ترجمة وتحرير نون بوست
استطاعت القوات العراقية، هذا الأسبوع، بلوغ ضفاف نهر دجلة الذي يقسم مدينة الموصل إلى نصفين، ويُعتبر ما حققته القوات هناك مكسبًا استراتيجيًا، على الرغم من التباطؤ والتلكؤ الكبير في التقدم في ساحة المعركة، وشراسة تنظيم الدولة في الدفاع عن مواقعه في شرق المدينة، تعليقًا على هذا النجاح، صرح القائد العسكري العراقي الجنرال نجم الجبوري، إثر عودته من خط الجبهة في الموصل يوم الإثنين أنه رأى جماعات تنظيم الدولة وهم يفرون، ومنهم من فرّ نحو الضفة الأخرى للنهر، أما البعض الآخر فقد توجه نحو الرشيدية، التي تقع في شمال الموصل“.
من جهة أخرى، بعد مرور ثلاثة أشهر على انطلاق الهجوم لاستعادة السيطرة على المدينة من قبضة التنظيم، ما زالت القوات العراقية تواجه بعض التحديات، كما أن الجيش العراقي سارع إلى جانب الشرطة الاتحادية منذ أواخر الشهر الماضي، إلى قيادة عمليات تطويق للمدينة ومحاولة التقدم من الشمال نحو الجنوب والجنوب الشرقي، بدعم من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، وساهمت العمليات التي شنتها قوات التحالف في تدمير آخر خمسة جسور على نهر دجلة، بعد أن كان التنظيم يستغلها في الإمدادات.
بسبب اشتداد وتيرة القتال بين قوات التحالف والتنظيم، ارتفع عدد الضحايا من المدنيين، ووصل إلى ما يقارب 3800 من سكان الموصل في المستشفيات، ووفقًا لما أكدته الأمم المتحدة، حثت الحكومة سكان الموصل على البقاء في منازلهم وعدم مغادرتها، ولكن اضطر العديد منهم إلى مغادرتها بسبب النقص في الأغذية والمياه، خاصة أن أغلب آبار المدينة بدأت في الجفاف.
كذلك ارتفع عدد المدنيين النازحين من المدينة في أواخر الشهر الماضي بشكل ملحوظ، مقارنة بالأسابيع السابقة، ثم عاد لينخفض هذا العدد من جديد، إلى ما يقارب الألف نازح يوميًا، ووفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، تسبب الهجوم الذي جد في 17 من تشرين الأول/ أكتوبر، في نزوح ما يقارب 135 ألف شخص.
عراقيون ينقلون ممتلكاتهم في حي الزهراء بالموصل، في 8 من يناير/ كانون الثاني 2017 جراء العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة
قبل اندلاع الصراع، كان عدد سكان الموصل يُقدر بنحو 1.2 مليون نسمة، ووفقًا للأمم المتحدة، أصبحت جلّ مخيمات النازحين في ضواحي المدينة قبل أن يبدأ الهجوم، مكتظة بالسكان الفارين.
منذ بدأ الهجوم، تقدمت القوات العراقية بثبات نحو الشرق، واستطاعت الاستيلاء على نحو 70% من الجزء الشرقي للمدينة، وعن هذه النقطة قال الجبوري: “تنظيم الدولة بدأ في الانهيار، خاصة أنه فقد السيطرة على مقراته وشققه ومستشفى السلام وبقية المواقع الاستراتيجية”، وأضاف الجبوري أن القوات العراقية عندما بدأت في القتال من أجل الظفر بجامعة الموصل، التي تقع في الجانب الشرقي للمدينة، استخدمت تكتيكات حرب المدن، وعمدت إلى إغلاق الطرق بهدف قطع الإمدادات عن المسلحين، كما تمركز بعض القناصة في المباني الشاهقة، وهو ما أتاح الفرصة للقوات العراقية لبدأ الهجوم.
من جهة أخرى، أكد بعض المدنيين الفارين من القصف والسكان الذين لا زالوا قابعين في المدينة أن “نحو ألفي مسلح تراجعوا إلى الجانب الغربي للمدينة، للاختباء في المعقل الذي جهزوه قبل بدأ الهجوم”، وقال الجبوري: “عديد من المقاتلين عمدوا إلى الاختباء بين المدنيين في المدارس والمساجد والمستشفيات، وسنقود بعض العمليات على الجانب الغربي للنهر، في الأيام القليلة القادمة”.
في نفس السياق، قال المتحدث باسم جهاز مكافحة الإرهاب العراقي صباح نعمان: “تم تطويق ومحاصرة المسلحين بالكامل”، وأكد أنهم غير قادرين الآن على الهروب أو المقاومة.
وأضاف نعمان “تحرير الجانب الشرقي للمدينة بالكامل سيتم في غضون أيام قليلة، وإن تطلب الأمر الذهاب أبعد من ذلك، فنحن على أتم الاستعداد للتقدم في المعركة”.
وأضاف أن “القوات العراقية استطاعت بمساعدة القوات الأمريكية، حماية المدنيين في أثناء استهدافهم للمناطق التي تتمركز فيها قوات تنظيم الدولة، التي تطلق النار وقذائف الهاون بطريقة عشوائية”.
من جانب آخر، صرح المحلل في الشؤون العراقية في معهد واشنطن لدراسة الحرب باتريك مارتن أن القوات العراقية بذلت جهودًا جبارة لتطهير المنطقة، وأضاف أن الغارات الجوية التي شُنت في أواخر الشهر الماضي، والتي دمرت جسور دجلة، كانت تستهدف بالأساس عناصر التنظيم، وتمكنت بفضل تلك الجهود من عرقلة عملية إرسال سيارتين مفخختين إلى شرق الموصل.
استطاعت القوات العراقية، هذا الأسبوع، بلوغ ضفاف نهر دجلة الذي يقسم مدينة الموصل إلى نصفين، ويُعتبر ما حققته القوات هناك مكسبًا استراتيجيًا، على الرغم من التباطؤ والتلكؤ الكبير في التقدم في ساحة المعركة، وشراسة تنظيم الدولة في الدفاع عن مواقعه في شرق المدينة
لكن ذلك لا يعني أن القوات العراقية لا تواجه أي صعوبات، وقد تعلمت القوات العراقية من محاولاتها السابقة، وهو ما يبدو واضحًا في أثناء محاولتها التقدم غربًا وإعادة السيطرة على مستشفى السلام، وإلى حد الآن، ما زالت تواجه تحديات كبيرة خلال عملياتها من أجل الحفاظ على المناطق التي تمكنت من تطهيرها من المسلحين.
بالإضافة إلى ذلك، صرح مارتن أن “تمكن القوات العراقية من الوصول إلى بعض المناطق، لا يعني بالضرورة أنها طهرت كل المناطق ورائها، لأن الأمر يتطلب المزيد من الوقت للتأكد من نجاح عملياتها، وخلوّ المناطق المحررة من المتطرفين”، وعلاوة على ذلك، لا زالت القوات العراقية تواجه مقاومة شرسة من مسلحي التنظيم الذين استفادوا من الأنفاق الواسعة التي تمتد على كامل أراضي المدينة.
في الواقع، تعمل القوات العراقية بشكل حثيث مع قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، وتتألف قوات التحالف من خمسة آلاف جندي يتمركزون في جميع أنحاء البلاد مستعدون لدعم الهجوم، ونحو 450 من القوات الأمريكية يتمركزون في الموصل، وراء الخط الأمامي للجبهة.
في هذا السياق، قال الجنرال جوزيف مارتن قائد القوات البرية الأمريكية في العراق (والذي لا صلة له بباتريك مارتن): “بلوغ القوات العراقية لنهر دجلة يعد دليلاً على التقدم الذي أحرزوه، ولكن لا يمكن اعتبار هذه الخطوة، بالضرورة، نقطة تحول في المعركة”.
في مكالمة هاتفية، أكد جوزيف مارتن من مكتبه في بغداد يوم الإثنين الماضي، للصحيفة أن “هذه الحرب صعبة جدًا، لذلك يجب التمتع بأي انتصار يتحقق، حتى وإن كنا على دراية كاملة بمدى تعقيد تفاصيل النزاع”.
وأضاف “إذا تراجع تنظيم الدولة وانسحب من المناطق التي كان يسيطر عليها، فيجب على قوات التحالف حرق المباني التي فر منها المتطرفون، واستخدام سيارات مفخخة وقنابل أقل تطورًا لتفجيرها، وذلك لتجنب إلحاق الضرر بالقوات العراقية والمدنيين”.
ويواصل أن “قدرات تنظيم الدولة تراجعت، رغم ذلك فإن المسلحين السنة الذين اختاروا التمرد والخروج من صفوف الجيش، سيكونون التحدي الجديد الذي تواجهه القوات العراقية، وفي الأيام الأخيرة، شهدت مدينة بغداد سلسة من التفجيرات الانتحارية في المناطق الشيعية ذات الكثافة العالية، وأسفرت عن مقتل عشرات الأشخاص“.
بعد مرور ثلاثة أشهر على انطلاق الهجوم لاستعادة السيطرة على المدينة من قبضة التنظيم، ما زالت القوات العراقية تواجه بعض التحديات، كما أن الجيش العراقي سارع إلى جانب الشرطة الاتحادية منذ أواخر الشهر الماضي، إلى قيادة عمليات تطويق للمدينة ومحاولة التقدم من الشمال نحو الجنوب والجنوب الشرقي
من جانب آخر، قال مارتن في تعليقه على التفجيرات: “هذه التحركات ليست سوى محاولة بائسة للفت انتباه الحكومة العراقية، وتعطيل عملية تحرير الموصل”، مضيفًا أنه تحدث مع أحد القادة العراقيين والمسؤول عن الأمن في بغداد، الذي أكد له أنهم لا يكترثون لمثل هذه المحاولات.
أما التحدي الثاني الذي ستواجهه القوات العراقية، فيتمثل في كسب قلوب وعقول سكان الموصل ذوي الأغلبية السنية، الذين تعرضوا للتهميش من قبل الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة منذ عامين.
من جهة أخرى، قال مارتن: “التحالف كان له دور محوري في مساندة القوات العراقية من أجل مساعدة السكان في المناطق المحررة، وبالتالي ساهم في تقليل الحوافز التي تدفعهم لترك منازلهم للحصول على ما يحتاجونه”.
وفي هذا الصدد، قال الجبوري: “سكان الموصل يدعمون الجيش العراقي في حربه ضد تنظيم الدولة، ويساندونه في عمليات التمشيط للإطاحة بجماعات التنظيم”، كما أكد أن “التنظيم لم يعد كما عرفناه سابقًا”.
وأضاف “إننا نعمل بكل ما أوتينا من قوة للفصل بين قوات الأمن والشعب، ومن وجهة نظري، فإن الطرف الذي سيفوز بالدعم الشعبي، هو الذي سينتصر في المعركة، وأنا دائمًا أؤكد على ذلك، لذلك أظن بأننا اتخذنا الخيار الأنسب، عندما عملنا على توطيد علاقتنا مع الشعب“.
المصدر: لوس أنجلوس تايمز