لا تفتأ كندا وحكومتها تستقبل المهاجرين وتعتبرهم مصدر قوة لها ولمستقبل كندا، حيث أعلن وزير الهجرة الكندي عن رغبة بلاده في استقبال 300 ألف مهاجر خلال العام الحالي 2017 بينما دعا المجلس الاستشاري للشؤون الاقتصادية الحكومة مسبقًا إلى زيادة أعداد المهاجرين بنسبة 50% لتصل إلى 450 ألفًا سنويًا.
تعاني كندا كما العديد من الدول المتقدمة من مشكلة سكانية هي الشيخوخة والتقدم في العمر لدى نسبة كبيرة من سكانها البالغ عددهم نحو 36 مليون نسمة، إذ انخفض معدل المواليد منذ تسعينيات القرن الماضي لعوامل عديدة تتعلق بالخصوبة، وقد أعلن رئيس الوزراء جاستن ترودو فور توليه منصبه نهاية العام 2015 عن إعادة تحفيز الهجرة إلى بلاده خاصة من خلال استقبال اللاجئين.
محفزات الهجرة إلى كندا للشباب العربي
أصبحت كندا في السنوات الماضية قبلة لكل الشباب العربي الراغب في الهروب من الحرب والأوضاع الأمنية السيئة الحاصلة في بلاده أو بدافع إكمال الدراسة والبدء في الحياة العملية والحصول على حياة مستقرة وهادئة لا يستطيع الحصول عليها في بلد عربي بسبب الأوضاع الاقتصادية الراكدة، وقد رحبت الحكومة الكندية بالمهاجرين واللاجئين بشكل غير اعتيادي وبالأخص للسوريين إذ سيرت رحلات خاصة للاجئين السوريين المتواجدين في الأردن ولبنان طوال العامين الماضيين.
خمس الكنديين من المهاجرين وتحتل كندا المرتبة الثامنة من بين أكثر الدول استقبالا للمهاجرين في العالم
جملة من الميزات جذبت الشباب للهجرة إلى كندا، أولها أن المهاجر أو اللاجئ يتمتع بكافة الحقوق الأساسية التي يتمتع بها المواطن الكندي منذ أن أن تطأ قدمه في كندا. وتعد كندا من أفضل الأماكن للعيش والحياة الكريمة لسبع سنوات متواصلة بحسب تصنيف الأمم المتحدة بدءًا من 1992 وحتى العام 2000 حيث تفوقت على دول متقدمة في أوروبا مثل سويسرا والسويد والدنمارك وغيرها، وحازت على هذه المرتبة بفضل أن كافة الكنديين والمهارجين متساوين في الحقوق والواجبات.
ومن حيث الدين فالقانون الكندي يتيح للسكان حرية العبادة واختيار الأديان ونقطة أخرى تتعلق بتعدد الثقافات والأعراق وهي إحدى المزايا التي تعتز كندا بها إذ يؤكد الدستور الكندي على حماية هذا التنوع والتعدد في الأعراق والثقافات والأصول ومنع أي صورة من صور التمييز أو التفرقة بسبب اللون أو الجنس أو الدين.
تعد كندا من أفضل الأماكن للعيش والحياة الكريمة لسبع سنوات متواصلة بحسب تصنيف الأمم المتحدة
كما تتمتع بمستوى تعليم عالي من بين دول العالم حيث يبلغ عدد الطلاب الأجانب من شتى أنحاء العالم قرابة 120 ألف طالب، وتتكفل الحكومة بتقديم التعليم المتميز للمهاجر واللاجئ وبمقابل مادي ميسر.
أضف لذلك الأمان والاستقرار الذي تتميز به البلاد إذ لا تزال بعيدة عن التفجيرات والعمليات الإرهابية كالتي تحصل في بلدان عديدة حول العالم، والأسلحة غير منتشرة بصورة عامة بين الشباب كما في الولايات المتحدة وتتمتع بمعدلات جريمة منخفضة.
كما أن هناك قدر كاف من الحرية يتمتع بها المواطن الكندي ويتكفل بها الدستور، وبالنسبة للضمان الاجتماعي والخدمات الطبية فتعد من أفضل أنظمة الضمان الاجتماعي في العالم وتكاليف العلاج تعتبر مناسبة مقارنة بالخدمة المقدمة.
بلغ معدل البطالة في كندا 6.6% في العام 2014
أما فرص العمل والاستثمار والذي يعد الحافز الأبرز لدى المهاجر فكندا تتمتع بإمكانات اقتصادية كبيرة في كافة القطاعات الاقتصادية التي توفر العمل لمواطنيها وهي إحدى الدول الصناعية السبع الكبرى في العالم وواحدة من أكثر الدول نموًا وتطورًا وأكثرها توفيرًا لفرص العمل حيث يبلغ معدل البطالة 6.6% في العام 2014 وتبلغ القوة العاملة هناك بحوالي 19 مليون عامل حسب تقرديرات العام 2012 يعمل جلهم في قطاع الخدمات.
تبلغ القوة العاملة بكندا حوالي 19 مليون عامل يعمل جلهم في قطاع الخدمات
ومن حيث الرفاهية فإن المواطن يتمتع بدرجة عالية من الرفاهية مدعومة بالقدرة على التملك للسلع المعمرة فأكثر من 65% من الكنديين يملكون منازل ونسبة أعلى يملكون سيارات وسلع الرفاهية، ويتمتع الجميع بنظام شامل للرعاية الصحية وشبكة من التأمين االاجتماعي.
يحتل اقتصاد كندا من حيث الحجم في المرتبة الحادية عشرة حيث يبلغ الناتج الإجمالي المحلي 1.592 ترليون دولار حسب تقديرات العام 2016 ويبلغ نصيب الفرد من الناتج نحو 56 ألف دولار حسب إحصائيات 2014.
وتعد من بين أكثر الدول ثراءًا في العالم وتتمع بأحد أعلى مستويات الحرية الاقتصادية في العالم، ومن حيث النمط الإنتاجي والنظام الاقتصادي فتعد شبيهة بالولايات المتحدة، وهي عضو في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وعضو في مجموعة الثماني وعضو في مجموعة أكبر عشرين اقتصاد في العالم.
تركيبة الناتج الإجمالي للاقتصاد الكندي مؤلفة من الخدمات بنسبة 69.8% وصناعة بنسبة 28.5% وزراعة بنسبة 1.7% ولديها تصنيف ائتماني عالي AAA نابع من جدارتها المالية لديها احتياطيات من النقد الأجنبي تقدر بـ65 مليار دولار حسب تقديرات 2011 وتقدر نسبة الدين العام على الناتج الإجمالي بـ33.8% حسب تقديرات العام 2012.
ويحق للمهاجر أو المقيم إقامة دائمة؛ العيش والعمل والدراسة في كندا بصورة دائمة، والحصول على معظم الفوائد الاجتماعية المخصصة للمواطنين الكنديين والتقدم على الجنسية بعد 3 سنوات من الإقامة الفعلية والحصول على جواز سفر كندي والذي يتيح له الدخول بدون تأشيرة إلى عشرات البلدان المتقدمة الأوروبية والآسيوية والأمريكية.
يحتل اقتصاد كندا من حيث الحجم المرتبة الحادية عشرة عالميًا حيث يبلغ الناتج الإجمالي المحلي 1.592 ترليون دولار
دافع إنساني أم قومي
لا تعد حالة اللجوء أو الهجرة لكندا وليدة البارحة ولا هي أمرًا طارئًا على الحكومة والبلاد، فكندا بلد مستقبل للمهاجرين منذ زمن، يقصدها الناس من جميع أنحاء العالم منذ عقود طويلة لأسباب اقتصادية حيث تستقبل كل سنة وسطيًا حوالي 300 ألف مهاجر وعادة ما تستقبل المهاجرين بدوافع اقتصادية والهاربين من الحروب.
حيث يرى 80% من الكنديين أن المهاجرين يشكلون إثراءًا للبلاد ويرى السياسيون أنه يجب الحفاظ على نفس الوتيرة في استقبال المهاجرين والرفع من أعدادهم، أضف أن البلاد تتمتع بالتعددية الثقافية التي تعد جزءًا من السياسة المنتهجة للحكومة ففي أكتوبر من العام 2015 ذكر رئيس الوزراء ترودو أن كندا ستكون ربما أول دولة في العالم ما بعد القومية وهي بلد لا يتوفر على هوية. يشببها بعض الخبراء بـ”القرية العالمية” وهو البلد الوحيد الذي يعرف كيف يعيش بلا هوية يمارس المرونة الصحية ويتقبل التغيير كما أن التنوع يعزز الرفاهية كما يرى تشارلز فوران كاتب ومدير معهد المواطنة الكندية.
تستقبل كندا كل سنة وسطيًا حوالي 300 ألف مهاجر
فكندا تعد ثاني أكبر مساحة في العالم بينما لا يتجاوز عدد سكانها 36 مليون نسمة فقط يعد خمسهم من المهاجرين وتحتل المرتبة الثامنة من بين أكثر الدول استقبالا للمهاجرين في العالم، وتعد معدلات النمو السكاني منخفضة جدًا حيث يصل معدل الولادات إلى 1.6 طفل لكل امرأة كما أنها تعاني من نقص في العمالة، لذا فإن استقبال الحكومة للمهاجرين واللاجئين يعد من بوابة الخوف من انحسار عدد السكان واستئثار الولايات المتحدة على موارد كندا من جانب آخر.
سياسة الانفتاح بدت جلية من خلال استقبال اللاجئين السوريين والحفاوة التي يلقاها اللاجئين فأثناء وصول أول فوج من اللاجئين السوريين في العام 2015 إلى مطار تورنتو الدولي، نظمت السلطات حفلا موسيقيا لفرقة أطفال أنشدوا “طلع البدر علينا”، وتواجد هناك رئيس الوزارء ترودو للترحيب بهم.
إذ يحاول ترودو جعل كندا لاعبًا إنسانيًا على خط الأزمات الدولية يكتسب جمهورًا عابر للقارات والمحيطات وخصوصًا أن استقباله للاجئين جاء عبر عملية نزوج جوي من الأردن ولبنان يتم نقلهم عبر طائرات إلى كندا وهذه صورة مختلفة تمامًا عن الصورة التي لمسها اللاجئون الذين وصلوا إلى أوروبا مشيًا على الأقدام أو قطعوا البحار ومحطات القطارات والمطارات ومن جانب آخر فهو تأكيد على نهج الليبرالية التي انتهجها ترودو حيث شكل حكومته مناصفة بين الرجال والنساء وضمت وزارء من المهاجرين.
يرى 80% من الكنديين أن المهاجرين يشكلون إثراءًا للبلاد
بالإضافة لهذا وذاك فالسبب الاقتصادي والديمغرافي يبقى دافعًا قويًا لاستقبال كندا للمهاجرين واللاجئين بهذا الشكل، فاستقبال سكان جدد سيساعد المجتمع على إعادة التوازن والتخلص من الشيخوخة، والدفع بالاقتصاد للاستمرار في النمو الاقتصادي في السنوات المقبلة، لذا فاستقبال هذ الرقم الكبير من اللاجئين والمهاجرين يعد من بوابة الاستثمار الاقتصادي في الوقت الذي يعاني منه المجتمع الكندي مشاكل سكانية قد تلحق ضررًا به وبالاقتصاد في حال عدم استقبال سكان جدد.