ترجمة حفصة جودة
كانت آن جونسون يوم زفافها قبل 20 عامًا متحدثة موهوبة، فقد ألقت خطابًا مرحًا، لكن بعد عامين من زفافها عندما كان عمرها 30 عامًا، تعرضت آن – المعلمة ومدربة كرة الطائرة والأم لرضيع – لسكتة دماغية أصابتها بشلل وأفقدتها القدرة على الكلام.
أعلن العلماء يوم الأربعاء عن تقدم بارز في مساعدتها ومرضى آخرين على التحدث مرة أخرى، ففي قفزة هائلة لعلم الأعصاب والذكاء الاصطناعي، فكت الأقطاب الكهربائية شفرة الإشارات الدماغية لجونسون بينما تحاول في صمت إلقاء بعض الجمل.
حولت التكنولوجيا إشارات دماغها إلى لغة مكتوبة ومسموعة، ومكّنت صورة رمزية على شاشة الحاسب الآلي من التحدث بهذه الكلمات والابتسام وتعبيرات أخرى.
نُشر البحث في مجلة “Nature”، ليعرض لأول مرة كلمات وتعبيرات وجه قادمة مباشرة من إشارات دماغية، اختارت جونسون الصورة الرمزية بنفسها واستخدم الباحثون الخطاب الذي ألقته في زفافها لمحاكاة صوتها.
يقول قائد الفريق الدكتور إدوارد تشانغ، رئيس قسم جراحة الأعصاب بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسسكو: “إننا نحاول فقط استعادة هويتهم”، وتقول جونسون التي أصبح عمرها 48 عامًا الآن: “أصبحت أشعر أنني شخص كامل مرة أخرى”.
يهدف هذا الاختراع إلى مساعدة الأشخاص الذين فقدوا قدرتهم على التحدث بسبب سكتات دماغية أو أمراض أخرى مثل الشلل الدماغي والتصلب الجانبي الضموري.
لكي يعمل الجهاز، لا بد من توصيل الأقطاب في رأس جونسون بالحاسب الآلي، لكن فريقها يحاول تطوير نسخة لاسلكية، وفي النهاية، يأمل الباحثون أن يتمكن الناس الذين فقدوا قدرتهم على التحدث من الحديث مباشرةً عن طريق صور لهم تنقل نبرة صوتهم وتعبيرات وجههم ومشاعرهم مثل الغضب أو الفرح.
يقول دكتور باراغ باتيل جراح الأعصاب ومهندس الطب الحيوي بجامعة ميتشغان: “المثير في الأمر أنه من خلال سطح الدماغ فقط، تمكن الباحثون من استخراج معلومات جيدة للغاية بشأن هذه الخصائص المختلفة للتواصل”.
تعكس تجربة جونسون التقدم السريع في هذا المجال، فقبل عامين فقط نشر نفس الفريق بحثًا زرعوا فيه جهازًا أبسط لرجل مشلول يُدعى بانشو وبمساعدة الخوارزميات تمكن من إنتاج 50 كلمة أساسية مثل مرحبًا وجائع، تظهر على هيئة نص على الحاسب الآلي بعد محاولته قولهم.
يحتوي جهاز جونسون على ضعف عدد الأقطاب، ما يزيد من قدرة الجهاز على تحديد إشارات الدماغ من خلال الناقلات العصبية المرتبطة بالفم والشفتين والفك واللسان والحنجرة، درّب الباحثون جهاز الذكاء الاصطناعي المتطور على التعرف على الكلمات وكذلك الوحدات الصوتية التي يمكنها أن تشكل أي كلمة.
يقول ديفيد موسيس، مدير المشروع: “الأمر أشبه بأبجدية لأصوات الكلام”، وبينما كان جهاز بانشو يُنتج ما بين 15 إلى 18 كلمة في الدقيقة، أنتج جهاز جونسون 78 كلمة باستخدام قائمة مفردات أكبر بكثير، وقد بلغ معدل المحادثة النموذجية 160 كلمة في الدقيقة.
عندما بدأ الباحثون العمل مع جونسون، لم يتوقعوا تجربة الصورة الرمزية والصوت، لكن بحسب موسيس “فقد كانت النتائج المبشرة بمثابة ضوء أخضر لتجربة أشياء أصعب”.
يقول كايلو ليتلجون، طالب دراسات عليا بجامعة كاليفورنيا وأحد مؤلفي الدراسة الرئيسيين بجانب دكتور موسيس وسين ميتزجر وأليكس سيلفا ومارجريت سيتون، إن الفريق برّمج خوارزمية لفك شفرة أنشطة الدماغ إلى موجات صوتية وإنتاج حديث صوتي.
يضيف ليتلجون “هناك الكثير من المعلومات الخاصة بالحديث التي لا يمكن حفظها جيدًا عن طريق النص فقط مثل التعبيرات ونغمة الصوت وطبقته”.
قام الباحثون بالعمل مع شركة لإنتاج رسوم متحركة للوجه، وذلك لبرمجة الصورة الرمزية ببيانات حركة العضلات، حاولت جونسون بعد ذلك القيام بتعبيرات وجهية مثل السعادة والحزن والمفاجأة بدرجة كثافة عالية ومتوسط ومنخفضة، كما حاولت القيام بحركات مختلفة للفك واللسان والشفاه، ثم نُقلت إشارات الدماغ المشفرة إلى الصورة الرمزية.
قالت جونسون من خلال هذه الصورة الرمزية: “أعتقد أنكم مدهشون ورائعون، ما رأيكم في صوتي الاصطناعي؟ إن سماع صوت أشبه بصوتي أمر عاطفي للغاية”.
تحدثت جونسون مع زوجها وليام – عامل البريد – فقد قالت له من خلال الصورة الرمزية: “لا تجعلني أضحك”، وعندما سألها وليام عن فرص فوز فريق “Toronto Blue Jays” أجابته “كل شيء ممكن”.
يتطور هذا المجال بسرعة كبيرة للغاية ويعتقد الخبراء أن النسخ اللاسلكية الحاصلة على موافقة فيدرالية قد تصبح متاحة في العقد القادم، ومن الممكن أيضًا توافر نسخ مختلفة لتتناسب مع مختلف المرضى.
نشرت مجلة “Nature” دراسة لفريق آخر تتضمن أقطاب كهربائية مزروعة بشكل أعمق في الدماغ تتنبأ بنشاط الخلايا العصبية الفردية وفقًا لما يقوله دكتور جايمي هيندرسون أستاذ جراحة الأعصاب بجامعة ستانفورد الذي دفعه للقيام بذلك تجربة طفولته عندما فقد والده النطق بعد حادثة.
يقول هندرسون إن طريقتهم قد تكون أكثر دقة لكنها أقل استقرارًا لأن نمط إطلاق الخلايا العصبية قد يتغير، يتمكن نظامهم من فك شفرة جمل تضم 62 كلمة في الدقيقة، تلك التي حاول المشارك بات بينيت – 68 عامًا ومريض تصلب جانبي ضموري – أن يقولها من قاعدة مفردات أكبر، لكن الدراسة لم تتضمن صورة رمزية أو فك شفرة الصوت.
تستخدم كلتا الدراستين نماذج لغوية تنبؤية للمساعدة على تحويل الكلمات إلى جمل، هذا النظام لا يقوم فقط بالتوفيق بين الكلمات، لكنه يحاول أيضًا اكتشاف أنماط لغوية جديدة مع تطوير تعرّفه على الأنشطة العصبية للمشاركين، وفقًا لما قالته ميلاني أوكين المتخصصة في تكنولوجيا مساعدة النطق واللغة بجامعة العلوم والصحة في أوريغون التي قدمت استشارة لدراسة ستانفورد.
لكن كلتا الطريقتين ليستا دقيقتين تمامًا، فعند استخدام مجموعة مفردات أكبر يقوم الجهاز بفك شفرة الكلمات الفردية بشكل خاطئ ربع الوقت، على سبيل المثال عندما حاولت جونسون أن تقول “ربما فقدناهم” ترجمها الجهاز “ربما نحن هذا الاسم”، لكن الجهاز يترجم ما يقرب من نصف كلماتها بشكل صحيح.
وجد الباحثون أن الناس على منصات المصادر الجماهيرية تمكنوا من تفسير تعبيرات وجه الصورة الرمزية أغلب الوقت، لكن ترجمة الصوت كانت أصعب، لذا يعمل الفريق على تطوير خوارزميات التنبوء لتحسين ذلك، يقول تشانغ: “ما زالت الصورة الرمزية المتحدثة في نقطة البداية”.
يؤكد الخبراء أن هذه الأنظمة لا تقرأ أفكار الناس وعقولهم، لكنها بحسب ما يقول باتيل، أشبه بلاعبي كرة القاعدة الذين لا يقرأون أفكار اللاعب رامي الكرة، لكنهم يفسرون ما يفعله الرامي للتنبوء بالرمية.
ومع ذلك، تقول أوكين إن قراءة الأفكار قد تصبح ممكنة في النهاية، ما يثير قضايا أخلاقية وقضايا الخصوصية.
كانت جونسون قد تواصلت مع دكتور تشانغ بعدما قرأ لها زوجها مقالتي عن بانشو، لكن دكتور تشانغ كانت مترددة في البداية لأنها تعيش في ساسكاتشوان بكندا بعيدًا للغاية عن مختبره في سان فرانسسكو، لكنها كانت مثابرة.
قرر زوجها وليام العمل بدوام جزئي، حيث قال إن آن كانت تدعمه دائمًا فيما يرغب بالقيام به حتى قيادته لاتحاد البريد المحلي، وأضاف “لقد رأيت أنه من المهم دعمها في ذلك”.
بدأت جونسون بالمشاركة في البحث سبتمبر/أيلول الماضي، حيث سافرت إلى كاليفورنيا لمدة 3 أيام في شاحنة مجهزة تتضمن رافعة لنقلها من الكرسي المتحرك إلى السرير، وقد استأجروا شقة هناك حيث أجرى الباحثون تجاربهم لتسهيل الأمور عليها.
جمع الزوجان المال من خلال الإنترنت ومجتمعهما في مدينتهما لدفع نفقات السفر واستئجار الشقة مدة سنوات الدراسة، وكانا يقضيان أسابيع في كاليفورينا ويعودان إلى مدينتهما بين مراحل البحث، يقول وليام: “لو كان ممكنًا القيام بذلك 10 ساعات في اليوم طوال أيام الأسبوع لفعلت ذلك”.
كانت جونسون صاحبة عزيمة قوية بطبيعتها، وقد تواصلت معي عبر البريد الإلكتروني باستخدام نظام مساعدة بدائي في المنزل، حيث ترتدي نظارات مثبت عليها نقاط عاكسة تشير بها إلى الحروف والكلمات على شاشة الحاسب الآلي.
إنه نظام بطيء حيث تتمكن من توليد 14 كلمة فقط في الدقيقة، لكنه أسرع من الطريقة الوحيدة الأخرى التي كانت تستخدمها للتواصل في المنزل، حيث كانت تستخدم لوحة حروف بلاستيكية وتحاول النظر إلى الحروف بينما يحاول وليام تخمين الحرف الذي تنظر إليه ثم محاولة اكتشاف الكلمة التي تحاول قولها.
كانت عدم القدرة على إجراء محادثة أمرًا محبطًا لهم، وعند مناقشة أمر تفصيلي كان وليام يتلقى ردها عبر البريد الإلكتروني بعد النقاش بيوم، يقول وليام: “كانت آن متحدثة دائمًا وشخصية اجتماعية، عكسي تمامًا، الآن تبدلت الأداور وعليّ أن أكون الشخص المتحدث”.
كانت جونسون معلمة رياضيات في المدرسة الثانوية ومعلمة تربية بدنية وصحية ومدربة كرة طائرة وكرة سلة، وقد أصيبت بالسكتة الدماغية في أثناء الإحماء للعب الكرة الطائرة.
بعد عام من الإقامة في المستشفى ومركز إعادة التأهيل، عادت آن إلى المنزل حيث ابن زوجها ذي العشر سنوات وابنتها ذات العامين، التي كبرت الآن دون أي ذكريات عن صوت والدتها، تقول آن: “من الصعب للغاية عدم القدرة على ضم أطفالي وتقبيلهم، لكن الأصعب عدم قدرتي على إنجاب المزيد من الأطفال”.
بعد 5 سنوات من الإصابة، كانت آن مرعوبة، حيث كتبت “اعتقدت أنني قد أموت في أي وقت، فالجزء النشط في دماغي يعلم أنني بحاجة للمساعدة، لكن كيف أتواصل لأخبرهم ذلك؟”.
لكن مع إصرارها وبالتدريج بدأت عضلات وجهها بالتحرك بعد 5 سنوات من التوقف التام، وأصبح بإمكانها الابتسام، كانت تتناول طعامها أيضًا عبر أنبوب التغذية لمدة عقد، لكنها أعلنت رغبتها في تناول طعام صلب حتى لو تسبب ذلك في موتها.
تقول آن: “بدأت بامتصاص الشيكولاتة وحصلت على علاج فيزيائي للبلع والآن أستطيع أكل بعض الأطعمة المقطعة أو اللينة”.
عندما علمت جونسون أنهم بحاجة إلى مستشارين صدمة في ساسكاتشوان بعد حادثة حافلة مميتة في 2018، قررت الحصول على دورة استشارات في الجامعة عبر الإنترنت.
تقول جونسون: “كانت مهاراتي في الحاسب ضعيفة وكشخص يحب العلوم والرياضيات كنت خائفة من كتابة الأبحاث، لكن في ذلك الوقت كانت ابنتي في الصف التاسع وقد شُخصت بإعاقة متطورة، لذا قررت التغلب على مخاوفي لتعليم ابنتي أنه لا يجب أن تمنعنا الإعاقة عن التقدم في حياتنا”.
قالت جونسون لفريق البحث: “هدفي الأسمى ما زال مساعدة الناجين من الصدمات، وآمل أن أتمكن من تقديم الاستشارات باستخدام التكنولوجيا الخاصة بكم للحديث مع عملائي”.
كتبت جونسون عندما بدأت في التعبير عن مشاعرها باستخدام الصورة الرمزية، أنها أحست بالسخافة، لكنها أحبت شعورها بامتلاك تعبيرات وجه مرة أخرى، حتى إن هذه التدريبات ساعدتها كثيرًا، فقد تمكنت لأول مرة من تحريك الجزء الأيسر من جبهتها.
وأخيرًا كتبت جونسون، إنها شعرت بعد الإصابة بأنها فقدت كل شيء، لكنها وعدت نفسها بألا تتركها للإحباط مرة أخرى، والآن تشعر أنها تملك وظيفة مرة أخرى، كما أن هذه التكنولوجيا تجعلها تتخيل أنها داخل فيلم “حرب النجوم” (Star Wars).
المصدر: نيويورك تايمز