“لا، هي تعرف من هم النواب الذين أرغب في الإطاحة به” – “نعم، لدي بعض نواب البرلمان” – “والآن انظر إليه، لقد أصبح وزيرا. إذا لست غاية في السوء!” – “مخبول” – “معتوه” – “يسبب الكثير من المشاكل”.
مقتطفات مفرغة من تسجيل لقاء صوتي جمع بين شاي موسات، وهو مسؤول سياسي في السفارة الإسرائيلية بلندن، وماريا ستريزولو، المساعدة البرلمانية السابقة للنائب روبرت هالفون، وزير الدولة في وزارة التعليم والنائب السابق لرئيس حزب المحافظين.
هذه المقتطفات عبارة عن حديث استطاعت وحدة التحقيقات في شبكة الجزيرة تسجيله، ليوضح كيفية عمل اللوبي الصهيوني في لندن، من أجل السيطرة على مؤسسات الحكم البريطانية بدعم أشخاص بعينهم موالين لسياسات تل أبيب في الانتخابات البريطانية المختلفة، وكذلك العمل ضد شخصيات معارضة للسياسات الإسرائيلية بتشكيل حملات لإسقاطهم في الانتخابات.
الدبلوماسي الإسرائيلي شاي موسات و مساعدة وزير التعليم البريطاني ماريا ستريزولو
التسجيلات تحدثت عن مثال لهذه السياسة التي يتبعها اللوبي الصهيوني في لندن، حيث توضح التخطيط من جانب هذا اللوبي الذي كلف دبلوماسي إسرائيلي يعمل بسفارة تل أبيب في لندن، بالتعاون مع مساعدة الوزير البريطاني المحافظ روبرت هالفون، بغية الإطاحة بأحد أبرز أعضاء حزب المحافظين الذي يشغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية آلان دانكن، بسبب سياسته المعروفة بالانتقاد الدائم لمشروعات الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
هذا اللوبي يستخدم وكلائه في مؤسسات الحكومة البريطانية (الحكومة – البرلمان) لتوجيه السياسات البريطانية لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي، عن طريق التحكم في توجيه الأسئلة إلى قيادة الحكومة، ومعارضة قرارات بعينها، وطرح أخرى للنقاش، وتجاهل البعض لمصلحة إسرائيلية وبحث من هذا اللوبي، الذي يبدو وأنه يتحكم في شبكة من العلاقات في جسد الحكم البريطاني منذ سنوات.
هذه المقتطفات عبارة عن حديث استطاعت وحدة التحقيقات في شبكة الجزيرة تسجيله، ليوضح كيفية عمل اللوبي الصهيوني في لندن
سياسة اللوبي ممنهجة
جاءت هذه التسريبات التي حصلت عدة صحف بريطانية على نسخة منها قبل إذاعة الفيلم الوثائقي الذي يحمل اسم “اللوبي” المُعد من قبل وحدة التحقيقات الاستقصائية في شبكة الجزيرة، حيث يعرض الفيلم -الذي يُبث في أربعة أجزاء- الطريقة التي اخترقت من خلالها السفارة الإسرائيلية حزب المحافظين وحزب العمال باستخدام المال والدعم الخفي للتأثير في الساسة البريطانيين.
وضمن ما جاء في هذه التسريبات التي أحدثت ضجة في الأوساط السياسية البريطانية، الحديث عن السير كريسبين بلانت، الذي يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني، حيث يوضح الدبلوماسي الإسرائيلي أنه “على قائمة المستهدفين بالضرب”؛ بسبب آرائه التي اعتبرها في حديثه المسرب “منحازة بشدة لصالح العرب بدلًا من أن تكون منحازة لصالح إسرائيل”.
هذا اللوبي يستخدم وكلائه في مؤسسات الحكومة البريطانية (الحكومة – البرلمان) لتوجيه السياسات البريطانية لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي
وهو ما يعني وجود قائمة في إطار سياسة ممنهجة لا تستهدف شخصًا عابرًا في الحكومة أو البرلمان البريطاني، وإنما خريطة ضغط وإطاحة وتصعيد لسياسيين بريطانيين، يقودها هذا اللوبي الصهيوني في لندن.
هذه الاستراتيجية الممنهجة تحاول النأي ببريطانيا عن أي نزعة مؤيدة للفلسطينيين في أوروبا، بحسب ما وصف أحد كبار أعضاء إيباك، منظمة اللوبي المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تقضي بتقريب الموقف البريطاني من الموقف الأمريكي الأكثر جنوحًا باتجاه تل أبيب.
هذا اللوبي كما أوضحت التسريبات نجح في اختراق الحزبين الرئيسيين في بريطانيا، وبالتحديد فيما يخص حزب المحافظين تم عن طريق منظمة تحمل اسم “أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين”، وهي المنظمة التي اتضح نشاط كل من النائب هالفون والسيدة ستريزولو في صفوفها، الأمر الذي يعزز مصداقية التسريبات.
ومما ذكر أيضًا من قبل السيدة ستريزولو إن جميع نواب البرلمان من حزب المحافظين “إلى حد كبير” هم أعضاء في مجموعة “أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين”، وذكرت أن منهم رئيسة الوزراء تيريزا ماي، ووزير المالية فيليب هاموند، ووزير الخارجية بوريس جونسون.
الاستراتيجية الممنهجة تحاول النأي ببريطانيا عن أي نزعة مؤيدة للفلسطينيين في أوروبا
وعلى صعيد حزب العمال تظهر التسريبات أيضًا استخدام المال السياسي من جانب اللوبي الصهيوني في لندن لاجتذاب ساسة حزب العمال البريطاني، المعروف بوجود عدد كبير من النشطاء بداخله المناهضين للسياسات الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط.
حيث تحدث الدبلوماسي الإسرائيلي شاي ماسوت “بطل التسريبات” لعضو البرلمان البريطاني عن حزب العمال،جوان رايان، عن حصوله على “ما يزيد على مليون جنيه إسترليني” لدفع تكاليف زيارة إلى “إسرائيل” سيقوم بها أعضاء من الحزب العماليين متعاونين مع حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
كما ورد في التسريبات حديث عن نشطاء حزب العمال الموالين لهذا اللوبي، حيث يتناقشون في دور حكومة تل أبيب في مسألة دعم نشاطاتهم.
فضيحة مدوية
ثلاث دقائق ونصف مسربة فقط من أصل فيلم وثائقي مدته 120 دقيقة قامت وحدة التحقيقات في قناة الجزيرة بانتاجه، كانت كفيلة بالإطاحة بعميلة “اللوبي الصهيوني في لندن” ماريا ستريزولو مساعدة وزير التعليم البريطاني، بعدما قدمت استقالتها من منصبها أمس الأحد، نتيجة لتصدر أخبار تحقيق الجزيرة الاستقصائي لكافة الصحف البريطانية الكبرى، وتزايد المطالبات بفتح تحقيق حكومي وبرلماني موسع حول الأمر، الذي اعتبر من قبل بعض المحللين “انتهاكًا للسيادة البريطانية”.
وعلى إثر هذه الفضيحة المدوية قدمت السفارة الاسرائيلية في لندن إعتذارًا رسميًا للحكومة البريطانية عما بدر من الدبلوماسي الإسرائيلي في التسريب، الذي أظهر ضلوعه في مؤامرة لإسقاط وزير بريطاني من منصبه بسبب انتقاده للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
جدير بالذكر أن نشاط اللوبي الصهيوني الداعم لدولة الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي البريطانية معروف بشكل كبير قبيل هذا الاستقصائي، إلا أن القوانين لا تجيز له أن يضع أجندة للتدخل في توجيه وتشكيل مؤسسات الحكم، وأن يتلقى الأوامر والتوجيهات أو التمويل من سفارات أجنبية في لندن.
هذا بالإضافة إلى تورط دبلوماسي إسرائيلي في الخدمة، وهو ما يمثل أمرًا ضد الأعراف والقوانين الدبلوماسية التي تحظرعلى سفارة أي دولة أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدولة المضيفة، أو تتآمر على حكومتها، أو على أي من موظفيها العموميين، ما قد يشير إلى بوادر أزمة دبلوماسية بين الجانبين في حال تطور أمر التحقيقات في تسريبات الجزيرة حول طبيعة عمل اللوبي الصهيوني في بريطانيا.
ثلاث دقائق ونصف مسربة فقط من أصل فيلم وثائقي مدته 120 دقيقة قامت وحدة التحقيقات في قناة الجزيرة بانتاجه، كانت كفيلة بالإطاحة بعميلة “اللوبي الصهيوني في لندن” ماريا ستريزولو
طبيعة اللوبي الصهيوني في بريطانيا
في كتاب صادر عن مركز الجزيرة للدراسات في أكتوبر/تشرين الأول 2016 بعنوان “اللوبي الصهيوني.. النفوذ والتأثير” لمؤلفه الدكتور يوسف نواف التميمي، تحدث فيه بشكل بحثي مفصل عن مراحل مختلفة مما أسماه “التغلغل” الصهيوني في الأوساط السياسية البريطانية، عارضًا الإستراتيجيات، والتكتيكات التي وظفتها منظمات “اللوبي الصهيوني” في سبيل استمالة الرأي العام البريطاني.
وقد أشار في كتابه إلى أن الحركة الصهيونية أولت إهتمامها ببريطانيا في العقود الأخيرة، وتحديدًا في قضيتين، الأولى: “منظمات الضغط والدعاية السياسية” في التأثير على الرأي العام ومواقفه، والثانية: “محورية بريطانيا في المشروع الصهيوني”.
وبالفعل، أشار الكتاب الهام الذي يوضح خصوصية بريطانيا في المشروع الصهيوني، إلى أنه عملت المنظمات الصهيونية، منذ وقت مبكر، على التغلغل في الأوساط السياسية البريطانية لتشكيل جماعات ضغط، مهمتها الرئيسية الحفاظ على زخم الدعم البريطاني، الرسمي والشعبي والإعلامي، لإسرائيل وسياساتها في مختلف الظروف.
وقد قدم الكتاب قائمة واسعة لأبرز منظمات اللوبي الصهيوني الناشطة في بريطانيا في الوقت الراهن، رغم صعوبة حصر عدد المنظمات الصهيونية أو اليهودية أو البريطانية المؤيدة لإسرائيل في بريطانيا؛ لأن بعضها معروف وعلني، وبعضها سري أو يعمل تحت أسماء من قبيل “الجمعيات الخيرية” أو “المؤسسات الاجتماعية”.
الحركة الصهيونية أولت إهتمامها ببريطانيا في العقود الأخيرة، وتحديدًا في قضيتين، الأولى: “منظمات الضغط والدعاية السياسية” في التأثير على الرأي العام ومواقفه، والثانية: “محورية بريطانيا في المشروع الصهيوني”.
وقد ذكر مؤلف الكتاب أسباب تقدم الرواية الفسلطينية حاليًا للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو الأمر الذي يبدو من التسريبات مؤخرًا أنه يقلق الجانب الإسرائيلي بشكل كبير، لذا عملت بالشكل الذي ورد على الإطاحة بالأصوات المساندة للرواية الفلسطينية بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.