لم يكن الأمر سهلًا على مسلمي الغرب أن يستمروا في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي ومعتاد بعد أحداث 11/9، لا سيما بعد شعورهم بالتهديد في أثناء سيرهم في الشارع من نظرات المارة الحاقدين عليهم، معتبرينهم مسؤولين رئيسيين عما بدر من تفجير برجي التجارة في الولايات المتحدة الأمريكية.
لم ينته ذلك العقاب المجتمعي ضد مسلمي الغرب عند حد النظرات الوقحة فقط، بل امتد للاعتداء عليهم اعتداءً لفظيًا وجسديًا، وانتهى بارتفاع معدلات جرائم العنصرية والكراهية في العديد من الدول كان على رأسها الولايات المتحدة، وعلى الرغم من خوف الكثير من المسلمين وشعورهم بالتهديد المستمر الذي أدى بالكثير منهم للعودة إلى موطنهم أو الرحيل إلى بلد آخر أو التخلي عن مظهرهم الإسلامي في بعض الأحيان، فإنه لم يكن ذلك قرار الكل، حيث قرر الكثير منهم المقاومة، ليس فقط باتخاذها وسيلة للحياة بطريقة مسالمة، وإنما اتخذوها دعوة للإسلام كذلك.
الضحك هو أفضل وسيلة لعلاج الكره
لم يكن هناك حل أكثر سلمية من الضحك لعلاج الكره، لا سيما أنه ليس هناك من يكره الكوميديا الارتجالية، فالكل يتابعها بشغف مترقبًا الدعابة التالية التي سيلقيها المتحدث بعد قليل في أثناء حديثه المرتجل، لذلك فكر الكوميديون المسلمون في تقديم عروض للمجتمع الغربي تقوم على كسر تلك الحواجز المجتمعية الموضوعة بينهم وبين المسلمين، لتبدأ الفكرة بعروض فردية في المطاعم والمراكز التجارية، ومن ثم تبدأ في عروض كاملة على المسارح إلى برامج تلفزيونية أو تُبث على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم مهرجانات كاملة تقام فقط لتقديم عروض الكوميديا الارتجالية.
ما يجمع مقدمي العروض هو الديانة، فكل المتحدثين من المسلمين الغربيين، إلا أنهم يختلفون أشد الاختلاف فيما بينهم، وذلك يعود للبلاد المختلفة التي هاجروا منها، والثقافات المتنوعة التي تربوا فيها، إلا أنهم اجتمعوا على شيء واحد، أن الضحك أفضل بكثير من الكره، وأن المسلمين لديهم أيضًا حس الفكاهة، وذلك باتخاذ أنفسهم مركزًا للمزح والدعابات أكثر من أي شيء آخر.
إليك أهم مقدمي عروض الكوميديا الارتجالية من المسلمين في الغرب:
مسلم بريطاني، أم مسلم يعيش في بريطانيا؟
“عمران يوسف” هو تجربة فريدة في عالم الكوميديا الارتجالية، حيث ترتكز أغلب دعاباته على الهجاء الاجتماعي السياسي، وطريقة إلقائه قوية ومحبوبة وسلسة، عمران من أصول هندية من هنود شرق إفريقيا، ولد في “مومباسا”، كينيا، تربى وقضى حياته في بريطانيا، وهو بريطاني الجنسية، نال تعليمه في الولايات المتحدة الأمريكية، قام بالاستقالة من وظيفته في صناعة وإنتاج الفيديوهات، وقرر تقديم عروض الكوميديا الارتجالية.
يتقن عمران كل من اللغة الهندية ولغة الأردو، بالإضافة إلى تحدثه الإنجليزية باللكنتين البريطانية والأمريكية بطلاقة، هذا ما سهل من حصوله على شعبية ضخمة في الهند وباكستان وقت تقديمه لعروض الكوميديا الارتجالية هناك، بالإضافة لحصوله على مكانة مميزة كونه تجربة فريدة من نوعها على المجتمع البريطاني، فالمجتمع الغربي بأكمله كحال المجتمع البريطاني لا يعتبر أن باستطاعة أي مسلم أن يكون مسليًا وذا حس فكاهي على الإطلاق، وكانت مهمة عمران إثبات العكس.
هذا العرض بعنوان “مسلم بريطاني، أم مسلم يعيش في بريطانيا” يتحدث فيه عمران عن معاناة أغلب البريطانيين المسلمين من مشاكل التمييز العنصري التي تواجههم في حياتهم اليومية بداية من شراء بضعة مشتريات من البقالة إلى مأساة ركوب الطائرات والقطارات ورعب المسافرين منهم.
لقد أرغمتني الكاردشيان على فعل ذلك
“شازية مرزة“، ممثلة ومؤدية لفن الكوميديا الارتجالية، بريطانية من أصل باكستاني، ولدت في بريطانيا لعائلة باكستانية مسلمة، تخرجت في قسم الكيمياء الحيوية من جامعة مانسشتر ومن ثم قامت بإنهاء برنامج الدراسات العليا من جامعة لندن، وعملت كمعلمة للعلوم، ومن ثم قررت دراسة التمثيل، قامت “شازية” بالتمثيل في العديد من البرامج التلفزيونية المعروضة علي التليفزيون البريطاني، ومن ثم بدأت في الاتجاه نحو فن الكوميديا الارتجالية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث رُشحت كأفضل فنانة كوميدية في بريطانيا، كما تقدم الآن مسلسلاً كوميديًا بعنوان “لقد أرغمتني الكاردشيان على فعل ذلك” “The Kardashians Made Me Do It”، والذي وصفته صحيفة التلغراف بالرائع ومهم أن يشاهده الجميع.
في هذا العرض، تؤدي شازية مرتدية الحجاب الإسلامي في أثناء حديثها عن معاناة المسلمات المحجبات في الغرب في حياتهم اليومية، تقوم بآداء ثابت وقوي، فهي تعرف كيف توصل الفكرة جيدًا بطريقة لا تبدو مضحكة للغاية، إلا أنها في نهاية حديثها، لا ينقطع الجمهور عن الضحك والتصفيق.
عندما نضحك، لا نبدو مختلفين كما ظننا من قبل
“نحن نضحك بنفس الطريقة، بل نبدو متشابهين للغاية عندما نضحك، هذا لأن الضحك حرية، والحرية حق للجميع”، هكذا قال “أحمد أحمد” كوميدي أمريكي من أصل مصري في أثناء حديثه مع “تيد إكس” الدوحة، أحمد ممثل منذ 22 سنة واتجه لفن الكوميديا الارتجالية منذ 15 عامًا، قدم عروضًا كوميدية حول العالم خلال رحلته التي بدأت في عام 2007.
عاش أحمد حياته في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وفي عمر التاسعة عشر انتقل إلى هوليوود، ليبدأ عمله كممثل، ومنذ ذلك الحين وهو يعمل في برامج تليفزيونية، حيث ظهر على قناة سي إن إن وفي الراديو القومي، كما ظهر في كثير من أفلام هوليوود مثل “Executive Decision” و”Swingers”.
يقوم أحمد في هذا العرض بالتهكم على القنوات الأمريكية في هجومها المستمر على المسلمين وتكوينها صورة نمطية خاطئة عنهم، فادعى في بداية العرض أنه إرهابي وعلى الجمهور أن يهدأ ولا يخاف منه طول العرض.
لقد خلقني الله هكذا
“أزهر أوسمان” أمريكي من أصل هندي، كان يعمل محاميًا، واتجه إلى الكتابة والتمثيل، وبدأ يعمل في الإنتاج، كما قام برحلة حول 23 بلدًا في خمس قارات مختلفة، في عرض بعنوان “لقد خلقني الله هكذا”، وهو عرض عن المسلمين حول العالم، وبالأخص بعد أحداث 11 سبتمبر خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، يتحدث أوسمان عن المواقف العائلية، وكذلك عن كيفما كانت طفولته كأمريكي مسلم، أما في سلسلة “لقد خلقني الله هكذا”، تحدث فيها عن اللغة العربية وكيف تبدو لغير الناطقين بها، كما تحدث عن المسافرين المسلمين حول العالم، وكيف يلاقون معاملة خاصة من الجهات الأمنية في مختلف مطارات العالم.
على الرغم من أن فن الكوميديا الارتجالية هو فن مستحدث، إلا أنه كان من أكثر الفنون القادرة على تغطية المشاكل الاجتماعية والسياسية، كما كان داعمًا قويًا لمسلمي الغرب في وسيلة فريدة من نوعها لمقاومة العنصرية وجرائم الكراهية.