ترجمة وتحرير نون بوست
كتبه: كونستنتين كوركولاس وإيزوبيل فنكل
– واصلت العملة التركية خسائرها التي تكبدتها في سنة 2016 بالهبوط لمستويات أقل في مطلع السنة الجديدة.
– التضخم، عدم تدخل البنك المركزي، والهجمات الإرهابية، كلها عوامل عقدت الأمور.
ظن البعض أن الليرة التركية ستتنفس الصعداء بعد الخسائر المؤلمة التي تكبدتها في السنة المنقضية، ولكن خابت آمالهم.
تعمقت الأزمة السياسية التي تعاني منها تركيا، بسبب امتناع البنك المركزي عن التدخل ووصول نسب التضخم لمستويات فاقت كل التوقعات، وهذا ما جعل الليرة تصنف حاليا على أنها العملة الأسوأ أداءً في سنة 2017.
انخفاض حاد: الليرة تواصل هبوطها مقابل الدولار
وقد هبطت قيمة هذه العملة أمام الدولار بنسبة 8.6 بالمائة خلال الأيام الثمانية الأولى من التعاملات التجارية، لتضاف هذه المعاناة لانخفاضها في العام الماضي بنسبة 17 بالمائة. وبلغ الهبوط مستويات قياسية في ستة من هذه الأيام الثمانية، وكان نسق فقدانها لقيمتها سريعا ومستمرا.
مما مكن بقية العملات الرئيسية من تحقيق ارتفاع أمامها، وفي المرتبة الثانية ضمن ترتيب أضعف العملات أداء في مطلع 2017 حلت العملة المكسيكية البيزو، بنسبة تراجع بلغت نصف ما تعرضت له الليرة التركية.
وتوجد العديد من الطرق لتبيين الضرر الذي لحق بالاقتصاد التركي جراء هذا الهبوط، ولكن السؤال هو لماذا تتعرض الليرة التركية لهذا الانهيار؟ إليكم بعض الرسوم البيانية التي تفسر الأمر.
تثاقل البنك المركزي
بينما أقر البنك المركزي الأمريكي سياسة مالية متحفظة في هذه المرحلة (تقوم على رفع سعر الفائدة)، لا يزال البنك المركزي التركي يتحرك بخطى متثاقلة. وفي ظل الانكماش الاقتصادي الذي أظهرته التقارير الأخيرة والذي تعرفه البلاد لأول مرة خلال سبع سنوات، أصبح البنك المركزي وعلى رأسه المحافظ مراد مراد ستينكايا يتعرض للضغط من عديد السياسيين، على غرار الرئيس رجب طيب أردوغان، لدفعه لدعم النمو الاقتصادي. وأصدر هؤلاء تصريحات قرأها رجال الأعمال على أنها التزام بعدم رفع سعر الفائدة، ما يجعل الليرة هدفا سهلا للمضاربين على المدى القصير.
بينما ترتفع معدلات الأرباح في الأسواق الصاعدة، يطالب المستثمرون بعائدات أعلى نسبيا على السندات المقومة بالليرة التركية. ولكن عوضا عن رفع سعر الفائدة لرفع قيمة العملة، قام البنك المركزي التركي بخفض نسبة الفائدة على الإقراض بواقع 250 نقطة أساس منذ آذار/ مارس الماضي، قبل رفع سعر الفائدة على عملية الإقراض لمدة ليلة واحدة بواقع 25 نقطة وعمليات الشراء لفترة نهاية الأسبوع واحدة بواقع 50 نقطة.
كانت هذه هي الارتفاعات الوحيدة في سعر الفائدة التي تم فرضها بتدخل من البنك المركزي خلال فترة السنوات الثلاثة الأخيرة، وهي فترة عانت فيها الليرة من تدهور قيمتها بنسق 15 بالمائة سنويا.
وخلال الشهر الماضي، حافظ البنك المركزي التركي على استقرار سعر الفائدة رغم أن مصرف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع سعر الفائدة مسلطا بذلك المزيد من الضغط على العملة التركية.
بطيء بشكل مؤلم: رفع البنك المركزي التركي معدلات مرة واحدة فقط خلال ثلاث سنوات تقريبا
التضخم
يؤدي ضعف العملة إلى تفاقم ظاهرة التضخم، وقد تزايد نسق ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلك ليبلغ 8.3 بالمائة خلال الشهر الماضي، متجاوزا بذلك توقعات البنك المركزي بفارق 3.5 بالمائة، ومحققا ارتفاعا يفوق المنتظر للسنة السادسة على التوالي.
في هذا الإطار، يتوقع الخبراء في مؤسسة “يونيدكريدت” الإيطالية للخدمات البنكية والمالية أن تصل معدلات التضخم لمستوى 12 بالمائة خلال هذه السنة، ولذلك ينصحون المستثمرين بالتأني وعدم شراء السندات المقومة بالعملة المحلية.
تهديد التضخم: أسعار المستهلك أعلى بكثير من الهدف
يعتبر التضخم مشكلة حقيقية بالنسبة لاقتصاد يعتمد على تدفق العملة الأجنبية لتمويل العجز الحالي الذي ينتظر أن يبلغ حوالي خمسة بالمائة من إجمالي الناتج المحلي خلال السنة الجارية. إذ أن ارتفاع الأسعار ينفر المستثمرين الأجانب الذين يخشون من تآكل قيمة أصولهم بسبب التضخم وضعف العملة.
على نطاق واسع مجددا: من المقرر أن يتوسع عجز الحساب الجاري في تركيا ليصل إلى 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2017
المستثمرون المحليون
يبدي الأتراك أيضا فقدانا للثقة في عملتهم المحلية، وفي الثاني من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وجّه الرئيس رجب طيب أردوغان دعوة لمواطنيه للدفاع عن الليرة، قال فيها: “أولئك الذين يخبئون العملة تحت السرير عليهم القدوم وتحويلها إلى ذهب، عليهم القدوم وتغيير أموالهم إلى الليرة”. كل شخص استجاب لهذا النداء يكون قد خسر لحد الآن 6.6 بالمائة من قيمة مدخراته، ولكن البيانات المتعلقة بودائع العملات الأجنبية تشير إلى أن أغلب المواطنين تجاهلوا هذه الدعوة.
سكان تركيا والشركات غير المصرفية تزيد من ودائع الدولار
ديون الشركات
تجدر الإشارة أيضا إلى الشركات التركية التي تعاني من ارتفاع المديونية، والتي أثقلت كاهلها بالاستدانة بالعملة الصعبة، والآن باتت تواجه تضخما في المستحقات المتخلدة بذمتها بالعملات الأجنبية. وقد تطور الفرق بين ديون الشركات التركية وأصولها ليبلغ مستوى قياسيا في أيلول/ سبتمبر الماضي عند 213 مليار دولار.
عدم تطابق العملة الأجنبية للشركات التركية يرتفع إلى مستوى قياسي
بينما تضعُف قيمة الليرة أكثر فأكثر ستعاني هذه الشركات لشراء الدولارات لتسديد ديونها، ولهذا بالضبط فإن تدخل البنك المركزي يوم الثلاثاء لخفض الحد الأدنى المطلوب من احتياطي العملة المحلية بالنسبة لحجم الدين، لم ينجح في الدفع نحو تعافي الليرة. وخلال لقاء له مع وكالة بلومبرغ يوم الثلاثاء، قال وزير الاقتصاد نهاد زيبكجي إن بلاده تدرس فرض قيود أكثر صرامة على اقتراض الشركات من العملة الأجنبية.
السياسة
بعد تنظيم الانتخابات الوطنية في موعدين منفصلين في سنتي 2014 و2015، تعرضت تركيا لمحاولة انقلابية دموية في السنة المنقضية. أما في سنة 2015، استأنفت أنقرة عملياتها ضد المجموعات الانفصالية في الجنوب الشرقي، وتعرضت البلاد كذلك لسلسلة من الهجمات الإرهابية في كبرى المدن، التي تقف وراءها المنظمات الكردية الإرهابية وتنظيم الدولة.
بعد مرور ساعة واحدة على بداية العام الجديد، قام مسلح تابع لتنظيم الدولة بقتل 39 شخصا في عملية مروعة تمثل تصعيدا جديدا في عمليات التنظيم، ليبقى ذلك الملهى الليلي المحاذي للبحر شاهدا على أن المخاطر الأمنية لا تزال قائمة.
وفي الأثناء صوت البرلمان لصالح مناقشة التعديلات الدستورية المقترحة، في خطوة بالغة الأهمية ستنقل الكثير من السلطات التنفيذية من قبة البرلمان لمكتب الرئاسة. وحتى بدون هذه التعديلات، كان الرئيس بصدد تجميع المزيد من الصلاحيات في يده خلال السنوات الأخيرة
فضلا عن ذلك، مكنته المحاولة الانقلابية الأخيرة من إحكام قبضته على السلطة بعد إعلان حالة الطوارئ. وقد تحولت عمليات التطهير التي تلت تلك المحاولة إلى حملة ضد طيف واسع من خصوم السلطات التركية، من بينهم سياسيون منتخبون.
مشاكل المنطقة الزمنية
يضاف إلى هذه المشاكل نقص السيولة الذي لا يساعد على تحسين الوضع، حيث تشير البيانات إلى أن أسوء التراجعات التي شهدتها الليرة التركية خلال الأيام السبعة الأخيرة من التعاملات حدثت بين بورصتي طوكيو ولندن، في إشارة إلى أن أحجام التداول الصغيرة تفاقم من انحدار الليرة.
كان رئيس وكالة مراقبة وتنظيم العمل المصرفي في تركيا محمد علي أكبن قد نفى يوم الاثنين أن تكون عمليات شراء العملة الأجنبية من قبل الشركات هي السبب وراء تدهور قيمة الليرة، مؤكدا أن هذا التدهور لم يصل لحد يشكل ضررا لهذه الشركات.
معضلة السيولة: الأحجام الحادة تداول الليرة في بورصة طوكيو ولندن
تندرج مثل هذه التعليقات المتجاهلة للواقع تندرج ضمن الأسلوب غير البناء الذي يعتمده السياسيون الأتراك بينما تواصل العملة المحلية تراجعها. فقد امتنع البنك المركزي عن القيام بأي تدخل مؤثر، والسياسيون فضلوا الإلقاء باللوم على المضاربين الذين يتهمونهم باستهداف الاقتصاد التركي.
تغدي كل هذه العوامل المخاوف بشأن اجتماع أصحاب القرار في القطاع المصرفي في 24 كانون الثاني/ يناير المقبل، الذي قد يسفر عن تواصل تجاهل حاجة السوق لرفع سعر الفائدة.
المصدر: بلومبرج