول على تلك المعلومات (الصحافة المطبوعة، التلفاز، وسائل التواصل الاجتماعي)؟
تتبع الأخبار طريقة أخرى لإبقائنا على اتصال وذلك بنشر الأحداث المفاجئة أو المثيرة أو الخطيرة
– ما أنسب وقت بالنسبة لي للتعامل مع الأخبار؟ ولأي مدة؟
– هل هناك عادات إخبارية أحتاج إلى تحديثها أو التوقف عنها وفقًا لتلك الأولويات؟
– متى تُستنزف مشاعري؟ هل يرجع ذلك إلى أن الأخبار تتحدى نظرتي للعالم أم أنني أتعرض للتلاعب؟
تجنب التغطية الأشبه بالتغطية الرياضية
تتعامل المؤسسات الإخبارية مع السياسة كالرياضة للحفاظ على التواصل مع الناس، فتعلن من فاز ومن خسر ومن تقدم ومن تراجع، وتغطية ليلة الانتخابات أبرز مثال على ذلك (حتى إنهم يستخدمون لوحة نتائج)، وغالبًا ما تتبع كل التغطيات الإخبارية نفس الطريقة.
لكن السياسة ليست لعبة، ولها عواقب في الحياة الحقيقية (رغم أن وسائل الإعلام تضخمها لإخافتك)، يساعد كل ذلك على أن تصبح التغطية الإخبارية مدمرة للأعصاب ومستنزفة للمشاعر كأنك تشاهد خسارة فريقك المفضل، لكن المفكر الإستراتيجي يتجنب هذه التغطية الرياضية للأخبار.
ابحث عن الأنماط واسعة النطاق
تتبع الأخبار طريقة أخرى لإبقائنا على اتصال وذلك بنشر الأحداث المفاجئة أو المثيرة أو الخطيرة، ولأن عقولنا تمنح الأولوية للمعلومات السلبية، فإن رؤيتنا للحقيقة ستتشوه إذا استنتجنا أن الأحداث التي تقع دفعة واحدة تمثل توجهًا واسع النطاق.
إذا نظرنا إلى حوادث الطيران كمثال، سنجد أن الكثير من الناس يخشون الطيران وذلك لتذكرهم التقارير المتكررة عن تلك الحوادث، لكن تحطم الطائرات نادرًا بقدر مأساوية الحدث، والحقيقة تقول إن الطائرات التجارية آمنة، ومعدل الوفيات العالمي هو 1 لكل 7.9 مليون مسافر (مقارنة بـ170 لكل مليون سائق سيارة في الولايات المتحدة وحدها).
يبحث المفكر الإستراتيجي بشكل أعمق للنظر في أسباب حدوث الأشياء بدلًا من لوم الهدف الأكثر ملاءمة
هذه الحقيقة تنطبق على موضوعات إخبارية شائعة أخرى، الدعاوى القضائية التافهة؟ ليست شائعة كما يبدو، هجمات القرش؟ توقف عن متابعة قناة ديسكفري، جرائم العنف؟ ربما زادت في أثناء جائحة كوفيد وبعدها لكنها ما زالت دون المعدلات التاريخية.
اكتشف الأسباب الجذرية والنتائج المباشرة
بالمثل، فالتقارير المتكررة للنتائج المباشرة تعمينا عن الجذور المسببة للحدث، على سبيل المثال؛ يلوم الكثير من الأمريكيين رئيسهم على الأداء الاقتصادي للبلاد، ومع ذلك فسيطرة الرؤساء على الأداء الاقتصادي ضعيفة للكثير من الأسباب.
من بينها أن السياسات لا تُحدث تغييرًا فوريًا، وإنفاق الحكومة الفيدرالية جزء صغير من الاقتصاد، ولا تستطيع أي حكومة في العالم أن تتحكم في التوجهات العالمية.
يبحث المفكر الإستراتيجي بشكل أعمق للنظر في أسباب حدوث الأشياء بدلًا من لوم الهدف الأكثر ملاءمة، يقول بريمر: “بالنسبة لي، ففهم طبيعة القوى الهيكلية لحدث ما، طريقة جيدة عادة لمحاولة فهم طبيعة تلك الأزمة”.
وسّع رؤيتك للعالم
ينصح بريمر بقراءة مصادر إخبارية متعددة، لكن إذا كنت قارئًا منتظمًا لصحيفة ما في بلدك فقراءة بعض الأخبار لصحيفة أخرى لن يكون كافيًا، وكل ما سيفعله تعزيز رؤيتك الحاليّة للعالم وهي أن الآخرين جهلاء.
يقترح بريمر أن تجد مصدرًا مختلفًا تمامًا من خارج بلادك لترى كيف تنشر الدول الأخرى تقاريرها وتعبر عن رأيها في القصص المتعلقة بها، فأنت بحاجة للابتعاد عن شركات الإعلام في بلادك.
يقول بريمير: “إذا لم تكن العميل فأنت المنتج، لكنك تريد أن تكون مستهلكًا فعالًا بينما ينتج شخص آخر، هذا الخيار صعب للغاية في البيئة الحاليّة”.
عليك أيضًا أن تبحث عن المصادر الإخبارية التي تعطي الأولوية للعدالة والموضوعية والتقارير المبنية على الحقائق، بمرور الوقت قد تتحول المؤسسات الإخبارية إلى المشاركة الصحية للأخبار لصالح المجتمع، لكن في الوقت الحاليّ، فالطريقة الوحيدة للحصول على أخبار أفضل هو أن نصبح مستهلكين أذكى.
المصدر: بيغ ثينك