رغم أداء أعضائه اليمين الدستورية، أمام رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، لم ينطلق بعد المجلس الأعلى للقضاء (هيئة دستورية) في أشغاله، نتيجة إخلالات عديدة واتهامات متبادلة حتى انقضت الآجال الدستورية لذلك.
اتهامات للحكومة والرئاسة بعرقلة عمل المجلس
انطلق قضاة تونس، أمس الإثنين، في تأجيل النظر في جميع القضايا بمختلف أطوارها وتأخيرها لمدة 5 أيام في كامل المحاكم التونسية وذلك بقرار من أعضاء المجلس الوطني لجمعية القضاة التونسيين، احتجاجًا على تعطيل تركيز المجلس الأعلى للقضاء، حسب بعضهم.
رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء، اتهم الحكومة بتعطيل موعد انطلاق المجلس وقال في تصريح لنون بوست: “أصل الأزمة يكمن في التعطيل الناتج عن الحكومة، فرئيس الوزراء بتغطية سياسية من رئيس الجمهورية مسؤول عن تجميد التعيينات والمصادقة على قرارات الترشح لسد الشغور في هيئة القضاء العدلي المؤقتة”، وأضاف: “من حيث القانون فإن رئيس الحكومة ملزم بإصدار هذه التسميات وليس له أي تقدير أو اجتهاد في هذا الشأن”.
وصف الرحموني، انعقاد المجلس بـ”الانقلاب”، مؤكدًا أن الأزمة أخذت اليوم أبعادًا كبيرة
ورغم فقدانه النصاب القانوني، لعدم سد الشغورات الحاصلة في الخطط القضائية العليا وهي خطة وكيل دولة عام لدى محكمة التعقيب وخطة رئيس أول لمحكمة التعقيب وخطة رئيس المحكمة العقارية وخطة مدير المصالح العدلية، فقد انعقد المجلس يوم الخميس 29 من ديسمبر الماضي، إلا أن المحكمة الإدارية أصدرت قرارًا يقضي بتأجيل تنفيذ القرارات المنبثقة عن الاجتماع إلى حين البت في مطالب التوقيف التي تقدم بها أعضاء المجلس الممثلين لمجلسي القضاء العدلي والمالي من المتغيبين عن الاجتماع المذكور.
ووصف الرحموني، انعقاد المجلس بـ”الانقلاب”، مؤكدًا أن الأزمة أخذت اليوم أبعادًا كبيرة، وقال: “مؤسف أن يصل العبث إلى هذا الحد في ظل سعينا إلى إرساء دولة ديمقراطية وقضاء مستقل، هم يريدون فرض أسماء معينة وضد أي ممارسة مستقلة لأي هيئة” وتابع “لا أرى أن هناك حل قريب ما دامت السلطة وراء هذا الانقلاب، وما دامت هناك تغطية من السلطة لهذه الممارسات”، ولم يتسن لنون بوست أخذ موقف من الحكومة التونسية تجاه هذه الاتهامات
أداء اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية
في الـ14 من شهر ديسمبر الماضي، أدى 42 قاضيًا من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الـ45، اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، وبحضور وزير العدل غازي الجريبي، رغم الانتقادات المتعلقة بعدم اكتمال نصاب هذا المجلس الذي غاب عنه عدد من الأعضاء، منهم الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الذي أحيل إلى التقاعد منذ الأول من شهر ديسمبر، ووكيل الدولة العام بمحكمة التعقيب.
وفي وقت سابق قرر قضاة تونس الدخول في اعتصام مفتوح بمقر جمعية القضاة بقصر العدالة بوسط تونس العاصمة، تصعيدًا لاحتجاجاتهم ضد مسار تركيز المجلس الأعلى للقضاء، كما خرج المئات من القضاة في مسيرة احتجاجية انطلقت من أمام قصر العدالة بتونس العاصمة واستقرت بساحة الحكومة بالقصبة، رفعوا خلالها شعارات طالبوا فيها رئيس الحكومة يوسف الشاهد بـ”التوقيع على الأوامر المتعلقة باستكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء”، ودعوا في أخرى إلى ضرورة تحييد القضاء عن التجاذبات السياسية واستقلاليته عن السلطة التنفيذية.
ويتكون المجلس الأعلى للقضاء في تونس من 45 عضوًا موزعين على ثلاثة مجالس قضائية، وهي مجلس القضاء العدلي ومجلس القضاء الإداري ومجلس القضاء المالي، وقد تم تحديد تركيبتها وفق ما جاء في الفصول 10 و11 و12 من القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 والمؤِرخ في 28 من أبريل 2016، ويتم انتخاب 33 عضوًا فيما يعين الـ12 عضوًا الآخرين بصفتهم.
لا حل إلا “التوافق”
أمام تواصل الجدل، برزت أصوات تنادي بضرورة “التوافق”، لحل هذه الأزمة، وفي هذا الشأن يقول رئيس نقابة القضاة فيصل البوسليمي، في تصريح خص به نون بوست: “لا حل سوى التوافق والحوار للخروج من هذه الأزمة”.
وأكد البوسليمي ضرورة تنازل كل الأطراف لإيجاد حل وسط ليتحقق الاستحقاق الدستوري وينطلق المجلس الأعلى للقضاء في نشاطه، واتهم نقيب القضاء، الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي بعرقلة انطلاق عمل المجلس وقال: “الترشيحات التي تقدمت بها الهيئة لرئيس الحكومة ببعض الخطط القضائية بعد استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء كانت غير شرعية وخارقة للقانون وللدستور”.
يتدخل المجلس في تشكيل المحكمة الدستورية التي تعنى بضمان علوية الدستور والحفاظ على النظام الجمهوري الديمقراطي
واعتبر البوسليمي أن دور الهيئة، منذ الإعلان عن النتائج النهائية لانتخابات المجلس الأعلى للقضاء من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في نوفمبر الماضي، يقتصر على تصريف الأعمال الضرورية لا غير.
ويعد المجلس الأعلى للقضاء أعلى هيئة قضائية يتم استحداثها بموجب الدستور التونسي الجديد إلى جانب المحكمة الدستورية، وسيُعهد إليه مهمة الحفاظ على استقلالية القضاء وحسن سيره في إطار دستور البلاد والاتفاقيات الدولية.
ويتدخل المجلس في تشكيل المحكمة الدستورية التي تعنى بضمان علوية الدستور والحفاظ على النظام الجمهوري الديمقراطي والحقوق والحريات الأساسية، ويختار أربعة أعضاء من تركيبتها وهو ما يمثل نسبة الثلث
احتجاجات القضاة أمام قصر الحكومة
ولا يمكن للمجلس الأعلى للقضاء أن ينعقد دون إمضاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد على أوامر تسمية القضاة السامين طبقًا لقرارات الترشيح التي صدرت عن هيئة القضاء العدلي، فالرئيس الأول لمحكمة التعقيب وهو رئيس هيئة القضاء العدلي هو الذي يدعو لانعقاد الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للقضاء (طبق قانون المجلس في فصله 73) ودون تسمية رئيس أول جديد لمحكمة التعقيب لا يمكن لتلك الدعوة أن تكون دعوة قانونية.