أجرى المركز الإسلامي للبحث والتكوين إلى جانب مركز زوايا دراسة قبل سنوات في المغرب، خلصت إلى أن 94%ة من المغاربة يرغبون في التعامل مع البنوك الإسلامية “التشاركية” إذا ما تم إنشائها في المغرب، فيما أبدى 64% ممن شملتهم الدراسة انزعاجهم من البنوك التقليدية.
وعلى الرغم من هذا الاستعداد الذي أبداه المغاربة للتعامل مع هذه البنوك حسب الدراسة، ورغم التقارير الدولية التي صنفت المغرب من بين الأسواق الخصبة التي لها القدرة على استقطاب البنوك الإسلامية الناجحة في العديد من الدول فإن الترخيص الرسمي لإطلاقها تأخر كثيرًا.
انطلاقة متأخرة واعتماد على بنوك محلية
أعلن بداية هذا الأسبوع، بنك المغرب “البنك المركزي” عن الترخيص رسميًا للبنوك الإسلامية للاشتغال في البلاد، وأشار إيجابيًا لصالح 5 بنوك مغربية، و3 أخرى غير مغربية، بغية إنشاء فروع تقدم خدمات بنكية تشاركية أي إسلامية.
وقد تم تشكيل لجنة تحت مسمى “لجنة مؤسسات الائتمان” وهي مكونة من ممثلين لبنك المغرب وممثلين لوزارة المالية، رفعت توصية بقبول الطلبات المقدمة من أجل إنشاء بنوك إسلامية (بنوك تشاركية كما تسمى في المغرب).
ونشر المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات تقريرًا عن الرهانات الإسلامية في المغرب، يرى أن المغرب يفضل عدم الاعتماد بشكل كامل على المؤسسات المالية الأجنبية، وذلك لما فيه من مراعاة لمصالح البنوك المغربية حتى لا يعود عليها بالسلب وتهرب منها فئة عريضة من عملائها، وبغية ضمان نوع من التوازن بين المصارف المحلية والأجنبية العاملة في قطاع البنوك الإسلامية، وهذا ما يفسر، حسب المركز، الشراكات بين البنوك المغربية وبنوك أجنبية متخصصة في هذا المجال.
حيث دخلت أربعة بنوك مغربية في اتفاقات شراكة مع بنوك أجنبية، كان أولها القرض العقاري والسياحي المغربي الذي وقع اتفاقية شراكة مع بنك قطر الدولي، والبنك المغربي للتجارة الخارجية الذي أعلن تحالفه مع مجموعة البركة البحرينية، التجاري وفا بنك من جانبه توصل إلى بروتوكول تفاهم مع البنك الإسلامي للتنمية، بينما دخل البنك الشعبي في شراكة مع مجموعة فاينانشال غايدانس الأمريكية للاستثمار العقاري.
وعلى عادة المغرب فإنه دائمًا يحافظ على خصوصيته بحثًا عن الاستثناء في مختلف المجالات مقارنة مع باقي الدول، فالمغرب لم يحاك الدول التي كانت سباقة لهذا النوع من البنوك بل فضل التريث وإجراء دراسات مستفيضة قبل اتخاذ القرار، الذي سيكون له وقع واضح مستقبلاً على السوق المالي في المغرب، والذي يمضي بحذر مراقبًا للمتغيرات الدولية والإقليمية المتقلبة.
إضفاء طابع الشرعية الدينية
أنشأ المجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه ملك المغرب بصفته أمير للمؤمنين “لجنة شرعية للمالية التشاركية”، لمتابعة إطلاق هذه الخدمات البنكية في المغربية، والنظر بشأن مطابقة المنتجات المالية المقدمة، مع أحكام الإسلام الوسطي المعتدل.
وجاء ذلك لطمأنة ملايين من المغاربة “العملاء المحتملين” بشأن عدم مخالفة هذه البنوك للتعاليم الدينية، حيث ينتظر هؤلاء سنوات لأجل الاستفادة من خدمات بنك إسلامي والتمكن من شراء بيت سكني أو سيارة أو تمويل مشروع شخصي.
تحفيز المغاربة على إخراج أموالهم المدخرة
ولدفع المغاربة الذين لا يثقون في البنوك التقليدية بسبب نسب الفائدة “الربا” والتي تثقل كاهلهم، إلى إخراج أموالهم المدخرة وإيداعها في البنوك لمنح السوق المالية مزيد من السيولة، فقد تم في عهد الحكومة التي يقودها إخوان العدالة والتنمية المصادقة في البرلمان على مشروع قانون خاص بالبنوك التشاركية.
وينص القانون رقم 103.12 على أن الودائع الاستثمارية التي يتلقاها البنك التشاركي من عملائه سيتم ربطها بناتج الاستثمارات المتفق عليها، وسيتم تحديد شروط وكيفية تلقي وتوظيف هذه الودائع بمنشور يصدره مدير البنك المركزي (والي بنك المغرب) بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان وبعد الرأي بالمطابقة الصادر عن المجلس العلمي الأعلى، ولا يجب أن تؤدي هذه العمليات إلى تحصيل أو دفع فائدة.
ولا زال الكثير من المغاربة مترددين بشأن البنوك التشاركية ومدى تطابقها مع نماذج البنوك الإسلامية في الدول الأخرى التي مرت من هذه التجربة.
وبهذا الخصوص فقد سبق لأستاذ الاقتصاد محمد الكتاني أن أكد خلال ندوة في العاصمة الرباط، أن هذه البنوك التشاركية التي سيتم إطلاق خدماتها في المغرب عبارة عن نموذج مصغر للبنوك الإسلامية، مضيفًا أنها ستوجه خدماتها إلى ما هو تجاري فقط، أي لن تتوجه إلى مجالات الاستثمار والتنمية الاجتماعية، وهو ما أسماه الكتاني بالنموذج الأسهل وهو البنوك التجارية.
ويبقى الرهان الأكبر من خلال هذه البنوك التشاركية هو دفع المغاربة إلى تحرير مدخراتهم المقدرة بالملايين حيث يعدلون عن إيداعها في البنوك التقليدية لأسباب شخصية أو لاعتبارات دينية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن البنك المركزي في المغرب، أكد سنة 2014 أنه اقترب بشكل كبير من الوصول إلى هدفه المسطر وهو بلوغ نسبة الولوج إلى الخدمات البنكية 64%، وحسب البنك المركزي فإن هذا الرقم يدل على انخراط البنوك بتحفيز من البنك المركزي، في استقطاب عملاء جدد والنهوض بالإدماج المالي، ويهدف البنك المركزي إلى استقطاب باقي المغاربة الرافضين للتعامل مع البنوك التقليدية.
البنوك التشاركية وتعويم العملة.. أية علاقة؟
خلال لقاء عن السياسات النقدية رهن مدير البنك المركزي المغربي تحرير سعر صرف الدرهم بثلاثة ضمانات وهي: الحفاظ على الميزانية العمومية في حالة قوية إلى جانب نظام بنكي متكامل ومتين مع توفر احتياطات إيجابية من العملة.
ولتقوية النظام البنكي الذي يتكون من 19 بنكًا و36 مؤسسة تمويل، فإن هذه البنوك التشاركية من المتوقع أن تشكل دعامة مهمة، لأنها لن تكون بدرجة أولى منافسًا للبنوك التقليدية، بل ستكون امتدادًا لها لأن التراخيص الممنوحة من قبل البنك المركزي هي تراخيص خاصة ببنوك تقليدية مغربية لإنشاء بنوك تشاركية في البلاد عبر عقد شراكات مع بنوك عربية مجربة في هذا المجال.
وتأتي أيضًا عملية إطلاق البنوك التشاركية حسب البنك المركزي لأجل دعم قطب الدار البيضاء الذي أصبح المركز المالي الأكثر تنافسية في القارة الإفريقية وأصبح قادرًا على استقطاب شركات عالمية ومؤسسات مالية كبرى وهو أيضًا من بين الأهداف التي تم لأجلها اتخاذ قرار تعويم العملة المغربية، فحسب الجهات الرسمية، تصب هذه القرارات في اتجاه مواكبة السياسة الخارجية للبلاد في شقها الاقتصادي والتي يقودها ملك المغرب، وكانت آخر محطاتها الجولة التاريخية في القارة الإفريقية قبل نهاية 2016 التي وقع على إثرها مجموعة من اتفاقيات التعاون والاستثمار مع دول إفريقية.