قامت تيريزا ماي، الشهر الماضي، كما كان يفعل سلفها دافيد كاميرون كل عام، بإلقاء كلمة في الغداء السنوي لجمعية أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين.
وخلال كلمتها، كالت المديح لإسرائيل كدولة ديمقراطية، وتحدثت عن التهديد الإرهابي الذي تواجهه باستمرار، وأدانت الطريقة التي قالت إن الفلسطينيين يحرضون من خلالها على العنف ومعاداة السامية.
ولم تشر إلا بشكل عابر إلى سياسة حكومتها، التي تعتبر المستوطنات الإسرائيلية التي تقام على الأرض الفلسطينية غير قانونية.
والسبب في ذلك واضح؛ يريد حزب المحافظين الحصول على أموال المتبرعين المناصرين لإسرائيل؛ ولذا يتم ترحيل المبدأ من السياسة الخارجية للحكومة.
ساءت الأمور أكثر أثناء فترة عيد الميلاد، بعد أن ندد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بقوة بتطرف وسلوك الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو.
بدلا من أن تقره على ما صرح به -رغم أن ما قاله ينسجم تماما مع سياستها- ذهبت تنتقد كيري.
من وراء هذا السلوك المتناقض والمقلق مشكلة خطيرة ومزعجة، ألا وهي أن السياسة الخارجية البريطانية مرتهنة للنفوذ الإسرائيلي في قلب العملية السياسية في بلدنا، والذين يمسكون بمقاليد الأمور ما فتئوا يتجاهلون ما يجري.
“نغض الطرف فيما لو كان تمويل الحزب سيتأثر”
على مدى السنين، لم يتوقف أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين وأصدقاؤها في حزب العمال عن العمل مع الحكومة الإسرائيلية ومع سفارتها في لندن، بل وحتى العمل لهما، في سبيل الترويج للسياسة الإسرائيلية، وإعاقة سياسة الحكومة البريطانية، وتقويض إجراءات الوزراء الذين يحاولون الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
بلدان كثيرة تحاول فرض آرائها على الدول الأخرى، إلا أن الفضيحة في بريطانيا هي أنه بدلا من مقاومة ذلك، خضعت الحكومات المتعاقبة له، وتلقت الأموال من المتبرعين، وسمحت للنفوذ الإسرائيلي بصياغة السياسة، وحتى بتقرير مصير الوزراء.
وحتى الآن، لو قررت أن أكشف عن هويتي، لتعرضت لحملة شرسة من الإساءات والقدح والتنديد.
لا تنتمي جمعية أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين إلى الحزب، وإنما تم تأسيسها بطريقة تحول دون أن تكون شفافة، بحيث تكشف عن هوية من يتبرعون لها. ومع ذلك تجدها ترتب لدعم أعضاء البرلمان، وتمول الزيارات الدورية إلى إسرائيل؛ سعيا منها لتشويه الحقائق.
لقد غض كاميرون الطرف عن سلوكيات إسرائيل المشينة، هذا إذا افترضنا أنه كان أصلا يهتم بذلك على الإطلاق، والسبب هو اقتناعه بأن أي نقد لإسرائيل كان سيؤدي إلى تقلص التبرعات الواردة إلى الحزب.
والآن، بات جليا أن بعض الناس في حزب المحافظين وفي حزب العمال يعملون مع السفارة الإسرائيلية، وهي بدورها تستخدمهم لشيطنة وتدمير أعضاء البرلمان الذين ينتقدون إسرائيل. هناك جيش من المعتوهين في البرلمان في خدمة إسرائيل.
هذا سلوك سياسي فاسد، وهو عمل لا يمكن الدفاع عنه دبلوماسيا. ينبغي فضح سلوك بعض أعضاء البرلمان الذين باتوا أدوات للاختراق السام والمخادع لمنظومتنا السياسية من قبل عملاء دولة أخرى تتحدى بشكل صارخ القانون الدولي، وهي التي وصف كيري حكومتها بأنها الأكثر تطرفا في تاريخها.
نحن بحاجة إلى تحقيق شامل وكامل في سلوكيات السفارة الإسرائيلية، وفي ارتباطاتها، وفي علاقات وتمويل أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين وأصدقاء إسرائيل في حزب العمال، ونحتاج إلى تعهد من كافة الأحزاب السياسية بأنهم يرحبون بالدعم المالي والسياسي الذي تقدمه الجالية اليهودية في بريطانيا، ولكنهم لا يقبلون أي نشاط يرتبط بإسرائيل، إلى أن تتوقف تماما عن البناء غير القانوني في الأرض الفلسطينية.
إن هذا التمويل غير الشفاف والتعامل بالباطن عار وذل وطني، ولا بد أن يجتث من الجذور.
المصدر: ميل أون صاندي
ترجمة: عربي21