تم تصوير مسؤول سياسي كبير في السفارة الإسرائيلية في لندن سرا وهو يتحدث عن رغبته في “الإطاحة” بوزير الدولة في الخارجية البريطانية ألان دانكن، المعروف بانتقاده اللاذع للمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية التي يتم بناؤها في الضفة الغربية.
وقال إن السير ألان، الذي يعدّ واحدا من عدد قليل من الوزراء الذين يصرحون بمعارضتهم للاستيطان الإسرائيلي، يسبب “الكثير من المشاكل”. كما وصف وزير الخارجية بوريس جونسون بأنه “معتوه”. وفي محادثة أخرى جرت مع موظف السفارة، صرح بأن السير كريسبين بلانت، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني، “على قائمة المستهدفين بالضرب”؛ بسبب آرائه التي تعدّ “منحازة بشدة لصالح العرب بدلا من أن تكون منحازة لصالح إسرائيل”.
كما تتضمن التسجيلات، التي تكشف كيف يمتد النفوذ الإسرائيلي ليصل إلى مستويات عليا داخل حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، محادثة تصف فيها موظفة حكومية على علاقة بالسفارة الإسرائيلية كيف استخدمت موقعها الوظيفي لتقنع بعض نواب البرلمان بتوجيه أسئلة إلى رئيس الوزراء؛ بهدف الحصول على تأييده لإسرائيل.
أدى الكشف عن التسجيلات إلى رد فعل سياسي مباشر، حيث قال عضو البرلمان السير ديزموند سوايني، الوزير السابق من حزب المحافظين والمعاون البرلماني لدافيد كاميرون: “لا بد من التحقيق في هذا الأمر بشكل كامل وتفصيلي. ما لا يمكننا السماح به هو أن تتصرف إسرائيل داخل بريطانيا بالحصانة ذاتها من المساءلة التي تتعامل بها داخل فلسطين. لا ريب إطلاقا في أن ما نراه هو تدخل سافر ومريب ومعيب في العملية السياسية لدولة أخرى”.
أما كريسبين بلانت، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني، فقال في تصريح لموقع ميدل إيست آي:
“في الوقت الذي يعدّ فيه هذا التدخل السافر لممثل دولة أجنبية في العملية السياسية داخل بريطانيا أمرا فظيعا ومستهجنا، ويستدعي فتح التحقيق فيه، فإن الأسئلة الحقيقية ينبغي أن توجه إلى دولة إسرائيل نفسها. لن يتعزز أمن وسلام إسرائيل في المستقبل إذا ما استمر تجاهل الجهد الكبير الذي يبذل داخل إسرائيل وفي أوساط الجالية اليهودية حول العالم من أجل إقامة السلام، وإذا ما استمرت محاولات تقويض السياسيين الأجانب الذين يحملون وجهة النظر تلك ذاتها”.
وقال إن “الإسرائيليين بحاجة لأن يشرحوا لنا ما الذي يجري”.
ثم مضى محذرا من أن “ذلك يثير القلق على نطاق واسع بشأن قيام اللوبي (جماعة الضغط) بالترويج لمصالح الحكومة الحالية في إسرائيل. خاصة أن هذا اللوبي على درجة عالية من المهارة في تصوير أي قلق يعبر عنه سياسي ما تجاه الظلم التاريخي الذي تعرض له الفلسطينيون، وتجاه التداعيات بعيدة المدى لذلك على السلام والأمن في المنطقة على أنه عداء للسامية. من شأن ذلك أن يضر بالنقاش العام وبمصالح إسرائيل نفسها”.
وقد قامت بتسجيل النقاش وحدة التحقيقات في الجزيرة في مطعم داخل مدينة لندن في العام الماضي. يظهر في التسجيل كل من شاي موسات، المسؤول السياسي في السفارة الإسرائيلية، وماريا ستريزولو، المساعدة البرلمانية السابقة للنائب روبرت هالفون، وزير الدولة في وزارة التعليم والنائب السابق لرئيس حزب المحافظين.
أثناء حديثها مع المراسل المتخفي الذي انتحل صفة ناشط سياسي مؤيد لإسرائيل، تفاخرت ستريزولو كيف أنها وظفت هالفون، نائب البرلمان عن دائرة هارلو في إيسيكس، عندما كان نائبا في الصفوف الخلفية، “والآن انظر إليه، لقد أصبح وزيرا. إذا لست غاية في السوء!”
ثم ما لبث ماسوت، الذي وصف في سيرة ذاتية له على الإنترنت ماكيافيلي بأنه “إلهه”، أن سأل ستريزولو إن كان بإمكانها أن تقوم بعمل معاكس: “هلا أعطيتك أسماء بعض نواب البرلمان، لعلك تتمكنين من الإطاحة بهم؟”
أجابت ستريزولو، التي تشغل الآن وظيفة حكومية في بريطانيا، حيث تعمل في وكالة تمويل المهارات التابعة لوزارة التعليم، قائلة: “حسنا، كما تعلم، إذا ما تأملت جيدا، فأنا متأكدة من أنه ثمة ما يحاولون التستر عليه”.
قال ماسوت: “نعم، لدي بعض نواب البرلمان”.
قالت ستريزولو: “دعنا نتكلم عن ذلك”.
وجه ماسوت كلامه إلى المراسل المتخفي، قائلا: “لا، هي تعرف من هم النواب الذين أرغب في الإطاحة بهم”.
ستريزولو أجابت بأنه سيكون جيدا لو ذكرها بذلك، ثم قال ماسوت: “نائب وزير الخارجية”.
لم يفاجئ ذلك ستريزولو، التي أجابت قائلة: “هل ما زلت ترغب في المضي قدما بذلك؟”
قال ماسوت: “لا، إنه يسبب الكثير من المشاكل”.
ثم سردت ستريزولو حكاية قالت إنها عبارة عن مواجهة وقعت بين دانكان وهالفون، رئيسها في العمل، حيث ادعت أن دانكن هدد “بتحطيمه”. وزعمت أن هالفون رفع تقريرا بالحادثة إلى الويبس (النواب المكلفين بضبط زملائهم داخل البرلمان)، الذين نصحوه “بالتهدئة من روعه”.
ثم استمر النقاش حول ما ينبغي فعله بشأن دانكن، إذ يقول ماسوت: “لا تقل بتاتا أبدا. نعم، ولكن….” وهنا تقترح ستريزولو: “ربما فضيحة صغيرة؟”
أصبح دانكن مستهدفا من قبل إسرائيل في عام 2014 عندما شن هجوما لاذعا على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي قال إنها تمثل مزيجا شريرا من الاحتلال واللاشرعية، منظومة تشبه نظام الأبارتيد (التمييز العنصري في جنوب أفريقيا سابقا) وتجلل الحكومة الإسرائيلية بالعار.
مثّل خطابه في ذلك الوقت واحدة من أشد الهجمات التي تشن على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من قبل سياسي بريطاني رفيع المستوى.
قال دانكن: “المستوطنات عبارة عن مستعمرات غير قانونية أقيمت في بلد ناس آخرين. إنها بمثابة سرقة، والأدهى والأمر أنها شيء بادرت به وتدعمه دولة إسرائيل”.
ما جرى من نقاش بشأن دانكن هو جزء من ساعات من الحوارات التي سجلت على مدى شهور، التي تكشف كيف حاول ماسوت التلاعب بالنقاش الدائر حول إسرائيل وفلسطين، واستغلاله لصالح إسرائيل داخل حزب المحافظين الحاكم وفي حزب العمال المعارض.
حظي مراسل الجزيرة بثقة ماسوت، وتمكن من اختراق دائرته بفعالية، لدرجة أنه عرضت عليه وظيفة من قبل السفارة للمساعدة في مكافحة حركة بي دي إس في بريطانيا (التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها).
ثمة استراتيجية ورد وصفها في التسجيلات على لسان أحد كبار أعضاء إيباك، منظمة اللوبي المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تقضي بالنأي ببريطانيا عن النزعة المؤيدة للفلسطينيين في أوروبا، وتقريب الموقف البريطاني من الموقف الأمريكي.
وتكشف تسجيلات السفارة عن مدى ما توصلت إليه إسرائيل من اختراق لحزب المحافظين، من خلال منظمة تدعى أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين، وهي المنظمة التي ينشط في صفوفها كل من النائب هالفون والسيدة ستريزولو.
تجلت قوة دعم المحافظين لإسرائيل في الأسبوع الماضي من خلال التصريح الذي أدلى به الناطق باسم رئيسة الوزراء تيريزا ماي، التي بدت كأنها تنتقد الخطاب الأخير لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي قال فيه إن سياسة الحكومة الإسرائيلية تغذيها “عناصر متطرفة”.
وكان الناطق باسم رئيسة الوزراء صرح بما يلي: “لا نعتقد أنه من المناسب الهجوم على تركيبة الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في بلد حليف”.
كما تكشف التسجيلات عما يلي:
– سعت إسرائيل إلى زرع أسئلة موجهة إلى رئيس الوزراء؛ من خلال إملاء نصوص هذه الأسئلة على نواب البرلمان المكلفين بتوجيهها.
– ساعدت السفارة الإسرائيلية في بريطانيا على إقامة -وفي بعض الحالات قامت بشكل مباشر بتمويل- عدد من المنظمات التي تدعي الاستقلالية عنها، ومنها اتحاد الطلبة اليهود ومجموعة من الدبلوماسيين الطامحين يدعون “شبيبة الدبلوماسيين في لندن “، والتي يحتفظ ماسوت بمقعد في لجنتها التنفيذية.
– يرى الإسرائيليون أن وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون رجل “معتوه”.
ومما قالته ستريزولو إن جميع نواب البرلمان من حزب المحافظين “إلى حد كبير” هم أعضاء في مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين، بمن فيهم رئيسة الوزراء تيريزا ماي، ووزير المالية فيليب هاموند، ووزير الخارجية بوريس جونسون.
كما ادعت لنفسها الفضل في حمل هالفون على توجيه سؤال إلى رئيس الوزراء في الفترة التي وقع فيها اختطاف وقتل ثلاثة فتيان من المستوطنين الإسرائيليين داخل الضفة الغربية على يد حماس في يونيو / حزيران من عام 2014. نجم عن تلك الحادثة توترات ما لبثت أن انتهت إلى شن إسرائيل هجوما على غزة في الشهر التالي، أفضى إلى مقتل ما يزيد عن ألفي فلسطيني، بحسب الأرقام التي نشرتها الأمم المتحدة.
وقالت ستريزولو، التي كانت وقتها في إسرائيل رفقة وفد من أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين: “وكنت على الهاتف أتحدث مع روب (هالفون)؛ لإقناعه بطرح سؤال على رئيس الوزراء داخل البرلمان، لكي يشيد…
وهنا قاطعها المراسل: “وهل فعل ذلك؟”
استأنفت ستريزولو الحديث قائلة: “نعم. كما تقدم بسؤال عاجل لكي… يحصل من الحكومة على بيان بشأن الأطفال الثلاثة”.
وكان هالفون تحدث عن الواقعة في البرلمان في الثاني من يوليو/ تموز من عام 2014، موجها السؤال التالي إلى رئيس الوزراء دافيد كاميرون: “لقد رأى العالم جرائم القتل المأساوية والبشعة لثلاثة فتيان إسرائيليين، على الأغلب ارتكبتها حماس”.
“هل يبادر صديقي المحترم بمنح الحكومة الإسرائيلية كل دعم ممكن في هذا الوقت. وألا يتفق معي أنه بدلا من أن تبدي ضبط النفس، فإنه يتوجب على إسرائيل أن تفعل كل ما هو ممكن للقضاء على شبكات حماس الإرهابية، وهل يمنح الحكومة الإسرائيلية الدعم في ذلك؟”
أجاب كاميرون بأنه يعلم بأن هالفون “لديه عاطفة جياشة تجاه هذه القضايا”، ولكنه قال إن العمليات الأمنية تحتاج إلى أن تدار بعناية لتجنب مزيد من التصعيد.
وأضاف كاميرون: “إن من المهم جدا أن بريطانيا ستقف مع إسرائيل في سعيها لتقديم المسؤولين عن ذلك إلى العدالة…. [MOU1] ينبغي البحث عن الأشخاص المسؤولين عن ذلك وتقديمهم للمحاكمة”.
كما كشفت ستريزولو النقاب عن أنها تقوم “بإعداد كل شيء” لنواب البرلمان، بحيث يصعب عليهم بعد ذلك أن يقولوا لها لا.
وقالت: “أنت تقوم حرفيا بإعداد كل شيء لهم، وهذا يزيد عليهم من صعوبة أن يقول الواحد منهم: “آه، لا، ليس لدي الوقت كما تعلم”. إذا كانت لديهم الأسئلة التي سيوجهونها في جلسة توجيه الأسئلة لرئيس الوزراء، فسيكون صعبا عليهم القول: “لا، لا، لا، لن أقوم بذلك”.
من جهته، يصف ماسوت، وهو رائد سابق في البحرية الإسرائيلية، موقعه في السفارة على أنه “وظيفة سياسية”، مبينا أنه لا يعتبر “دبلوماسيا من حيث المهنة”. وقال إنه يعمل لصالح وزارة الشؤون الاستراتيجية المثيرة للجدل، التي أنشأها نتنياهو للقيام بما جرى وصفه داخل إسرائيل بالحرب السرية ضد حركة بي دي إس.
وقال ماسوت إن مارك ريغيف، السفير الإسرائيلي الحالي في بريطانيا، كان صديقا، رغم أنه لمح في إحدى المرات بأنه يعتبره حمائميا جدا.
وقال: “مارك ريغيف لا يكف عن سؤالي طوال الوقت، نعم هو صديق حميم”.
“نعم، ولكن هذه هي المشكلة مع نتنياهو، فالناس الذين يحيطون به هم في العادة لطفاء في الواقع، مرتاحون، إنهم أناس مرتاحون. مارك شخص رائع، ولكنه ليس الشخص الذي سوف يذهب إلى الحرب”.
كل الأشخاص الذين ورد ذكرهم في الفيلم حاولت الجزيرة التواصل معهم للتعليق، ولكن لم يستجب منهم أحد حتى لحظة النشر. كما تواصل موقع ميدل إيست آي مع السفارة الإسرائيلية، ومع مكتب روبرت هالفون، وكذلك مع ماريا ستريزولو للتعليق، ولكن لم يستجب منهم أحد.
المصدر: ميدل إيست آي
ترجمة: عربي 21