بعد 20 يومًا من إلقاء طائرات التحالف العربي الذي تقوده السعودية في حربها في اليمن المنشورات على طول قرى الساحل الغربي، بدأت القوات الموالية للرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي السبت 7 يناير 2017 هجومًا كاسحًا شاركت فيه طائرات الأباتشي والـ “إف 16” والبوارج الحربية زحفًا تجاه منطقة “ذباب” الساحلية والاستراتيجية المطلة على مضيق باب المندب.
هذه العملية قتل قائدها العميد عمر الصبيحي، إضافة إلى العديد من المرافقين له، في مواجهة مباشرة مع الجيش الموالي للعلي عبدالله صالح وقناصة الحوثي.
وفي منتصف اليوم ذاته أعلن المتحدث باسم التحالف العربي أن قوات الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي سيطرت على كل من منقطة ذو باب وجبل الكهبوب في مناطق ساحلية غربي اليمن، وأعلن تقدمه تجاه ميناء المخا الاستراتيجي.
لكن وزارة الدفاع التابعة لحكومة صنعاء (تحالف الحوثي وصالح) أعلنوا ما أسموها “فشل التحالف في هذه الحرب”، وكسر زحف كبير بإسناد جوي وبحري هو الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب في 26 مارس 2015، إضافة إلى مقتل قائد اللواء الثالث في الجيش الموالي لـ”هادي” العميد ركن عمر الصبيحي في هذه العملية، وانتشال جثته، وفقًا لبيانهم.
ما حقيقة سيطرة الحكومة؟
الواقع يشير إلى أن القتال مازال دائرًا هناك حتى لحظة كتابة هذا الموضوع، وخسائر القوة المهاجمة كبيرة بما فيها فقدان قائد الحملة عمر الصبيحي والبديل الأول وجرح البديل الثاني، وغالبًا وسط الضجيج الإعلامي تضيع الحقيقة خاصة في اليمن، وكل طرف يدعي أنه حقق انتصارات، وفي غياب الطرف المحايد يصعب التأكيد أو النفي خاصة وأن طرف الحكومة المعترف بها دوليًا قد ادعى قبل عام سيطرته على هذه المناطق ومعسكر العمري والآن يجري الحديث عن القتال أو استعادة نفس المناطق.
لا يمكن للأمم المتحدة تسجيل اختراق في جدار الأزمة اليمنية عبر مبعوثها إسماعيل ولد الشيخ أحمد دون الالتزام بحيادها والضغط على كافة الأطراف المتخاصمة للقبول بحل سياسي عادل وشامل يخدم اليمنيين
في هذا الموضوع سنحاول قراءة لهذه الحرب، وحقيقة إمكانية السيطرة عليها من قبل التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وأهمية هذه المناطق بالنسبة لطرفي النزاع في اليمن.
مع بداية أول شرارة الهجوم على منطقة “ذباب” الساحلية، أعلنت كل القنوات التابعة للتحالف العربي والسعودي وخصوصا العميد أحمد عسيري المتحدث باسم التحالف السيطرة الكاملة على هذه المنطقة؛ ورد عليهم الحوثيين بإعلان في نهاية اليوم كسر زحف التحالف وتحدثوا صراحة هزيمته في هذه المنطقة، وهو أول مرة يعلن الحوثيون عن مصطلح “هزيمة التحالف”، وهي كلمة لها دلالات حربية ومعنوية لأنصاره، إضافة إلى أنها تعني الثقة في عمليتهم الحربية الحالية والقادمة لمقارعة الطرف الآخر.
مقتل العميد ركن عمر الصبيحي قائد العملية في المنقطة، وعدم قدرة انتشال جثته من قبل أصحابه أو القوات الموالية لهادي، بينما انتشلها الحوثيين أنفسهم، تدل على أن الحوثيين هم من يسيطرون ناريًا على تلك المنطقة التي حاولت القوات الموالية للرئيس هادي التقدم فيها، وتم تصفيتهم بالكامل وفقًا لبيان وزارة دفاع الحوثيين في صنعاء مع إعطاب 25 آلية عسكرية كانت تتقدم نحو المنطقة.
وتسليم الحوثيين أنفسهم جثة الصبيحي ذاتها، تعني أنهم هم من يسيطرون على المنطقة، ناريًا وميدانيًا، ولو كان عكس ذلك لما كانوا استطاعوا انتشال الجثة وتسليمها إلى ذويه يوم الأربعاء 11 يناير 2017، لا سيما وأن القوات الموالية للرئيس هادي وقبيلة “الصبيحة” حاولت أنت تتقدم لانتشال أحد أهم القادة العسكريين التابعين لها، دون أن تتمكن ليومين متتاليين.
فيديو تسليم جثة عمر الصبيحي إلى قبيلته
يعتبر الحوثيون والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح تعز وساحلها محورًا مهمًا في أي مباحثات سياسية قادمة، وسقوطها يعني سقوط محافظة إب القريبة منها، (هاتان المحافظتان يقطن بهما ما يقارب 6 ملايين يمني من أصل 26 مليون هم عدد سكان اليمن يتوزعون على 22 محافظة)، وهو ما قد يسهل على التحالف تضييق الخناق على العاصمة اليمنية صنعاء، إضافة إلى حصارهم من كافة الاتجاهات.
سقوط ميناء المخا أو منطقة ذوباب قد يتبعه انهيار متسارع لقوات الحوثي وجماعة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، سياسيًا وعسكريًا، وربما يتبعه انشقاقات في صفوف القوات الموالية لهم في وسط العاصمة صنعاء، وقد يغير موازين القوى على الأرض وهو ما يفرض عليهم القبول بشروط وإملاءات التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
ولهذا يتحدث مسئولي “حكومة صنعاء” عن أهمية تلك المناطق، ويدعون أحيانًا ابناء المناطق ذاتها لوقف الحياد والمحافظة على مناطقهم حتى لا تكون مسرحًا لحرب طاحنة قد تطول.
وفي مؤتمر صحفي عقده عبد الجندي محافظ تعز المعين من قبل الحوثيين، أكد أن قواتهم حسم تلك المعركة في ساعات قليلة برغم الإمكانيات القليلة، مشيرًا إلى أن حسم المعارك بصورة كاملة ونهائية في محافظة تعز ليس صعبًا إلا أن “الجيش واللجان حريصون على حياة المدنيين” .. مضيفا “لا تدفعونا لان نفقد اعصابنا فنحن حريصون على تسوية سياسية وعلى حياة ابناء المحافظات الجنوبية”.
وهذا ما يفسر أن تمسك الحوثي بتلك المناطق أمرٌ حتمي لهم، وسيقاتلون ويقتلون من أجل ذلك حتى لا تكون التسوية السياسية على حسابهم.
يؤكد هذا الحديث، تصريحات عبد الملك المخلافي وزير خارجية الحكومة المعترف بها دوليًا لقناة العربية السعودية، أن هناك عزم ونية حقيقية للسيطرة على المناطق الساحلية ليس من أجل السيطرة على اليمن بشكل كامل، وإنما من أجل إخضاع الحوثيين وصالح للعودة إلى الحل السياسي.
وقال إن “تحريك العملية العسكرية أمر حتمي من أجل إعادة إحياء المسار السياسي” المجمد، رغم مبادرات السلام التي أطلقتها الأمم المتحدة وإدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما.
دلالات العملية
كان التحالف يمني النفس أن العملية العسكرية الأولية سوف تهدف لتأمين مسافة 90 كيلومترًا بين ذوباب والمخا، كمرحلة رئيسية تؤمن باب المندب بشكل كامل لحركة السفن الحربية للتحالف، والسطيرة السعودية على هذا المضيق الهام، وتجريد اليمن من السيطرة عليه تحت ذرائع عدة، أهما الحرب على الحوثيين لإعادة الشرعية لحكم اليمن.
لا تبدو المعركة في الساحل الغربي فاصلة من الناحيتين الإستراتيجية والسياسية، رغم حاجة الحكومة المعترف بها دوليًا إلى الانتصار في هذه المنطقة
عملية التأمين التي كان يسعى إليها التحالف تضمن عدم قدرة تحالف الحوثيين والقوات الموالية لعلي عبدالله صالح على مهاجمته السفن الحربية للتحالف، والاحتفاظ بالسيطرة على المضيق كصفقة مع هادي مقابل تكريسه في الحكم.
بعد ذلك يمكن للتحالف أن يتجه نحو ميناء الحديدة للسيطرة على أهم ثاني ميناء في اليمن بعد ميناء عدن، وحصر الحوثيين في منطقة الوسط، وفرض عليهم الرؤية السعودية، أو حصارهم اقتصاديًا، وعسكريًا وسياسيًا، حتى يعلنون الاستسلام الكامل، لكن تلك الخطط لم تحقق مع إخفاق التحالف في معركة ذوباب وقبلها ميدي الساحليتين، إضافة إلى إخفاقهم في منطقة نهم التي قاربت المعركة فيها على سنة كاملة دون أن يحقق التحالف أي اختراق للتقدم نحو العاصمة اليمنية صنعاء.
لماذا فشل التحالف؟
إضافة إلى استماتة الحوثيين والقوات الموالية لصالح، يمكن إرجاع أسباب فشل التحالف للسيطرة على أهم المناطق الإستراتيجية كـ” ذوباب والحديدة ونهم”، هو أن تلك القوات التي دربتها الإمارات العربية المتحدة، وكذلك السودان، إضافة إلى مجموعات جنوبية في الرياض لأشهر معدودة غير متمرسة على القتال، وزج بها مرة واحدة لمواجهة الحرس الجمهوري الذي تولى مهمة الدفاع عن المناطق الساحلية، وهو جيش النخبة في اليمن، يستطيع خوض معركة في ظروف قاسية وتحت الضربات الجوية.
إضافة إلى عدم التخطيط السليم من قبل التحالف لمواجهة جيش كان يعرف بخامس أقوى جيش عربي، وهذا يؤكده مقتل قائد الحملة يشير في أول تقدم نحو المنطقة المستهدفة دون أي حماية أو تأمين لتقدمه التي يبدو أنه وقع بين كماشة نارية.
كما انه يلاحظ انه زج بوحدات جنوبية في معارك جنوبية بهدف تحرير تعز كما يقولون وهو ما يثير غضبًا لدى أطراف من الحراك.
الواقع يشير إلى أن القتال مازال دائرًا هناك حتى لحظة كتابة هذا الموضوع، وخسائر القوة المهاجمة كبيرة بما فيها فقدان قائد الحملة عمر الصبيحي والبديل الأول وجرح البديل الثاني
لا تبدو المعركة في الساحل الغربي فاصلة من الناحيتين الإستراتيجية والسياسية، رغم حاجة الحكومة المعترف بها دوليًا إلى الانتصار في هذه المنطقة، بالنظر إلى الضغط الذي لا تزال تتعرض له من جانب المجتمع الدولي بشأن خطة السلام المفروضة من الأمم المتحدة بدعم أمريكي وغربي كبير، لأن الحديث العام يدور أن هدف العملية هذه إعادة الحوثيين إلى طاولة الحوار، وفي حال تحقق النجاح للحكومة فإنها قد تعيد إحياء عملية السلام وفقًا لشروطها وبالطريقة التي ترغب بها، ما لم فإن الأشهر القادمة ستكون عكسية، وربما يبدأ المجتمع الدولي بتغيير قناعاته والميول إلى حكومة صنعاء.
فشل المبعوث الأممي
وسط هذه الحرب، وفشل التحالف في استعادة أي منقطة سعى إليها، عاد المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ الظهور بعد فترة انقطاع دامت لأشهر، مستأنفًا تحركاته من أجل عقد جولة من مباحثات السلام، والتقى الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبد اللطيف الزياني، وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم ال ثاني لمناقشة أولويات المرحلة المقبلة لضمان حل سياسي سلمي في اليمن.
للمبعوث الأممي إلى اليمن الحالي جولات عدة، بداية في جنيف، وجنيف 2 والكويت، جميعها بآت بالفشل نتيجة لمبادراته التي لا يستقر في طرحها ويعمل على تغييرها وفقًا لأهواء الأطراف الأخرى.
لا يمكن للأمم المتحدة تسجيل اختراق في جدار الأزمة اليمنية عبر مبعوثها إسماعيل ولد الشيخ أحمد دون الالتزام بحيادها والضغط على كافة الأطراف المتخاصمة للقبول بحل سياسي عادل وشامل يخدم اليمنيين وليس لخدمة أطراف الصراع التي تسعى للظفر في أي مباحثات قادمة وتمرير رؤيتها مهما كانت التكلفة التي يعانيها المواطن اليمني.
لقد فشل المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد في مبادراته الثلاث التي حاول أن يقدمها منذ أول مبادرة قدمها في يونيو 2016 والتي طالب فيها بتكوين وحدة وطنية، إلا أن الرئيس هادي رفضها في يوليو.
الواقع يشير إلى أن القتال مازال دائرًا في جبهات القتال الإستراتيجية وخسائر القوة المهاجمة كبيرة بما فيها فقدان قادة الحملة
وبعد أن عمل على تعديلها وفقًا رغبة التحالف العربي، ومطالبة الحوثيين بتسليم الأسلحة أولا، والانسحاب والسماح لهادي العودة إلى صنعاء، وقع هادي من طرف واحد على المبادرة المبعوث الأممي المعدلة في تاريخ 31 /7/2016، إلا أن الحوثيين رفضوها بسبب ما قالوا إن المبادرة تخدم طرف واحد.
وفي 25 أغسطس 2016 أعلن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي عن مبادرة جديدة لحل الأزمة اليمنية، وهي قريبة لتلك المبادرة التي كان إسماعيل ولد الشيخ أعلن عنها في الكويت، إلا أن هادي رفضها مرة أخرى رغم أنها تحظى هذه المرة بدعم أمريكي.
مرة أخرى عاد المبعوث الأممي يتحدث عن تعديل تلك المبادرة وفقًا لرغبة الرئيس اليمني أو أحد أطراف الصراع في اليمن، وهو ما يعني مسبقًا رفضًا من قبل الطرف الأخر “الحوثيين” بعد أن أعلنوا موافقتهم المبدئية على جعل مبادرة جون كيري أرضية مناسبة للحوار، تلك التناقضات من قبل المبعوث الأممي وعدم تشبثه برأي أو بحل واحد، أدت إلى إطالة أمد الصراع في اليمن، وربما قد تنتهي ثقة الأطراف المتحاربة فيه، لعدم جديته في حسم الحوار، وإنهائه بطريقة عادلة وشاملة.
الخلاصة
الواقع يشير إلى أن القتال مازال دائرًا في جبهات القتال الإستراتيجية وخسائر القوة المهاجمة كبيرة بما فيها فقدان قادة الحملة، وغالبًا وسط الضجيج الإعلامي تضيع الحقيقة خاصة في اليمن، وكل طرف يدعي أنه حقق انتصارات، وفي غياب الطرف المحايد يصعب التأكيد أو النفي خاصة وأن طرف الحكومة المعترف بها دوليًا قد ادعى قبل عام سيطرته على هذه المناطق.
والتحركات الأخيرة على ميادين القتال، هو أسلوب من أساليب الضغط على الحوثيين وصالح للقبول بالتسوية السياسية، بعد أن رفضوا إجراء أي حوار تشارك فيها الحكومة المعترف بها دوليًا، لا سيما بعد الفشل المتتالي من قبل المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد في تسجيل أي اختراق في جدار الأزمة اليمنية.