كتاب خراب مصر، لتيودور روذشتاين، كتبه ردا على اللورد كرومر يهدم مزاعمه في إصلاح بريطانيا المزعوم لمصر، كنا ننتظر من يكتب لنا الجزء الثاني ردا على مزاعم نظام يسير بالبلاد نحو الهاوية مدعيا أنه يريد الإصلاح، ويطلق الوعود الكاذبة المضللة، ويطلب المهلة بعد المهلة، ولا تزداد الأمور إلا شدة، حتى جاء صندوق النقد ليكتب لنا روشتة “خراب مصر” التي وجدنا النظام والدولة يسيران عليها حذو القذة بالقذة.
كان عام 2016 نقطة محورية في اتخاذ خطوات واسعة لتحقيق شروط صندوق النقد وإخضاع مصر للقوى الإمبريالية اليهودية الأمريكية والعالمية.
فالحديث عن صندوق النقد وأخواته من المؤسسات الدولية الشبيهة المشبوهة الدور، حديث لا ينقطع، حتى يصير وعيا وتصبح ثقافة.
عندما تكون وظيفة الصندوق ورفاقه تدمير الشعوب والدول والمجتمعات، بما لا ينافسه في هذا الدور سوى الشيطان، ويبدو للناس مع ذلك مرتديا ثوبا ملائكيا، فلا ينبغي السكوت، بل الصياح والصراخ حتى تنقطع الأصوات، أو تصبح كلمة “لا” ديدن الشعوب، ويصير وعيًا وتكون ثقافة.
عندما تكون مقدرات البشر بين يدي حفنة معدودة من متوحشي الأغنياء، ويبلغ دخل الواحد منهم سنويا خمسة مليارات دولار، نعم، خمسة مليارات دولار، بينما ملايين البشر يقتات يوميا بما يبلغ اثنين دولار، وآخرون ينفقون ثلثي دخولهم من أجل الحصول على رغيف العيش، عندها يصبح السكوت ضربا من التواطؤ في الجريمة.
شروط الصندوق المتوحشة
معروفة هي شروط صندوق النقد الدولي، ومعروفة هي الخطوات التي تتخذها الدولة استجابة لأوامر الصندوق:
من تحرير وانهيار العملة، ورفع الدعم، بما يؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق للأسعار، وزيادة معدلات التضخم والبطالة. ومن خفض الضرائب الذي لا يستفيد منه سوى الشركات الكبرى بما يعني توحش أرباح هذه الشركات، وفي المقابل مزيد من الانخفاض في الدخل العام. ومن بيع القطاع العام لتحقيق سيطرة الشركات الرأسمالية العالمية على السوق المحلي. ومن خفض عدد الموظفين بصورة كبيرة، فيؤدي إلى مزيد في ارتفاع معدلات البطالة. وخصخصة مرافق الدولة أي مؤسسات الكهرباء والمياه والغاز حتى التعليم، أي زيادة معدلات الفقر والجهل والبطالة كذلك.
إن تطبيق شروط النقد يؤدي لا محالة إلى تشريد وإفقار ملايين من المصريين العاملين والموظفين وغيرهم، ومن ثم يؤدي إلى زيادات خطيرة في معدلات الفقر والجهل والبطالة
كل ذلك وغيره وخلافه، مع تداخل الأسباب والنتائج والعواقب الرهيبة التي يدفع ثمنها الشعب بأكمله، ولا يسلم منه سوى طبقة خاصة جدا من الطبقة العليا، ويحدث انهيار خطير في الطبقات المتوسطة، ويصير المجتمع قسمان: غني لا يتعدى نسبة 20% على أقصى تقدير، والبقية تعاني الويلات فقط من أجل البقاء على الحياة.
التطبيق الكارثي المتسارع
– النظام يسير بخطى حثيثة نحو رفع الدعم بصورة نهائية، وأبواقه الإعلامية تذيع ذلك ولا تخفيه، وفي أكثر من مناسبة يعلنون ذلك.
– الأسعار في ارتفاع غير مسبوق، لاسيما السلع الأساسية، والدولة لا تحرك ساكنا.
– المصانع تغلق باستمرار، والدولة لا تصنع شيئا. بل الدولة تحاول جاهدة التعتيم على هذا الأمر، والتضليل متعمد في قضية حصر هذا الملف، ولكن المؤكد أن عدد المصانع التي أغلقت والمتعثرة يُعدُّ بالآلاف، وبالجملة اقترب كثيرا، إن لم يكن جاوز العشرة آلاف، والعدد مرشح للزيادة بقوة مخيفة، وفقا لتقارير متعددة.
– بيع شركات القطاع العام. وقد أعلنت وزيرة الاستثمار بمصر، داليا خورشيد، عن وجود خطة لبيع حصص من شركات القطاع العام تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار، أي ما يعادل زهاء 90 مليار جنيه مصري، من خلال طرحها في البورصة.
وأضافت الوزيرة: “إن القطاعات التي ستطرح جزئيا في البورصة هي في مجالات مثل الطاقة والبترول والقطاع المصرفي”.
تحدثت تقارير دولية منها تقرير حديث صدر عن بنك “كريدي سويس”، أن الطبقة المتوسطة في مصر، تقلصت بأكثر من 48%، لينخفض عددها من 5.7 مليون شخص بالغ في عام 2000، إلى 2.9 مليون بالغ في 2015
– خصخصة البنوك. مثل بنك القاهرة مؤخرا. وفي حديث داليا خورشيد قالت الوزيرة: “إن هناك ترتيبات تجري حاليا لاختيار بنوك الاستثمار التي ستدير هذه الطروحات”. مشيرة إلى أن برنامج الدولة لطرح الشركات سيستغرق فترة زمنية تتراوح ما بين 3 و5 سنوات. وهي فترة تتفق مع الفترة الزمنية لقرض صندوق النقد الدولي.
وهذا يتماشى مع إشارة طارق عامر، رئيس البنك المركزي، في مارس الماضي، إلى خطة لطرح حصص من بنكي القاهرة والعربي الأفريقي الدولي في البورصة، وبيع المصرف المتحد، المملوك بالكامل للبنك المركزي، إلى مستثمر استراتيجي خلال العام الجاري. وتشمل الخطة أصولا أخرى.
– بيع المرافق العامة وخصخصتها. مثل الكهرباء والمياه والغاز. تقول سحر نصر، وزيرة التعاون الدولي المصرية، فيما أسمته بـ”الإصلاح الجريء”، لكن المتابعين وصفوه بـ”الخراب السريع”. في مقال بـصحيفة “وال ستريت جورنال”: إن الحكومة المصرية تخطط لبيع شركات المرافق العامة في مزاد علني.
ستكون سابقة في التاريخ المصري، أن تطرح شركات المرافق: المياه والكهرباء والغاز، للخصخصة، خاصة أنها كانت خارج أي محاولات خصخصة في عهد حسني مبارك.
– الحكومة ترفع الجمارك عن استيراد سلع حيوية، السوق المحلي يحقق فيها الاكتفاء الذاتي. مثل صناعة الدواجن مؤخرا وليس آخرا. بما يهدد الصناعة بصورة خطيرة ويؤدي إلى تشريد الألوف بل الملايين. ولكن هذا لا يهم، فالمهم هو سيطرة الشركات الكبرى الأجنبية أو الداخلية الخاصة على السوق المصري.
– اصطناع مشكلات في السلع الرئيسة والأساسية والحيوية للقضاء على الصناعات المحلية الوطنية الصغيرة والمتوسطة. مثل أزمات السكر والأرز والقمح وهلم جرا.
– والأسوأ المتاجرة بأرواح الناس واتباع هذا الأسلوب القذر في مجال الأدوية والصيدلة والعلاج، والاتجاه إلى خصخصة كبرى المستشفيات الوطنية.
هذه الأمور والأخبار وغيرها هي خطوات نحو تحقيق شروط صندوق النقد الدولي، والوصول إلى تحرير السوق وسيطرة رأس المال العالمي وانفساح المجال أمام الشركات الكبرى عابرة القارات، إنها ببساطة النيوليبرالية الوجه الجديد للاستعمار.
نتائج كارثية
إن تطبيق شروط النقد يؤدي لا محالة إلى تشريد وإفقار ملايين من المصريين العاملين والموظفين وغيرهم، ومن ثم يؤدي إلى زيادات خطيرة في معدلات الفقر والجهل والبطالة، ومن أخطر نتائج القضاء على الطبقات التجارية والصناعية الصغيرة والمتوسطة، وانهيار الصناعات الوطنية والمحلية:
انهيار الطبقات الاجتماعية الوسيطة والمتوسطة وهذا من أخطر النتائج على المجتمع المصري.
فقد تحدثت تقارير دولية منها تقرير حديث صدر عن بنك “كريدي سويس”، أن الطبقة المتوسطة في مصر، تقلصت بأكثر من 48%، لينخفض عددها من 5.7 مليون شخص بالغ في عام 2000، إلى 2.9 مليون بالغ في 2015م، أي أنهم يمثلون الآن نحو 5% فقط من إجمالي البالغين، ويستحوذون على ربع ثروة المصريين.
ستكون سابقة في التاريخ المصري، أن تطرح شركات المرافق: المياه والكهرباء والغاز، للخصخصة، خاصة أنها كانت خارج أي محاولات خصخصة في عهد حسني مبارك
في حين أنه في 2014م، أوردت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الأسكوا”، أن حجم الطبقة المتوسطة في مصر قد تقلّص من 48% من مجموع السكان في عام 2000 إلى 44% في عام 2011.
وهكذا تتوافق المجتمعات (المستعمَرات، بفتح الميم) مع النظرية الاقتصادية الرأسمالية الإمبريالية: مجتمع الأغنياء الصفوة: 15 أو 18 أو 20%. ومجتمع الفقراء الخدم: 80%.
وفي النهاية إخضاع الدول للنظام الإمبريالي الرأسمالي العالمي.
وإذا كانت التقارير الدولية تتحدث عن تآكل الطبقة المتوسطة وانهيارها ومعاناتها وأنها الأكثر تضررا، فكيف يكون حال الطبقات الدنيا؟
وتتحدث نفس التقارير أنه في قرابة السنتين المقبلتين سيكون معدل الانهيار كبيرا وإجباريا، نظرا لأنه لا يوجد لدى الدولة أي رؤية إصلاحية على المدى المنظور.
فإذا حدث هذا، وندعو الله ألا يحدث، فإن ما شهدته مصر أيام الاستعمار الإنجليزي بل وأيام الشدة المستنصرية سيكون بمثابة الرفاهية مقارنة بما يمكن أن يحدث.