الركود التضخمي أزمة واجهت الاقتصاد الرأسمالي في الربع الأخير من القرن العشرين وجاءت محصلة لتطوره بعد الحرب العالمية الثانية حيث حققت الدول الغربية نموًا مصحوبًا بتضخم متزايد، ثم ارتبط هذا التضخم والبطالة بعلاقة عكسية فحيث ينخفض معدل التضخم يميل معدل البطالة إلى الارتفاع وحيث يرتفع معدل التضخم يتجه معدل البطالة إلى الانخفاض.
يمثل هذه العلاقة منحني شهير يسمي منحنى (فيلبس)، ومنذ منتصف السبعينيات تطورت هذه العلاقة تطورًا غير متوقع، حيث اتجه معدل البطالة إلى الزيادة وعرفت الظاهرة بالركود التضخمي “Stagf Flation”.
تشير بعض الآراء إلى أن السياسي البريطاني إيان ماكلويد أول من صاغ المصطلح في كلمة أمام البرلمان عام 1965 بقوله: “لدينا حاليًا تضخم في جانب، وتوقف للنمو على الجانب الآخر، لذا فإننا نعاني ركودًا تضخميًا”.
يعاني الاقتصاد المصري حاليًا من ظاهرة الركود التضخمي، ونستطيع بسهولة أن نتبين وجودها من مقارنة اتجاه معدل التضخم البالغ 23.3% بمعدل البطالة 12.8%، وفق الجهاز المركزي العام للتعبئة والإحصاء
يعاني الاقتصاد المصري حاليًا من ظاهرة الركود التضخمي، ونستطيع بسهولة أن نتبين وجودها من مقارنة اتجاه معدل التضخم البالغ 23.3% بمعدل البطالة 12.8%، وفق الجهاز المركزي العام للتعبئة والإحصاء، ولكن القيم المعلنة لمعدلات التضخم والبطالة لا تعبر عن المعدلات الحقيقية لكل منهما، فالمعدلات المعلنة للتضخم تتأثر إلى حد كبير بقيم ثابتة كإيجارات الأماكن شديدة الانخفاض وأسعار السلع المدعومة كالخبز والسكر والزيت وأسعار العديد من الخدمات الحكومية كالتعليم والرعاية الصحية والنقل وغير ذلك، حيث تنخفض أسعار هذه الخدمات عن القيم الحقيقية لها لذلك يكون الرقم القياسي لأسعار المستهلكين مؤشرًا أدق لاتجاه مستوى الأسعار في مصر، وبحسب البنك المركزي فقد بلغ 25.86% عن شهر ديسمبر/ كانون الأول.
كما أن معدلات البطالة المعلنة لا تعبر عن المعدلات الحقيقية، لأن المعدلات المعلنة لا يدخل في حسابها جانب كبير من الأعداد الضخمة للعاطلين من خريجي مراحل التعليم المختلفة.
أسباب الركود
أولًا: تراجع معدلات البطالة والتي تتمثل في إيقاف التوظيفات الحكومية والاتجاه نحو تقليل أعداد الجهاز الحكومي حاليًا، ورفع أسعار الفائدة يؤدي إلى ميل الأفراد للادخار لا للاستثمار، ومن ثم تضيع فرص إقامة مشروعات، وبالتالي تراجع مستويات التوظيف.
بجانب ارتفاع تكاليف التشغيل لدى المؤسسات القائمة بالفعل بسبب ارتفاع معدلات التضخم يؤدي إلى توجه هذه المؤسسات إلى تقليص أعداد العمالة لديها أو على الأقل عدم تشغيل المزيد من العاطلين، وهو ما يفاقم أيضًا من معدلات البطالة.
ثانيًا: الإجراءات التي تؤدي إلى تراجع الطلب وتباطؤ في النمو الاقتصادي، حيث تعمل الحكومة المصرية على تقليل العجز في الموازنة العامة من خلال تقليل حجم الإنفاق العام على بنود الدعم وربما المرتبات قريبًا، مما يؤدي إلى انخفاض حجم الطلب الكلي.
كما أن معدلات التضخم المرتفعة تؤدي إلى ميل الأفراد نحو تقليل معدلات الاستهلاك واقتصارها على المتطلبات الرئيسية فقط، وهو ما يزيد من تراجع معدلات الطلب الكلي، بعد رفع أسعار الفائدة بنسبة 3% وزيادة العائد على الأوعية الادخارية بنسبة وصلت إلى 20%، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الاستثمار ومن ثم تراجع الإنفاق الاستثماري، وهو ما يزيد من تراجع الطلب الكلي.
مظاهر الركود
يؤدي الركود الاقتصادي إلى تدهور الأحوال المعيشية وتآكل الأصول، فضلاً عن أسباب اجتماعية بسبب ارتفاع معدلات البطالة تتمثل في ارتفاع معدل الجريمة.
تراجع قيمة الأصول والممتلكات خلال فترات الركود بسبب تباطؤ الأرباح نتيجة لتراجع النمو الاقتصادي، وهذا يؤدي إلى تراجع أسعار الأسهم بشكل كبير بسبب تباطؤ الأرباح وتوقعات سلبية للشركات بالإضافة إلى تراجع الاستثمارات الجديدة.
تراجع القوة الشرائية، حيث إن الاستهلاك العائلى يمثل نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي، فإنخفاض معدل نموه سيخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لنحو 3.3% بنهاية العام المالي الحالي بالمقارنة بنحو 4.3% في العام السابق
أخيرًا تراجع القوة الشرائية، حيث إن الاستهلاك العائلي يمثل نحو 80% من الناتج المحلى الإجمالي، فإنخفاض معدل نموه سيخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لنحو 3.3% بنهاية العام المالي الحالي بالمقارنة بنحو 4.3% في العام السابق.
فيما يتعلق بالتضخم الذي بلغ أقصاه لأول مرة منذ عشرين عامًا، فلنتعرف على أسبابه ومظاهرة على المجتمع المصري.
أسباب التضخم
أولاً انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، حرر البنك المركزي في الثالث من نوفمبر الماضي سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية والعربية، مما أدى إلى انخفاض غير مسبوق للجنيه مقابل العملات الأخرى وخاصة الدولار.
أوضح تقرير صادر عن وكالة “بلومبيرج” أن من أكثر العملات التي تعرضت للتضرر الحاد خلال هذا العام هو الجنيه الذي تهاوى أمام الدولار الأمريكي بنحو 59% وذلك بسبب قيام الحكومة بتعويمه بشكل كامل أمام الدولار الأمريكي.
أدى التعويم إلى ارتفاع أسعار معظم السلع في السوق، حيث إن مصر تعتمد اعتمادًا شبه كلي على الواردات بنسب تصل إلى 80% تتنوع ما بين مواد خام وسلع تامة الصنع، وتنيجة لذلك ترتفع أسعار السلع الواردة لأن المستورد يضطر لدفع المزيد من الجنيه حتى يتم مبادلته بالدولار لإتمام عميلة الاستيراد، وبالطبع يقوم بتحميل هذه الزيادة على المستهلك.
ثانيًا ارتفاع تكاليف الإنتاج، عقب قرار التعويم قررت الحكومة رفع أسعار المحروقات بنسب ما بين 30 – 47%، كما رفعت في أغسطس الماضي أسعار الكهرباء بنسب تصل إلى 40%، فضلاً عن أنها تحاسب المصانع التي تستخدم الغاز بالدولار، وتطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة، كل هذه العوامل مجتمعة تؤدي في الأخير إلى ارتفاع أسعار السلع المحلية.
ثالثًا انخفاض القوة الشرائية للجنيه، وذلك في حالة طبع المزيد من النقود وأشباهها – أذون الخزانة والسندات – دون زيادة في الناتج المحلي، يلجأ المركزي إلى إصدار هذه الأذون أو طباعة البنكنوت حتى يمكن وزارة المالية من دفع الرواتب والأجور وسداد الديون المحلية وعجز والموازنة، وهو ما يسمى بـ “التمويل التضخمي”.
عندما يطبع البنك المركزي المزيد من الجنيه، فإن ذلك يؤدي إلى زيادة حجم المعروض النقدي من الجنيه دون زيادة حقيقية تقابلها في الإنتاج، وبالتالي تقل قيمته وتنخفض قوته الشرائية، وقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، السبت الماضي، أن إجمالي المعروض النقدي في أغسطس الماضي بلغ نحو 594.1 مليار جنيه، لافتًا إلى ارتفاعه بنسبة 17.2% مقارنة بشهر أغسطس من عام 2015، بمعني أن 70 جنيهًا كانت تبتاع كيلو من اللحم أغسطس 2015 لكنك اشتريت نفس كيلو اللحم بـ 83 جنيهًا أغسطس الماضي.
مظاهر التضخم
يؤدي ارتفاع ارتفاع معدلات التضخم إلى تدهور الأحوال المعيشية وتآكل الدخول وخاصة أصحاب الدخول الثابتة، الذين يحصلون على دخل ثابت لا يستطيعون مجاراة ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
تطرد معدلات التضخم المرتفعة الاستثمار المحلي والأجنبي، وذلك لصعوبة تقدير التكاليف التشغيلية ومن ثم تحديد مقدار الأرباح، كما يخشي المستثمرون من عطش السوق للدولار
يؤدي أيضًا إلى تآكل الثروات المالية، رفع المركزي معدل الفائدة والائتمان في نوفمبر الماضي بـ 300 نقطة أساس – 3%-، بلغ أقصى معدل فائدة على الإيداعات لدى البنك الأهلي 10.5%، وأقصي إيداع علي الحسابات الجارية بلغ 11.25%، وتراوح معدل الفائدة على الشهادات البلاتينية 16 و20%، في حين أن معدل التضخم بلغ 23.3%، هذا يعني أن المبلغ المستثمر في البنوك في شكل شهادات استثمار قد فقد 3.3% من قيمته.
تطرد معدلات التضخم المرتفعة الاستثمار المحلي والأجنبي، وذلك لصعوبة تقدير التكاليف التشغيلية ومن ثم تحديد مقدار الأرباح، كما يخشي المستثمرون من عطش السوق للدولار، مما قد يؤثر على استثماراتهم أو منعهم من تحويل أموالهم للخارج بالدولار.
الخلاصة تؤثر معدلات التضخم المرتفعة على النمو الاقتصادي للبلاد، بسبب انخفاض القوة الشرائية للمستهلك وانخفاض الاستثمار.
العلاج
لا يوجد مرض دون علاج، والركود التضخمي آفة الاقتصاد ولعلاجه لا بد من الوقوف على أسبابه المتمثلة في انخفاض القوة الشرائية للجنيه وتدني قيمته مقابل الدولار، وارتفاع معدل البطالة.
يبدأ العلاج بإصلاح الاختلات في المصادر الدولارية، وهذا بالفعل ما تتجه إليه الدولة المصرية في الفترة الحالية، فقد تواصلت مع مسؤولي النقل الروسي لعودة السياحة الروسية، فضلًا عن حملات ترويجية موسعة للسياحة والآثار المصرية.
كما تعمل على تحسين المناخ العام للاستثمار من خلال تشكيل مجلس أعلى للاستثمار برئاسة عبد الفتاح السيسي، وتعديلات تشريعية تتمثل في إقرار مشروع قانون الاستثمار الجديد الذي ينتظر موافقة البرلمان، ومشروع قانون الإفلاس.
أسهم قرار التعويم في ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 33% خلال شهر نوفمبر الماضي لتسجل 1.7 مليار دولار، وفقًا لبيانات البنك المركزي
ثانيًا تخفيض عجز الموازنة العامة عن طريق تعظيم الإيرادات الضريبية من خلال تحسين أداء المنظومة ومنع التهرب الضربيي الذي بلغ وفقًا لتصريحات نائب وزير المالية للسياسات الضريبية 60 مليار جنيه، واستقطاب ممولين جدد للمنظومة من خلال دمج الاقتصاد غير الرسمي بالاقتصاد الرسمي، الذي يهدر 250 مليار مستحقات ضريبية على خزانة الدولة.
في المقابل علي الحكومة أيضًا ترشيد نفقاتها للسيطرة على عجز الموازنة عن طريق وضع حد أقصي للمرتبات والأجور، وتقليل الاقتراض سواء المحلي أو الخارجي إلا في نطاق دفع النمو الاقتصادي للبلاد وضخ استثمارات جديدة، وبمعدل فائدة منخفض، إذ تسيطر خدمة الدين على ثلث النفقات العامة تقريبًا.
لكن تبقى أهم وسيلة على الإطلاق لردع التضخم زيادة الإنتاج المحلي، كلما زاد الإنتاج ارتفعت قيمة العملة، لذا من المهم التوسع في إنشاء المصانع والمشروعات القومية المنتجة، فضلا عن الاهتمام بالقطاع الزراعي، لتوفير سلع محلية بأسعار تناسب المواطن محدود الدخل وبالتالي استقرار نسبي للأسعار مع زيادة القوة الشرائية وفي الأخير معدلات نمو واعدة.