ترجمة وتحرير نون بوست
كتب مارك لينش أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن الأمريكية والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط مقالا يقول فيه أن دستور مصر الجديد ما هو إلا خطوة “مقلقة” نحو السلطوية والديكتاتورية في مصر.
ويقول لينش في مقاله المنشور في مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن الاستفتاء على الدستور الجديد في مصر لن يعطي أي قدر من الشرعية لنظام الانقلاب العسكري، الذي فقد شرعيته تماما في الداخل والخارج. تماما مثل الاستفتاء على الدستور السوري في فبراير ٢٠١٢ والذي لم يؤثر قيد أنملة في شرعية نظام الأسد.
بل إن الاستفتاء في سوريا جاء في سياق حرب أهلية دامية وقمع لم يتوقف من نظام الحزب الواحد إن لم يكن ازداد وحشية بعد الاستفتاء.
من السهل أن نفهم وأن نحترم تلك الرغبة العميقة لدى كثير من المصريين للتحرك نحو المستقبل ووضع جراح الماضي وراء ظهورهم، لكن مع الأسف، المسار السياسي الذي تسلكه مصر الآن من غير المرجح أن يحقق لهم رغبتهم تلك.
إن مشاكل الدستور الجوهرية، بالإضافة إلى حملة القمع الشديدة من قبل الدولة بعد الانقلاب العسكري، ببساطة، لن تمنح للمصريين أي أمل في أن يأتي ذلك النظام بالاستقرار أو التقدم ناحية الديمقراطية!
وفي دولة مثل مصر، كانت القيمة الرئيسية للدستور هو أنه يوفر القدرة على التنبؤ بالمستقبل في ساحة سياسية غير مستقرة من خلال قواعد مستقرة مشروعة ومتفق عليها، لكن مع وجود لاعبين أقوياء (الجيش) يستطيعون تغيير قواعد اللعبة في أي لحظة لتتناسب ومصالحهم، لا يمكن لأحد أن يعرف إن كان نشاطه السياسي أو كتابته الصحفية أو عضويته في تنظيم أو حزب ما سيكون دليلا على الالتزام بالديمقراطية أم دليلا على الإرهاب!
وليكون الدستور فعالا يجب أن يحصل على موافقة عامة من الشعب، ولقد فشل دستور ٢٠١٢ أثناء فترة الرئيس مرسي في تحقيق ذلك، أساسا لعدم موافقة قطاعات داخل الدولة على ذلك الدستور، مثل الجيش والقضاء. هذا الفشل في التوافق هو ما مهد لتظاهرات الثلاثين من يونيو، وانقلاب الثالث من يوليو جعل التوافق معضلة لا يمكن حلها على الإطلاق.
تأثير الثالث من يوليو سيستغرق عقودا ليزول، ونعني بالتأثير أمراض عدم المساءلة وعدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل ضمن أطر شرعية ودستورية، كما أن النخب السياسية المصرية والفاعلين السياسيين سيظلوا ينظرون خلفهم طوال الوقت خوفا من الإطاحة بهم من قبل العسكر، ما يعني أن استراتيجياتهم وأفعالهم ستكون مبنية تماما على انتظار رد فعل الجيش.
حتى لو افترضنا أن السيسي قرر عدم خوض الانتخابات الرئاسية، هل يعتقد أحد حقا أن “الرئيس” السيسي سيتنحى بعد ولايتين رئاسيتين؟ لمجرد أن الدستور قال إنه يجب عليه التنحي؟ فرضية تبدو مضحكة للغاية!
“الحرب على الإرهاب” التي يشنها الجيش بلا هوادة ضد الإخوان ومعارضيه وضد الصحفيين والناشطين الليبراليين واليساريين تجعل مستقبل مصر يبدو أكثر قتامة.
إن تسمية “الإرهاب” صارت سهلة للغاية في مصر، فقد أطلقتها السلطات على الإخوان المسلمين، وعلى الناشط الشاب أحد مؤسسي ٦ إبريل أحمد ماهر، أو حتى على صحفيي قناة الجزيرة!
إن مصطفى بكري، أحد مؤيدي الانقلاب العسكري البارزين صرح قبل أيام أن هناك مؤامرة أمريكية لاغتيال السيسي، وأنه لو حدث فإن المصريين سيقتلون الأمريكيين في الشوارع! أنا شخصيا لن أستطيع المخاطرة بالذهاب إلى مصر هذه الفترة أبدا!
كل ذلك يخبرنا أن الاستفتاء على الدستور الجديد ليس سوى خطوة جديدة في انجراف البلاد ناحية الحكم الاستبدادي المطلق.