بعد أكثر من ثلاثة أشهر من العمل المتواصل؛ انتهى موسم جني التمور بواحات الجنوب التونسي، موسم يفتح أمام شباب المنطقة فرص عمل متعدّدة، وما إن ينتهي حتى يتبخر معه أمل الشباب في التشغيل، حيث تعود كرة مصارعة شبح البطالة، في غياب تدخّل الدولة.
تونس، الأولى عالميًا في التصدير
بداية كل شهر أكتوبر من كل سنة، ينطلق موسم جني التمور في الجنوب التونسي؛ حيث تتحوّل واحات النخيل إلى خلايا نحل. شباب يصعدون أشجار النخل ويقصّون العراجين، فيما ينتظرهم أخرين، أسفل النخلة لتلقّي العرجون وترصيف تمره في الصناديق لتصديرها أو بيعها في الأسواق الدّاخلية.
وقدرت وزارة الفلاحة التونسية في أكتوبر الماضي، إنتاج الموسم الحالي بنحو 242 ألف طن، مقابل 246 ألف طن في الموسم الماضي، أي بتراجع طفيف نسبته %.1.7 وتبلغ نسبة مساهمة قطاع التمور من القيمة الإجمالية للإنتاج الزراعي التونسي %5ويساهم بنسبة %16 من القيمة الإجمالية للصادرات الزراعية.
تُعتبر دقلة النور من بين أفضل أنواع التمور في العالم وأجودها ويقبل عليها المستهلكون بكثافة
تنتج تونس حوالي 200 نوع من التمـور، من أهمّهـــا دقلـــة النور التي تجد إقبالا في الأسواق العالمية، حسب فلاحي المنطقة. وتُعتبر دقلة النور من بين أفضل أنواع التمور في العالم وأجودها ويقبل عليها المستهلكون بكثافة في كل أوقات السنة، أمّا بقية الأنواع (الفطيمي ولخــوات والكنتة…) فتروّج في السوق المحلية.
بعض شباب المنطقة يقومون بري النخيل
وتبلغ مساحة الواحات التونسية أكثر من 40 ألف هكتار فيها قرابة 5.4 مليون نخلة منها 3.55 مليون نخلة من الأصناف الجيدة لإنتاج التمور، وتعتبر واحات “نفزاوة” و“الجريد” أهم الواحات المنتجة للتمور التونسية الجيدة، حيث تنتج واحات منطقة “نفزاوة” (محافظة قبلي) قرابة 60% من الإنتاج التونسي، وتأتي واحات الجريد (محافظة توزر) في المرتبة الثانية، ثم تأتي واحات أخرى أقل أهمية بمحافظات قفصة وقابس وتطاوين.
شبح البطالة يخيّم على الأهالي
يعتبر قطاع التمور، أهمّ ثروة لأهالي المنطقة منه يقتاتون ويعيشون، حيث يوفر القطاع مليوني يوم عمل ومورد رزق لقرابة 50 ألف عائلة في أربع محافظات جنوبي تونس هي: “قبلي” و“توزر” و“قابس” و“قفصة“، حسب بيانات رسمية.
وتعتبر تونس من بين الدول العشر الأوائل المنتجة للتمور، حسب المنظمة العالمية للتغذية والزراعة، فيما تصنّف أوّل مصدّر للتمور في العالم من حيث القيمة المالية وأول مزوّد لأوروبا، حيث بلغ حجم الانتاج الموسم الماضي حوالي 240 ألف طن، منها 182.250 ألف طن دقلة نور) صُدّر منها حوالي 108 آلاف طنّ مكّنت تونس من عائدات من العملة الصعبة قُدّرت بـ 205 مليون دولار.
“لولا أشجار النخيل لعرفنا الخصاصة في هذه الصحاري، فلا مورد لنا غيرها”
بعد انتهاء موسم الجني، يعود الشباب إلى حالة البطالة، في ظل انعدام أي مورد رزق أخر لهم سوى الواحات وأشجار النخيل، كما يقول، أحد الشباب، يدعى، “خليل” (32) لنون بوست. ويؤكّد، خليل، أن “الدولة غائبة عن المنطقة ولا تشجعهم ولا توفر لهم فرص عمل.” وتبلغ نسبة البطالة في الجنوب التونسي أكثر من 25%.
من جهته يقول، زياد (25 سنة)، لنون بوست، “لولا أشجار النخيل لعرفنا الخصاصة في هذه الصحاري، فلا مورد لنا غيرها.” وتُصدّر التمور التونسية إلى أكثر من 80 دولة، في أشكال مختلفة إمّا في علب صغيرة أو كبيرة أو في شكل شمروخ طبيعي أو بثّ أو تمر منزوع النوى أو التمور الموجهة إلى الاستعمال الصناعي. ويحتل “المغرب” المركز الأول بالنسبة للبلدان التي تصدر لها تونس التمور تليه إيطاليا ثانياً ثم فرنسا في المركز الثالث.
نقص مياه الريّ وغياب “ديوان” ينظم القطاع
رغم أهمّيته، يواجه قطاع التمور في تونس عديد التحديات أهمّها نقص مياه الري وارتفاع أسعاره. ويقول فلاح أصيل المنطقة يدعى “محمد الساسي” يبلغ من العمر سبعين سنة، لنون بوست في هذا الشأن، ” نعاني الكثير من المشاكل في هذه الواحات على رأسها نقص المياه الذي يتسبّب في تراجع كميات التمور وجودتها.” ويضيف، محمد الساسي، ” في كثير من الأوقات نسقي النخيل بالماء الساخن الذي يؤثّر بمرور الوقت على النخلة ويتسبّب في موتها… لكن ما باليد حيلة.” ويبلغ سعر الساعة الواحدة لسقي النخيل حوالي 2.5 دولار، وتدوم الدورة المائية قرابة الشهر، الأمر الذي يقلّل من انتاج الأشجار.
مسبح لتجميع المياه في الواحة
ويؤكّد فلاحو المنطقة على ضرورة تدخّل الدولة وتوفير مياه الري والتخفيض من سعره حتى يتمكنوا من مواصلة العمل في الواحات التي وفّرت لهم سبل العيش الكريم في الصحراء.
إلى جانب توفير مياه الري، يطالب أهالي المنطقة بإحداث ديوان (مؤسسة حكومية) للتمور في الجنوب التونسي يعنى بالترويج على غرار عديد القطاعات الأخرى مثل الحبوب والزيوت، ويتبع قطاع التمور حاليا إلى ديوان الغلال. ويرى الفلاحون أن في احداث هذا الديوان، حلا لعديد المشاكل التي تواجهها فلاحتهم.