ترجمة وتحرير نون بوست
إذا أراد أي شخص أن يبحث عن دليل على انتشار التطرف في مصر في ظل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي القمعي، فيجب عليه ألا ينظر بعيدًا عن تفجير الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في القاهرة الذي حدث في شهر كانون الأول/ ديسمبر.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الهجوم، الذي تبناه تنظيم الدولة، أسفر عن مقتل 25 شخصًا وجرح نحو 50، أما المشتبه به في ارتكاب الهجوم، يدعى محمود شفيق محمد مصطفى ويبلغ من العمر 22 سنة، ألقي القبض عليه سنة 2014 من قبل قوات الأمن المصرية عندما كان وهو وزميله في الدراسة يمران بالقرب من مظاهرة للمعارضة في مصر.
وحسب شهادة أحد محاميي مصطفى، فقد تعرّض المشتبه به للتعذيب خلال الفترة التي قضاها في السجن دون أن تُوجه إليه أي تهمة حقيقة، وفي الحقيقة، إن الطريق الذي أدّى إلى دخول مصطفى في دوامة التطرف يكشف مدى سهولة استفادة المتطرفين من سياسات السيسي القمعية للحصول على دعم الشباب المصري.
من جهة أخرى، لطالما ناقش علماء السياسية والاجتماع العلاقة السببية بين قمع الدولة والتطرف، كما أنه هناك أدلة وافرة على أن القمع والتطرف مرتبطان ببعضهما البعض، وذلك على غرار ما حصل في الجزائر والشيشان ومصر وليبيا، لكن في حالات أخرى، مثل الصين وكازاخستان والعراق في عهد صدام حسين، استخلص العلماء أن القمع يمكن أن يقلل من الانشقاق والتمرد، في المقابل، يعد القمع في مصر من الدوافع التي تزيد من تفاقم سلوك التطرف والعنف في البلاد.
وفي الواقع، تحظى مصر بتاريخ طويل من الإرهاب والعنف السياسي الذي بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي واستمر حتى نهاية التسعينيات، لكن هذه الظواهر بلغت الآن مستوى غير مسبوق حيث نفّذ الإرهابيون منذ تولى السيسي للسلطة سنة 2014، هجمات ضد مبانٍ أمنية، فضلاً عن اغتيالهم العديد من كبار المسؤولين والعسكريين، وتدمير مركبات عسكرية واختطاف وإعدام الكثير من الجنود والمدنيين.
بات واضحًا أن استراتيجية السيسي لمكافحة الإرهاب غير مجدية وتؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة مع انتشار ظاهرة التطرف بين الإسلاميين الشباب بسبب التكتيكات الاستراتيجية التي ينتهجها
ووفقًا لعدة تقارير موثّقة، ارتفع عدد الضحايا والهجمات في السنتين الأخيرتين بشكل كبير، كما يشير تقرير مؤشر الإرهاب العالمي إلى أن الإرهاب بلغ في مصر أعلى مستوياته منذ سنة 2000، ففي سنة 2015، سُجلت 662 حالة وفاة، أي زيادة بلغت 260% مقارنة بسنة 2014، وفي المقابل بين سنة 2000 و2012، سُجل ارتفاع في عدد الوفيات خلال سنة 2005 إذ بلغ 92 حالة.
خلق قمع السيسي غير المسبوق للمعارضة السلمية وغير العنيفة بيئة خصبة للمتطرفين وللإيديولوجيات المتطرفة، فنُفذت معظم الهجمات منذ تولي السيسي السلطة من قبل ولاية سيناء (الفرع المصري لتنظيم الدول) وقبل انقلاب تموز/ يوليو، ركّز تنظيم ولاية سيناء (كان يحمل آنذاك اسم أنصار بيت المقدس) عملياته في سيناء، حيث كان يستهدف إسرائيل بشكل أساسي.
لكن بعد الانقلاب وسّع التنظيم نطاق عملياته إلى عمق الأراضي المصرية، حيث استهدف مسؤولي النظام وقوات الأمن، واستنزفت عملياته إدارة السيسي وأضرّت بصورته كنظام قوي ومستقر.
أما الإسلاميون الآخرون، فقد شكّلوا مجموعات وشبكات مسلحة خاصة بهم، ونفذوا هجمات ضد المسؤولين الحكوميين والمؤسسات، وعلى مدى السنوات الثلاثة الماضية، ظهرت عشرات الجماعات والشبكات المتطرفة والعنيفة بما في ذلك أجناد مصر وحركة مولوتوف ولواء الثورة، وفي الحقيقة تستخدم هذه المجموعات تكتيكات مختلفة على غرار تغيير أسمائهم بغية تجنب قمع النظام ومواصلة النضال ضده، ويُذكر أن هذه المجموعات أصبحت تكلف نظام السيسي العديد من الخسائر.
وعلى عكس ولاية سيناء، التي يرفضها ويدينها عدة إسلاميين في مصر، فإن لهذه الشبكات المتمردة الجديدة دافعًا بسبب المظالم السياسية، كما أن أنصارهم من الأوساط الإسلامية يعتبرونهم مناضلين ضد النظام، حيث يشيد عديد من شباب الإسلاميين بعملياتهم ضد قوات الأمن الحكومية.
كما أنه عادة ما تحصل هذه المجموعات على الدعم وتنجح في تجنيد أعضاء جدد من أولئك الذين تعرضوا للقمع من قبل النظام والذين فقدوا بعض أقاربهم وأفراد عائلتهم في أعقاب الانقلاب خاصة بعد مجزرة رابعة التي قُتل فيها نحو 800 شخص يوم 14 من آب/ أغسطس سنة 2013، خاصة أن منهم من رفع شعار رابعة (أربعة أصابع) لإضفاء الشرعية على هجماتهم.
وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية عن عدد الأشخاص الذين أصبحوا متطرفين أو انضموا لهذه الجماعات الجديدة، فالوتيرة الثابتة للهجمات المعقدة التي بلغ عددها 100 في الشهر، وفقًا لبعض التقارير، تشير إلى أن هذه المعضلة سوف تواصل ملاحقة النظام.
علاوة على ذلك، وعلى عكس المجموعات التقليدية المتطرفة التي نشطت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مثل الجماعة الإسلامية أو تنظيم الجهاد الإسلامي المصري والتي تتبع تنظيمًا هرميًا وهياكل منضبطة وقيودًا قيادية صارمة، تتسم الجماعات الجديدة بغموض وبراعة ما من شأنه أن يؤدّي إلى التغلب على كل تدابير النظام الوقائية.
استراتيجية تغذي الإرهاب
لقد بات واضحًا أن استراتيجية السيسي لمكافحة الإرهاب غير مجدية وتؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة مع انتشار ظاهرة التطرف بين الإسلاميين الشباب بسبب التكتيكات الاستراتيجية التي ينتهجها.
وفي هذا السياق، تحدث اثنان من الإسلاميين السابقين، خلال مقابلة مع الكاتب، عن الواقع الكئيب الذي عايشاه، إذ قضى أحدهما 11 شهرًا في سجن محلي دون محاكمة، وأشار في حديثه إلى أن الظروف في السجن “مثالية لتجنيد وتلقين الشباب الإسلاميين المتطرفين”.
تحظى مصر بتاريخ طويل من الإرهاب والعنف السياسي الذي بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي واستمر حتى نهاية التسعينيات، لكن هذه الظواهر بلغت الآن مستوى غير مسبوق حيث نفّذ الإرهابيون منذ تولى السيسي للسلطة سنة 2014، هجمات ضد مبانٍ أمنية، فضلاً عن اغتيالهم العديد من كبار المسؤولين والعسكريين
أما الشاب الثاني، فهو شاب يبلغ من العمر 18 سنة، تم تجنيده من قبل المتطرفين عندما كان في السجن، وذلك بسبب احتجاجه بطريقة غير مشروعة، ضد النظام، كما توقف هذا الشاب عن مقابلة والديه، مدعيًا أنهما “كافران”، وتجدر الإشارة إلى أن ظاهرة التطرف استطاعت الانتقال حتى للعديد من الوجوه الإعلامية المصرية والأجنبية.
من جانب آخر، نشرت الصحيفة الخاصة “الشروق” في نيسان/ أبريل تقريرًا قالت فيه إن سجن “طرة” المصري أصبح مركزًا حكوميًا لتجنيد متطرفين لفائدة تنظيم الدولة، أما قوات الأمن وإدارة السجن فهم على دراية بهذا الأمر ويسهلون ذلك عن طريق السماح للمتطرفين بالاختلاط بالمساجين الجدد.
ووفقًا لأحد الإسلاميين السابقين الذين تمت مقابلتهم، فإن هذا التكتيك ساعد النظام على اتهام المساجين بالتطرف وتبرير سجنهم، وبذلك، فإن معركة السيسي ضد الإرهاب زادت من انتشار الإرهاب، بينما ما زال النظام يعارض خطاب خصومه المتطرفين وذلك بهدف تبرير سياسته القمعية، وباعتبار أن آلاف الإسلاميين في السجن حاليًا، فإنهم سيكونون قادرين على استقطاب وتجنيد مئات آخرين، لذلك، تواجه مصر مشكلة كبيرة يجب على حكومة السيسي أن تفعل ما بوسعها للتصدي إليها.
كان بإمكان السيسي أن تكون حربه ضد الإرهاب أكثر توازنًا، من خلال اعتماد إصلاحات سياسية واقتصادية ومؤسساتية من شأنها استمالة الفئات المهتمة بالسياسة مثل “حركة 6 أبريل” والإسلاميين السلميين واليساريين، فعلى سبيل المثال، بدلاً من تبذير ملايين الدولارات على بناء سجون جديدة، كان بوسعه أن يخلق الآلاف من فرص العمل للشباب المصريين الذين يشعرون بالاغتراب والتهميش.
علاوة على ذلك، وبدل تعزيز النظام المصري “الإمبراطورية” الاقتصادية للجيش، كان يمكنه تشجيع المستثمرين المصريين ورجال الأعمال الشباب، كما أن أغلب الشباب المصريين الذين أطاحوا بحسني مبارك سنة 2011 كانوا يطمحون إلى تعزيز حرية التعبير وتوفير فرص عمل وحياة أفضل.
وقد أصبح أغلبهم مهمشين خلال فترة حكم السيسي، الأمر الذي عاد بالنفع على المتطرفين والمتشددين، وفي الواقع، تعدى تأثير سياسات السيسي القمعية حدود مصر وأصبح يشكل خطرًا إقليميًا وعالميًا.
ففي خريف سنة 2016، تمكنت ولاية سيناء من إسقاط طائرة روسية، مما أسفر عن مقتل 224 شخصًا كانوا على متنها، كما أنها تبنت عملية تفجير القنصلية الإيطالية في مصر في تموز/ يوليو من سنة 2011، الذي أسفر عن مقتل شخص على الأقل.
مؤخرًا، تمكنت السلطات المصرية من تعقب آثار متفجرات تم العثور عليها على جثث مسافرين رحلة شركة مصر للطيران رقم 804، والتي تحطمت في البحر الأبيض المتوسط يوم 19 من أيار/ مايو من سنة 2015 وتوفي فيها 66 شخصًا كانوا على متنها، ولم تعلن أي جماعة إرهابية مسؤوليتها عن الحادث، لكن ليس من المستبعد أن يكون الإرهابيون هم المسؤولون عن الهجوم.
من المستحيل، إنكار أن التطرف أصبح مشكلة أكبر في مصر منذ انقلاب 2013، وسيكون من السذاجة أن نتوقع زوال هذه المشكلة دون التطرق لدور السيسي فيها، وبصراحة، كلما واصلت الحكومة المصرية سياساتها القمعية، ازداد التطرف في مصر.
المصدر: فورين أفيرز