لفت وباء كورونا الانتباه إلى التأثير المدمّر الذي يمكن أن تحدثه جائحة جديدة في جزء واحد من العالم، فحينها يصبح الجميع في خطر، بغض النظر عن الموقع الجغرافي والوضع الاقتصادي، وذلك بسبب النقص الهائل في العاملين الصحيين، إلى جانب عدم استعدادهم الكافي وظروف عملهم السيئة في كثير من الأحيان.
واقع الأزمة
يلعب العاملون الصحيون دورًا رئيسيًّا في النظم الصحية، ويشكّل نقصهم تهديدًا وجوديًّا لأنظمة الصحة العامة في جميع أنحاء العالم، وتشمل هذه الفئة جميع الأشخاص الذين يقدمون الخدمات الصحية مثل الأطباء والممرضات والصيادلة وفنيي المختبرات، والعاملين في الإدارة والدعم مثل المسؤولين الماليين والطهاة والسائقين وعمال النظافة.
تقدِّر منظمة الصحة العالمية أن هناك نقصًا بنحو 18 مليون عامل في مجال الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030.
في عام 2020، أظهرت بيانات حسابات القوى العاملة الصحية الوطنية (NHWA) أن عدد القوى العاملة العالمية بلغ 29.1 مليون ممرضة، و12.7 مليون طبيب، و3.7 ملايين صيدلي، و2.5 مليون طبيب أسنان، و2.2 مليون قابلة (تقدم الرعاية للنساء المقبلات على الولادة)، و14.9 مليون مهنة إضافية، ليصبح عدد العاملين الصحيين 65.1 مليونًا، حوالي ثلثَيهم يقدمون خدمات صحية، والثلث الآخر هم من العاملين في الإدارة والدعم.
أدّى وباء كورونا إلى تفاقم الوضع وإجهاد العاملين في مجال الرعاية الصحية إلى أقصى حد، لكن حتى قبل ظهوره كانت خدمات الرعاية الصحية الشاملة في جميع أنحاء العالم تواجه مستقبلًا غير مؤكد، بسبب الاختلالات الحرجة بين العرض والطلب للعاملين الأساسيين في مجال الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية والمشكلات الهيكلية، مثل الافتقار إلى تخطيط القوى العاملة على المدى الطويل، وضعف استبقاء الأطباء، وهجرة العاملين الصحيين.
في كتابه “الإنسان: حل أزمة القوى العاملة العالمية في الرعاية الصحية” المنشور عام 2019، ذكر خبير الرعاية الصحية العالمي مارك بريتنيل أن حجم المشكلة بدا جليًّا في المنتدى العالمي الرابع للموارد البشرية الصحية عام 2017، وأوضح أن “إعلان دبلن بشأن الموارد البشرية الصحية ذكر أننا سنحتاج إلى حوالي 40 مليون عامل رعاية صحية إضافي بحلول عام 2030”.
وتقدِّر منظمة الصحة العالمية أن هناك نقصًا بنحو 18 مليون عامل في مجال الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030، وهذا يمثل 20% من القوة العاملة اللازمة للحفاظ على استمرار أنظمة الرعاية الصحية.
ووفقًا للمنظمة، يتركز النقص الأسوأ في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ويؤثر على دول أفريقيا والشرق الأوسط، ويمكن أن يتسبّب في انتشار أمراض يمكن الوقاية منها ووفيات في معظم الدول النامية، حيث تعاني من عدم توفر وسائل التدخل الأساسية لإنقاذ الحياة، بالإضافة إلى محدودية الميزانيات المالية المخصصة للرعاية الصحية.
تشير منظمة العمل الدولية في تقرير لها إلى وجود نقص في فرص العمل اللازمة لتلبية شروط الصحة العالمية الأساسية، يقدَّر بـ 50 مليون فرصة، في حين أن معظم الرعاية المقدَّمة في اقتصاد الصحة يوفرها 57 مليون عامل غير صحي يعملون في مجالات الصيانة والخدمات والتنظيف والدعم الإداري والرعاية غير الرسمية، وتشكّل النساء غالبية تلك القوى العاملة.
وبحسب التقرير، يعمل نحو 234 مليون عامل على تحقيق أهداف التغطية الصحية الشاملة، ويشمل هذا العدد 27 مليون طبيب وممرضة وغيرهم من العاملين في مهن صحية في القطاعَين العام والخاص، لكن السواد الأعظم -نحو 60% من جميع الوظائف الصحية الرسمية على مستوى العالم- يعملون في مهن ليست لها علاقة بالصحة، وتفتقر إلى ظروف العمل اللائق وغالبًا متدنية الأجور، علاوة على ذلك يساند كل عامل صحي 2.3 عامل صحي غير إكلينيكي.
بوصفهم أكبر مكوّن في القوى العاملة الصحية حول العالم، أعدّت منظمة الصحة العالمية بالشراكة مع المجلس الدولي للممرضات تقريرًا صادمًا عن النقص العالمي في أعداد الممرضين عام 2020، يكشف أن العالم فيه 28 مليون ممرض وممرضة.
ورغم زيادة عدد العاملين في مجال التمريض بواقع 4.7 ملايين شخص في فترة 2013-2018، لا تزال هناك فجوة عالمية تتطلب إضافة 5.9 ملايين ممرض وممرضة لسدّ النقص الحالي في عدد أخصائيي التمريض، و9 ملايين إضافيين بحلول 2030.
ووفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية “حالة التمريض في العالم لعام 2020″، تتركز الفجوات الأكبر في بلدان أفريقيا وجنوب شرق آسيا وإقليم المنظمة لشرق المتوسط، ويستحوذ الإقليم على 17% من النقص العالمي، مسجّلًا ثاني أدنى معدلات الكثافة بين أقاليم المنظمة، بمعدل 15.6 ممرضًا لكل 10 آلاف مواطن.
بالنسبة إلى المنطقة العربية، فإن غالبية الدول تقبع تحت المعدل العالمي البالغ 9 أطباء لكل 1000 نسمة، وبحسب تصريحات المستشار الإقليمي لتنمية الموارد البشرية في إقليم شرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية، غانم الشيخ، يوجد فقط حوالي مليونَي عامل في المجال الصحي، ويصل معدل عدد الأطباء إلى حدود 4.6 لكل 1000 شخص مع تفاوت كبير بين دولة وأخرى، فمثلًا في اليمن يصل المعدل إلى 29 عاملًا صحيًّا لكل 10 آلاف شخص، بينما يرتفع المعدل في منطقة الخليج العربي، ويصل في السعودية إلى 217 عاملًا في القطاع الصحي من بين كل 10 آلاف شخص وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
أزمة متعددة الاتجاهات
يدقّ خبراء صناعة الرعاية الصحية ناقوس الخطر بشأن نقص الموظفين منذ عقود، ففي عام 2006 أشارت منظمة الصحة إلى أن 1.3 مليار من البشر (بلغ عدد سكان العالم حينها 6.6 مليارات نسمة) يفتقرون إلى الرعاية الصحية الأساسية بسبب نقص العاملين في الخدمات الصحية، وبحسب منظمة العمل الدولية فإن تبعات هذا النقص تطال اليوم أكثر من نصف سكان العالم (4 مليارات نسمة تقريبًا)، لكن البلدان التي لديها أقل عدد من العاملين في مجال الصحة هي تلك التي تعاني أكثر من غيرها من الفقر والمرض.
ساهمت عدة عوامل في الوصول إلى هذا الوضع، نذكر منها ما يلي:
1. بيئة عمل غير آمنة
يتعرض العاملون الصحيون للكثير من المخاطر التي تجبرهم على العزوف عن هذه المهنة، وبحسب منظمة العفو الدولية تتراوح هذه المخاطر بين تكميم الأفواه والعدوى والعنف، ووثقت المنظمة في تقرير أصدرته عام 2020 ما يكابده العاملون الصحيون من محن في مختلف أنحاء العالم.
تشير التقديرات إلى أن العاملين في الرعاية الصحية هم أكثر عرضة للاعتداء 4 مرات عن غيرهم من المهنيين.
وفي حين قدرت المنظمة أن أكثر من 3 آلاف من العاملين الصحيين والأساسيين قد لقوا حتفهم جراء الإصابة بفيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، خلص تحليل أجرته منظمة العفو الدولية في سبتمبر/ أيلول 2020 إلى أن أعداد الوفيات وصل إلى 7 آلاف من العمال الصحيين بسبب نقص أدوات ومعدّات الوقاية الشخصية.
وبعد 3 سنوات، ذكر مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن نحو 115 ألفًا من العاملين بالرعاية الصحية حول العالم توفوا خلال فترة الجائحة، وقد زادت حالات الوفاة هذه من أزمة العجز في العاملين الصحيين في الكثير من دول العالم التي تعاني أصلًا نقصًا في الكوادر الطبية.
يُضاف إلى ما سبق الإجراءات الانتقامية التي تتبعها السلطات في العديد من البلدان ردًّا على إضرابات أو مظاهرات العاملين الصحيين والأساسيين، ففي مصر على سبيل المثال، وثقت منظمة العفو الدولية تعرض بعض العاملين في قطاع الرعاية الصحية للتحقيقات من جانب قطاع الأمن الوطني والاستجواب الإداري والعقوبات، فضلًا عن حالات اعتقال تعسفي بتهم فضفاضة، بعد أن أعربوا عن قلقهم بشأن سلامتهم أو انتقدوا أسلوب الحكومة في التصدي للجائحة.
حتى قبل انتشار الوباء، كان قطاع الرعاية الصحية أحد أكثر القطاعات خطورة للعمل فيها، وبحسب منظمة الصحة العالمية 63% من العاملين الصحيين بتعرضون لشكل من أشكال العنف في مكان العمل على الصعيد العالمي، وتشير التقديرات إلى أن العاملين في الرعاية الصحية هم أكثر عرضة للاعتداء بـ 4 مرات من غيرهم من المهنيين، وأولئك الأكثر عرضة للخطر الأطباء والممرضين المبتدئين والعاملين في المستشفيات الحكومية وأقسام الطوارئ ووحدات العناية المركّزة.
الهند لديها نسبة عالية من الحوادث المتعلقة بالعنف، وقد جذبت اهتمامًا عالميًّا أثناء جائحة كورونا، ووجدت دراسة أن 75% من الأطباء الهنود تعرضوا للعنف من نوع ما في مكان العمل، رغم التدابير التي تهدف إلى الحد من هذا، مثل القوانين الأكثر صرامة وتعزيز الأمن والغرامات التي تصل إلى مليون روبية للعنف ضد العاملين في مجال الرعاية الصحية، ما يؤدي إلى مغادرة العديد من المهنيين وتقليل التوظيف في هذا القطاع، وبالتالي إدامة حالات النقص.
ويمكن أن تكون عواقب العمل في بيئة غير آمنة في مجال الرعاية الصحية أكثر خطورة، وقد تصل إلى الإصابات والأمراض الخطيرة وانخفاض مصلحة العمل، وعدم الرضا الوظيفي وضعف الأداء، والمزيد من أيام الإجازة والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة وتدهور القيم الأخلاقية، وزيادة ممارسة الطب الدفاعي حيث تصبح أولوية الطبيب حماية نفسه، وانخفاض سلامة المرضى والمزيد من الأحداث السلبية التي تنجم عنها تكاليف مالية كبيرة يتكبّدها قطاع الصحة، وتصل نسبتها إلى 2% من الإنفاق على الصحة حسب التقديرات.
2. الشيخوخة السكانية
لم يعد النمو السكاني السريع التحدي الديموغرافي الأكبر الذي يواجه العالم، لكن سرعة شيخوخة السكان، فعلى الصعيد العالمي تشمل أسرع الشرائح الاجتماعية نموًّا من هم في سن الـ 65 أو أكبر، ووفقًا لتوقعات السكان في العالم لعام 2019، سيكون 16% من عدد سكان العالم (واحد من كل 6 أشخاص) فوق سن 65 عامًا بحلول عام 2050، أي بزيادة 7% (واحد من كل 11 شخصًا) في عام 2019.
يتوقع تقرير لمنظمة العمل الدولية أن يستقيل ممرض واحد من بين كل 6 ممرضين أو ممرضات حول العالم في غضون السنوات العشر القادمة.
في عام 2020، أفاد مكتب الإحصاء الأمريكي بأن 55.8 مليونًا أو 16.8% من السكان كانوا يبلغون من العمر 65 عامًا أو أكثر، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 21% في عام 2030، أما في أوروبا يتوقع أن يكون ربع سكانها ممّن هم فوق سن 65 عامًا، كما يتوقع أن يزيد عدد من هم فوق سن الـ 80 ثلاثة أضعاف ليصل إلى 426 مليون بحلول عام 2050.
غالبًا ما يحتاج كبار السن إلى مزيد من الرعاية، سواء في المستشفيات أو دور رعاية المسنين، وهم أكثر عرضة للإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري والتهاب المفاصل وأمراض القلب ويحتاجون إلى رعاية لحالات مثل الخرف، الأمر الذي يضع مطالب جديدة على القوى العاملة الصحية غير الكافية بالفعل.
تعدّ شيخوخة القوى العاملة في مجال التمريض عامل تهديد آخر لمستقبل القطاع الصحي، إذ يتوقع تقرير لمنظمة العمل الدولية أن يستقيل ممرض واحد من بين كل 6 ممرضين أو ممرضات حول العالم في غضون السنوات العشر القادمة، ومع ذلك يتوقع أن تزيد شيخوخةُ السكان على مدى السنوات الـ 15 المقبلة عدد فرص العمل المطلوبة في سلسلة توريد الصحة العالمية بنحو 84 مليون فرصة.
3. الاحتراق الوظيفي
مقدمو الرعاية الصحية معرّضون للاحتراق الوظيفي الذي يُعرَف بالإرهاق الجسدي والعاطفي والعقلي الناتج عن ضغوط العمل الطويلة، إذ وجد استطلاع لصندوق الكومنولث أن غالبية أطباء الرعاية الأولية في 10 بلدان ذات دخل أعلى، يقولون إنهم يعانون من الاحتراق الوظيفي الذي يمكن أن يتسبّب في ضعف الأداء، ويؤثر على جودة الرعاية التي يقدمونها، وقد يؤدي إلى حدوث أخطاء طبية.
أدّى وباء كورونا إلى تفاقم الإنهاك الوظيفي بين العاملين في المجال الإكلينيكي، ففي دراسة نُشرت في مجلة “الجمعية الطبية الأمريكية”، أفادت بأن ما يقلّ قليلًا عن 32% من الأطباء شعروا بالاحتراق الوظيفي في عام 2019، وفي عام 2022 ارتفع هذا الرقم إلى 40%، وكان أداء الممرضين بالمثل، حيث أفاد ما يقرب من 41% منهم بالإرهاق في عام 2019، وبحلول عام 2022 كان الرقم يتجاوز 49%.
وتقدِّر منظمة الصحة العالمية أن 23% من العاملين في مجال الرعاية الصحية في الصفوف الأمامية في العالم عانوا من الاكتئاب والقلق، وعانى 39% منهم من الأرق أثناء جائحة كورونا، علاوة على ذلك تكون المهن الطبية أكثر تعرضًا لخطر الانتحار في جميع أنحاء العالم.
يمكن أن يؤدي الاحتراق الوظيفي مباشرة إلى نقص الموظفين في الرعاية الصحية، فقد أفاد نصف الأطباء الأكبر سنًّا في معظم البلدان أنهم سيتوقفون عن ممارسة المهنة، تاركين القوة العاملة الصحية للأطباء الأصغر سنًّا والأكثر إجهادًا وإرهاقًا، ووفقًا لمسح أجرته وكالة التوظيف “Incredible Health” عام 2022، قال ثلث الممرضين (34%) إنهن سيغادرون وظائفهم بحلول نهاية العام، بينما قال 44% إن الإجهاد والإرهاق ساهما في اتخاذ قرارهم.
في حالات أخرى، أودى الإجهاد الناتج عن أزمة العمل لساعات طويلة إلى وفاة عدد من الأطباء، كما حدث في مصر، فقد أشار بيان نقابة الأطباء المصرية، الذي نُشر في سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى الارتفاع السنوي لأعداد وفيات الأطباء الشباب من خارج إصابات كورونا، مشيرًا إلى وفاة اثنين من الأطباء شهريًّا في عام 2022 مقابل طبيب كل 3 أشهر في عام 2018، وقد يكون العدد أكبر من ذلك.
4. نقص التعليم والتدريب
يعدّ نقص الاستثمار في تدريب القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية عاملًا رئيسيًّا، خاصة في البلدان منخفضة الدخل، ومع ذلك تعاني الدول الغنية أيضًا من نقص في التدريب، وتواجه بدرجات متفاوتة صعوبات في تعليم قواها العاملة وتوظيفها وتوزيعها والاحتفاظ بها وأدائها لعملها.
في المملكة المتحدة، أدى انخفاض التمويل الحكومي إلى الحد من عدد تعيينات طلاب التمريض، ما أدى إلى دخول عدد أقل من الممرضات إلى القوى العاملة، وفي الولايات المتحدة تم رفض أكثر من 80 ألف متقدم مؤهّل لبرامج التمريض عام 2019، بسبب عدم كفاية الفصول الدراسية وعدد أعضاء هيئة التدريس، وغالبًا ما تكون رواتبهم منخفضة ولا تجذب أساتذة مؤهّلين.
تواجه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أكبر التحديات، حيث يعيش فيها حوالي 11% من سكان العالم، فيما تتحمل أكثر من 24% من عبء المرض العالمي
وفي اليابان، تواجه وزارة الصحة مشكلة عزوف الطلاب عن دراسة الطب بسبب ارتفاع تكاليف التعليم التي تصل إلى 100 ألف دولار، وصعوبة ظروف العمل بعد التخرج، كما يدفع تراجع نسبة الإنجاب في اليابان الأطباء إلى الإحجام عن التخصص في أمراض الأطفال والتوليد، ويسعى المسؤولون لحل هذه المشكلة بتشجيع الأطباء على دراسة أكثر من اختصاص، وتوفير حوافز لهم كالرواتب العالية كي يعملوا في الريف.
5. عدم المساواة الصحية
تتفاقم أزمة نقص الكوادر الصحية مع توزيع العاملين الصحيين بشكل غير عادل في جميع أنحاء العالم، ويزداد هذا النقص في القوى العاملة العالمية سوءًا بسبب الاختلالات الحادة بين البلدان، ووجود فارق في الكثافة بين البلدان ذات الدخل المرتفع والبلدان المنخفضة الدخل.
بشكل عام، هناك نقص في الموظفين في المناطق الريفية مقارنة بالمدن، وقد يكون نشر مقدمي الرعاية الصحية في المناطق النائية والمحرومة أمرًا صعبًا، وفي معظم البلدان النامية تتركز القوى العاملة الصحية في البلدات والمدن الكبرى، في حين أن المناطق الريفية لا تضم سوى حوالي 23% و38% من الأطباء والممرضات في البلاد على التوالي، هذه المناطق قد تحتوي على وسائل راحة أقل وأجر مادي ضعيف، أو قد تكون بعيدة عن أُسر مقدمي الخدمة، وقد تكون أكثر خطورة أو لديها موارد أقل لعلاج المرضى.
يجري تعويض العجز الحاد في الكوادر الطبية بسحب الأطباء الأكفاء من الدول الفقيرة، بينما تتعمّق الأزمة في هذه الدول التي لا يمكنها المنافسة على جذب الأطباء والممرضين
في الولايات المتحدة، تم تصنيف هذه المناطق على أنها مناطق نقص في المهنيين الصحيين، يعيش أكثر من 83 مليون شخص في الولايات المتحدة في مناطق يندر فيها الوصول إلى طبيب الرعاية الأولية، ووفقًا لبيانات رابطة الكليات الطبية الأمريكية، يمكن أن تشهد الولايات المتحدة نقصًا يقدَّر بما يصل إلى 124 ألف طبيب في جميع التخصصات بحلول عام 2034.
تبدو عدم المساواة الصحية أكثر وضوحًا بين الدول، حيث تضم الأمريكيتان (الولايات المتحدة الأمريكية وكندا بشكل رئيسي) 14% من سكان العالم، وتتحمل 10% فقط من عبء المرض في العالم، ولديها 37% من القوى العاملة الصحية العالمية، وتنفق حوالي 50% من الموارد المالية العالمية على الصحة.
وعلى العكس من ذلك، تواجه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أكبر التحديات، يعيش فيها حوالي 11% من سكان العالم، تتحمل أكثر من 24% من عبء المرض العالمي، وهي موطن لـ 3% فقط من القوى العاملة الصحية العالمية، وتنفق أقل من 1% من الموارد المالية العالمية على الصحة.
وهناك علاقة مباشرة بين نسبة العاملين الصحيين إلى عدد السكان وبقاء النساء على قيد الحياة أثناء الولادة والأطفال في سن الرضاعة المبكرة، فمع انخفاض عدد العاملين الصحيين ينخفض معدل البقاء على قيد الحياة.
6. غياب المساواة بين الجنسَين
بخلاف الفوارق الإقليمية الكبيرة، ازدادت أوجُه عدم المساواة بين الجنسَين في قطاع الصحة والرعاية، حيث تميل الأجور إلى التدنّي عمومًا مقارنة بسائر القطاعات الاقتصادية، لكن عندما يتعلق الأمر بالنساء، فإن الأجور عادة ما تكون أدنى، رغم أنهن يشكّلن 67% من العاملين في قطاع الصحة والرعاية حول العالم.
وفقًا لتقرير مشترَك صادر عن منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية، تعاني النساء من تفاوت الأجور بين الجنسَين في قطاع الصحة والرعاية أكثر من أي قطاعات اقتصادية أخرى، حيث تقل أجورهن بنسبة 24% عن نظرائهن من الرجال، وتشكّل النساء نسبة 90% من مجموع كادر التمريض، غير أن قلة منهن يتقلدن مناصب قيادية عليا في مجالهن، حيث يحتل الرجال معظم هذه المناصب.
وقدّرت جمعية المستشفيات الخاصة في الفلبين أن 40% من الممرضين والممرضات في القطاع الخاص، حيث تعتبر الأجور والظروف أسوأ من القطاع العام، قد استقلن عام 2020، ويتوقع أن يصل النقص في عدد العاملين في التمريض إلى 250 ألفًا بحلول عام 2030، ما لم يتم ضخّ استثمارات أكبر الآن للاحتفاظ بهم.
وفي بعض البلدان تواجه النساء تمييزًا من نوع آخر يتعلق بفرص التعليم والتدريب، ففي اليابان كشف تحقيق أجرته الحكومة اليابانية أن مديري كليات الطب تلاعبوا بنتائج امتحانات القبول للمتقدمات من الإناث لخفض عدد النساء بنحو 30%، وبالتالي إن نسبة الذكور والإناث الذين اجتازوا الامتحانات وصلت إلى حوالي 7:3، لكن نسبة الأطباء الإناث الفعلية أقل بسبب الفجوة بين الجنسَين فيما يتعلق بالتوظيف بعد التسجيل للعمل رسميًّا كأطباء، حيث ستترك الخريجات العمل بدوام كامل بسبب الزواج والحمل ورعاية الأطفال، وتعتمد المستشفيات التابعة للجامعات بشكل كبير على القوى العاملة ذات الأغلبية الذكورية.
7. الكوارث الطبيعية والصراعات
فضلًا عن المخاطر البيئية والتكنولوجية والبيولوجية التي يمكن أن تطغى بسرعة على الأنظمة الصحية التي تعاني بالفعل من نقص الموظفين أو الأموال، تلعب الصراعات والحروب دورًا لا يقل خطورة في تهديد العاملين في الأنظمة الصحية، فغالبًا ما تتسبّب في أضرار جسيمة وطويلة الأمد للقوى العاملة الصحية، وقد يتم قتل الأفراد المؤهّلين أو إجبارهم على التخلي عن وظائفهم.
في النزاعات التي طال أمدها، يظهر عدد من الاتجاهات بشكل عام: يفرّ العمال المدنيون من المراكز الصحية والمستشفيات في المناطق الخطرة، وتصبح المناطق الأكثر أمانًا مكتظة بالموظفين.
وكما في كل الحروب، يكون المدنيون -ومن بينهم العاملون الصحيون- أول من يدفع أثمانها الباهظة، في السودان مثلًا لم يكن النظام الصحي من النوع المؤهَّل للحروب في الأصل، بدأت مستشفياتها تتداعى سريعًا بسبب الهجمات على العاملين الصحيين والمرافق الصحية، ورسمت آخر معطيات نقابة أطباء السودان صورة قاتمة لحال المستشفيات، فقد خرج من الخدمة 52 مستشفى بسبب نقص الكوادر الطبية.
وفي أوكرانيا، أصبحت بعض النقاط الطبية والمستشفيات في العديد من المدن خالية، بعد أن هجرها موظفوها بسبب الحرب التي تشنّها روسيا منذ عام ونصف تقريبًا، تاركين أماكنهم لعدد من المسعفين والكوادر الطبية المتطوعة في مجالات مختلفة، ويحاول هؤلاء تقديم الخدمات الطبية العاجلة للمرضى والمتضررين.
8. موسم الهجرة إلى الشمال
من الجنوب إلى الشمال وتحديدًا إلى الدول الغنية، صارت وجهة الأطباء والممرضين للحصول على تعويض أفضل وفرص مالية لأنفسهم ولأسرهم، حيث يجري تعويض العجز الحاد في الكوادر الطبية بسحب الأطباء الأكفاء من الدول الفقيرة، بينما تتعمّق الأزمة في هذه الدول التي لا يمكنها المنافسة على جذب الأطباء والممرضين، لا سيما الأفريقية التي تعاني من هشاشة أنظمتها الصحية.
وجدت الدول الغنية في هذه الاستراتيجية حلًّا لأزمة نقص الأطباء التي كشفها انتشار وباء كورونا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، والنتيجة أن كثافة القوى العاملة الصحية في الدول التي تعاني نقصًا حادًّا في الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، انخفضت بنحو خطر مقارنة مع متوسط المستوى العالمي بـ 49 طبيبًا وممرضًا لكل 10 آلاف شخص بحسب منظمة الصحة العالمية.
في هذا السياق تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنه في المتوسط يعمل واحد من كل 4 أطباء، وواحد من كل 20 ممرضًا أو ممرضة ممّن وُلدوا أو تلقوا تدريبهم في أفريقيا في دول متقدمة، وهناك بعض الدول تضررت أكثر من غيرها في هذا الجانب، فمثلًا يعمل 29% من أطباء غانا و 34% من ممرضي زيمبابوي في الخارج.
ووفقًا لمنظمة أوكسفام الخيرية، فإن التحدي التالي الذي تواجهه زامبيا هو النقص المزمن في العاملين الصحيين، حيث هناك طبيب واحد لكل 14 ألف شخص، بينما هناك مثلًا في بريطانيا طبيب واحد لكل 600 شخص فقط، وفي الوقت الذي يوجد فيه 42 طبيبًا لكل 1000 شخص في أمريكا الشمالية، يوجد في أفريقيا طبيبان فقط لكل 1000 شخص، ويحصل العاملون في مجال الصحة حاليًّا على أجر زهيد في القطاع العام ويضطرون إلى العمل في ظروف مروعة.
وفي مصر مثلًا، تحوّل العجز المتزايد في عدد الأطباء العاملين بالقطاع الصحي الحكومي إلى ظاهرة تنذر بكارثة، وكشفت دراسة أعدّها المجلس الأعلى للجامعات والمكتب الفني لوزارة الصحة في عام 2020، أن عدد الأطباء البشريين يبلغ حوالي 212 ألف طبيب، يعمل منهم في جميع قطاعات الصحة 82 ألف طبيب فقط، بنسبة 38%، و62% منهم يعملون خارج مصر.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 30% من جميع الأطباء أو الممرضين العاملين في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ينحدرون من البلدان منخفضة أو متوسطة الدخل، ويمثلون من 3% إلى 6% من جميع الأطباء والممرضين المهاجرين، ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تم توظيف أكثر من 2.6 مليون مهاجر، بما في ذلك 314 ألف لاجئ، كعاملين في مجال الرعاية الصحية في عام 2018.
ووضعت منظمة الصحة العالمية في عام 2010 مدونة سلوك عالمية طوعية بشأن التوظيف في القطاع الصحي، تدعو إلى القيام بتحليل سوق العمل الصحي واعتماد تدابير لضمان الإمداد الكافي بالعاملين الصحيين في بلدان المصدر، لكن الواقع يكشف أنه “لا قوانين دولية أو محلية تمنع هجرة الأطباء من دولة إلى أخرى”، الأمر له أبعاد أخلاقية تسقط عندما تبدأ الدول الغنية باستغلال الفقر لإفراغ دول تعاني أساسًا وضعًا صحيًّا هشًّا فيما يخص أطبائها.
في الفلبين مثلًا، ارتبطت الأزمة منذ فترة طويلة بتصدير العاملين المدرّبين في مجال الرعاية الصحية والمصدر الرئيسي للممرضات المهاجرات عبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فخلال الفترة بين يناير/ كانون الثاني وأغسطس/ آب 2021، غادر ما يقرب من 7 آلاف ممرض فلبيني البلاد، مدفوعين بالأجور المنخفضة وظروف العمل السيئة والطلب على مهارة التمريض الفلبينية في الخارج.
مع وصول العاملين في مجال الرعاية الصحية إلى البلدان ذات الدخل المرتفع، فإنهم يستمرون في مواجهة المشاكل: ساعات العمل الإضافية، التوتر، والأجر المحدود
العديد من هؤلاء المصنفين بـ”الأفضل في العالم” شقوا طريقهم إلى الولايات المتحدة، حيث يمثلون 5% من الممرضين المسجلين في البلاد، وفي المملكة المتحدة التي كان لديها أحد أعلى مستويات الممرضات المولودين في الخارج في الاتحاد الأوروبي (قبل خروجها)، يمثل الممرضون الفلبينيون 27% من طاقم التمريض.
ومع ذلك، من خلال توفير الحوافز الاقتصادية للعاملين في مجال الرعاية الصحية للهجرة، فإنهم يضاعفون النقص في بلدانهم الأصلية، على سبيل المثال في مواجهة موجة ساحقة من إصابات فيروس كورونا، أُجبر المستشفى الفلبيني العام على إغلاق أبواب غرفة الطوارئ مؤقتًا أمام حالات دخول جديدة، وشهدت البلاد أطول فترة إغلاق في العالم، وقد كشف هذا الوباء عن ضعف نظام الرعاية الصحية.
وفي مقابل إقدام الدول الغنية على إفراغ الدول الفقيرة من الكوادر الطبية، تقوم دول فقيرة محاصرة مثل كوبا بمدّ يد العون إلى الدول النامية، حيث يُنظر إلى الأطباء على أنهم المصدر الرئيسي للدخل قبل السياحة في الجزيرة، ويوجد حوالي 50 ألف طبيب كوبي يعملون في 67 دولة، ويسميهم المسؤولون الكوبيون “جيش المعاطف البيضاء”، ففي سنوات الحرب الباردة بدأت كوبا في استخدامهم تحت مسمّى “دبلوماسية المعطف الأبيض” للتغلب على العزلة السياسية.
يدرّ المتخصصون في الرعاية الصحية للحكومة الكوبية حوالي 11 مليار دولار سنويًّا بهذه الطريقة، ما يجعل القطاع الصحي مصدر دخل أكبر من السياحة في الجزيرة الكاريبية، وفي حين تحصل كوبا على 75% من رواتب عامليها الصحيين، تتلقى البلدان الأجنبية الخبرة الطبية التي تشتد الحاجة إليها.
لدى الأطباء أنفسهم حافز واضح للعمل في الخارج، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجور الشهرية في كوبا حوالي 25 دولارًا، وترتفع إلى حوالي 50 دولارًا للأطباء، أما في الخارج، ورغم حصول الحكومة الكوبية على معظم رواتبهم، ظلوا يحصلون في البرازيل مثلًا على حوالي 1000 دولار شهريًّا، وهو مبلغ يغيّر حياة عائلاتهم.
بخلاف العواقب الاقتصادية والصحية في البلدان الأصلية منخفضة ومتوسطة الدخل، أزمة التوظيف والاستبقاء الطبي هذه لها آثارها على المجتمع الصحي العالمي الأوسع، حيث تتسع التباينات في مجموعات مهارات العاملين في مجال الرعاية الصحية وتوافرها، على سبيل المثال يؤدي الاستخدام غير الصحيح للمضادات الحيوية بسبب التخصصات أو الخبرة المحدودة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، إلى تفاقم مشاكل مقاومة مضادات الميكروبات العالمية.
ومع وصول العاملين في مجال الرعاية الصحية إلى البلدان ذات الدخل المرتفع، فإنهم يستمرون في مواجهة المشاكل: ساعات العمل الإضافية، وأنماط التحول التي تتعارض مع الحياة الأسرية، ومستويات عالية من التوتر، ناهيك عن الأجر المحدود والمثبطات، كما يعاني العديد منهم من عدم الرضا الوظيفي، يضاف إلى ذلك أنظمة وتسييرات عمل بطيئة وبيروقراطية، وزيادة الملل بسبب تضاؤل الاستقلالية والشعور المحدود بالمجتمع، من خلال العمل اليومي في بيئات غير مألوفة مع زملاء غير مألوفين وعدم وجود مساحة عمل مخصصة.
الأمر لا يختلف كثيرًا بالنسبة إلى العاملين الصحيين الكوبيين في الخارج، فظروفهم ليست دائمًا سهلة، ونادرًا ما يتم الترحيب بهم من قبل الأطباء المحليين، وتحكم الحكومة الكوبية قبضتها عليهم أيضًا، ففي عام 2017 شددوا القيود المفروضة على الأطباء العاملين في البرازيل، وحظروا عليهم إجراء الفحوصات الطبية البرازيلية، وإجبار النساء الحوامل على العودة إلى كوبا بعد 22 أسبوعًا من الحمل لمنع أطفالهن من الحصول على الجنسية البرازيلية.
هل يمكن تجاوز هذه الأزمة؟
كان النقص في العاملين الصحيين عقبة رئيسية أمام إحراز تقدم في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية المتعلقة بالصحة، إذ لا يمكن تلبية الاحتياجات الصحية الملحّة في جميع أنحاء العالم دون وجود قوى عاملة صحية مدرّبة تدريبًا جيدًا وكافية ومتاحة، فما الذي يمكن فعله لتلبية احتياجات العاملين في مجال الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم، خاصة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط؟
باستخدام بيانات حسابات القوى العاملة الصحية الوطنية (NHWA)، تُظهر إعادة تقييم لمخزون القوى العاملة الصحية في عام 2020 وتقدير النقص المتوقع بحلول عام 2030، مدى التقدم المحرَز في إجمالي مخزون القوى العاملة الصحية العالمية بين عامَي 2013 و2020، حيث شهدت هذه الفترة زيادة صافية قدرها 14 مليون عامل صحي على مستوى العالم.
وتشير التوقعات حتى عام 2030 إلى وتيرة معقولة عالميًّا في تقليل النقص، ويتوقع أن يصل حجم القوى العاملة الصحية بحلول عام 2030 إلى 84 مليون عامل صحي، ويمثل هذا متوسط نمو بنسبة 29% من عام 2020 إلى عام 2030، وهو أسرع من معدل النمو السكاني (9.7%)، ومن المتوقع أن ينخفض النقص الذي تعاني منه منظمة الصحة العالمية في أفريقيا وشرق المتوسط بنسبة 7% و 15% فقط على التوالي، علاوة على زيادة محتملة قدرها 19 مليون وظيفة بحلول عام 2030.
ومع ذلك، هناك مسألتان مثيرتان للقلق: أولًا، لا تزال مسبّبات الأزمة مثل الكوارث الطبيعية والحروب والأمراض، وتنطوي على أزمة صحية عامة عالمية غير مسبوقة، إلى جانب عدم اليقين الاقتصادي الذي من شأنه أن يؤثر على جميع أنواع التوقعات حتى عام 2030، حيث على سبيل المثال قد يؤدي نقص الأنشطة الاقتصادية والإيرادات إلى الحد من الإنفاق العام على الصحة وتغطية التكلفة المتكررة لأجور العاملين الصحيين المطلوبة.
مع اعتماد الرعاية الصحية على إعدادات جديدة للتقليل من ضغط التوظيف، قال 70% من قادة قطاع الرعاية الصحية إن الرعاية الافتراضية لها تأثير كبير على تحسين حالة المرضى أو معنوياتهم
ثانيًا، استمرار عدم المساواة في توزيع العاملين الصحيين، حيث أظهرت البلدان منخفضة الدخل والدول الجزرية الصغيرة النامية كثافة منخفضة جدًّا للعاملين الصحيين في عام 2020، ومن المرجّح أن تظل راكدة بحلول عام 2030، وفي حين يُتوقع أن ينخفض النقص بسرعة في العديد من البلدان، من المتوقع أن تظل مرتفعة في البلدان منخفضة الدخل.
يعني هذا المزيد من الاستثمار المباشر في تدريب ودعم العاملين الصحيين، لا سيما النساء والشباب، لكن عند التطلُّع إلى دعم الجيل القادم من القوى العاملة الصحية، تواجه الجهود الجديدة التحديات، فتدريب وتعليم ودفع رواتب 4 ملايين عامل صحي مطلوبين في 55 دولة (من بينها 37 في القارة الأفريقية) تعاني نقصًا حادًّا في الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، يفرض على الميزانيات الصحية زيادة 10 دولارات أمريكية على الأقل لكل شخص سنويًّا بحلول عام 2025.
في المقابل، يمكن لتكلفة التعليم اللازمة لتصبح عاملًا في مجال الصحة، على سبيل المثال، أن تثني الطلاب عن ممارسة مهنة في مجال الرعاية الصحية، وهو ما دفع بعض الدول إلى النظر إلى هذه المشكلة، في الفلبين على سبيل المثال يوفر برنامج “الخطوط الأمامية أولًا: برنامج قرض تعليم التمريض” قروضًا لطلاب الجامعات المحتاجين إلى تمويل تعليم الممرضين، بالإضافة إلى التدريب والتوجيه لمساعدتهم على تحقيق النجاح بعد التخرج.
في إندونيسيا، تقدم “DANAdidik”، وهي منصة تمويل جماعي، قروضًا صغيرة من دون فوائد تصل قيمتها إلى 770 دولارًا أمريكيًّا للطلاب، ما يجعل الحياة المهنية في مجال الرعاية الصحية أقل عبئًا ماليًّا، بخلاف ذلك ما زال هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين التوظيف، والاحتفاظ بالقوى العاملة في مجال الرعاية الصحية العالمية.
ويعوّل البعض على استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي، ويقولون إنه يمكن أن يساهم في التطبيب عن بُعد ومراقبة المرض والتنبؤ به وتحليل البيانات الصحية، ويقلّل من المهام الروتينية الشاقة، وبالتالي تحرير الكوادر الطبية للتركيز على مهام أكثر تعقيدًا، وقد بدا ذلك في إدماج الروبوتات بعمل المرافق الصحية ودور المسنّين في ألمانيا، مع توقع وصول عدد وظائف التمريض الشاغرة إلى 670 ألفًا بحلول عام 2050.
ووفق تقرير مؤشر الصحة المستقبلية الذي أصدرته شركة “فيلبس”، تتركز الاستثمارات المخططة في الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاث المقبلة في مجال زيادة دعم عملية اتخاذ القرارات الطبية الحاسمة بنسبة 39% في عام 2023، أما الاستثمارات الأخرى في الذكاء الاصطناعي فتركز على زيادة الكفاءة التشغيلية، بما في ذلك أتمتة التوثيق وجدولة المرضى وأداء المهام الروتينية، بنسبة 37%.
ومع اعتماد الرعاية الصحية على إعدادات جديدة للتقليل من ضغط التوظيف، قال 70% من قادة قطاع الرعاية الصحية إن الرعاية الافتراضية لها تأثير كبير على تحسين حالة المرضى أو معنوياتهم.
في الوقت نفسه لا يخلو الأمر من المخاطر، ففي تقريرها حول “توقعات التوظيف لعام 2023″، أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى تأثير الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي على جودة الوظائف أكثر من معدلات التوظيف، لكن مَن يدري، ربما تكون الروبوتات يومًا مكمّلًا لنظام رعاية صحية أكثر كفاءة وفعالية.