قبل حوالي ٣ أشهر تحديدًا في صباح الاثنين 17 أكتوبر/تشرين الأول أطلق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عمليات استعادة الموصل من يد تنظيم الدولة “داعش”، تتسارعت الأحداث في المدينة وحولها يحتدم الصراع الإقليمي وتتوتر العلاقات بالبعض وتعود المياه لمجاريها والموصليون يترقبون نهاية حاسمة لمعركة تستنزف البشر قبل الجدران في مدينتهم الحدباء وهم منقسمون بين نازح أو رهينة داخل المدينة.
تصل القوات العراقية قبل أيام لمشارف نهر دجلة الذي يقسم مدينة الموصل الى نصفين معلنة تحرير ما يقارب ٨٠٪ من الجانب الأيسر لمدينة الموصل، وتظهر للقوات العراقية عبر نهر دجلة بيوت الموصل القديمة وهي تتفحص البنادق القادمة من الشرق.
بينما ترتفع معنويات الأهالي برفع العلم العراقي في منطقة منصة الإحتفالات في قلب الجانب الأيسر لمدينة الموصل، بعد إنزال علم تنظيم الدولة “داعش”، وتقدم سريع للقوات العراقية بعد تعثر كان يشوب العمليات بسبب ترك جهاز مكافحة الإرهاب يقاتل وحده في الجانب الشرقي للمدينة.
تزداد وتيرة القتال ويزاد معها حجم الضحايا من المدنيين، بالأمس سقط صارخ إستهدف تجمع لداعش في منطقة حي الضباط عند الجسر الرابع للمدينة لم يجد طريقه لداعش فهدم ثلاث منازل كانت عائلة عميد كلية الهندسة السابق في جامعة الموصل العريقة وزوجته الطبيبة فاطمة داخل أحد المنازل الثلاث، ناشد ولدهم النازح خارج المدينة عبر صفحات الفيس بوك أن عائلته تحت الأنقاض تنتظر القوات العراقي لإخراجها.
لم تمضي ساعات على هذه المناشدة حتى أعلنت مجموعة من صفحات الفيسبوك المحلية التي تقوم بتغطية الأحداث في الموصل أن العائلة بأمان وأن عملية إخراجهم كانت تحت ضابط رفيع المستوى في جهاز مكافحة الإرهاب, فرح الموصليون بهذا الخبر واستبشروا بخروج عائلة موصلية من تحت الانقاض بسلام قدمت للمدينة الكثير.
لم تمضي عدد من الساعات مرة ثانية ليعود إبن العائلة النازح ليقدم نعي العائلة فقد قتلت تحت الأنقاض بالكامل، الأم والأب والأخت الصغيرة.
قبل هذا الإعلان، أعلن أبو عمار وهو من أهالي المدينة إنفجار عبوة قد وضعها عناصر داعش عند بوابة المنزل لتؤدي بعدد من أفراد عائلته.
لم تنتهي المأساة الى هذا الحد، صفحات التواصل الإجتماعي تنقل فيديو عن قناة نينوى الغد الفضائية لمراسلها الميداني في الموصل وهو يغطي نزوح العوائل من مناطق سيطرة داعش للمناطق المحررة، خلال التغطية تسقط قذيفة هاون على عائلة ليتوجه المراسل لإسعاف المصابين وبيده الكامرة واليد الثانية يحاول نقل جرحى وجثث ما تبقى من عائلة تشكل النساء والأطفال وشيخ كبير بالسن قوام عددها، لم تسعف صرخات المصور ونجدته لمن غادرت روحه هذه الحياة قبل أن يصل إليهم هذا الموصل الشجاع.
مشاهد تظهر ضحايا مدنيين على يد #داعش في منطقة شارع فلسطين في #الموصل اثناء محاولتهم النزوح الى مناطق اكثر امناً pic.twitter.com/m6sl61GnA7
— Zaid Benjamin (@zaidbenjamin) January 11, 2017
يبدو المشهد أكثر قتامة على عدد من الصفحات بوضع صورة سوداء بداخلها”إنَّا لله وإنا اليه راجعون” يدرك الموصليون بواقع الخبرة، أنهم أمام قصة جديدة ورواية لشهيد لم يجف جرحه ولم يوارى التراب بعد.
سقط قتيل أخر بواقع قناص من جنود “الخلافة” إستهدف مدني من أهالي حي السكر، يطالب الأخ المتابعين بالدعاء لأخوك المقتول ظلمًا.
تبدد كل حلم للأهالي الموصل بإنسحاب التنظيم من الموصل دون خرابها، الأمر لم يقتصر على الفاتورة البشرية الباهظة فقط، فالموصل اليوم تغرق بأكوام الخرسانات التي كانت في يوم من الأيام صروح تدل على حجم المدينة وقيمتها التاريخية والعمرانية والاقتصادية.
لم يتبقى للموصليين غير مواقع التواصل الإجتماعي للتعزية، وحدائق المنازل لدفن الأهل والأحباب من الشهداء
حيث فقدت الموصل جميع الجسور الرئيسية، والمجسرات حتى التاريخية منها، كما عّم الخراب أحدث وأكبر مستشفياتها، وإمتد الخراب ليشمل دوائر الدولة السيادية والخدمية، البنوك الحكومية والأهلية وحتى المعامل، إضافة لعدد كبير من المساجد ومنازل المواطنين.
كل هذا وما يزال نصف المدينة على الجانب الأيمن خارج التغطية الإعلامية، وكل الأخبار تقول أن الأهالي هناك على أبواب مجاعة حقيقة في حال تأخر حسم المعركة وإنقاذ ما يزيد عن مليون موصلي يتقاذفهم الموت والجوع والمستقبل المجهول.