في خطوة تصعيدية وصفها البعض بـ”الانقلاب”، سيطرت القوات التابعة لرئيس حكومة “الإنقاذ” المنبثقة عن المؤتمر الوطني السابق – المنتهية ولايته- ، خليفة الغويل على مقار عدة وزارات وهيئات تابعة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، المعترف بها دوليًا، في مدينة طرابلس.
تأتي هذه العملية في الوقت الذي يجري فيه السراج مباحثات في القاهرة بشأن الدعم المصري السياسي والعسكري لحكومته لإنهاء الأزمة السياسية، وتعزيز الإستقرار في بلاده، كما أنها تتزامن مع ما أثير بشأن نزول قوات إيطالية في بعض الأراضي الليبية في سرية تامة، ليبقى السؤال قائمًا: هل ليبيا على موعد مع انقلاب جديد أم مجرد احتجاجات مؤقتة ضد ما آلت إليه الأوضاع في البلاد منذ تنفيذ اتفاق”الصخيرات”؟
السيطرة على مقار حكومة الوفاق
عبر قناة التناصح الفضائية، التابعة لدار الإفتاء بطرابلس، مساء أمس الخميس، أعلن رئيس حكومة الإنقاذ، خليفة الغويل، سيطرته رسميًا على بعض المقار التابعة لحكومة الوفاق الوطني، مشيرًا إلى أن الاتفاق السياسي في «حكم الملغي».
وفي بيان له حول أسباب هذه الخطوة، قال الغويل إن حكومته استعادت السيطرة على وزارات الدفاع والعمل والجرحى والعدل والاقتصاد، موضحا أنه سيمنع ظهور أي تجمعات مسلحة بالعاصمة إلا بأمر من غرفة الطوارئ بالعاصمة.
رئيس حكومة “الإنقاذ” – المنتهية ولايته- برر سيطرته على بعض المقار الحكومية، وعدم التزامه باتفاق الصخيرات، بأن الاتفاق لم يوصل الشعب والبلاد إلى أية حلول، وبهذا يكون الاتفاق السياسي في حكم الملغي، على حد قوله، منددا بشدة تصريحات رئيس الأركان الإيطالي بخصوص تحرير سرت.
طالب “الغويل ” بإنشاء جيش ليبي موحد لحماية البلاد من الكتائب المسلحة في طرابلس وغيرها، مشددأ في بيانه على أن الشرطة والجيش هما الوسيلتان الوحيدتان لتحقيق الأمن العام وحل الأزمات الاقتصادية فى ليبيا
وبحسب “العربية” فإن المجموعة المسلحة التي تأتمر بأوامر أحد أعضاء مجلس النواب المقاطعين، احتلت المبنى لتحوله لمقر للنواب المقاطعين، وعدد آخر من النواب الداعمين للاتفاق السياسي، حيث يشار إلى أن عضو مجلس النواب المقاطع لجلساته محمد الرعيض كان قد أعلن عبر وسائل إعلام محلية يوم الأربعاء عن قرب عقد جلسة كاملة النصاب للنواب في مدينة طرابلس، دون أن يدلي بالمزيد من التفاصيل.
وبحسب بعض المصادر فقد طالب “الغويل ” بإنشاء جيش ليبي موحد لحماية البلاد من الكتائب المسلحة في طرابلس وغيرها، مشددأ في بيانه على أن الشرطة والجيش هما الوسيلتان الوحيدتان لتحقيق الأمن العام وحل الأزمات الاقتصادية فى ليبيا، مؤكدًا طرح مبادرة لتشكيل حكومة وحدة وطنية لا تستثنى أحدا، كما أن اتفاق الصخيرات لم ولن يوصل ليبيا للحل الشامل، وأن المجلس الرئاسى الليبى يعانى من انقساما داخليا بين أعضائه، على حد قوله.
فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني
قوات إيطالية سرية
تتزامن خطوة حكومة الإنقاذ مع ما أثير بشأن نزول وحدات من القوات الإيطالية في طرابلس بصورة سرية، وهو ما أثار احتجاج الحكومة الليبية المؤقتة في البيضاء شرقي البلاد، حيث أصدرت بيانًا شديد اللهجة، واصفًة ما حدث بـ”الاحتلال الصريح والتدخل السافر في الشأن الداخلي الليبي” متوعدة بالرد والمقامة من كافة الليبيين.
ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن البيان قوله إن الحكومة الليبية المؤقتة تفاجأت “بنزول وحدات من القوات الإيطالية في العاصمة طرابلس، وبمعلومات أخرى تشير إلى وجود أكثر من ألف جندي أمريكي دخلوا خلسة ومتمركزين في إحدى ضواحي العاصمة”.
البيان دعا حكومة إيطاليا إلى الإلتزام بالقوانين الدولية، وإحترام سيادة ليبيا، محملا إياها المسؤولية الكاملة جرًاء تواجد هذه القوات، وما سوف ينجم عنه من “ردود فعل شعبية يكون ضحيتها الزج بجنود وشباب في أتون حرب مع شعب ضاق الأمرين من إيطاليا وهزمها وسيهزمها … لأنه يدافع عن شرفه وأرضه”.
وأنتهى البيان باتهام المجتمع الدولي بعدم الرغبة في إيجاد تسوية للأزمة الليبية، جرًاء الصمت حيال هذه الممارسات، ما يعكس رغبة حقيقية في إعادة استنساخ النموذج العراقي في ليبيا، ماقد يدخل الملايين من الليبيين وأجوارهم في آتون من الحرب التي لن تنتهي.
وكان مجلس النواب الليبي أصدر بيانا في وقت سابق دان فيه ما وصفه بدخول بوارج إيطالية محملة بالأسلحة والجنود إلى المياه الإقليمية الليبية، وطالب الحكومة الإيطالية بسحب قواتها على الفور.
تكليف وحدات من الجيش بالتصدي
وفي أول رد فعل رسمي على هذه الخطوة، عقدت إدارة التواصل بحكومة الوفاق الوطني اجتماعًا طارئًا للإدارات العسكرية، والأجهزة الأمنية في طرابلس بمقر ديوان رئاسة الوزراء لحكومة الوفاق الوطني، ضم وزير الدفاع العقيد المهدي البرغثي، ورئيس الحرس الرئاسي العميد نجمي الناكوع، وممثلين عن رئاسة أركان القوات البرية، ومنطقة طرابلس العسكرية، وغرفة عمليات تأمين طرابلس، حيث كلًف المجلس الرئاسي للحكومة، وحدات من الجيش الليبي، بالتصدي للقوات الداعمة لـ “الغويل” التي اقتحمت عددا من مقرات الوزارات بالعاصمة طرابلس.
كلًف المجلس الرئاسي للحكومة، وحدات من الجيش الليبي، بالتصدي للقوات الداعمة لـ “الغويل” التي اقتحمت عددا من مقرات الوزارات بالعاصمة طرابلس.
عناصر من الجيش الليبي
ليست الأولى
محاولة سيطرة حكومة “الإنقاذ” – المنتهية ولايتها- على مقرات حكومة “الوفاق الوطني” لم تكن الأولى، فقد سبقتها محاولات عدة كان آخرها ماحدث في الخامس عشر من أكتوبر من العام الماضي، حين أعلنت مجموعة من أفراد الأمن الرئاسي المكلفين سيطرتها على قصور الضيافة (مقر المؤتمر الوطني سابقًا، مجلس الدولة حاليًا) في طرابلس.
وقد وصف الخبراء والأمنيون حينها ماحدث بـ”الانقلاب” و “الانشقاق” إلا أن خليفة الغويل، رئيس حكومة “الإنقاذ” قد أعلن فور ذلك أنه لم يقتحم قصور الضيافة، بل دخلها «وفقًا لإرادة الثوار الذين رأوا أن مجلس الدولة وفق اتفاق الصخيرات لا صلاحيات له».
وبرر أفراد الحرس الرئاسي تحركهم بما وصفوه «انحياز حكومة الوفاق إلى الانقلابيين»، معتبرين أن «الاتفاق السياسي الذي تم التوقيع عليه في الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015، جاء لترجيح كفة الانقلابيين وإعادة الحكم العسكري للديكتاتوريين».
قمة تونسية جزائرية مصرية
عربيًا، حذر أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، من أي تصعيد عسكري في ليبيا، من شأنه التأثير في الأمن والاستقرار، داعيًا الى العمل في ذات الوقت على لم الشمل الليبي، وذلك خلال لقائه فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي الليبي، الذي يزور القاهرة حاليًا لبحث سبل حل الأزمة ودعم الاستقرار،كما أفاد بيان عن الأمانة العامة للجامعة أن المحادثات تناولت أيضاً اتصالات المجلس الرئاسي مع مجلس النواب في طبرق ورئيسه وكافة الأطراف السياسية الفاعلة من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة.
ويذكر أنه في الأيام الأخيرة خرجت بعض المبادرات العربية التي تسعى إلى محاولة لم الشمل الليبي من خلال الجلوس على مائدة المفاوضات، كان آخرها المبادرة التي طرحها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، والذي دعا إلى عقد قمة ثلاثية تجمعه والرئيسين المصري والجزائري ، بهدف البحث في إيجاد تسوية للأزمة الليبية، بخاصة في ظل التحركات الاقليمية والدولية المتسارعة، لوضع أفق حل لما تشهده الساحة الليبية من صراعات.
حذر أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، من أي تصعيد عسكري في ليبيا، من شأنه التأثير في الأمن والاستقرار، داعيا الى العمل في ذات الوقت على لم الشمل الليبي
تأتي مبادرة السبسي بالتزامن مع ما أشار إليه المبعوث العربي إلى ليبيا السفير صلاح الدين الجمالي، الذي أكد في أعقاب اجتماع المندوبين الدائمين في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة، الذي عقد مؤخرا، أن دول الجوار تقوم بالتنسيق فيما بينها لعقد اجتماعات مشتركة حول الأزمة الليبية؛ مشيرا إلى أن مبادرة الرئيس التونسي يسبقها اجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث، وأن الدور العربي والاقليمي والجماعي يعطي زخما للجهود التي تقوم بها بعض الدول منفردة أيضا، وأوضح أنه سوف يتم قريبا تحديد زمان ومكان القمة العربية الثلاثية حول ليبيا… وألمح الجمالي إلى أنه قد يزور ليبيا الأسبوع المقبل في جولة تشمل طرابلس وبنغازي.
مماسبق يتضح أن مستقبل “اتفاق الصخيرات” بات على المحك، وأن الإطاحة به أو تعديله أصبح مسألة وقت، وهو ما كشفته تصريحات “الغويل” التي تضمنها بيانه الآخير، ومن ثم فكل الاحتمالات الآن مفتوحة، مابين العودة إلى مائدة المفاوضات من جديد، حيث المربع رقم (1) لتشكيل حكومة وطنية متوافق عليها، وبين الدخول في مستنقع من الصدامات الدموية التي يدفع الشعب الليبي ثمنها وحده، وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة.