في عام 2001، صاغ كبير الاقتصاديين في بنك جولدمان ساكس، جيم أونيل، فكرة مجموعة بريكس، وتحققت رؤيته على أرض الواقع في سبتمبر/أيلول 2006، حينما عُقد أول اجتماع وزاري لوزراء خارجية البرازيل وروسيا والهند والصين، على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لكن التأسيس الرسمي كان في يونيو/حزيران 2009.
لاحقًا، انضمت جنوب إفريقيا إلى هذا التكتل الدولي، إلا أن الغرب راهنوا حينها على سرعة انهياره نتيجة عدم الانسجام بين أعضائه وصعوبة تحقيق الأهداف التي سطروها، ومع ذلك خابت توقعات الدول الغربية، وأصبح هذا التكتل مركز حديث العالم والجهة التي تسعى دول عديدة للانضمام إليها، ومنها العديد من الدول العربية.
هذه الأيام، تستقطب جنوب إفريقيا الأضواء، تزامنًا مع انعقاد قمة مجموعة بريكس في العاصمة جوهانسبرغ اليوم الثلاثاء، التي ستستمر لمدة 3 أيام تنتهي في 24 من الشهر الحاليّ، في إطار احتمالات لتوسيع عضوية المجموعة مستقبلًا.
قوة اقتصادية وسياسية
يشارك في القمة المرتقبة قادة كل من الصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، مع تسجيل غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ظل أمر من المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله، على خلفية اتهامات بارتكابه جرائم حرب بحق أطفال في أوكرانيا، على أن يشارك بوتين بكلمة مرئية، بينما يمثّل روسيا وزير خارجيتها، سيرغي لافروف.
فضلًا عن قادة الدول الأعضاء، من المرتقب أن يشارك قادة العديد من الدول في هذه القمة على غرار الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، كما يشارك في القمة بالحضور قادة كل من مصر وإندونيسيا وبنغلادش ودول أخرى، فيما اختارت بعض الدول المشاركة عبر وزراء، على غرار الجزائر التي يمثلها وزير المالية في القمة.
تمتلك المجموعة أهمية سياسية على المستوى العالمي، خاصة بوجود كل من الصين وروسيا ضمنها، وهما الدولتان اللتان تمتلكان حقّ الفيتو في مجلس الأمن
تستمد هذه المنظمة قوتها من قوة الدول المشكلة لها، إذ تضم هذه المجموعة حاليًّا 5 دول تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، فالصين والهند هما ثاني وثالث أكبر اقتصادَين في العالم على التوالي كما أنهما أكبر بلدَين من حيث عدد السكان، وروسيا تملك أكبر مساحة في العالم، بينما البرازيل أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، وجنوب إفريقيا ثالث أكبر اقتصاد في إفريقيا، وتمثّل بريكس حاليًّا 23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وأكثر من 16% من التجارة العالمية.
كان إنشاء بنك التنمية الجديد “إن دي بي” في سنة 2014 برأس مال قدره 50 مليار دولار لبدء التشغيل علامةً مهمةً في تاريخ المجموعة، وأُسندت لهذا البنك مهمة منح قروض لتمويل مشاريع البنيات الأساسية والصحة والتعليم وما إلى ذلك في البلدان الأعضاء بالمجموعة، وكذلك البلدان الناشئة الأخرى.
جاء إنشاء صندوق احتياطي في شنغهاي “اتفاقية احتياطي الطوارئ” واختصاره “سي آر إيه” ضمن هذه المساعي، وخُصّص له مبلغ 100 مليار دولار تحسبًا لأي أزمة في ميزان الأداءات، ويعدّ هذا الصندوق إطارًا لتوفير الحماية من ضغوط السيولة العالمية.
وعاد الحديث مؤخرًا عن احتمال إنشاء مجموعة بريكس عملتها الموحدة الخاصة، الأمر الذي من شأنه أن يقلّل من الطلب على الدولار الأمريكي، وبالتالي سيضعف موقف الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية وينهي هيمنته.
لحظة وصول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى جنوب افريقيا لحضور قمة البريكس.
قد يتم مناقشة إنضمام السعودية والجزائر والبحرين ومصر والكويت والإمارات وتونس والمغرب وسوريا إلى مجموعة بريكس. pic.twitter.com/PCumOdiQdy
— شؤون روسية ✪ (@id7p_) August 22, 2023
فضلًا عن قوتها الاقتصادية، تمتلك المجموعة أهمية سياسية ما فتئت تزداد شيئًا فشيئًا على المستوى العالمي، خاصة بوجود كل من الصين وروسيا ضمنها، وهما الدولتان اللتان تمتلكان حقّ الفيتو في مجلس الأمن.
توسيع المجموعة على رأس الاهتمامات
سيكون على طاولة نقاش قادة المجموعة العديد من الملفات المهمة، لكن من المتوقع أن يتصدّر موضوع توسيع المجموعة جدول الأعمال، إذ قدمت 23 دولةً طلبات رسمية للانضمام للمجموعة، وأبدت عشرات الدول الأخرى اهتمامًا بالعضوية، وفقًا لوزيرة خارجية جنوب إفريقيا، ناليدي باندور.
وبدأ الحديث عن توسيع المجموعة السنة الماضية، عندما كانت الصين رئيسة بريكس، حيث تحاول بكين استقطاب دول جديدة وضمها لهذا التحالف، بهدف بناء نفوذ دبلوماسي لمواجهة هيمنة الدول المتقدمة في الأمم المتحدة.
ضمن الدول التي تقدمت بطلب الانضمام لهذه المجموعة أو أبدت اهتمامًا بذلك، نجد الجزائر ومصر والسعودية والإمارات، بالإضافة إلى البحرين والكويت والسلطة الفلسطينية والسودان، لكن من المستبعد أن تُقبل كل الطلبات، فالعديد من الدول لا تتوافر فيها الشروط المطلوبة.
تدعم روسيا، انضمام السعودية والإمارات والجزائر ومصر إلى بريكس، إذ سبق أن قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في يونيو/حزيران الماضي، إن انضمام هذه الدول للبريكس سيثري المجموعة، لما لهذه الدول من إرث حضاري عربي وإسلامي.
سيساهم انضمام الدول النفطية للمجموعة، في جعل سوق الطاقة العالمي تحت قبضة بريكس، وهو ما سيضعف القوى الغربية التي ترتكز على نفط هذه الدول
فضلًا عن العرب، أعلنت نيجيريا والسنغال وإثيوبيا رسميًّا رغبتهم في الانضمام إلى مجموعة بريكس، وكانت جمهورية الكونغو الديمقراطية وجزر القمر والغابون آخر الدول الإفريقية التي كشفت عن نيتها في هذا الخصوص، وطلبت إيران والأرجنتين والمكسيك ونيكاراغوا وتايلاندا وأوروغواي وفنزويلا وكوبا وكازاخستان وإندونيسيا الانضمام أيضًا.
يعود قرار قادة بريكس فتح باب الانضمام إلى التكتل للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، إلى رغبتهم في كسر هيمنة الغرب وإنهاء نظام القطب الواحد الذي تتزعمه أمريكا، فزيادة عدد الأعضاء وتنويعهم جغرافيًا وعرقيًا ودينيًا، يخدم هذا التوجه.
كما تأمل المجموعة من خلال هذا التوجه إلى دعم حضورها الاقتصادي على مستوى العالم، فانضمام هذه الدول – أغلبها نفطية – سيدعم القوة الاقتصادية للمجموعة ويرفع حجم التبادلات التجارية بين الأعضاء خارج إطار عمل الدولار.
وسيساهم انضمام الدول النفطية للمجموعة، في جعل سوق الطاقة العالمي تحت قبضة بريكس، وهو ما سيضعف القوى الغربية التي ترتكز على نفط هذه الدول، خاصة دول الخليج العربي، كما سيجعلها تسيطر على سوق الغذاء العالمي.
معوقات كثيرة
صحيح أن العديد من الدول القوية ترغب في الانضمام إلى مجموعة بريكس، لكن ذلك لا يعني قدرة هذه الدول على تحقيق الأهداف الموضوعة، فمجرد الانضمام لا يعني تحقيق الأهداف، ولنا في تكتلات عديدة مثال على ذلك.
أبرز المعوقات أمام المجموعة، أن أغلب الدول التي تسعى للانضمام للتكتل، مرتبطة كليًا بالدول الغربية، وأي محاولة للانفصال عن هذه الدول بصفة كلية سيسبب لها مشاكل كبيرة، لكن مع ذلك يمكن أن يكون الانضمام لبريكس ورقة ضغط قويه في يد هذه الدول إن أحسنت استغلالها، وذلك للحصول على تسهيلات وامتيازات جديدة في السوق العالمي.
🚨🔴🚨#بريكس & #الرئيس_الصربي : توسع بريكس مدفوعا بالرغبة في أن تصبح بديلا لتجمع الغرب .
✳️ وقال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش للصحفيين خلال زيارته لأثينا إن توسع البريكس سيكون لحظة تاريخية، وستكتسب المنظمة مكانة اللاعب العالمي الذي يريد أن يصبح بديلا للغرب الجماعي.
✳️”تبدأ قمة… pic.twitter.com/eMPtdG8aC3
— ML DZ (@PASSEPARTOUTDZ) August 22, 2023
من المستبعد أن تتحرك الدول الأعضاء والدول المنضمة حديثًا لبريكس بشكل جماعي، فالأهداف متباينة ووجهات الرأي مختلفة تجاه العديد من الملفات، ما يشكل تحديًا كبيرًا أمام بريكس، يمكن أن ينقلب عليها ويصبح توسيع المنظمة عامل ضعف عوضًا عن أن يكون عامل قوة، وما يعني أيضًا أن الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي ستتواصل أكثر، فالدول الغربية تمتلك مفاتيح الاقتصاد وتحكم السيطرة عليها، رغم محاولات العديد من الدول والتكتلات الخروج من هذه الهيمنة في السنوات الأخيرة.