لم يكد يتنفس المصريون الصعداء بعد مرور أعياد رأس السنة الميلادية بسلام، حتى استيقظوا على انتكاسة أمنية جديدة، حين هاجم عدد من العناصر المسلحة، أحد الأكمنة بدائرة قسم ثالث العريش، أمس الإثنين، أسفر عن سقوط 9 قتلى، معظمهم من رجال الشرطة.
العملية هذه المرة وإن كانت خسائرها أقل من نظيراتها في المرات السابقة، إلا أن العديد من التساؤلات فرضت نفسها حيال شقين اثنين، الأول: التطور النوعي الذي شهدته هذه العملية في تكتيكات هجوم العناصر المسلحة على الأهداف الأمنية في سيناء، الثاني: حالة الاسترخاء الأمني في هذه المنطقة، والتي فتحت العديد من الثغرات للجماعات المسلحة التي استغلتها في تنفيذ هجماتها.
هجومان بينهما دقائق وعدة أمتار
تعرضت نقطة كمين “المطافئ” بدائرة قسم ثالث العريش بمحافظة شمال سيناء، لهجوم مسلح شارك فيه ما يقرب من 20 مسلحًا، باستخدام قذائف “آر. بي. جي” وسيارة ملغومة، فضلًا عن إطلاق النار من أسلحة آلية ومتوسطة وزرع عبوات متفجرة في نطاق الكمين، حسبما أشارت وزارة الداخلية المصرية في بيانها.
مسؤول المركز الأمني بالوزارة، كشف أن الهجوم أسفر عن مقتل 7 من رجال الشرطة “أمين شرطة و6 مجندين” إضافة إلى أحد المواطنين الذي تصادف مروره في نطاق الكمين، إضافة إلى إصابة 6 من القوات و6 من المواطنين، ونقل المصابون إلى المستشفى لتلقي العلاج.
كما أشار المسؤول الأمني في البيان إلى أن القوات المصرية تصدت بحسم لهذا الهجوم الإرهابي، وتمكنت من تفجير السيارة الملغومة قبل وصولها للكمين، والتعامل مع العناصر الإرهابية، ما أسفر عن مصرع 5 من المسلحين وإصابة 3 آخرين، كما نجحت القوات في إبطال مفعول العبوات الناسفة التي زرعتها.
لكن يبدو أن هذا الهجوم ليس الوحيد، فبحسب بيان الداخلية فإن مجموعة مسلحة أخرى وبعد أقل من دقائق من الهجوم على الكمين الأول، حاولت تنفيذ هجوم على كمين “المساعيد” على الطريق الدائري، وإطلاق النيران بكثافة، إلا أن القوات الأمنية تصدت لهم وأجبرتهم على الفرار في المنطقة الجبلية المتاخمة، وقد قُتل أحد المجندين جراء ذلك، علمًا بأن المسافة بين كمين “المطافئ” و”المساعيد” لا تتعدى عدة أمتار فقط.
1165 عملية مسلحة في آخر 3 سنوات
في دراسة حديثة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بشأن خارطة الإرهاب في مصر خلال الثلاث سنوات الأخيرة (2014/2015/2016) كشفت عن وقوع (1165 عملية عنف مسلح) خلال هذه الفترة، ويحتل عام 2015 المقدمة بأكبر نسبة من عدد العمليات المسلحة خلال الثلاث سنوات، ويلاحظ أن أعمال العنف شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في الأشهر الثلاث الأولى من عام 2015، فقد وقع في شهر يناير 124 عملية عنف مسلح، ثم حدث انخفاض طفيف لتصل إلى 105 في فبراير، ثم بلغت ذروتها في مارس بـواقع 125 عملية، بينما انخفض عدد العمليات بشكل تدريجي منذ شهر أبريل 2015 الذي بلغ عدد العمليات فيه 72 عملية، ثم حدث انخفاض آخر في شهر مايو 2015 والذي شهد 63 عملية، حتى يونيو 2015 الذي شهد انخفاضًا كبيرًا في العمليات لتصل إلى 23 عملية فقط.
وفي شهر يوليو 2015 عاودت العمليات إلى الارتفاع مرة أخرى لتصل إلى 41 عملية، وذلك قبل أن يعود المسار للانخفاض مرة أخرى ليصل إلى 27 عملية في أغسطس 2015، ثم الوصول لأدنى مستوى لها على الإطلاق في شهر نوفمبر 2015 والذي شهد وقوع 5 عمليات فقط، بينما شهد شهر ديسمبر 9 عمليات، واستمر منحنى عدد عمليات العنف في التراجع خلال النصف الأول من عام 2016 ثم ارتفع معدل العمليات خلال الربع الأخير من عام 2016، حيث شكلت عدد العمليات خلال أشهر (أكتوبر – نوفمبر – ديسمبر 2016) 104 عملية عنف مسلح.
تطور نوعي في الهجوم
من الملاحظ أن هناك تطور نوعي في العمليات المسلحة ضد قوات الأمن في سيناء، فقديمًا كانت معظم هذه الهجمات تعتمد على محورين لا ثالث لهما، الأول: العمليات الانتحارية الفردية، الثاني: زرع العبوات الناسفة وتفجيرها عن بعد، لكن يبدو أن هجومي العريش أمس ذات طابع استثنائي.
تفاصيل العملية وبحسب رواية الداخلية المصرية تشير إلى اقتحام ما يقرب من 20 مسلحًا لجميع النقاط الأمنية المحيطة بالمكان كما سيرد ذلك لاحقَا، ووصولها إلى كمين “المطافئ” واستهداف عناصر الأمن المصرية بالأسلحة الثقيلة، في مقدمتها، قذائف “آر.بي.جي”، وجها لوجه، وهو ما يعد، بحسب الخبراء، نقلة نوعية وتطور استراتيجي في تكتيك هجوم تلك العناصر الإرهابية، ما يدعو للقلق، لأنه يحمل بين ثناياه شيئًا من اثنين، إما تنامي في قدرات هذه العناصر المسلحة، واستخدامها للأسلحة الثقيلة في الهجوم المباشر، وإما التقليل من إمكانية تصدي قوات الأمن لهم، وفي كلتا الحالتين خطورة فائقة على الوضع الأمني في سيناء، خاصة في ظل افتقاد الجنود الموجودين هناك للتأهيل اللازم فضلاً عن عدم القدرة على مسايرة التطورات التكنولوجية في الأسلحة المستخدمة، وهو ما يجعل نقاط تمركز الكمائن أهدافًا سهلة للعناصر المسلحة التابعة لتنظيم “ولاية سيناء” المبايع لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
الهجوم أسفر عن مقتل 7 من رجال الشرطة “أمين شرطة و6 مجندين” إضافة إلى أحد المواطنين الذي تصادف مروره في نطاق الكمين، إضافة إلى إصابة 6 من القوات و6 من المواطنين
من جانب آخر يشير خبراء أمن، أن العملية تحمل بصمات تنظيم “ولاية سيناء”، وأن توقيت تنفيذها يحمل دلالة مفادها أن التنظيم يحاول تصعيد هجماته وعملياته خلال أيام الأعياد والمناسبات القومية لإثبات وجوده وكمحاولة منه لتخفيف حدة الضربات التي يتلقاها في سيناء، إضافة إلى أن موعد العملية وهو الساعة السابعة صباحا يأتي استغلالاً لحالة الطقس السيء التي تمر بها البلاد.
اختيار العناصر المسلحة لهذا التوقيت بالذات نظرًا لاقتراب درجات الحرارة في موقع الحادث من الصفر، حيث انعدام الرؤية لوجود ضباب كثيف، لذا استغلت العناصر المسلحة الموقف وباغتوا الكمين والقوة الأمنية وقاموا بالعملية مستغلين حالة الطقس والضباب وقلة درجة اليقظة لدى القوة الأمنية.
أصابع الاتهام تشير إلى تورط تنظيم “ولاية سيناء” في الهجوم الأخير
وفي سياق متصل، فقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مسئوليته عن العملية حسبما قالت وكالة أعماق التابعة للتنظيم، عبر موقعها الإلكتروني اليوم الثلاثاء.
وقالت الوكالة “سقط 25 قتيلا من الشرطة المصرية يوم أمس الاثنين في هجوم مباغت شنه مقاتلو الدولة الإسلامية على حاجز (المطافي) في حي المساعيد غربي مدينة العريش بشمال سيناء، جاء ذلك، بعد تفجير سيارة مفخخة ركنها أحد مقاتلي الدولة الإسلامية في الحاجز، ومهاجمة الموقع عقب التفجير من قبل عدد من المقاتلين الذين أجهزوا على العناصر التي نجت من التفجير، ودمّروا مدرعتين”.
تساؤلات عن الثغرات الأمنية
على الرغم من استمرار الحملة الأمنية التي تشنها القوات المسلحة والداخلية المصرية لتجفيف منابع الإرهاب المسلح في شبه جزيرة سيناء، خاصة الجزء الشمالي منها، والتي تجاوزت عامها الثالث، دفعت مصر خلالها ثمنًا باهظًا من دماء جنودها ومواطنيها فضلاً عن اللجوء إلى بعض الممارسات القسرية ضد أهالي سيناء، حيث تم هدم بيوت بعضهم، وتهجير البعض الآخر، ومع ذلك لم تتوقف هذه العمليات، بل في كثير من الأحيان بلغت معدلات أكثر خطورة عما كانت عليه في السابق كما أشارت الدراسة سالفة الذكر لمركز الأهرام للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
ناشط سيناوي: الكمين الذي تم استهدافه أمس يقع في منطقة صغيرة الحجم قليلة السكان، يحيطها ما يقرب من 12 كمينًا آخر، ولا يمكن وصول أي أحد إلى هذا الكمين إلا بالمرور على الـ 12 كمين الآخرين، متسائلاً: كيف يمكن لـ20 مسلحًا اختراق هذه الأكمنة بأسلحتهم الثقيلة حتى يصلوا إلى الكمين المستهدف؟
العديد من الانتقادات وجهها خبراء أمنيون للاستراتيجية الأمنية التي يتم التعامل بها في مكافحة الإرهاب في سيناء، خاصة أن عشرات العمليات تتم بنفس الطريقة، وبذات الأسلوب، دون أدنى استفادة من دروس العمليات السابقة، فعملية الأمس تمت في جزء كبير منها بنفس التكتيك الذي تمت به عملية الهجوم على كمين الصفا بمدينة العريش، مارس الماضي، حيث بدأ بتفجير سيارة مفخخة وتبعه سقوط قذيفة صاروخية على الكمين، بعدها قام عناصر التنظيم بالهجوم على الكمين، والذي أسفر عن مقتل 18 من قوات الأمن بينهم ضابطين، أضف إلى ذلك، الهجوم على كمين بالقرب من نادي ضباط الشرطة، غربي مدينة العريش، نوفمبر الماضي، عن طريق سيارة مفخخة، أدى إلى مقتل 6 من عناصر الشرطة المصرية، وإصابة 15.
تركزت الانتقادات الموجهة للتعامل الأمني مع العناصر المسلحة في سيناء في عدة محاور، بدءًا من انكشاف مكامن الضعف في هذه النقطة العسكرية أو تلك، وهو ما تجسده بعض الأكمنة المعروفة وفي مقدمتها “حي المساعيد” و”كرم القواديس” حيث تعرضا لعشرات الهجمات بنفس الطريقة دون تغير في الاستراتيجية الخاصة بتأمينهما، فضلاً عن التسريبات الأمنية التي قد يحصل عليها المسلحون لوضعية الوحدات الثابتة والمتحركة في حالات التأهب والاسترخاء، أو حتى نتيجة تجاهل بعض الأحداث المؤشرة لاحتمال وقوع هجوممسلح، كما هو الحال مع هجوم أمس، حيث كان لافتًا استخدام المسلحين لشاحنة نقل نفايات سُرقت قبل أسبوع حسب ما نقلته بعض وسائل الإعلام عن مصدر أمني.
تفجير نادي شرطة العريش في نوفمبر 2015
تساؤل آخر يفرض نفسه عن الثغرات الأمنية التي من الممكن استخدامها من قبل العناصر المتطرفة، كشف عنه الناشط السيناوي عيد المرزوقي، بقوله إن الكمين الذي تم استهدافه أمس يقع في منطقة صغيرة الحجم قليلة السكان، يحيطها ما يقرب من 12 كمينًا آخر، ولا يمكن وصول أي أحد إلى هذا الكمين إلا بالمرور على الـ 12 كمين الآخرين، متسائلاً: كيف يمكن لـ20 مسلحًا اختراق هذه الأكمنة بأسلحتهم الثقيلة حتى يصلوا إلى الكمين المستهدف؟
وبعد 3 سنوات من المواجهات المستمرة بين قوات الأمن المصري والجماعات المسلحة في سيناء، أسفرت عن سقوط مئات الضحايا- عسكريين ومدنيين- فضلاً عن تهجير المئات من منازلهم، بات البحث عن استراتيجيات جديدة للمواجهة أمر في غاية الأهمية، وبحسب الخبراء – الأمنيين والسياسيين – فإن تطوير آليات وتكتيكات المواجهة أصبح الخيار الوحيد الذي فرضه الواقع بجميع معطياته، للخروج من هذا المستنقع الذي كبد سيناء الكثير والكثير من الخسائر على مختلف المستويات.